رحيل حسن عبد الله شاعر الطفولة والأمهات الذي لم يتزوج

ترك خلفه عشرات الرسومات والقصص غير المنشورة

حسن عبد الله
حسن عبد الله
TT

رحيل حسن عبد الله شاعر الطفولة والأمهات الذي لم يتزوج

حسن عبد الله
حسن عبد الله

وكأنما هذا الغمام المكفهرّ الجاثم فوق صدر لبنان، ما كان ينقصه سوى رحيل شاعر من وزن حسن عبد الله. مريض كان وجسده ليس على ما يرام، لكن فعل الرحيل بحد ذاته، يحرّض على المراجعة والاعتراف، وقول ما لا يبوح به المرء في حضرة صاحب المقام. هذا ما يفسر شلال المشاعر المحبة والمعجبة، الذي انهمر بمجرد الإعلان عن غياب صاحب «ظل الوردة».
لم يقل أحد، لهذا الأديب الحقّ، في حياته، إنه من بين الأكثر شاعرية وصدقاً في جيله، وإنه لم يعط ما يستحقه من اهتمام وضوء. الشعر بالنسبة له جزء من حياة يتنفسها، طريقة في وصف ما يحيا، وأسلوب في التعبير عن مكنونات نابضة. وهذا ليس بالقليل. فإن لم تكن حداثة الشعر هي التصاقه العضوي بحياة الكاتب، فما هي الحداثة، إذن؟
لم يعرف حسن عبد الله نفسه إلا شاعراً. كل ما في طفولته كان يدفعه إلى ذلك. والده الذي يقرض الشعر، عمتاه العاشقتان قصص بني هلال وسيف بن ذي يزن، وعيشه في البرية، مصادقته الزهر والشجر والدردارة، التي ستعطي اسمها لواحد من أشهر دواوينه، وهي تلك البحيرة التي كان يقضي على أطرافها الكثير من وقته في بلدته الجنوبية.
يختصر حسن عبد الله، بسنين عمره، منذ ولادته في الخيام جنوب لبنان عام 1944 وحتى وفاته الأليمة يوم 21 يونيو (حزيران) 2022، تاريخ لبنان الحديث. فهو عاش في الحدث، أصبح جزءاً منه، وكتب عنه. من الازدهار الكاذب وكدح العمال، إلى الحرب القذرة، ومظلومية الضحايا، حيث تحولت قصائده الملحنة أناشيد أثناء المعارك. واكب حسن عبد الله عودة السلم الزائف، وشهد نهايته الأليمة قبل أن يغمض عينيه. كانت قصائده، هي الحكاية حين تتحول شعراً.
بعد أن تخرج الشاعر - الذي بدأ تدوين قصائده طفلاً صغيراً - من دار المعلمين في بيروت عام 1965، اشتغل في التعليم في قرى الجنوب والبقاع، بعيداً عن بيروت التي اعتادها. انتابه إحساس شديد بالوحشة من الريف وأجوائه الهادئة، إلى أن تمكن من نقل عمله إلى صيدا قبل الحرب الأهلية عام 1972 والسكن في بيروت. من بيروت كانت الانطلاقة المحترفة، الكتابة في الصحف، نشر القصائد في مجلات مثل «الطريق» و«مواقف»، المشاركة في مهرجانات مثل المربد، المشاركة في الأمسيات الشعرية. تلك كانت وسيلته الفضلى للتواصل مع الناس، قبل أن يصدر ديوانه الأول «أذكر أنني أحببت» عام 1978 ومن ثم مطولته «الدردارة» عام 1980، وفي هذه الفترة أيضاً أخذ يكتب قصصاً وشعراً للأطفال. وهنا ستتفتق موهبته عن عالم جديد، ليس ببعيد عن عالمه الشعري القصصي أصلاً. فهو شاعر راوية، يقص الحكايات الشيقة الرشيقة، كيفما أراد. في قصّه تلقائية وحكمة وصور حتى يمكن أن يطلق عليه اسم شاعر المشاهد التي تسمعها كما تراها بأذنيك. له من الدواوين «راعي الضباب» الذي صدر عام 1999 و«ظل الوردة» عام 2012.
أبدع أيضاً مع الأطفال، ومع أنه نال عن أدبه هذا الجائزة تلو الأخرى، إلا أن حظه من الصحافة والترويج، لم يكن أفضل من شعره الذي لم يحتف به بالقدر الذي يستحق. هل لأنه كسول، أم لأنه لم يكن يعبأ بتظهير ما يبلغه من مراتب كما يحلو لآخرين أن يفعلوا؟
تم تكريمه في مهرجان السينما الدولي الحادي عشر للأطفال في القاهرة. ومنحته وزارة الثقافة المصرية العام 2002 جائزة عن مجمل أعماله الأدبية للأطفال. وفي عام 2012 نال جائزة الإبداع الأدبي في حقل أدب الأطفال من «مؤسسة الفكر العربي». ومن ثم «جائزة الشيخ زايد» لأدب الأطفال عام 2016. والسنة التي تلتها حصل على جائزة مخصصة للأدب الموجّه للأطفال المتوحّدين في فانكوفر الألمانية.
لم يكثر حسن عبد الله، لم يستفض، اكتفى بدواوين أربعة، مقطرة كالماء الزلال، وترك خلفه عشرات من قصص الأطفال التي لم تنشر، وستكون زاداً لهم من بعده، تعيدهم إلى لغتهم بهية ممشوقة العبارة، نضرة الفكرة، مشوقة الحبكة. الأديب الظريف، المرح، الساخر، البريء، الحيوي، المشاكس، الذي اعتادته مقاهي شارع الحمراء، يرحل ويترك خلفه ظله وروحه النضرة.
حسن عبد الله متعدد المواهب، استعاد طفولته بالقصص وبلوحاته التي أخذ يرسمها مستوحياً طبيعة الجنوب ومراعي بلدته، التي أحبها وكتب عنها، بقدر ما ابتعد عن أرضها ووداعتها، باحثاً عنها في مخيلته. في معرضه «مقام الأخضر»، في بيروت وضم أربعين عملاً، بعد خمس سنوات من الرسم، بدا كم هو مخلص لمزاجه، ينقطع عن الشعر حين يشاء، وينكب على الرسم حين يريد، ويحكي للأطفال قصصهم، متى بدا راغباً في ذلك. قال حول رسومه «كنت أعيش في بلدة محاطة بالزرع والاخضرار والمروج والأودية، ولا شك أن لوحاتي هي ترجمة للطبيعة في بلدتي الخيام».
غنى له عديدون، وأهدى حسن عبد الله مارسيل خليفة واحدة من أشهر أغنياته التي لا يتوقف الجمهور عن طلبها في حفلاته:
أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها...
أجمل الأمهات التي انتظرتهُ،
وعادْ...
عادَ مستشهداً.
فبكتْ دمعتين ووردة
ولم تنزوِ في ثياب الحداد.
لم تَنتهِ الحرب
لكنَّهُ عادَ
ذابلةٌ بندقيتُهُ
ويداهُ محايدتان...
أجمل الأمهات التي… عينها لا تنامْ
تظل تراقبُ نجماً يحوم على جثة في الظلام...
لم يتزوج حسن عبد الله، لكنه أجاد، كما لم يفعل غيره، الكتابة عن مشاعر الأمهات، ومخاطبة الأطفال، والبقاء في دائرة الحب الذي ينتج فيضاً أدبياً لا يضاهى.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

أنقرة تقول إنها أقنعت موسكو وطهران بعدم التدخل عسكرياً لدعم الأسد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
TT

أنقرة تقول إنها أقنعت موسكو وطهران بعدم التدخل عسكرياً لدعم الأسد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)

أكد وزير الخارجية التركي، اليوم الجمعة، أن بلاده أقنعت روسيا وإيران بعدم التدخل عسكرياً في سوريا خلال هجوم المعارضة، والذي أفضى إلى إسقاط بشار الأسد.

وقال هاكان فيدان في مقابلة مباشرة عرضتها قناة «إن تي في» التركية الخاصة، إن «الأمر الأكثر أهمية قضى بالتحدث إلى الروس والإيرانيين، والتأكد من أنهم لن يتدخلوا عسكرياً في المعادلة. تحدثنا إلى الروس والإيرانيين وقد تفهموا».

وأضاف: «بهدف الإقلال قدر الإمكان من الخسائر في الأرواح، جهدنا لتحقيق الهدف من دون سفك دماء عبر مواصلة مفاوضات محددة الهدف مع لاعبَين اثنين مهمين قادرين على استخدام القوة».

ورأى الوزير التركي أنه لو تلقّى الأسد دعم روسيا وإيران، لكان «انتصار المعارضة استغرق وقتاً طويلاً، وكان هذا الأمر سيكون دموياً»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال هاكان أيضاً: «الروس والإيرانيون رأوا أنّ هذا الأمر لم يعد له أيّ معنى. الرجل الذي استثمروا فيه لم يعد رجلاً (يستحق) الاستثمار. فضلاً عن ذلك، فإن الظروف في المنطقة، وكذلك الظروف في العالم، لم تعد هي نفسها».

وإثر هجوم استمر أحد عشر يوماً، تمكنت المعارضة السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام»، الأحد، من إسقاط الأسد الذي فر إلى روسيا مع عائلته، بحسب وكالات الأنباء الروسية.