البنوك المركزية بين «فكي كماشة» التضخم والركود

تواجه ورطة مزدوجة

تعاني كبرى البنوك المركزية من ورطة حتمية التعامل مع التضخم رغم مخاطر الركود (رويترز)
تعاني كبرى البنوك المركزية من ورطة حتمية التعامل مع التضخم رغم مخاطر الركود (رويترز)
TT

البنوك المركزية بين «فكي كماشة» التضخم والركود

تعاني كبرى البنوك المركزية من ورطة حتمية التعامل مع التضخم رغم مخاطر الركود (رويترز)
تعاني كبرى البنوك المركزية من ورطة حتمية التعامل مع التضخم رغم مخاطر الركود (رويترز)

صعّدت البنوك المركزية من معركتها ضد التضخم الجامح برفع نسب الفائدة، وهو إجراء ضروري رغم تحذير محللين من آثاره الجانبية المحتملة، وأبرزها دفع الاقتصادات إلى الركود.
وفي الأسبوع الماضي وحده، أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ نحو ثلاثة عقود، فيما رفعها بنك إنجلترا للمرة الخامسة توالياً، أما البنك المركزي السويسري فرفعها للمرة الأولى منذ 15 عاماً.
ويقول كبير الاقتصاديين في شركة «بيكتت ويلث مانجمنت» فريدريك دوكروزيت: «هذا الأسبوع غير مسبوق، وهو الأكثر جنوناً في مسيرتي». فقد هزّت الإجراءات أسواق الأسهم مع خشية المستثمرين من أن توقف عجلة النمو الاقتصادي إذا تم تشديدها أكثر، رغم إقرارهم بأهميتها.
من جهته، يقول المحلل في منصة «أواندا» للتداول عبر الإنترنت كريغ إرلام، إن «احتمال الركود يزداد مع تسابق البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة بشكل كبير حتى لا يخرج التضخم عن نطاق السيطرة»... ورغم ذلك، تقول مجموعة «كابيتال إيكونوميكس» للأبحاث إنها لا تتوقع ركوداً في الولايات المتحدة.
وتورد المجموعة في مذكرة، أن «الاحتياطي الفيدرالي يخفف الطلب عمداً من أجل تقليل ضغوط الأسعار. هذا مسار وعر ومن الواضح أن هناك مخاطرة يمكن أن تؤدي بالاقتصاد للانزلاق إلى الركود». ويمكن أن تكون الدول الناشئة ضحايا جانبية لارتفاع أسعار الفائدة، إذ تزيد قيمة الدولار عندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة... ويوضح دوكروزيت أن «ارتفاع الدولار سيعقد (سداد ديون) البلدان التي تعاني عجزاً وتقترض في كثير من الأحيان بتلك العملة».
وأكدت البنوك المركزية العام الماضي، أن التضخم «ظرفي»، لأن الأسعار كانت مدفوعة باضطراب سلاسل التوريد بعد إنهاء الحكومات تدابير الإغلاق... لكن أسعار الطاقة والغذاء ارتفعت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ما أدى إلى ارتفاع التضخم ودفع الاقتصاديين إلى خفض توقعات النمو العالمي لهذا العام. ولم يترك ذلك للبنوك المركزية خياراً سوى التحرك بقوة أكبر مما كانت تعتزم.
وفي هذا السياق، رفع البنك المركزي الأسترالي أسعار الفائدة أكثر من المتوقع في وقت سابق من هذا الشهر، بينما رفعت البرازيل الأسبوع الماضي، سعر الفائدة القياسي للمرة الحادية عشرة على التوالي. ويلوح في الأفق مزيد من الزيادات في الولايات المتحدة وأوروبا.
لكن البنك الوطني السويسري هو الذي أحدث أكبر مفاجأة الخميس، عندما أعلن عن زيادة سعر الفائدة بنسبة 0.5 نقطة مئوية في سابقة منذ عام 2007.
وكان البنك السويسري قد ركّز سابقاً على تجنّب ارتفاع قيمة الفرنك أكثر من اللازم. ويقول كبير محللي السوق في شركة «سي إم سي ماركتس يو كاي» مايكل هيوسون، إن «قرارات البنك الوطني السويسري تجذب الاهتمام، إذ إنها تمثل تحولاً مهماً في سياسته».
وتحرك البنك المركزي الأوروبي في شكل أبطأ من نظرائه، وقد أعلن أنه سينهي خطته الهائلة لشراء السندات ويرفع أسعار الفائدة نهاية الشهر المقبل للمرة الأولى منذ عقد. وتواجه منطقة اليورو مشكلة أخرى: فقد ارتفعت نسبة الفائدة للحكومات الراغبة في الاقتراض مع فرض علاوة على البلدان المثقلة بالديون مثل إيطاليا مقارنة بألمانيا التي تعد رهاناً أقل مخاطرة للمستثمرين. وأحيا ذلك ذكريات أزمة الديون في منطقة اليورو، ما دفع البنك المركزي الأوروبي إلى عقد اجتماع طارئ الخميس، قال إثره إنه سيصمم أداة لمنع مزيد من الضغط في سوق السندات.
في المقابل، خالف بنك اليابان التوجه العالمي الجمعة، بتمسكه بقراره عدم رفع سعر الفائدة، ما أدى إلى اقتراب الين من أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ عام 1998.
ولكن حتى بنك اليابان يمكنه تعديل سياسته، وفق الخبير في شركة «إس بي آي أسيت مانجمنت» ستيفن إينيس. ويقول إينيس: «بينما يخططون لإبقاء سياسة التيسير الحالية، قد يدرسون إجراء بعض التعديلات لدعم العملة».
وسيتعين على المستهلكين التحلي بالصبر قبل أن يروا تأثير ارتفاع نسب الفائدة على الأسعار. وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، بصراحة، عند إعلانها البرنامج الزمني لزيادة سعر الفائدة الشهر المقبل: «هل نتوقع أن يكون لرفع أسعار الفائدة في يوليو (تموز) المقبل تأثير فوري على التضخم؟ الجواب على ذلك هو لا».
ولا تتحكم البنوك المركزية في بعض المشكلات التي تؤدي إلى رفع التضخم، مثل الارتفاع الشديد في أسعار الطاقة والغذاء واضطرابات سلاسل التوريد. وتوضح شركة «كابيتال إيكونوميكس» أن أسعار الطاقة والغذاء شكلت 4.1 نقطة مئوية من ارتفاع أسعار الاستهلاك الذي بلغ 7.9 بالمائة في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية خلال العام الماضي.
وتتوقع أن تبدأ أسعار النفط والغاز والسلع الزراعية بالانخفاض في وقت لاحق من هذا العام، ما سيؤدي إلى انخفاض التضخم بشكل حاد، لكن معدلات التضخم الأساسية التي لا تشمل الغذاء والطاقة ستظل مرتفعة.


مقالات ذات صلة

الذهب يرتفع بدعم من تراجع الدولار وسط ترقب لرسوم ترمب الجمركية

الاقتصاد قطع شطرنج ذهبية معروضة في كشك المجوهرات خلال النسخة الـ17 من معرض الهند الدولي للمجوهرات (إ.ب.أ)

الذهب يرتفع بدعم من تراجع الدولار وسط ترقب لرسوم ترمب الجمركية

ارتفعت أسعار الذهب الثلاثاء بدعم من تراجع الدولار وسط ترقب المتعاملين لما ستكون عليه خطط الرسوم الجمركية للرئيس الأميركي المنتخب التي ستكون أقل حدة من المتوقع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أحد مناجم اليورانيوم في كندا (موقع الحكومة الكندية)

كندا تتسابق لتصبح أكبر منتج لليورانيوم في العالم مع ارتفاع الطلب عليه

تتسابق كندا لتصبح أكبر منتج لليورانيوم بالعالم استجابةً للطلب المتزايد على الطاقة النووية الخالية من الانبعاثات والتوترات الجيوسياسية.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
الاقتصاد نظام نقل الحركة للدراجات الكهربائية ذات العجلتين من إنتاج شركة «فوكسكون» (رويترز)

«فوكسكون» التايوانية تحقق إيرادات قياسية في الربع الرابع بفضل الذكاء الاصطناعي

تفوقت شركة «فوكسكون» التايوانية، أكبر شركة لصناعة الإلكترونيات التعاقدية في العالم، على التوقعات لتحقق أعلى إيراداتها على الإطلاق في الربع الرابع من عام 2024.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
الاقتصاد ورقة نقدية من فئة 5 دولارات مع علم أميركي في الخلفية (رويترز)

الدولار يواصل هيمنته في بداية 2025

سجَّل الدولار أعلى مستوياته في أشهر عدة مقابل اليورو والجنيه الإسترليني، يوم الخميس، وهو أول يوم تداول في عام 2025، مستمداً قوته من مكاسب العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن - سنغافورة )
خاص سقوط جدار برلين كَسر القواعد التي كانت تنظّم التنافس بين القوى القديمة (غيتي)

خاص فشل القوة وثلاثة إخفاقات عالمية

هُزمت الولايات المتحدة في الصومال والعراق، ثم في أفغانستان، وسرعان ما ظهرت الصين بوصفها المستفيد الأكبر من العولمة، التي كانت تُحرر نفسها من المجال الأميركي.

برتراند بادي

اليوان الصيني بأضعف مستوياته في 16 شهراً

عملة ورقية من فئة 100 يوان وفي الخلفية علم الصين (رويترز)
عملة ورقية من فئة 100 يوان وفي الخلفية علم الصين (رويترز)
TT

اليوان الصيني بأضعف مستوياته في 16 شهراً

عملة ورقية من فئة 100 يوان وفي الخلفية علم الصين (رويترز)
عملة ورقية من فئة 100 يوان وفي الخلفية علم الصين (رويترز)

تعرضت أغلب عملات الأسواق الناشئة لضغوط مقابل الدولار يوم الأربعاء بعد تقرير قوي عن الوظائف أضاف إلى توقعات بارتفاع أسعار الفائدة الأميركية لفترة أطول، وهبط اليوان الصيني إلى أدنى مستوى في 16 شهراً، تحت ضغط من قوة الدولار وتهديدات بفرض تعريفات من جانب إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، رغم أن البنك المركزي حدد توجيهات أقوى من المتوقع.

وقالت وانغ تاو، كبيرة خبراء الاقتصاد الصيني في «يو بي إس»: «من المتوقع أن يواجه اليوان ضغوطاً لخفض قيمته؛ ليس فقط من زيادات التعريفات، ولكن أيضاً من الدولار الأقوى بشكل كبير... ولكن رغم هذه التحديات، فإننا نعتقد أن الحكومة الصينية عازمة وقادرة على إدارة خفض قيمة معتدل نسبياً».

وقبل فتح السوق حدد بنك الشعب الصيني سعر النقطة الوسطى الذي يسمح لليوان بالتداول حوله في نطاق 2 في المائة عند 7.1887 للدولار، وهو ما يزيد بمقدار 1548 نقطة عن تقديرات «رويترز».

وافتتح اليوان الفوري عند 7.3250 للدولار، وكان في آخر تداول منخفضاً بمقدار 31 نقطة عن إغلاق الجلسة السابقة عند 7.3315 يوان للدولار اعتباراً من الساعة 02:26 بتوقيت غرينتش، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر (أيلول) 2023.

وقالت وانغ إنها تتوقع أن يتم التحكم في سعر الصرف حول 7.4 للدولار على الأقل خلال النصف الأول من العام، وإذا تم الإعلان عن زيادات التعريفات الجمركية، فقد يضعف اليوان إلى 7.6 للدولار بحلول نهاية العام.

ونفى ترمب، الذي يتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) الجاري، تقريراً صحافياً قال إن مساعديه كانوا يستكشفون خطط التعريفات الجمركية التي ستغطي الواردات الحرجة فقط، مما أدى إلى تعميق حالة عدم اليقين بين قادة الأعمال بشأن سياسات التجارة الأميركية المستقبلية.

ومن جانبه، انخفض مؤشر «إم إس سي آي» الذي يتتبع عملات الأسواق الناشئة 0.3 في المائة في الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش بعد جلستين من المكاسب، مع ضعف أغلب العملات الأوروبية الناشئة مقابل الدولار وانخفاض الليرة التركية 0.2 في المائة.

وفي جنوب أفريقيا، ضعف الراند بنسبة 0.8 في المائة بعد مكاسب في الجلسة الماضية، وانخفض مؤشر الأسهم الرئيس في البلاد بنسبة 0.5 في المائة بعد أن أظهر مسح مؤشر مديري المشتريات المحلي أن نشاط التصنيع انخفض للشهر الثاني على التوالي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وصعد الدولار الأميركي قليلاً خلال اليوم مع ارتفاع عائدات الخزانة على نطاق واسع بعد أن أشار أحدث تقرير لبيانات الوظائف إلى سوق صحية باستمرار يوم الثلاثاء، مما خفف الآمال في عدة تخفيضات لأسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام.

وانخفض الدولار الأميركي في وقت سابق من هذا الأسبوع رغم نفي الرئيس المنتخب دونالد ترمب للتقارير التي تفيد بأن التعريفات الجمركية التي يعتزم فرضها ستكون أقل صرامة، وهو ما رفع مؤشر العملات الناشئة.

وقال هاري ميلز، مدير «أوكو ماركتس»، مسلطاً الضوء على التحركات الحادة في البيزو المكسيكي واليوان الصيني: «إذا كانت حقيقة التعريفات الجمركية أقل مما قاله ترمب خلال الأشهر الثلاثة الماضية أو نحو ذلك، فقد تشهد العملات الناشئة ارتفاعاً وتخفيفاً للآثار التي عانت منها في الشهرين الماضيين».

وكان اليورو مستقراً أو مرتفعاً مقابل أغلب عملات أوروبا الناشئة، حيث بلغ أعلى ارتفاع له 0.2 في المائة مقابل الزلوتي البولندي. وكان أداء الأسهم البولندية أضعف من نظيراتها بانخفاض 0.4 في المائة.

وكان الروبل قد ارتفع في أحدث تعاملات بنسبة 2.1 في المائة مقابل الدولار، ليتجه للجلسة الخامسة من المكاسب، رغم أن التداول كان ضعيفاً حيث تحتفل روسيا بعطلة عامة حتى التاسع من يناير. كما ارتفع الشلن الكيني بنسبة 0.5 في المائة مقابل الدولار.

وانخفض مؤشر أسهم الأسواق الناشئة الأوسع نطاقاً بنسبة 0.8 في المائة ويتجه صوب أول خسارة له في أربع جلسات، مع هبوط الأسهم الآسيوية ذات الأوزان الثقيلة.

وقال ميلز «إذا رأينا رقماً قوياً للغاية لبيانات الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة في وقت لاحق من الأسبوع، فإن هذا من شأنه أن يعطي المزيد من الارتفاع للدولار الأقوى».

وأنهت أغلب الأسواق الناشئة الربع الأخير على نغمة قاتمة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن البنك المركزي الأميركي اتخذ موقفاً متشدداً وتوقع تخفيضات أقل من المتوقع في السابق هذا العام.