دراسة: «إنستغرام» رئة الحياة للمشروعات الجديدة في السعودية

21 % من السيدات يلجأن إليه في تسويق منتجاتهن.. و«تويتر» يأتي ثانيًا

تستغل كثير من السعوديات تطبيق «إنستغرام» للدعاية لمنتوجاتهن
تستغل كثير من السعوديات تطبيق «إنستغرام» للدعاية لمنتوجاتهن
TT

دراسة: «إنستغرام» رئة الحياة للمشروعات الجديدة في السعودية

تستغل كثير من السعوديات تطبيق «إنستغرام» للدعاية لمنتوجاتهن
تستغل كثير من السعوديات تطبيق «إنستغرام» للدعاية لمنتوجاتهن

بعيدا عن ضجيج الأسواق وتكلفة إنشاء المتاجر، تجد الكثير من السيدات السعوديات في برنامج «إنستغرام» المصدر الأول لتسويق منتجاتهن، مما جعله اليوم يتحول إلى رئة تتنفس من خلالها هذه المشروعات الافتراضية التي وجدت ملجأها في البرنامج الذي وصل عدد مشتركيه لأكثر من 200 مليون شخص حول العالم خلال العام الماضي 2014، منهم 75 مليونا يستخدمونه بشكل يومي.
وأظهرت دراسة أعدها مجلس شابات أعمال المملكة التابع لصندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة، بمدينة الخبر، حول «مشروع مقترح لتنظيم العمل من المنزل في السعودية»، أن نحو 21 في المائة من السيدات العاملات من المنزل يعلن منتجاتهن من خلال برنامج «إنستغرام»، وجاء «تويتر» ثانيا بنسبة 17 في المائة، ثم «فيسبوك» ثالثا بنسبة 12 في المائة، وهو ما ينسجم مع ما تظهره بعض الإحصاءات بأن وصول الزبائن من خلال «فيسبوك» تراجع بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.
أما المرتبة الرابعة فاحتلتها المعارض والبازارات بنسبة 10 في المائة، في حين لم تظهر الدراسة دور برنامج «سناب شات» في تسويق المشروعات الناشئة، على الرغم من انتشاره الكبير في أوساط السعوديين والسعوديات، وكذلك لم تتطرق الدراسة إلى دور مشاهير الإعلام الاجتماعي في الترويج التجاري عبر هذه الوسائل، وعما إن كان التسويق المقصود هنا يجري عن طريق التاجرة نفسها أم بواسطة أفراد فاعلين في ذات الوسائل الاجتماعية.
ونظرا لارتباط الدراسة بمشروع مقترح تنظيم العمل من المنزل، الذي يشغل الكثير من الأوساط التجارية في البلاد، فقد تقدم مجلس شابات الأعمال بعرض نتائج هذه الدراسة على الدكتور توفيق الربيعة، وزير التجارة والصناعة السعودي، واستشهدت الدراسة بتجربة العمل من المنزل في بعض الدول الكبرى، حيث تظهر الإحصاءات أن 72 في المائة من الأعمال تبدأ من المنزل في أميركا وتديرها سيدات وتملكها.
وتظهر الإحصاءات كذلك أن 52 في المائة من المشروعات الصغيرة في الولايات الأميركية مشروعات قائمة من المنزل، وتبين أن 68 في المائة من ضمن مشروعات السيدات المؤسسة من المنزل في أميركا تستمر في العمل من المنزل بعد ثلاث سنوات ونصف السنة، وأما في بريطانيا فإن 2.9 مليون مشروع عمل من المنزل تدر على الاقتصاد البريطاني 300 مليار جنيه إسترليني.
وبينت الدراسة الآثار الإيجابية للعمل من المنزل، بصفته «يخلق فرص عمل للشباب وللشابات ويفعل دورهم في تنمية الاقتصاد المحلي، وتخفيض تكاليف البدء في العمل التجاري في السنوات الأولى، وتوفير فرص عمل للمرأة مع الحفاظ على دورها الرئيسي كأم ومربية، وتوفير الفرصة للأسرة والأفراد من ذوي الدخل المحدود للتحول إلى أسر منتجة تساهم في التنمية الاقتصادية وترفع من مستواهم المعيشي والاجتماعي».
كما أشارت الدراسة إلى أن هذه المشروعات «تسهم في توفير فرص للأسر ذوي الدخل المحدود للتحول لأسر منتجة، وتمنح فرصا أيضا لبعض فئات المجتمع كذوي الاحتياجات الخاصة لتفعيل طاقاتهم في بيئة العمل، إضافة إلى الاستفادة من خبرات المتقاعدين وكبار السن وتوفير فرص مناسبة لهم، والحد من الاعتماد على العمالة الوافدة».
ورغبة من مجلس شابات الأعمال في الاستفادة من التجارب السابقة للدول المجاورة والأجنبية، فلقد قام الفريق المنفذ للدراسة بدراسة الضوابط والأطر التنظيمية في كل من سويسرا، وبريطانيا، وبعض دول الخليج العربي، بالإضافة إلى كندا وأميركا، وعلى ضوء ذلك جرى حصر الأنشطة الممكن مزاولتها من المنزل. ووفقا لبيان صحافي تسلمته «الشرق الأوسط» أمس، قال حسن الجاسر، وهو الأمين العام لصندوق الأمير سلطان: «إن هذه الدراسة التي استغرقت وقتا وجهدا، تعالج مشكلة البطالة التي تعتبر أحد تحديات الدول الناشئة والكبرى، وتؤثر على الاقتصاد والأمن والاستقرار، حيث تشير أغلب الدراسات إلى العلاقة الترابطية بين معدلات النمو الاقتصادي والتغير بمعدلات البطالة».
من جهتها، علقت هناء الزهير، نائب الأمين العام للصندوق، على الدراسة بالقول: «نظرا للارتفاع الملحوظ لمستويات البطالة في المملكة بين الإناث خاصة، والذكور عامة، شكل مجلس شابات الأعمال فريقا خاصا لدراسة مشروع ترخيص العمل من المنزل، رغبة منه في المساهمة في إيجاد حل مستدام من شأنه أن يتطلع إلى استثمار الطاقات والكفاءات المهدرة وتحويلها لطاقات منتجة تشارك في تنمية الاقتصاد المحلي وتسهم في نهضة المجتمع».
أما أفنان البابطين، وهي المدير التنفيذي للصندوق، فتعلق على هذه الدراسة قائلة: «رغم عدم وجود تراخيص حالية لمزاولة العمل من المنزل فإننا نتعامل مع الكثير من المشروعات القائمة التي تجري مزاولتها حاليا من المنزل والتسويق إليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحيث نعمل على تطويرها إلى مشروعات نظامية».
وتضيف: «المشروعات من المنزل تعمل من دون ضوابط تنظم هذا القطاع، فلا رقابة عليه، فيزاولون النشاط كمشروعات صغيرة ومتوسطة وبعضها يحقق دخلا متوسطا والبعض دخلا عاليا وتكون التعاملات المالية عبر الحسابات البنكية أو الدفع النقدي، دون تأثير واضح على الاقتصاد المحلي لعدم وجود تراخيص».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)