تحتوي مدينة نيويورك على 91 مهرجاناً صغيراً وكبيراً ومتوسطاً تمتد في كل شهر من السنة. الأكبر حجماً ثلاثة هي مهرجان نيويورك الذي تأسس سنة 1963 ويُقام في خريف كل سنة، ومهرجان «مخرجون جدد/ أفلام جديدة»، الذي تأسست دورته الأولى سنة 1972 ويُقام في الشهر الثالث من كل عام، ثم «تريبيكا» الذي انطلق سنة 2002 ويقام في ربيع كل سنة - عادة قبل مهرجان «كان»، لكنه مقام حالياً بعده والمرجّح الحفاظ على موعده الجديد.
من يمنّي النفس بإقامة مهرجان عالمي عليه أن يحضر أحد هذه المهرجانات ثم يدلف منها إلى فينيسيا أو برلين. هذا لأن هناك إدارة صارمة وأذهان متوقدة وشغل دائم طوال العام تحسّباً للمنافسة القائمة بين كل واحد من هذه المهرجانات. صحيح أن مهرجان «مخرجون جدد/ أفلام جديدة» يعرض لمخرجين أول مرّة (وأحياناً ثاني مرّة)، إلا أن المهرجانين الآخرين المنافسين في المدينة ذاتها لا يمانعان في استقبال أفلام لمخرجين جدد أيضاً.
حين التأسيس، صرّح روبرت دنيرو أن الغاية من إقامته هو الرد على الكارثة التي أصابت مدينة نيويورك سنة 2001. وهو بالفعل عمل بكل قوّته وشهرة اسمه ليؤمّن انطلاقة كبرى لمهرجانه وكانت ردّة الفعل رائعة. بعد عام واحد من انطلاقته بلغ عدد التذاكر المبيعة قرابة 300 ألف تذكرة. حالياً يؤم المهرجان ما بين 140 ألف و200 ألف مشاهد (بمن فيهم المشتركون في عروض منزلية).
انطلق المهرجان في الثامن من هذا الشهر وينتهي في التاسع عشر منه، لكن العروض المنزلية بدأت في التاسع من الشهر، تستمر حتى السادس والعشرين منه.
- تميّز
الحضور الكثيف هو جانب واحد من جوانب هذا النجاح. أرقام هذا العام المعلنة من قِبل المهرجان تُفيد بأن عدد الأفلام المعروضة يبلغ 110 أفلام لـ151 مخرجاً (على أساس أن بعضها من إخراج مزدوج) من بينها 88 فيلماً من العروض العالمية الأولى.
تقول مديرة برمجة المهرجان كارا كوسومانو لـ«الشرق الأوسط»: «شخصياً، أنا فخورة بما أنجزناه هذا العام. هو نوع من بداية جديدة بعد عامين من المصاعب بسبب الوباء. هذه الدورة هي بالتأكيد أفضل من تلك التي سبقتها ربما على نحو لا يُقاس».
ردّاً على سؤال حو ما يميّز هذه الدورة، أجابت: «نحن فخورون بأن معظم الأفلام التي نقدّمها هنا هي من صنع سينمائيين مستقلين. لكننا فخورون أكثر لحقيقة أن ما اخترناه من أفلام يجمع كل ما يود الجمهور مشاهدته من أفلام. لدينا أفلام ترفيهية جيدة لجانب أفلام تتناول قضايا ومسائل جادّة تطرح ما يمر به العالم من تطوّرات».
بمراجعة كل ذلك على صفحات الكاتالوغ الخاص يتبيّن أن المهرجان توجه للحصول على عدد كبير من الأفلام التي ترضي جماعات الحقوق النسائية والمثلية. هناك 64 في المائة من الأفلام المعروضة من إخراج نسائي أو تدور حول علاقات عاطفية معيّنة. السؤال، الذي لم نلق إجابة عليه، هو إذا ما كان ذلك يخل بتوازن منشود أو إذا ما كان مجرد وجود امرأة وراء الكاميرا يعني «كارت بلانش» للاشتراك في هذا المهرجان.
- متاعب رجالية
الأفلام ذاتها لا تعرف إلا التصنيف القائم على الجودة. وفي هذا المضمار لا فرق بين من يقف وراء الكاميرا بل ما يجول في باله.
أحد الأفلام الأولى التي شوهدت هنا هو «كبرياء جوزيف تشامبرز» (The Integrity of Joseph Chambers)، وهو الفيلم الثاني لمخرجه روبرت ماتشويان: دراما حول موقع الرجل من عائلته عندما يحاول الذود عنها بسبب خطأ قام به وعليه أن يتحمّل تبعاته. ما يمتلك دواخل بطل الفيلم (كلاين كروفورد) هو البرهنة على أنه ما زال قادراً على إدارة مصيره بالطريقة التي يراها مناسبة حتى في زمن صعب كالذي نعيشه.
أحد الأفلام الأخرى التي تناولت الرجل ومسؤولياته العائلية «مكان ما في كوينز» (Somewhere in Queens) وهو الفيلم الأول لراي رومانو مخرجاً (في الأساس ممثل تلفزيوني نال نجاحاً عبر مسلسل «الكل يحبّ رايموند»، الذي دام نجاحه تسع سنوات ما بين 1996 و2005). الحبكة هنا تدور حول علاقة رجل بزوجته وابنه عندما يمضي بعيداً في حماسه بأمل أن يخلق من ابنه رياضياً ناجحاً.
متاعب الرجال نجدها أياً في فيلم يواكيم باك «كورنر أوفيس» حول الموظف معظم أحداثه تدور في مكتب يوحي بالأجواء الثقيلة لمكاتب الشركة التي يعمل فيها أورسن (جون هام). الإيحاء هنا هو أن مثل هذه البيئات القاهرة للنفس والمانعة للتطوّر لا تزيد فقط من نسبة الموظفين الفاسدين بل أيضاً تحرم غير الفاسدين منهم من التقدّم وتحقيق ما يصبون إليه من نجاح.
فيلم كافكاوي كان يمكن له أن ينجز ما يريد طرحه من مضمون لو تم الاعتناء أكثر بشخصية بطله الذي، من بين سلبيات الفيلم، يقوم بالتعليق الصوتي لما كان يجب أن نراه ماثلاً.
لجانب هذه هناك بضعة أفلام غير روائية تدور حول شخصيات واقعية محددة. مثلاً هناك Lynch-Oz لألكسندر فيليبو الذي يبحث في تأثير فيلم «The Wizard of Oz» على المخرج المستقل ديفيد لينش.
في Rudy! A Documusical يقوم المخرج جد روثشتاين بتقديم «بورتريه» مزوّد باستعراضات موسيقية لمحافظ مدينة نيويورك رودي جيلياني. لا ينوي الفيلم البحث عن نقاظ إيجابية في حياة جيلياني، بل صيد شخصيّته.
المعاملة الإيجابية من نصيب فيلم Halftime: تسجيلي جديد يدور حول الممثلة جنيفر لوبيز وشخصياتها ومهنتها. الفيلم من إخراج أماندا ميشالي، التي تطرح كذلك حب لوبييز لرياضة القدم في الوقت الذي تنصرف فيه إلى أعمالها ومشاريعها الفنية إنتاجاً وتمثيلاً.