«كل حاجة حلوة» مسرحية تقارع الاكتئاب

قبل بداية عرض مسرحية «كل حاجة حلوة» بمسرح «روابط» بوسط القاهرة، قامت الفنانة السورية ناندا محمد «بطلة العرض» بتوزيع العديد من الوريقات على جمهور الصالة، مكتوب في كل منها رقماً مشفوعاً بعبارة معينة، وأشارت إلى مستلميها بالرد بما في الورقة من كلمة أو عبارة، حين تنادي على الرقم، وحين بدأت المسرحية، بدا أن معظم الحاضرين مشاركين في عرض تفاعلي تقوده ناندا، وتشرك فيه جمهورها، ليكتسي بروح الدعابة رغم ما به من منغصات، وذكريات بعضها أليم.
المسرحية تأليف الكاتب الإنجليزي دنكان ماكيملان، وجوني دوناهو، وهي واحدة من أعماله، التي قام بمسرحتها عن قصته القصيرة «ملاحظات على أغلفة الأسطوانات»، وقدمتها الفنانة البريطانية روزي تومسون، على مسرح آبي دبلن، لأول مرة.
تحكي المسرحية عن طفلة عمرها سبع سنوات تعرف ذات يوم أن والدتها محتجزة في مستشفى بسبب محاولتها الانتحار لاكتئاب أصابها، فتلجأ إلى كتابة ملاحظات أو قائمة من الأشياء الجميلة التي يمكن أن تجعل الأم لا تكرر المحاولة مرة أخرى، وتضعها في صندوق قريب منها، علها إذا تصادف وقرأتها تعرف أن الحياة بها الكثير من الأشياء الجميلة، التي تجعلها لا تقدم على إنهاء حياتها مجدداً، ومع تقدم الطفلة في العمر وتكرار الأم محاولاتها، تتطور قائمة الذكريات الجميلة لدى الابنة من البالونات والآيس كريم، التي كانت الأم تشتريها لها، ثم زياراتها إلى الطبيب البيطري الذي كانت تستشيره بشأن كلبها، ورحلاتها مع أبيها في سيارته، لتتناسب مع مراهقتها وشبابها ثم وصولها إلى سن الزواج الذي كان مصيره الفشل بسبب إصابتها هي أيضاً بالمرض نفسه، ومع تكرار محاولات الأم تتمكن أخيراً في إنهاء حياتها، وهو ما جعل الابنة تقرر الخروج من أزمتها، وتتجاوز نوبة الاكتئاب عبر الكثير من الأشياء الجميلة التي تتطور معها في قائمة ملاحظاتها التي كانت تكتبها تعليقاً على كل حادثة تحدث معها وتعرف أن الحياة تستحق أن تعيشها وتتمتع بها رغم كل شيء.
وقد اختار أحمد العطار مخرج العرض، اللهجة العامية المصرية في معالجته للنسخة المصرية من «كل حاجة حلوة»، وقدمها في رؤية تجعل الحبكة الدرامية سهلة في الوصول للمشاهدين، كما حرص على إجراء تعديلات لتقديم رؤية مناسبة للنص تناسب الأجواء المصرية، فقدم ضمن العرض الكثير من الأغنيات التي صاحبت تقدم بطلة العرض في العمر، وما جرى لها من أحداث وما صاحبها من ذكريات وما استشعرته من حنين لزمن الطفولة والمدرسة، ثم فقد والدتها فضلاً عن علاقتها بحبيبها، وذلك عبر أغنيات الفنانة ملك محمد، وفرقة «المصريين»، وفيفالدي، ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وحميد الشاعري، وفرقة أنغام الشباب الليبية، وغيرها.
العرض المسرحي من إنتاج شركة المشرق للإنتاج السينمائي والمسرحي بدعم من المجمع الثقافي بأبوظبي، والملتقى العربي للفنون المعاصرة، وصندوق دعم الفنون العربية بباري، وحصلت ترجمة ونشر النص باللغة العربية على دعم من المركز الثقافي البريطاني بالقاهرة.
وقد نُشرت المسرحية لأول مرة في المملكة المتحدة عام 2013، وخلال وقت قصير، أصبحت واحدة من أكثر النصوص المسرحية نجاحاً خلال العقد الأخير وأعيد تقديمها على خشبات عدد من المسارح سواء في المملكة المتحدة أو عالمياً، يأخذ النص المشاهدين في رحلة صادقة وحالة إنسانية خاصة، كما أنه يمثل «التماساً للطف والدعم المتبادل الذي يبدو أنه لا بد أن يأتي في الوقت المناسب».
جرى ترجمة «كل حاجة حلوة» إلى اللغة العربية ضمن مشروع إعادة تقديم «المسرح الأوروبي المعاصر باللغة العربية» الذي يهدف إلى ترجمة 24 نصاً مسرحياً معاصراً لكتاب أوروبيين حداثيين، وهي تختلف في تشكيلها ووجهات نظرها الفنية، والهدف منها أن يتمكن الكتاب المسرحيون العرب من تطوير حركة إبداعية في بلدانهم، تدفع بمجال الفنون المسرحية إلى الأمام وتقدم أعمالاً مسرحية على مستوى عالمي.
وتخرجت الفنانة السورية ناندا محمد، في قسم التمثيل من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق بسوريا سنة 2001، وعملت هناك مع عدد كبير من مخرجي المسرح السوريين مثل نائلة الأطرش وأمل عمران وسامر عمران وجهاد سعد وعمر أبو سعدة.
كما اختيرت ناندا محمد من قِبل عدد من مخرجي المسرح إقليمياً ودولياً على غرار باسكال رامبرت، وجان ميشيل بيسنتي (فرنسا)، وتيم سابل (المملكة المتحدة)، ونولو فاتشيني (الدنمارك)، وخالد الطريفي (فلسطين)، وهنري جول جوليان (فرنسا).
وشاركت بطلة «كل حاجة حلوة» التي انتقلت إلى مصر في عام 2012، في العديد من المهرجانات والمسلسلات السورية والمصرية، التي كان أحدثها مسلسل «بطلوع الروح» الذي عرض في موسم رمضان الماضي.