بيروت تتلون بـ«معرض الحدائق والربيع» للسنة الـ12 على التوالي

بمشاركة 220 عارضًا يعملون في مجال تزيين الشرفات والحدائق

بيروت تتلون بـ«معرض الحدائق والربيع» للسنة الـ12 على التوالي
TT

بيروت تتلون بـ«معرض الحدائق والربيع» للسنة الـ12 على التوالي

بيروت تتلون بـ«معرض الحدائق والربيع» للسنة الـ12 على التوالي

قد يكون تشبيه زيارتك لـ«معرض الحدائق والربيع 2015» (garden show &spring festival2015)، الذي يهتم بكل ما يتعلّق بتزيين الشرفات والحدائق، هو أقرب ما يكون في الواقع إلى «صندوق الفرجة». فهو يأخذك إلى محطات ملوّنة تجول فيها ما بين الزهور والحدائق الغنّاء وديكورات الشرفات وأدوات الأنتيكا والصابون الطرابلسي وغيرها من البسطات الخشبية، التي أخذ أصحابها على عاتقهم تعريف الزائر بلبنان الأخضر قلبا وقالبا.
فللسنة الحادية عشرة على التوالي تم افتتاح معرض الربيع والحدائق (garden show &spring festival) في نادي سباق الخيل، وذلك برعاية وزير السياحة ميشال فرعون، وحضور حشد من أهل الصحافة والأعلام، الذين جاءوا يستكشفون أقسام المعرض لأهميته في تثبيت الهوية اللبنانية الأصيلة في كل شاردة وواردة.
يشارك في هذا المعرض في بيروت، الذي تنظمه شركة «أوسبيتاليتي سيرفيسيز» لصاحبتها جومانا سلامة، 220 عارضا جاءوا من مختلف المناطق اللبنانية لعرض منتجاتهم الطبيعية من ناحية، وأحدث أساليب الزراعة والبستنة وتزيين الشرفات والحدائق من ناحية ثانية.
وتم هذه السنة استحداث قسم السياحة الريفية (travel Lebanon)، بحيث خصصت مساحة من المعرض للترويج للسياحة الداخلية في القرى اللبنانية وللمأكولات الطبيعية والمونة على أنواعها. ويذكر أن هذا الجناح ترعاه وزارة السياحة اللبنانية بمشاركة منظمة «يو إس آيد» الأميركية التي تعنى بمساندة هذا النوع من المعرض حول العالم. توزّعت أكشاك المشتركين على مساحة لا يستهان بها من المعرض، ووقف أصحابها يستقبلون الزوار شارحين لهم طبيعة المنتجات التي يعرضونها، والتي تنوعت مصادرها ما بين مدن وبلدات لبنانية عريقة كطرابلس وعاليه وجزين وتنورين وعكار والبقاع ودير الأحمر.
فهنا تستطيع أن تتعرّف إلى واحدة من أشهر صناعات مدينة طرابلس الشمالية، ألا وهي الصابون البلدي الذي يتم صنعه بطريقة تقليدية لا يدخلها أي مكونات اصطناعية. ويؤكّد لك أمير بدر حسون أحد متوارثي مهنة صناعة الصابون في طرابلس منذ عام 1480، وقد جذبتك رائحة الصابون التي تفوح من معروضات الكشك الذي يشارك فيه، بأنه يصنّع 1400 صنف من الصابون والزيوت والكريمات النباتية المصنوعة من زيوت الزيتون وخشب الأرز والصنوبر. ويضيف: «بكل فخر صناعتنا لبنانية مائة في المائة ونصدرها إلى الصين وغيرها من البلدان»، وعندما سألته مستفهمة كيف يلونون الصابون من دون اللجوء إلى مواد مصنّعة، أجاب: «انظري هذا الصابون البني ملوّن بالقرفة، وذاك الأخضر بالكلوروفيل المستخرج من الطبيعة، والأصفر مصنوع من العسل والشاي الأخضر، وجميعها تستخدم لطراوة البشرة وتنقيتها».
ومن كشك الصابون يلفتك في المقابل رجل في العقد الخامس من عمره، يقوم بلفّ الحبال والقشّ على كرسي خشبي، وتعرف مهنته في لبنان بـ«قشّاش الكراسي» التي أصبحت نادرة في أيامنا الحالية. «هي مهنتي منذ أكثر من 37 عاما، وقد علّمتها لأولادي، ولكني أشكّ في أن يعملوا بها أو أن يورثوها لأولادهم في المستقبل».. كما يقول عمران مكاري من بلدة عكار.
ولهواة الأنتيكا عنوان أيضا يمكنهم أن يزوروه في هذا المعرض، فمتحف «الساحة» المصغّر والواقع في منطقة المطار، انتقل بكل تفاصيله إلى أرض المعرض ليعود بك في الذاكرة إلى هاتف العظم الأسود القديم الذي عليك أن تبرم الأرقام في دائرته البطيئة لإجراء اتصالك، وكرسي المكتب الفخم المصنوع من الجلد البني المنجّد، وإبريق الشاي الضخم المغلّف داخله بالألمنيوم، والقنديل على الكاز وركوة القهوة النحاسية ومكواة الحديد وغيرها من أدوات قديمة يختارها صاحب المتحف جمال مكة من كل بقاع العالم، ليرضي بها أذواق زبائنه الشغوفين في جمع الأنتيكا.
أما جورج عريرو الذي كان منشغلا في خلط عجينة الفخار وقولبتها عندما زرناه في قسمه من المعرض، فقد جاء من منطقة الميناء في طرابلس ليعرّف جيلا جديدًا من اللبنانيين على صناعة الفخار الأصيلة، بعيدا عن تلك المصنعة بالماكينات. وعندما تسأله عن الفرق بين أدوات الفخار التي ينحتها بشغف، وتلك المصنّعة بالماكينات، فيرد عليك: «وكأنك تسألين تماما عن طبق يتمّ إعداده من يدي والدتك، وآخر تأكلينه في المطعم، فالفرق كبير ولا مجال للمقارنة بينهما».
تطول لائحة المشاركين في المعرض لتطال بلدة البترون الممثلة بأحد أبنائها الذي يصنع أمامك «الليموناضة البترونية» اللذيذة المشهورة فيها، وبلدة زغرتا الشمالية التي تستقبلك ابنتها الستّ أنجيل عارضة عليك تذوّق المونة اللبنانية الموقّعة من يديها، وتشمل دبس الرمان والمكدوس والقاورما. ومن جزين حيث يقف جوليان أمام كشكه يضيّفك حبّات الصنوبر المقطوفة من أكواز هذا الشجر في بستانه. فيما لا تتوانى عن أخذ استراحة سريعة فتجلس على أول كنبة مصنوعة من الخيزران أو على أخرى يشرح لك عارضها أن مقاعدها مصنوعة من خلال إعادة تدوير بعض النفايات المنزلية.
فصل الصيف برمّته يمرّ كشريط مصوّر سريع أمام عينيك من خلال أقسام هذا المعرض الصيفي بامتياز، ورغم أنه يخيّل إليك أنك زرت معظم أقسامه فإنك لا تلبث أن تكتشف أنك تجاوزت منصات خشبية تروّج مثلا لزيارة محمية أرز تنورين أو بلدة برقا البقاعية، حيث في إمكانك أن تتبنى شجرة اللزّاب النادرة (شجرة صمغية معمّرة)، وقد علّقت جمعية (مملكة اللزاب) على منصّتها في المعرض يافطة كتب عليها: «تبنّى شجرة لزّابة، فأنت تساهم في زرعها ونحن نعتني بها»، بإشارة من أصحاب الكشك إلى ضرورة الحفاظ على الثروة النباتية في لبنان.
وتخلل المعرض نشاطات جانبية عدّة توزعت على أيامه الأربعة، وتضمنت ورش تعليم كيفية تزيين الحدائق والاعتناء بها، وأخرى شارك فيها 60 عارضا قدموا رزما متنوعة من أجل اكتشاف لبنان بعيدا عن المسار السياحي المعتاد. كما أنه خصص عروضا في الطهي وتحضير الطعام لأهم الطهاة في لبنان، كالشيف يوسف عقيقي والشيف شارل عازار.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».