بلدية بيروت تُشمع موَلّد مسرح «دوار الشمس» وتغرقه بالعتمة

تدخل وزير الثقافة يُهدئ الغضب

رئيس جمعية «شمس» الممثل فادي أبي سمرا
رئيس جمعية «شمس» الممثل فادي أبي سمرا
TT

بلدية بيروت تُشمع موَلّد مسرح «دوار الشمس» وتغرقه بالعتمة

رئيس جمعية «شمس» الممثل فادي أبي سمرا
رئيس جمعية «شمس» الممثل فادي أبي سمرا

حتى اللقاء مع وزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى، كان جو مشحون يملأ النفوس. يحمل رئيس جمعية «شمس» الممثل والمسرحي فادي أبي سمرا، على عاتقه إنقاذ حيز ثقافي مهدد. يُطلع الوزير على فداحة ما ترتكبه بلدية بيروت بحق الباقي من روح المدينة. وبأنه من غير المسموح دق مسمار في نعش الأمل. يستنكر الوزير ويُطلق وعداً بالحلحلة. تنقل أجواء الاجتماع رفضه أن يغرق مسرح «دوار الشمس» بالعتمة بعد قرار البلدية ختم مولده الكهربائي بالشمع الأحمر.
لم يهدأ فادي أبي سمرا منذ انطفاء أضواء المسرح وتوقف العروض. أول ما فعله هو اللجوء إلى «فيسبوك»، وبنحو أربعة «بوستات» استغاثة انتشر الخبر. سرعان ما بدأ هاشتاغ «أنقذوا مسرح دوار الشمس» ينتشر على صفحات المهتمين. والتكاتف شكل حالة مؤثرة في وتيرة الاستجابة. يطلع أبي سمرا «الشرق الأوسط» على القصة كاملة. فقد وردت البلدية شكوى تعترض على وضعية مولد المسرح، وأتى عناصرها للكشف و«فعل اللازم». في تقييمهم، «المواصفات غير مطابقة». إذن، ما الحل؟ رد. بحسرة: «وضعوا دفتر شروط تبلغ تكاليفه نحو 14500 دولار ثمن فلتر أوروبي وخزان ومطالب أخرى. شروط من سويسرا أو السويد».
المبلغ سوريالي. ترتفع نبرته وهو يطلق الصرخة: «تأمينه مستحيل. أوشكنا على إقفال المسرح حين عجزنا عن تسديد الإيجار وأتعاب الموظفين، بعد أزمة (كوفيد - 19) والثورة. لولا مساعدة جمعيتَي (آفاق) و(المورد)، لما استطعنا تأمين إيجاره لسنة. كنا أمام احتمال الإقفال القسري، ونجونا، فإذا ببلدية بيروت تغرقنا في الظلمات».
الوضع مزرٍ. مَن تتكرم عليه الدولة، تمنحه ساعة كهرباء أو اثنتين من 24 ساعة. اقترح المسرح تأمين البلدية الفلتر المطلوب وفق المواصفات البيئية العالمية، فيسدد المبلغ بالتقسيط إن تعذر الحصول على مساعدة جهة مانحة. ذلك بعدما رُفض تركيب فلتر وطني رأى عناصرها أنه لا يحد من التلوث. إسكات الضوء ليس الحل الأذكى.
يتساءل المسرحي يحيي جابر في صفحته «الفيسبوكية»: «ماذا تبقى من مواصفات العاصمة؟ ماذا تبقى من مواصفات الحياة؟ المسرح شمعة حمراء أخيرة في عتمة بيروت». ليس تبريراً للمخالفة، إشارة فادي أبي سمرا إلى أن مولدات المنطقة جميعها غير مطابقة للمواصفات، وتعمل حتى من دون فلتر وطني. «دخان أسود ولا اعتراض». هذه مرارة يبتلعها كل لبناني. من هنا، يُذكر الممثل وسام حنا في تغريدة ساخرة بـ«المواصفات العالمية في مطمر الكوستابرافا، ودواخين الزوق، ومكبات برج حمود»، كلها موت بموت.
ويتألم الممثل والمسرحي بديع أبو شقرا، على «المسرح الغارق في العتمة»، وبالسخرية ذاتها يتساءل: «البلد بأكمله يطابق المواصفات العالمية؟ وإن كان لا بد من تطبيق القانون، لِمَ المباشرة بالمسرح؟ هل لأنه الحلقة الأضعف وبلا دعم؟». وتنتقد المسرحية عايدة صبرا «الفكر الإلغائي لكل ما يعطي أملاً»، وتتساءل بدورها عن «إهدار بلدية بيروت أموالاً لا تجد من المهم صرفها على دعم مشاريع ثقافية مستدامة وإحياء المسرح الوطني».
حين استفهم أبي سمرا عن ازدواجية معايير المراقبة، ولِمَ المسرح هو المقصود وما حوله مخالفات بالجملة، أتاه الجواب: «لم يشتكِ أحد»! يختصر الأسى في بلد تسير حياته وفق مزاج مولد الكهرباء: «مسرح من دون إضاءة هو مسرح مقفل». كان ظنه أن محافظ بيروت مروان عبود، سيجد حلاً بعد تدخل وسطاء لكف المصير الأسود عن المسرح. وحين لم يراجعه أحد، استنتج أن المسألة حُلت. يعود بالزمن أشهراً إلى الوراء وهو يُخبر عن رجائه بأن يفعل أحد شيئاً حيال تردد عناصر البلدية إلى المسرح والتلويح بتشميع المولد. في النهاية، اعتمدت أبشع الخيارات.
بانتظار الحل بعد الاجتماع مع وزير الثقافة، لم يستبعد فادي أبي سمرا احتمال التصعيد: «اعتصامات وتسجيل موقف بأعلى صوت. لن نسكت. إقفال المسرح ممنوع».
توقفت العروض في «دوار الشمس» نهائياً جراء الظروف، ليعود إلى الحياة قبل مدة. يقول أبي سمرا: «نحن جمعية غير ربحية، لا مداخيل لنا على الإطلاق. وفي مرحلة سابقة، أخذتُ التكاليف على عاتقي لئلا نضطر للإقفال. رفعنا الصوت بأن الوضع لم يعد يُحتمل والديون تتراكم. لا نملك تسديد إيجار المكان وكلفته، ولا بدل جهود الموظفين. تدخل (آفاق) و(المورد) سنَدَ وساعد. بدأت الحجوزات تتوالى، إلى أن طرأت كارثة المازوت لتشغيل المولد. الكلفة عالية جداً، وثمن الساعة يبلغ مليوناً ونصف مليون ليرة لبنانية. هذا المأزق يُضاعف الحيرة حول تسعير البطاقات. المشكلة تجر مشاكل، كأن النفق مسدود».
يكاد رئيس جمعية «شمس» يُصاب بالإحباط من انتظار مساعدات وزارات الثقافة. يخبرنا أنه يتقدم بطلبها سنوياً منذ 15 عاماً والتجاوب شبه معدوم. ومن ثَم وجه الاستغاثة إلى جمعيات أوروبية تساعد بتغطية الكلفة. بأسف يقول إن جدول عروض هذا الشهر مُرجأ حتى إشعار آخر من دون كهرباء. يجعله جنون المازوت يسأل أصحاب المسرحيات عن إمكان تسديد بعض ثمنه، من دون مطالبتهم ببدل إيجار باهظ. الحبل على العنق، يخنق المدينة.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)
ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)
TT

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)
ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)

مع انطلاق فعاليات الدورة الـ17 من «ملتقى الأقصر الدولي للتصوير» في مصر، الاثنين، بدأ الفنانون المشاركون في التفاعل مع فضاء مدينة الأقصر (جنوب مصر) بحضارتها العريقة وطبيعتها المُشمسة، استعداداً للبدء في تنفيذ أعمالهم من وحي روح المدينة القديمة.

الملتقى الذي يقام تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية وينظمه صندوق التنمية الثقافية، يواصل أعماله حتى السابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويقول الفنان المصري ياسر جعيصة، القوميسير العام للملتقى، إن «دورة هذا العام يشارك فيها 25 فناناً من مصر ومختلف دول العالم، منهم فنانون من سوريا، والأردن، والسودان، وقطر، واليمن، والولايات المتحدة، والهند، وبلغاريا، وروسيا، وألبانيا، وبولندا، والسنغال».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لم يتم تحديد ثيمة معينة ليعمل عليها الفنانون المشاركون في الملتقى؛ إذ نهدف إلى أن يلتقط كل فنان روح مدينة الأقصر بأسلوبه الفني الخاص وأسلوبه في التفاعل معها بشكل حُر، دون تقيّد بثيمة أو زاوية مُحددة، سواء كان التفاعل بطبيعتها، أو بوجهها الأثري، أو الخروج بانفعال فني ذاتي، وهذا يمنح للأعمال فرصة الخروج بصورة أكثر تنوعاً كنتاج للملتقى».

ويتابع: «بالإضافة إلى ذلك، فهناك اهتمام هذا العام بخلق حوار مع مجتمع مدينة الأقصر، عبر تنظيم أكثر من فعالية وورش عمل بين الفنانين والأطفال والأهالي لخلق حالة أكبر من التفاعل الفني».

عدد من الفنانين المشاركين في ملتقى الأقصر للتصوير (قوميسير الملتقى)

ومع اليوم الأول لانطلاق الملتقى بدأ الفنانون في الاندماج مع المدينة من خلال ورش عمل متخصصة، منها ورشة للفنان الهندي هارش أجراول الذي نظم ورشة عمل باستخدام خامة «الأكواريل» المعروف بتميزه في التعامل معها فنياً، وهي ورشة استقبلت عدداً من طلاب كلية الفنون الجميلة من قسم التصوير بالأقصر الذين سيحضرون على مدار أيام الملتقى للتفاعل مع الفنانين بشكل مباشر والاستفادة من خبراتهم الفنية، وفق القوميسير.

ويعتبر الدكتور وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية في مصر، عضو اللجنة العليا للملتقى، أن «ثمة تغييرات تم استحداثها في برنامج الملتقى للخروج بنسخة مميزة لدورة هذا العام»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «توفير أفضل الظروف للفنانين من خامات، وإطالة مدة الجولات الفنية الخارجية داخل المدينة، والرسم في المواقع المفتوحة والأثرية... كان من أبرز الأفكار والموضوعات التي يسعى لتفعيلها قوميسير الملتقى ياسر جعيصة خلال تلك الدورة، في محاولة أن تخرج أعمال الملتقى أكثر انسجاماً وتعبيراً عن روح مدينة الأقصر».

ومن المنتظر أن تُعرض أعمال الملتقى في اليوم الختامي بمحافظة الأقصر، على أن يتم تنظيم عرض خاص آخر لها بالقاهرة مطلع العام المقبل.

ويرى الفنان طارق الكومي، نقيب الفنانين التشكيليين بمصر، عضو اللجنة العليا للملتقى، أن «ملتقى الأقصر مناسبة لتبادل الخبرات بين الجنسيات والأجيال المختلفة، وكذلك مناسبة لتقديم حدث تشكيلي مميز للمجتمع الأقصري وزوار المدينة، واستلهام الفنانين لعالم فني مُغاير يستفيد من عناصر مدينة الأقصر وتاريخها العريق»، وفق تصريحاته لـ«الشرق الأوسط».

وتعد مدينة الأقصر من أبرز الوجهات السياحية العالمية التي تضم مواقع أثرية وثقافية بارزة منها: معبد الأقصر، ومعبد الكرنك، ومقابر وادي الملوك، ووادي الملكات.