«إخوان إيطاليا» يسعون إلى السلطة

الحزب الفاشي الجديد... انتقل من بدايات انشقاقية متواضعة

«إخوان إيطاليا» يسعون إلى السلطة
TT
20

«إخوان إيطاليا» يسعون إلى السلطة

«إخوان إيطاليا» يسعون إلى السلطة

ثمّة تعبير يعشقه الإيطاليون في لغتهم ويحلو لهم استخدامه في الأحاديث التي تدور حول سباق السيارات والمنافسات الرياضية، وصراعات الأحزاب في المشهد السياسي الذي يتبدّل وتتغيّر تحالفاته باستمرار. هذا التعبير هو «سورباسو» Sorpasso الذي يدلّل على تجاوز أحد المتبارين خصومه، والذي كان أيضاً عنواناً لأحد أشهر الأفلام السينمائية التي أخرجها دينو روسّي مطالع ستينات القرن الفائت ومرجعاً فنّياً لما يعرف بالكوميديا الإيطالية، وانتقل بصيغته الأصلية إلى اللغات اللاتينية الأخرى لشدة دلالته. منذ مطلع هذا الأسبوع يكثر استخدام هذا المصطلح لتوصيف المشهد السياسي اليميني في إيطاليا، بعد الانتخابات البلدية الأخيرة التي أجريت يوم الأحد الفائت وأسفرت، كما توقعت الاستطلاعات، عن فوز تحالف اليمين الوسط بفارق غير كبير عن الأحزاب التقدمية واليسارية. إلا أن الجديد اللافت كان تصدّر حزب الفاشيين الجدد «إخوان إيطاليا» الأحزاب اليمينية، متجاوزاً حزب «فورتسا إيطاليا» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني، بل مضاعفاً نتائج حزب «الرابطة» الذي يرأسه ماتّيو سالفيني. وكان هذا الأخير لأشهر قليلة خلت يتزعّم التحالف اليميني، ويتطلّع للوصول إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات العامة في ربيع العام المقبل.
في نهاية العام 2012 قرّر وزير الدفاع الإيطالي الأسبق إيغناسيو دي لا روسّا، المنسّق العام لحزب «شعب الحرية»، الانشقاق عن الحزب الذي كان يتزّعمه سيلفيو برلوسكوني. وعقبه بعد أيام قليلة انشقاق آخر بقيادة جيورجيا ميلوني يضمّ الجناح اليميني الذي كان يجمع الأعضاء السابقين في حزب «الحلف الوطني»، الذي بدوره قام على أنقاض «الحركة الاجتماعية الإيطالية» الفاشية التي كانت تعتبر نفسها الوريثة الشرعية للحزب الفاشي الذي أسسه بنيتو موسوليني.
وقبل انقضاء أسبوع واحد على ذلك الانشقاق المزدوج - الذي تبيّن لاحقاً أنه حصل بتنسيق تام بين الطرفين - قرّر التيّاران المنشقّان تشكيل كتلة برلمانية واحدة تضمّ 10 أعضاء في مجلس الشيوخ، وخوض الانتخابات التشريعية في العام التالي تحت اسم «إخوان إيطاليا»، أو «فراتيلي ديتاليا». وهذا الاسم الذي اختارته ميلوني مقتبس من البيت الأول للنشيد الوطني الإيطالي الذي وُضع أواسط القرن التاسع عشر بعد توحيد إيطاليا على يد جيوزيبي غاريبالدي.

شعار حزب «إخوان إيطاليا»

- بداية متواضعة لـ«الإخوان»
في تلك الانتخابات التي فاز بها تحالف الأحزاب اليسارية بقيادة الحزب الديمقراطي بغالبية ساحقة، لم يحصل «إخوان إيطاليا» سوى على 9مقاعد في مجلس الشيوخ و11 مقعداً في مجلس النواب. وبالتالي، بقي لسنوات حزباً ثانوياً على هامش الائتلاف اليميني الذي كان يقوده برلوسكوني قبل أن ينضمّ إليه حزب «الرابطة» (الانفصالي سابقاً) الذي كان نشاطه يقتصر على مقاطعات الشمال، وكان قد أسس أصلاً بهدف المطالبة باستقلالها عن إيطاليا.
وبعدها، في انتخابات العام 2018 فازت حركة «النجوم الخمس» بالمركز الأول، وتلاها حزب «الرابطة» بزعامة ماتّيو سالفيني الطامح إلى قيادة المعسكر اليميني الذي كان لواء زعامته معقوداً لبرلوسكوني منذ سنوات، بينما لم يحصل «إخوان إيطاليا» على أكثر من 4.3 في المائة من الأصوات. وهكذا، ظل لاعباً ثانوياً في المشهد السياسي الذي كان سالفيني يحدد أجندته اليمينية من موقعه وزيراً للداخلية ونائباً لرئيس الحكومة التي ولدت من الائتلاف بين «الرابطة» وحركة «النجوم الخمس»... التي كانت فرضت لرئاستها أستاذ الحقوق جيوزيبي كونتي، رغم عدم انتمائه للحركة، ولا عضويته في البرلمان.

جيورجيا ميلوني  -  ماتيو سالفيني

- حكومة ماريو دراغي
عندما سقطت حكومة كونتي الثانية بعد المناورة الفاشلة التي قام بها سالفيني، طارحاً الثقة بالوزارة - التي كان أحد أبرز أعضائها - بهدف فرض إجراء انتخابات مبكرة كانت الاستطلاعات ترجّح فوزه بها، ألقى رئيس الجمهورية سيرجيو ماتّاريلّا بكامل ثقله لإقناع الحاكم السابق للمصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي بقبول تشكيل حكومة ائتلافية واسعة. وكان هدف رئيس الجمهورية تحاشي إجراء انتخابات عامة في ذروة جائحة «كوفيد 19» والانقسامات السياسية الحادة التي كانت تنذر بخلافات عميقة بين الأحزاب يمكن أن تحرم إيطاليا من الاستفادة من حصة الأسد التي حصلت عليها من صندوق الإنعاش، الذي كان أقره الاتحاد الأوروبي لمساعدة الدول الأعضاء على النهوض من تداعيات الجائحة.
وعندما فرض دراغي شروطه لتأليف الحكومة الائتلافية بمشاركة جميع أطياف الكتل البرلمانية وتعهدها بتأييد البرنامج الحكومي، وقبلت «الرابطة» الانضمام إلى الوزارة الجديدة والتعهد بألا تعرقل أعمالها، أدركت جيورجيا ميلوني، زعيمة «إخوان إيطاليا» أنها أمام فرصة توسيع قاعدتها الشعبية بين الناقمين الكثيرين على فشل الأحزاب السياسية التقليدية في التوافق على تكليف رئيس للحكومة من داخل البرلمان، واللجوء - للمرة الثالثة على التوالي - إلى اختيار شخصية لم يسبق لها أن خاضت انتخابات أو تولّت مناصب عامة.
- قيادة المعارضة اليمينية
لذا رفضت ميلوني الانضمام إلى الحكومة الائتلافية التي ضمّت جميع الأطياف الممثلة في البرلمان. وبقي حزبها «إخوان إيطاليا» وحده في المعارضة متفرّداً بانتقاد الحكومة، التي حظيت بتأييد واسع في المرحلة الأولى بعد تأليفها، لكنها سرعان ما بدأت شعبيتها تتراجع بفعل التناقضات العميقة والتضارب في مصالح الأحزاب التي تشكّلها.
في موازاة ذلك، كانت شعبية «إخوان إيطاليا» تصعد باطّراد في استطلاعات الرأي، وتتقدّم ميلوني على زعماء الأحزاب الأخرى، وبالأخص، على حساب سالفيني الذي فشل غير مرة في محاولاته إنشاء اتحاد للقوى والأحزاب اليمينية يستثني ميلوني. إذ كان يدرك أنها تشكّل وحدها الخطر الداهم على شعبيته وزعامته للمشهد اليميني المتقدّم بخطى ثابتة للفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة.
أما ميلوني، فبعدما تيقّنت من صعود شعبية حزبها، وتجاوزها «الرابطة» في جميع الاستطلاعات، قررت أن تخوض منفردة الانتخابات البلدية التي أجريت دورتها الأولى يوم الأحد الفائت، رافضة التحالف مع القوى اليمينية الأخرى حتى في المعاقل التي كان مضموناً فيها فوز التحالف. وجاءت النتائج لتؤكد صواب خيار «إخوان إيطاليا» الذي فاز وحده بما يعادل نتائج الأحزاب اليمينية الأخرى مجتمعة. وبالتالي، رسّخ موقعه في صدارة المشهد اليميني، واضعاً جيورجيا ميلوني على أبواب رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة... لتكون أول امرأة تتولاها في تاريخ إيطاليا.
- المزاج الشعبي... وأوكرانيا
تكمن أهمية هذه الانتخابات البلدية التي تجري قبل سنة تقريباً من الانتخابات العامة، في أنها تحدد المزاج السياسي الشعبي، وغالباً ما تطابق نتائجها تلك التي تسفر عنها الانتخابات التشريعية اللاحقة. وفي حين استوعبت كل الأحزاب السياسية أن الفاشيين الجدد بزعامة ميلوني أصبحوا قاب قوسين من رئاسة حكومة الجمهورية التي قامت على أنقاض النظام الفاشي - الذي يحظره الدستور الإيطالي ويمنع الدفاع عنه - يحاول سالفيني الآن تجاهل هذا الواقع الجديد. وهذا، مع أن حزب «إخوان إيطاليا» زادت شعبيته في جميع معاقل الرابطة، ولم يعد مستبعداً انكفاؤه إلى المقاطعات الشمالية، كما تطالب القيادات التقليدية التي كان سالفيني أبعدها بعد تولّيه زعامة الحزب... وقراره التمدد في جميع المناطق الإيطالية.
الواقع أنه بعد هذه الانتخابات، بات هامش المناورة أمام زعيم «الرابطة» محدوداً جداً، ولا سيما أن ميلوني تنشط في الملعب نفسه وبالأدوات ذاتها التي وفّرت لسالفيني شعبيته وصعوده في السنوات المنصرمة... مثل الشعارات المناهضة للهجرة والتنظيمات الإسلامية وحقوق المثليين، ورفض الانصياع لمشيئة المؤسسات الأوروبية والنظام المالي العالمي.
يضاف إلى ما سبق أن ميلوني أصابت في اختيار موقعها من الحرب الروسية الأوكرانية. إذ أيدت موقف الحلفاء الغربيين، ودعت إلى تزويد أوكرانيا بما تحتاجه من الأسلحة لمواجهة الغزو الروسي، في حين يدفع سالفيني ثمن علاقاته الوطيدة مع موسكو، وتصريحاته التي كان يعرب فيها عن إعجابه الشديد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وللعلم، دخل سالفيني مرة مبنى البرلمان الأوروبي وهو يرتدي قميصاً عليه صورة زعيم الكرملين، ولقد ذكّره بها المتظاهرون الذين كانوا يحتجون على زيارته أخيراً أحد مراكز استقبال النازحين الأوكرانيين في بولندا.
ولا شك في أن موقف ميلوني من الحرب الأوكرانية كان الدافع وراء اختيار الحزب الجمهوري الأميركي لها ودعوتها لحضور مهرجانه الانتخابي الأخير وإلقاء كلمة فيه، على حساب سالفيني الذي كان يجهر إعجابه بالرئيس السابق دونالد ترمب وكان قد أعلن دعمه لإعادة انتخابه.
- تساؤلات... وهواجس
في أي حال، السؤال المطروح اليوم في الدوائر الأوروبية التي تراقب بقلق صعود القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة، وتتوجّس من احتمال وصول الفاشيين الجدد إلى الحكم في إيطاليا هو التالي؛ ما هو المنسوب الحقيقي للموروث الفاشي في برنامج «إخوان إيطاليا»... وقدرة هذا الحزب - أو استعداده - على ضرب دعائم المشروع الأوروبي من الداخل في دولة وازنة مثل إيطاليا؟
إذ تواجه المجتمعات الديمقراطية صعوبة متزايدة في التعامل مع الطفرات الفاشية، أو «الفاشية الجديدة»، لأن هذه تتغذّى من التصادم بين الحق في حرية التعبير والحق المشروع أيضاً في أن يحمي المجتمع نفسه من الحركات المتعصبّة والعنيفة التي تهدف، في نهاية المطاف، إلى تقويض النظام الديمقراطي لتسود على أنقاضه.
وفعلاً تشهد بلدان أوروبية كثيرة منذ سنوات «صحوة» لهذه الحركات والتيارات التي تستغلّ الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تنشأ عن الأزمات، مثل الانهيار المالي في العام 2008 وجائحة «كوفيد 19»، وغالباً ما تنخرط في المظاهرات الاحتجاجية متماهية مع مطالبها. جدير بالذكر أن الدستور الإيطالي ينصّ في مادته الـ12 على حظر إعادة بناء الحزب الفاشي، الذي أسسه بنيتو موسوليني عام 1921 ولا يزال إرثه من أبشع الصفحات في التاريخ الإيطالي. وليست هذه المادة الدستورية مجرد «إعلان نيات» يهدف إلى طي صفحة الماضي الفاشي، بل هي وسيلة للدفاع عن النظام الديمقراطي الذي قام في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، تضع خارج إطار الشرعية كل حزب يستخدم العنف، أو يهدد باستخدامه، لتحقيق أهدافه السياسية، كما يمنع استخدام أي شعارات فاشية.
- الفاشية وليدة الأزمات
طبعاً، العالم اليوم يختلف عما كان عليه في العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي الذي شهد قيام الحركات الفاشية وازدهارها من «إيطاليا موسوليني» إلى «ألمانيا هتلر» و«إسبانيا فرنكو» و«برتغال سالازار». لكن كثيرين لا ينسون أن تلك الحركات إنما تولّدت من رحم الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تشبه إلى حد كبير الظروف الراهنة التي نشأت عن أزمات متلاحقة توّجتها جائحة «كوفيد 19» قبل أن تنشب الحرب في أوكرانيا. وكانت هذه الظروف الأرض الخصبة التي نمت فيها الحركات اليمينية المتطرفة لتصل إلى الحكم وتبدأ بتنفيذ برامجها وخططها العنصرية بتأييد شعبي واسع. ويضاف إلى ذلك أن أزمة الهجرة التي تتعاقب على أوروبا منذ سنوات ساهمت بنسبة كبيرة في صعود شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة التي كانت هامشية جداً قبلها، وأوصلت بعضها إلى السلطة في حكومات ائتلافية.
«إخوان إيطاليا» يدركون جيداً أن الذي كان ممكناً في أوروبا مطالع القرن الماضي بات اليوم مستحيلاً تسويقه لبلوغ سدّة الحكم في بلدان الاتحاد الأوروبي، الذي تحدد معاهداته شروطاً ملزمة للعمل السياسي واحترام حقوق الإنسان وصلاحيات الأجهزة القضائية. وهو الأمر الذي دفع الحزب اليميني خلال الأشهر الأخيرة إلى الجنوح نحو برنامج معتدل - في الداخل والخارج - عندما تيقّن أنه بات قاب قوسين من قيادة المشهد السياسي اليميني والوصول إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات العامة المقبلة. وفي هذا السياق، كان سالفيني قد حاول في الفترة الأخيرة إقصاء «إخوان إيطاليا» عن مشروع لتشكيل تحالف يضمّ الأحزاب والقوى المحافظة، بحجة أنه الحزب الوحيد خارج الحكومة وهو ما يتيح للتحالف اتخاذ مواقف موحّدة من الأداء الحكومي، والاتفاق على أن يتولّى الحزب الذي يفوز بأعلى نسبة في الانتخابات المقبلة رئاسة الحكومة.
غير أن برلوسكوني، الذي ما زال يرفض مجرد التفكير بخلف له، تباطأ في التجاوب مع دعوة سالفيني، فيما كانت شعبية ميلوني تصعد في استطلاعات الرأي، وبخاصة على حساب زعيم «الرابطة»، إلى أن أصبح وجودها حتمياً داخل التحالف، وحظوظها راجحة في قيادته بعد الانتخابات.
ومع جنوح سالفيني نحو مزيد من التطرف لاستعادة شعبيته المتراجعة، كانت ميلوني تميل أكثر إلى الاعتدال مستقطبة مزيداً من الدعم بين أنصار حركة «النجوم الخمس» التي أخذت تتصدّع تحت وطأة الخلافات، والنزاعات بين التيارات الكثيرة داخلها. ثم إن ميلوني تقترب الآن حالياً بثبات من مراكز القرار الاقتصادي والمالي التي لم تشعر أبداً بالارتياح للمواقف العدائية التي كان سالفيني يجهر بها ضد الاتحاد الأوروبي ومؤسساته... التي لا غنى للاقتصاد الإيطالي عن مساعداتها.
رمزية ميلانو الخاصة... في حسابات جيورجيا ميلوني
> اختارت جيورجيا ميلوني «تقديم بطاقة التعريف الجديدة» لحزبها في المؤتمر الأخير، الذي عقده مطالع الشهر الفائت، في مدينة ميلانو.
وراء هذا الاختيار رمزية شديدة الوضوح والتحدي، ليس فقط لكونها العاصمة الاقتصادية لإيطاليا، بل هي أيضاً مسقط رأس كل من ماتيو سالفيني وسيلفيو برلوسكوني ومعقلهما السياسي. وفي هذه المدينة سجّلت شعبية «إخوان إيطاليا» صعوداً كبيراً في الفترة الأخيرة، مع أن منبَته كان في روما وجذوره في وسط إيطاليا وجنوبها. وأمام الانهيار المتواصل الذي يعاني منها حزب «فورتسا إيطاليا»، الممتنع زعيمه برلوسكوني عن اختيار خلف له رغم تجاوزه الخامسة والثمانين من العمر، والانحدار السريع لـ«الرابطة» وافتقاره لوجهة عقائدية واضحة بعد الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها سالفيني، ظهرت ميلوني وحدها القادرة على قيادة المشهد اليميني. وهي عملياً تقول لحليفيها إنهما إذا كانا يريدان الوصول إلى الحكم عن طريق التحالف، لا بد لهما من مواكبتها... وهي وحدها في موقع القيادة.
لكن المشكلة هنا أن العلاقات تدهورت كثيراً خلال الأشهر المنصرمة بين أطراف التحالف اليميني، وبالأخص، بعد تضارب مواقفهم خلال انتخاب رئيس الجمهورية، وتباعدها إزاء الحرب في أوكرانيا ومواصلة تزويد كييف بالأسلحة. ومن المرجّح أن يتعمّق الخلاف أكثر بعد قرار موسكو استخدام سلاح الغاز الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإيطالي بنسبة عالية، ولا سيّما أن «الرابطة» كانت ألمحت مراراً إلى ضرورة وقف مسلسل العقوبات الأوروبية ضد روسيا، بل عرض سالفيني الذهاب إلى موسكو للوساطة.
لذا يسعى برلوسكوني منذ أيام إلى التخفيف من حدة الخلافات داخل التحالف، لأن تماسكه ووحدة صفه وتقديمه لوائح مشتركة خطوة أساسية في الانتخابات المقبلة، بحكم القانون الانتخابي الذي يعتمد نظام الغالبية، والذي يجازي الأحزاب والتحالفات الكبرى على حساب الأحزاب الصغيرة واللوائح المنفردة.
ولأن ميلوني مهتمة بترسيخ تجاوزها لحزب «الرابطة»، بقدر ما هي مهتمة بتجاوز الحزب الديمقراطي (أقوى مكونات اليسار)، ليصبح «إخوان إيطاليا» الكتلة الأولى في البرلمان، فإنها تسعى منذ فترة إلى إقصاء الجيوب المتطرفة التي ما زالت تحنّ إلى جذورها الفاشية، أو إلى عزلها. وكانت قد قررت للمرة الأولى في تاريخ «الفاشيين الجدد» المشاركة في العيد الوطني الذي تحتفل به إيطاليا في 25 أبريل (نيسان) بمناسبة تحرير البلاد من الفاشية والنازية.


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سياسات مصر السكانية تحقّق اختراقاً نادراً

مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT
20

سياسات مصر السكانية تحقّق اختراقاً نادراً

مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)

بعد نحو ستة عقود من الجهود والمساعي الحثيثة لمواجهة الأزمة السكانية، يبدو أن سياسات مصر في هذا الصدد بدأت تؤتي ثمارها، محققة اختراقاً نادراً يتمثل بتراجع معدل المواليد؛ ما ينبئ بإمكانية الوصول إلى المستهدفات بحلول عام 2030. جاء هذا الاختراق مقترناً بما أعلنه نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، أخيراً، عن «تسجيل أقل معدل نمو سكاني في البلاد خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالربع الأول من 2024 وكذلك عام 2023، في استمرار لانخفاض معدلات الزيادة السكانية على مستوى ربوع البلاد». وهو ما عدَّه وزير الصحة «إنجازاً يعكس نجاح الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق التوازن بين النمو السكاني والتنمية المستدامة».

وزير الصحة المصري في جولة داخل أحد المستشفيات (أرشيفية - وزارة الصحة المصرية)
وزير الصحة المصري في جولة داخل أحد المستشفيات (أرشيفية - وزارة الصحة المصرية)

تراجع نمو معدل المواليد لا يعني بالضرورة تراجع عدد السكان أو ثباته. وفيما يخص مصر، فإنها لم تصل بعد إلى نسبة التوازن المستهدفة، التي يتساوى فيها معدل المواليد مع معدل الوفيات أو ما يعرف بـ«السكون السكاني».

ووفق ما أعلنه وزير الصحة المصري، الدكتور خالد عبد الغفار، بلغ عدد السكان في أول يناير (كانون الثاني) 2023 نحو 104.4 مليون نسمة، وارتفع إلى 107.2 مليون نسمة في أول يناير 2025؛ ما يعني أن متوسط معدل النمو السنوي خلال تلك الفترة بلغ نحو 1.34 في المائة، مقارنة بمعدل 1.4 في المائة عام 2024، و1.6 في المائة خلال عام 2023، مشيراً إلى أن ذلك يعكس «تحولاً إيجابياً نتيجة للسياسات السكانية التي تنفذها الدولة».

عدد سكان مصر بلغ عام 1897 نحو 9.7 مليون نسمة، لكنه تزايد تدريجياً حتى أضحت قضية الزيادة السكانية واحدة من القضايا المدرجة على أجندة الدولة المصرية منذ الستينات من القرن الماضي. وبالفعل، أسّس «المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة» عام 1965. وفي منتصف الثمانينات أُسّس «المجلس القومي للسكان». ومن ثم تواصلت الجهود للحد من الزيادة السكانية، وكان الحدث الأبرز عام 1994 استضافة مصر مؤتمراً دولياً عن السكان والتنمية، لتتخذ الجهود منحًى آخر أكثر كثافةً ترافق مع حملات إعلامية بشعارات لافتة من قبيل «قبل ما نزيد مولود نتأكد أن حقه علينا موجود».

مؤشر إيجابي

لعقود طويلة دفعت الزيادة السكانية إلى اختناق المدن المصرية، والتهمت موارد الدولة وجهود التنمية، وسط شكاوى حكومية مستمرة من نقص الموارد الكافية للزيادة السكانية.

وسبق أن حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً من النمو السكاني، وعدّه «أكبر خطر يواجه مصر في تاريخها». وفي سبتمبر (أيلول) 2023، أثناء افتتاحه «المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية»، قال: «يجب أن يتم تنظيم الإنجاب، وإن لم يتم تنظيمه، فإنه يمكن أن يتسبّب في (كارثة) للبلد».

وأشار السيسي إلى مخاطر النمو السكاني على جهود التنمية، فقال في نهاية عام 2022 إن «النمو السكاني سيأكل البلد». وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021 قال إن «استمرار النمو بالمعدلات الحالية يعرقل جهود التنمية». وما يذكر أنه عام 2017 عدَّ السيسي «الإرهاب والزيادة السكانية أكبر خطرين يواجهان البلاد».

الآن يبدو أن التحذيرات والجهود بدأت تؤتي ثمارها. ورأى الدكتور مجدي خالد، المدير السابق لصندوق الأمم المتحدة للسكان وعضو «اللجنة الاستشارية العليا» لتنظيم الأسرة بوزارة الصحة المصرية، في انخفاض معدل المواليد «نتاجاً للسياسات التي تضمنتها الاستراتيجية القومية للسكان». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الانخفاض ليس مفاجئاً ولا عشوائياً، وهو مستمر منذ ثلاث سنوات إثر تدخلات فاعلة تمت خلال السنوات العشر الأخيرة».

وبينما اتفق مقرّر المجلس القومي للسكان السابق، الدكتور عاطف الشيتاني، مع هذا الرأي، فإنه رأى خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تراجع معدل المواليد إشارة جيدة وثمرة لجهود مستمرة منذ الستينات، وأردف: «هناك حقائق عدة لا بد من التعامل معها في هذا المجال في إطار خطة استراتيجية لمواجهة الأزمة بنهاية عام 2030».

وأوضح الشيتاني أن «الدولة تسعى للوصول لمرحلة التوازن السكاني، أي زيادة سكانية صفر، بتساوي معدل الوفيات ومعدل المواليد»، مشيراً إلى أن معدل المواليد حالياً يقترب من مليونين سنوياً، في حين يبلغ معدل الوفيات 600 ألف سنوياً.

وفي يناير الماضي، أعلن «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» في مصر أنه «للمرة الأولى منذ عام 2007 لم تتجاوز أعداد المواليد حاجز المليونين»، لافتاً إلى أن عدد المواليد خلال عام 2024 بلغ مليوناً و968 ألف مولود، مقارنة بمليونين و45 ألف مولود عام 2023، في حين بلغ عدد الوفيات 610 آلاف شخص خلال عام 2024، مقارنة بـ583 ألفاً خلال عام 2023.

هذا، وساهمت الحملات المستمرة في انخفاض معدل المواليد سنوياً، قبل أن يعود للارتفاع عام 2014؛ ما دفع إلى تكثيف الجهود مرة أخرى، وفق الشيتاني الذي يرى أن «حركة السكان وسلوكهم الإنجابي لا يمكن تعديلهما في يوم وليلة، فهما مؤشران ثقيلان يحتاجان إلى عقود من الجهد».

وعقب أحداث عام 2011 في مصر، قفز معدل المواليد عام 2012 إلى نحو 32 مولوداً لكل ألف مواطن، وشهد عام 2014 أكبر معدل للمواليد 2014، وبلغ مليونين و720 ألف مولود، قبل أن يعاود الرقم الانخفاض تدريجياً في الأعوام التالية، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

الحذر مطلوب

مع هذا، ورغم أن انخفاض معدل المواليد مؤشر إيجابي، يطالب الشيتاني بالحذر في التعامل مع الأرقام ربع السنوية، وانتظار البيانات الرسمية لنهاية العام، لا سيما وأن معدل المواليد موسمي وربما يزيد في فصل الصيف. ويشرح: «هناك مؤشرات أخرى لا بد من وضعها في الحسبان، من بينها معدل الإنجاب. والدولة تسعى لمعدل إنجاب بمتوسط طفلين لكل سيدة بحلول 2028، في حين يصل المعدل الحالي إلى 2.8 طفل لكل سيدة».

ويلفت الشيتاني إلى نتائج المسح السكاني الصحي لعام 2021، التي أظهرت أن معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة لا يتجاوز 67 في المائة، في حين المستهدف 74 في المائة، وذلك مع أن 20 في المائة من المواليد خلال السنوات الخمس السابقة للمسح الصحي كانوا «غير مخطط لهم». وهذا – وفق الشيتاني – يعني أن «هناك نقصاً في المعلومات، ثم إن الوصول لوسائل تنظيم الأسرة يتطلب جهوداً مكثفة في هذا الإطار».

في سياق موازٍ، بحسب دراسة الجدوى الاقتصادية لإنهاء الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة في مصر، التي أطلقها «معهد التخطيط القومي» و«صندوق الأمم المتحدة للسكان» في أبريل (نيسان) 2024، تحتاج برامج تنظيم الأسرة إلى استثمار إجمالي قدره 11.1 مليار جنيه (الدولار يساوي 50.9 جنيه في البنوك المصرية)؛ وذلك لتقليل الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة في مصر لتصل إلى 8.6 في المائة بحلول 2030 وتجنب مليون و400 حالة حمل غير مرغوب فيها.

هذا، ويهدف «البرنامج القومي لتنظيم الأسرة» إلى «تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة للأسر المستفيدة من برنامج (تكافُل) من خلال رفع وعي الأسر المستهدفة وتطوير عيادات تنظيم الأسرة بتكلفة 1.2 مليار جنيه، وتقديم خدمات ووسائل تنظيم الأسرة بالمدن والقرى على مستوى الجمهورية، خصوصاً المناطق النائية والمحرومة، ضمن مبادرة رئيس الجمهورية (حياة كريمة) لرفع معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة وخفض معدلات الزيادة السكانية».

ويضاف إلى هذا «توقيع الكشف الطبي، وصرف وسائل تنظيم الأسرة وبخاصة الوسائل الطويلة المفعول، والأدوية بالمجان عن طريق اختصاصيي تنظيم الأسرة والنساء والتوليد في العيادات الثابتة والمتنقلة، والمراكز الحضرية، والمستشفيات العامة والمركزية ومراكز رعاية الأمومة والطفولة»، بحسب موقع الرئاسة المصرية.

من جهة أخرى، رغم المؤشرات الإيجابية، يؤكد المدير السابق لـ«صندوق الأمم المتحدة للسكان» أن «تحقيق المستهدفات يتطلب المزيد من الجهد ودراسة الأسباب التي دفعت إلى انخفاض معدل المواليد في محافظات معينة في حين يرتفع في أخرى، ومحاولة تكرار التجربة». وللعلم، سجلت محافظة بورسعيد (بشمال مصر) أدنى معدل نمو سكاني في البلاد بنسبة 0.61 في المائة؛ ما يجعلها أول محافظة تحقق «شبه سكون سكاني».

في المقابل، يمثل إقليم الوجه القبلي (صعيد مصر) أكبر نسبة مواليد؛ إذ بلغت 45 في المائة، مع أنه يشكل 39 في المائة من تعداد السكان، «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» بداية العام الحالي. وبيّن «الجهاز» أن محافظات بورسعيد ودمياط والدقهلية والغربية والسويس كانت أقل المحافظات من حيث معدل المواليد لعامي 2024 و2023.

بنايات في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)
بنايات في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)

المرأة هي البطل

على الجانب الآخر صرّح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، لـ«الشرق الأوسط» بأن التراجع في معدلات المواليد «مرتبط بتغيرات مجتمعية تتعلق بزيادة مستوى التعليم، ونسب عمل المرأة، وتراجع سن الزواج، إضافة إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية... وصحيح أن الدولة وضعت سياسات وخططاً ونظَّمت حملات إعلامية ووفرت وسائل تنظيم الأسرة، لكن العامل الفاعل والبطل في إحداث تغيير كان المرأة وزيادة وعيها العلمي والاقتصادي والمجتمعي».

ما سبق عوامل لم ينكرها المتخصصون في السكان، لكن الشيتاني وخالد يعتقدان أن إثبات دور العوامل المجتمعية من تعليم وأوضاع اقتصادية يحتاج إلى دراسات. وأكدا أن الحقائق تقول إن هناك سياسات حكومية لمكافحة الزيادة السكانية، وهناك تراجع في معدل المواليد بالأرقام، أي عوامل أخرى تحتاج لدراسة».

وكانت الدكتورة عبلة الألفي، نائب وزير الصحة لتنمية الأسرة والمشرفة على «المجلس القومي للسكان»، قد أكدت في تصريحات صحافية أخيراً أن «التراجع الحالي في معدل النمو السكاني جاء نتيجة لتحوّل ثقافي مستقر، وليس تأثيراً ظرفياً ناتجاً من ظروف اقتصادية».

حقائق

الفن والإعلام شاركا في المحاولات الحكومية للتوعية

> وسط تحذيرات متكررة من مخاطر الزيادة السكانية في مصر، وتزامناً مع جهود وسياسات حكومية لخفض معدل الولادات، لعب الإعلام دوراً مهماً، عبر حملات إعلانية وأعمال درامية ناقشت الظاهرة، وحاولت التحذير من مخاطرها، بعضها حفر طريقه في ذاكرة المصريين. وكانت أغنية «حسنين ومحمدين... زينة الشباب الاتنين» التي أدتها الفنانة فاطمة عيد في الثمانينات واحدة من أبرز الحملات الإعلامية في هذا الإطار، عبر التركيز على الفرق بين رجلين أحدهما أنجب 7 أطفال والآخر اكتفى بطفلين. أيضاً قدمت فاطمة عيد في الفترة نفسها إعلان «الست شلبية»، وهو إعلان رسوم متحرّكة يحث النساء على التوجه إلى عيادات تنظيم الأسرة. واعتمدت الحملات الإعلانية على نجوم الفن، وشاركت الفنانة كريمة مختار في إعلانات عدة لتوعية المرأة بأهمية تنظيم الأسرة خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات. وتوالت بعد ذلك الحملات الإعلانية، التي ركّز بعضها على الرجل ودوره، كالحملة التي شارك فيها الفنان المصري أحمد ماهر ورفعت شعار «الراجل مش بس بكلمته... الراجل برعايته لبيته وأسرته». أو حملات ركزت على المرأة مثل «بالخلفة الكتير... يتهد حيلك وجوزك يروح لغيرك». وأخرى حاولت التأكيد على أهمية الصحة معتمدة شعار «مش بالكترة بنات وبنين... لاء بالصحة وبالتنظيم». وأخرى للترويج لوسائل تنظيم الأسرة «اسأل... استشير». ولم يقتصر الأمر على الإعلانات، بل امتد إلى الدراما التلفزيونية والسينمائية، وربما من أشهر تلك الأعمال فيلم «أفواه وأرانب» من بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين 1977، وفيلم «الحفيد» بطولة عبد المنعم مدبولي وكريمة مختار 1974. وتناولت بعض الأفلام تأثير زيادة الإنجاب على الأوضاع الاقتصادية، مثل فيلم «لا تسألني من أنا»، بطولة شادية عام 1984، وفيه باعت البطلة إحدى بناتها لتنفق على باقي أسرتها. وغيرها الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي حاولت طرح القضية من زوايا عدة بشكل مباشر أو غير مباشر. وبينما حظيت بعض الأعمال الفنية سواء إعلانات أو دراما بإعجاب الجمهور، فإن أخرى لم تلق استحساناً، مثل إعلان «أبو شنب» عام 2019، الذي جسّد فيه الفنان المصري أكرم حسني شخصية صعيدية بصبغة كوميدية، في إطار حملة توعوية أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي لمكافحة الزيادة السكانية تحت عنوان «2 كفاية» واختارت لها شعار «السند مش في العدد». إذ أثارت الحملة يومذاك انتقادات عدّة، وعدّها البعض تشويهاً لمنطقة الصعيد (جنوب مصر).