قرار المحكمة الأميركية العليا يشعل الصراع السياسي قبيل الانتخابات النصفية

بعدما وضع قرار المحكمة الأميركية العليا حظر الإجهاض الولايات المتحدة، من بين 3 دول فقط في العالم تفرض قيوداً على الإجهاض، يُتوقع أن تتحول القضية إلى واحدة من أكثر القضايا سخونة في الانتخابات النصفية التي ستجري في الخريف المقبل، وسط استعدادات سياسية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لاستغلالها كل لمصلحته.
الرئيس الأميركي جو بايدن، في كلمته للأميركيين مساء الجمعة، وصف قرار المحكمة بـ«خطأ مأسوي» نابع من «آيديولوجيا متطرفة»، وعدّه «يوماً حزيناً للمحكمة والبلد»، داعياً الأميركيين إلى الدفاع عن الحق في الإجهاض خلال انتخابات الخريف المقبل. وأضاف بايدن أن «صحة وحياة النساء في هذه الأمة في خطر الآن»، محذراً من أن حقوقاً أخرى قد تتعرض للتهديد مستقبلاً، مثل الزواج المثلي ووسائل منع الحمل.
أميركا محرجة أمام العالم
بيد أن موقف بايدن لم يكن وحيداً، حيث عمد العديد من الوزراء في إدارته إلى الإعلان عن مواقف رافضة لقرار المحكمة، وخصوصاً من وزيري الخارجية والدفاع، نظراً إلى انعكاساته على العاملين والموظفين في هاتين الوزارتين، والإحراج الذي تسبب به لصورة الولايات المتحدة، داخل البلاد وخارجها.
وأصدر وزير الخارجية أنتوني بلينكن بياناً قال فيه، إنه عادة ما يتجنب التعليق على قرارات المحكمة العليا «لكن قرارها إلغاء حق الإجهاض، أثار أسئلة ومخاوف مفهومة في جميع أنحاء العالم وداخل القوى العاملة لدينا... لكي أكون واضحاً، ستظل الخارجية في ظل هذه الإدارة ملتزمة تماماً بالمساعدة في توفير الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية وتعزيز الحقوق الإنجابية في جميع أنحاء العالم. وستبذل هذه الإدارة كل ما في وسعها لضمان حصول جميع موظفينا على خدمات الصحة الإنجابية، أينما كانوا، ولن نتراجع عن هذا الالتزام».
وزير الدفاع لويد أوستن قال في بيان: «ليس هناك ما هو أكثر أهمية بالنسبة لي أو لهذا القسم من صحة ورفاهية أعضاء خدمتنا والقوى العاملة المدنية وعائلات وزارة الدفاع... أنا ملتزم برعاية شعبنا وضمان جاهزية ومرونة قواتنا، ونقوم بفحص هذا القرار عن كثب وتقييم سياساتنا لضمان استمرارنا في توفير وصول سلس إلى رعاية الصحة الإنجابية على النحو الذي يسمح به القانون الفيدرالي». ووصف زعماء العالم والمدافعون عن حقوق الإجهاض الحكم بأنه «مروع ومرعب». وتجمعت بعض الحشود الاحتجاجية في مدن من بينها لندن وباريس وإدنبرة.
وبعد دقائق فقط من الحكم، كتبت رئيسة الوزراء الأسكوتلندية نيكولا ستورجون على «تويتر»: «أحد الأيام الأكثر ظلمة بالنسبة لحقوق المرأة في حياتي».
كما وصف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو القرار بأنه «مروع»، قائلاً: «لا ينبغي على أي حكومة أو سياسي أو رجل أن يخبر المرأة بما يمكنها فعله وما لا تستطيع فعله بجسدها».
وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على «تويتر»: «الإجهاض حق أساسي لجميع النساء. أعبر عن تضامني مع النساء اللواتي طعنت المحكمة العليا الأميركية في حرياتهن».
وقالت أكثر من 100 منظمة رعاية صحية عالمية، في بيان، الجمعة، إن الولايات المتحدة «لا تتماشى مع التزام المجتمع الدولي بالنهوض بحقوق الإنسان».
ورغم أن استطلاعات الرأي كانت قد أظهرت معارضة أكثر من 60 في المائة من الأميركيين إلغاء ما يعرف بقرار «رو ضد وايد»، الذي يعطي الحق للمرأة في الإجهاض الصادر عام 1973. ألغت المحكمة العليا الأميركية التي يهيمن عليها المحافظون القرار، لتسمح للولايات بالحق في تقييد الأمر كما كان سائداً قبل السبعينات. وهو ما تسبب بموجة صادمة في البلاد.
وأعلنت المحكمة أن «الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض... تعاد سلطة تنظيم الإجهاض إلى الناس وممثليهم المنتخبين».
وعلى الفور، تفاعلت الولايات الأميركية بشكل متفاوت مع قرار المحكمة العليا، حيث خرجت مظاهرات واحتجاجات في عدد منها، مقابل مظاهرات مؤيدة له، وخصوصاً في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون. وتوقعت العيادات التي تقدم خدمات الإجهاض في بعض الولايات التي تتيح الإجهاض زيادة في أعداد النساء خاصة من خارج الولاية، وفق تقارير إعلامية عدة. وهناك 22 ولاية يسيطر عليها الجمهوريون، لديها قوانين جاهزة لحظر عمليات الإجهاض، ستبادر إلى تطبيقها بعد صدور قرار المحكمة العليا، مقابل 16 ولاية يسيطر عليها الديمقراطيون، لديها قوانين تحمي الحق بالإجهاض. في حين أن الولايات الباقية، التي ليس لديها هذا القانون، يستعد المشرعون فيها لإقرار قوانين تقيد الإجهاض أو تحميه.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فإن بعض العيادات اتخذت إجراءات فردية فور صدور القرار، كما حصل في ولاية تكساس، رغم أن قانون حظر الإجهاض الذي أصدرته الولاية قبل أشهر، لن يدخل حيز التنفيذ قبل أسابيع، فإن عيادات تنظيم الأسرة أوقفت عمليات الإجهاض الجمعة. ويسمح قانون تكساس بحظر عمليات الإجهاض، حتى لو كان ناتجاً عن الاغتصاب أو سفاح القربى، ويتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في غضون 30 يوماً بعد قرار المحكمة العليا.