إيمانويل ماكرون... من حاكم مطلق إلى باحث عن حلفاء وتسويات

نتائج الانتخابات النيابية في فرنسا تعيد خلط الأوراق

جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
TT

إيمانويل ماكرون... من حاكم مطلق إلى باحث عن حلفاء وتسويات

جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)
جان لوك ميلونشون زعيم كتلة «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» (رويترز)

دخلت فرنسا، منذ ليل الأحد - الاثنين الماضي، عند ظهور نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، في منطقة من المطبات الهوائية العنيفة التي عنوانها فشل الرئيس إيمانويل ماكرون ومعه كتلته النيابية في الحصول على الأكثرية النيابية المطلقة في البرلمان الجديد في واقعة هي الأولى من نوعها منذ العام 1988. اللافت بالنسبة لماكرون أن فشله يأتي بعد أقل من شهرين على إعادة انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات. وللتذكير، فإنه منذ اعتمد تعديل مدة الولاية الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات، حددت الانتخابات التشريعية مباشرة بعد الرئاسية. وكان الهدف من ذلك توفير نوع من الاستقرار السياسي وتسهيل عمل المؤسسات بحيث يستفيد الرئيس المنتخب حديثا من الديناميكية الرئاسية للحصول على أكثرية نيابية تضمن له تنفيذ برنامجه الانتخابي وتساعده على استصدار القوانين التي يريدها بالاعتماد على أكثرية صلبة. لكن ما حصل أن ماكرون فشل في الاستفادة من هذه القاعدة غير المكتوبة، ومع أن حزبه «الجمهورية إلى الأمام» - الذي غير اسمه إلى «النهضة» - حصل منفردا على أكبر عدد من المقاعد (175 نائباً) وأن تكتله النيابي حصد 250 مقعداً ليحتل المرتبة الأولى، فإن ماكرون يجد نفسه في حالة دونية لأن عليه البحث عن أصوات إضافية لدى الكتل والأحزاب الأخرى ليتمكن من تسيير أمور الدولة. وليس سراً لأحد أن على الرئيس الفرنسي أن «يدفع الثمن» السياسي ولا شك أنه سيكون مرتفعا. ومن هنا، جاءت مسارعته، بعد يوم واحد من إعلان النتيجة التي بينت عن حصوله على أكثرية نسبية - وبالتالي حاجته إلى دعم ما لا يقل عن 45 نائبا لضمان الأكثرية المطلقة - إلى إجراء جولة واسعة من المشاورات شملت مختلف رؤساء الأحزاب بحثا عن مخارج سياسية لتجنب شلل المؤسسات ولانعدام الاستقرار السياسي... وباختصار، إنقاذ ولايته الثانية.
خلال العقود التي مرت على قيام الجمهورية الخامسة في فرنسا عام 1958 على يدي الجنرال شارل ديغول، كانت اللعبة السياسية - البرلمانية واضحة القواعد: كانت هناك أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وكان الحكم متداولا بين اليمين واليسار. بيد أنه مع وصول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه الرئاسي، تغيرت اللعبة لأنه أراد تخطي الأحزاب فاختلط الحابل بالنابل، ونجح طيلة خمس سنوات، في جمع الأضداد في حزبه وحكومته وأكثريته بحيث غابت الخطوط الفاصلة التقليدية. وكانت نتيجة ذلك ضمور اليمين الذي أعطى فرنسا، منذ قيام الجمهورية الخامسة، خمسة رؤساء، وأيضاً ضمور اليسار الاشتراكي الذي أوصل رئيسين إلى الإليزيه. ماكرون، لا هو من اليمين ولا من اليسار، بل وسطي تأرجح بين اليمين واليسار، اجتذب إلى صفه شخصيات من هذا وذاك مع ميل واضح إلى اليمين الليبرالي. وظهر ذلك في سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وفي الشخصيتين اللتين اختارهما لترؤس حكومات عهده الأول وهما إدوار فيليب ثم جان كاستيكس... والرجلان ينتميان إلى اليمين وتحديدا إلى حزب الجمهوريين.
في المقابل، وفر الوهن الذي أصاب الحزبين التقليديين بسبب سياسات ماكرون الفرصة للأحزاب الراديكالية كي يشتد عودها. وأبلغ دليل على هذا نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية حين حل ماكرون في المرتبة الأولى تتبعه مرشحة اليمين المتطرف وزعيمة حزب «التجمع الوطني» مارين لوبن ثم مرشح اليسار المتشدد وزعيم حزب «فرنسا المتمردة» جان لوك ميلونشون. ثم جاءت الانتخابات التشريعية لتثبت صورة المشهد السياسي حيث تتجاور ثلاث قوى: واحدة وسطية هي كتلة ماكرون التي تضم حزبه وثلاثة أحزاب رديفة تدور في فلكه، وقوتان على طرفي الخريطة السياسية هما كتلة اليسار «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» بزعامة ميلونشون، وكتلة اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن. الأولى حصدت 150 مقعدا موزعة على أطرافها الأربعة وأهمها «فرنسا الأبية» (84 مقعداً). والثانية أوصلت 89 نائبا إلى البرلمان، الأمر الذي يُعد حدثاً تاريخياً قياساً لما كان لديها في البرلمان السابق (ثمانية نواب).
اليمين المتطرف
لم يسبق للبرلمان الفرنسي في تاريخه أن شهد توزيعاً بهذا الشكل. ورغم أهمية النجاح الذي أحرزه ميلونشون في رص صفوف اليسار والبيئويين الذين تنافسوا في الحملة الرئاسية ما حرمه من الحلول في المرتبة الثانية والتنافس على الرئاسة مع إيمانويل ماكرون، فإن الظاهرة الأهم تكمن في القفزة التاريخية التي حققها اليمين المتطرف. هذا اليمين أوصل لوبن إلى الجولة الرئاسية الحاسمة بحصولها على 42 في المائة من الأصوات، ثم فاز بـ89 مقعدا في البرلمان الجديد رغم أن القانون الانتخابي القائم على دورتين وعلى أساس الدائرة الصغرى ليس الأكثر ملاءمة بالنسبة لـ«التجمع الوطني»: إذ أثبتت النتائج الأخيرة أن سير اليمين المتطرف إلى السلطة قائم ومتواصل، وأنه مع كل استحقاق انتخابي تشريعي أو رئاسي يتقدم خطوات. بل الأهم من ذلك، وفق المحللين السياسيين، أن ما يسمى «السقف الزجاجي» الذي كان يمنعه من تحقيق اختراقات سياسية قد تصدع. والسبب هنا أن «الجبهة الجمهورية» التي كانت تتشكل من اليمين واليسار كلما لاح في الأفق خطر اليمين المتطرف العنصري والمعادي للسامية وللمهاجرين قد تفككت بدورها.
في تفسير هذه النقلة التاريخية، اعتبر جان بيار ليفي من معهد «هاريس إنتراكتيف»، أن «تبدلاً عميقاً قد حصل في علاقة الفرنسيين مع حزب التجمع الوطني» الذي يطرح نفسه الآن حزب المعارضة الأول في مجلس النواب. ووصف الخبير السياسي جان - إيف كامو تقدم الحزب المذكور بـ«الصاروخي» ذلك أن حضوره لم يعد مقتصراً على «المناطق المؤيدة له، بل إنه تغلغل إلى مناطق ودوائر جديدة، وهو ما تعكسه الخريطة السياسية بحيث لم يعد محصوراً في الأرياف بل بات موجوداً في المدن الصغرى والمتوسطة. أما الخبير باسكال بيرينو فقد اعتبر أن «التجمع الوطني يتحول رويداً رويداً إلى حزب يتمتع بجذور محلية (...) وقد أصبح حامل لواء الانقسامات في المجتمع والمناطق».
تغييرات مارين لوبن
حقيقة الأمر أن القفزة الاستثنائية التي حققها «التجمع الوطني» تعود بالدرجة الأولى إلى سياسة «التطبيع» التي تنتهجها مارين لوبن لتغيير صورة حزبها، وطمس ما كان ينفر جميع الفرنسيين منه. وهي بذلك تفعل عكس ما فعله والدها جان ماري لوبن، أحد مؤسسي «الجبهة الوطنية» التي غيرت اسمها وأداءها وجددت كوادرها وركزت على المشاكل الحياتية للفرنسيين بدل المسائل الآيديولوجية. وها هي اليوم تطرح نفسها كالمعارضة الأولى لعهد ماكرون، مطالبة بنيابة رئاسة المجلس النيابي وبرئاسة اللجنة المالية وبكل ما يتيحه لها وضع حزبها كأكبر أحزاب المعارضة.
لقد تعلمت لوبن أن تبتسم وأن تتحدث بهدوء واتزان، ولكن من غير أن تغير شيئا في المفاهيم التي يدافع عنها حزبها الذي يبقى يمينياً متطرفاً معاديا للأجانب وللمهاجرين، ومندداً بالتطرف الإسلامي وبتراجع الأمن في البلاد وفشل الحكومات المتعاقبة في التصدي للهجرات غير الشرعية.
بل لعل مارين لوبن استفادت من وجود إريك زيمور، المرشح الرئاسي اليميني والشعبوي السابق الذي يتجاوزها في تطرفه ومواقفه بحيث إنها بدت «معتدلة» إلى جانبه. ورأى جيل إيفالدي، الخبير في برنامج التجمع الوطني الاقتصادي في المركز الوطني للبحث العلمي، في مقابلة إذاعية، أن ثمة ثلاثة تفسيرات لتقدم الحزب المتطرف: أولاها تنظيمه حملة خفية وبعيدة عن الأضواء ركزت على مواضيع تقع في صلب اهتمامات الفرنسيين مثل القدرة الشرائية والغلاء وما إلى ذلك، وثانيها اعتماد استراتيجية لمواجهة «شيطنته»، وثالثها اعتماده على كوادر جديدة تمكنت من ترسيخ وجودها المحلي.
لقد سعت لوبن إلى تقديم نفسها على أنها «مرشحة الشعب مقابل مرشح النخبة» (أي ماكرون) و«مرشحة فرنسا مقابل مرشح العولمة». والخلاصة أن «التجمع الوطني» أفلح في بلوغ هدفه الأول أي أن يتحول إلى حزب كبقية الأحزاب، وأن يخرج من التهميش... فيصبح لاعباً رئيساً على الخريطة السياسية، الأمر الذي سيضع عقبة كبيرة بوجه إيمانويل ماكرون. وإذا أضيف إلى ذلك وجود كتلة «الاتحاد الشعبي الجديد»، وخصوصاً نواب حزب ميلونشون «فرنسا المتمردة»، فهذا السيناريو كفيل بتحويل البرلمان إلى ساحة حرب دائمة بين مجموعتين، رئاسية من جهة ومعارضة من جهة أخرى، لا شيء يجمع بينهما.
عودة إلى الجمهورية الرابعة
ما يميز الجمهورية الرابعة في فرنسا عن تابعتها أن السلطة الحقيقية في الأولى كانت موجودة في البرلمان، الذي كان يقيم الحكومات ويسقطها بوتيرة مرتفعة. في حين أن مركز السلطة والقرار في الجمهورية الخامسة واقع في رئاسة الجمهورية.
خسارة ماكرون الآن للأكثرية المطلقة تفقده هذه السلطة إلى حد بعيد وتضعف موقعه في الداخل - والأرجح في الخارج أيضاً - وتحول عهده إلى عهد من المساومات المتواصلة بحثا عن أكثرية تقبل الوقوف إلى جانبه والتصويت لصالح مشاريع القوانين التي ستتقدم بها حكوماته المتعاقبة.
خلال السنوات الخمس المنقضية، مارس ماكرون الحكم «عمودياً»، بمعنى أن التوجيهات التي كان يطرحها كانت تترجم مشاريع قوانين تنقلها الحكومة إلى المجلس النيابي، الذي يتمتع بالكلمة الفصل في حال خلافه مع مجلس الشيوخ.
في المجلس الأول كان ماكرون يتمتع بأكثرية كاسحة لم تخذله مرة واحدة بل صوتت دائماً لصالحه. أما في المجلس الجديد، فإن الأمور ستختلف جذريا. إذ قال دومينيك روسو، أستاذ القانون الدستوري في جامعة بانثيون - سوربون لوكالة الصحافة الفرنسية: «ليس هناك تجديد لرئاسة قوية جدا» كما في ولاية ماكرون الأولى بل إن الولاية الجديدة «ستغلب عليها مفاوضات وتسويات برلمانية. لم يعد الأمر حكم رجل مهيمن إنما رئيس يعاني من نقص في الغالبية في الجمعية الوطنية». وخلاصته «نحن نتجه نحو ولاية سيعاد فيها تأهيل دور البرلمان. هذه هي ممارسة كل الدول الأوروبية الأخرى».
من جهة ثانية، يتعين على الرئيس الفرنسي الآن حل إشكاليتين مترابطتين: الأولى، أن يغير أسلوبه في الحكم الذي كان في الأغلب أحاديا وفوقياً، فيقبل أن تكون للمعارضة رؤيتها في إدارة شؤون فرنسا وللحلول المقترحة لمشاكلها. والإشكالية الثانية تتناول تعيين الجهة التي سيتمكن من التعاون معها للتغلب على عقبة افتقاره للأكثرية المطلقة.
منذ صبيحة الثلاثاء أطلق ماكرون، ليومين، جولة استشارات موسعة مع مختلف الأحزاب، لإيجاد حل مقبول لمعادلة تبدو عصية على الحل. وفُهم من تصريحات الذين التقاهم أن أحد السيناريوهات التي يفكر بها تشكيل «حكومة اتحاد وطني». غير أن هذا الخيار أجهضه، كل من جانبه، ولقي رفضا من كل الأطراف. ولكن وزير شؤون البرلمان أوليفيه فيران سارع إلى القول إن فهمه للمشروع الرئاسي هو أنه لا يشمل «التجمع الوطني» ولا حزب «فرنسا المتمردة» لأنهما في نظره «لا ينتميان إلى القوس الجمهوري» بسبب تطرفهما. ومن جانبه، دعا إدوار فيليب، رئيس الحكومة الأسبق، إلى بناء «أوسع تحالف» من شأنه توفير «إدارة مستقرة» لشؤون البلاد. وهو ما نادى به أيضاً - ولو بعبارات مختلفة - فرنسوا بايرو، رئيس حزب «الحركة الديمقراطية». وللعلم، فيليب وبايرو حليفان لماكرون وحزباهما جزء من كتلته السياسية «معاً». ومع استبعاد اليمين المتطرف واليسار المتشدد لا يبقى في الميدان أمام ماكرون سوى مجموعة نواب اليمين الكلاسيكي من التابعين لحزب الجمهوريين، وتضم هذه المجموعة مع حليفها «اتحاد الديمقراطيين والمستقلين» 64 نائبا.
الساعات القليلة الماضية
خلال الساعات القليلة الماضية، كانت الاتصالات على أشدها لمحاولة إيجاد مخارج للأزمة السياسية التي يمكن أن تتحول إلى أزمة مؤسسات ونظام. ويبدو اليوم بوضوح أن أمام الرئيس ماكرون احتمالين لا ثالث لهما: إما أن ينجح في إقناع مجموعة نواب اليمين الكلاسيكي بالدخول مع تكتله في ائتلاف حكومي يجري التفاوض على شروطه بين الطرفين، على غرار ما هو حاصل في ألمانيا مثلا، بحيث يكون الرابط بين المجموعتين الالتزام بمضمون الاتفاق... أي السياسات التي ستنفذها الحكومة للسنوات الخمس القادمة. إلا أن التوصل إلى اتفاق كهذا له ثمن على ماكرون دفعه إن عن طريق توزير شخصيات من الجمهوريين أو عن طريق الانفتاح على قبول التعديلات التي يطرحها شريكه المفترض على السياسات الحكومية. والحل الثاني يقوم على السعي لإيجاد أكثرية متحركة أو متغيرة وفق الحاجة، إن لدى اليمين أو اليسار، وبحسب مشاريع القوانين المعروضة.
وفي هذا السياق، يمكن تصور أن نواب حزب الجمهوريين أو الحزب الاشتراكي، أو حتى «الخضر» - الذين يتمتعون بثقافة الحكم الذي مارسوه لسنوات - يمكن أن يقبلوا التصويت لصالح مشاريع قوانين محددة تقترحها الحكومة إذا وجدوا أنها تتوافق مع توجهاتهم. وبكلام آخر، ستكون الحكومة مضطرة في جميع مشاريعها، إلى التفاوض والمهادنة، وأن تتوجه أحياناً إلى نواب اليمين وأحياناً أخرى إلى نواب اليسار... كما فعل رئيس الحكومة الاشتراكي الأسبق ميشال روكار ما بين العامين 1988 و1991.
ليل الأربعاء - الخميس، توجه ماكرون بكلمة متلفزة للفرنسيين بعد أن أنجز مشاوراته مع مختلف الأحزاب. وخلاصة ما جاء فيها ثلاثة أمور:
- الأول، دعوة القوى السياسية لتحمل مسؤولياتها وقبول التوصل إلى «حلول وسط» للخروج من الأزمة.
- الثاني، طرح المخارج الممكنة، وهي ثلاثة: تشكيل حكومة وحدة وطنية وقد استبعده، أو التوصل إلى إنشاء ائتلاف حكومي، وآخرها «العمل على القطعة» أي القبول على التصويت الإيجابي على مشاريع قوانين محددة وعلى الميزانية وغير ذلك.
- الثالث، أعطى ماكرون القوى السياسية مهلة 48 ساعة للرد عليه معترفا بالحاجة «للعمل بشكل مختلف» عما حصل في السنوات الماضية. لكنه نبه، في الوقت عينه، إلى عزمه «عدم فقدان تماسك المشروع» الذي حمله مجددا إلى رئاسة الجمهورية، بمعنى أنه سيتعين على القوى الأخرى الالتحاق به لأن تكتله يشكل القوة الأولى في البرلمان الجديد.
الرد جاء سريعاً وفاتراً على المقترح الرئاسي، ولم يعرب أحد عن استعداده للمشاركة في ائتلاف حكومي، بينما لم يغلق الباب أمام التعاون حول مشاريع قوانين معينة انطلاقا من مبدأ المحافظة على مصلحة الفرنسيين. وحتى الساعة، تبدو الصورة ضبابية. إذ بغض النظر عن أقصى طرفي الخريطة السياسية - أي «التجمع الوطني» و«فرنسا المتمردة» - ثمة مواقف تبدو قابلة للتبدل. فداخل مجموعة نواب الجمهوريين، هناك خطان، الأول رافض للدخول في ائتلاف حكومي مع ماكرون، والثاني راغب فيه رغم أن الموقف «الرسمي» للحزب المذكور يقول إنه «معارض»، وأنه «لن يشكل سترة نجاة» لرئيس الجمهورية. الخط الميال للتعاون يشدد على أن مواقف الطرفين السياسية والاقتصادية والأمنية ليست متباعدة. وكانت رئاسة الحكومات الماكرونية المتعاقبة في أيدي اليمين، ثم إن أبرز وزيرين في حكومته الحالية - وهما وزيرا الاقتصاد والمالية برونو لومير وجيرالد درامانان - كانا عضوين في حزب الجمهوريين قبل أن يجتذبهما ماكرون. وثمة وزراء آخرون جاءوا أخيراً من اليمين إلى حضن ماكرون أشهرهم داميان آباد، وزير شؤون المُعاقين الذي كان رئيس مجموعة النواب الجمهوريين في البرلمان السابق.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،