ما هي المستجدات التي طرأت في الأيام العشرة الأخيرة وجعلت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يغيّر موقفه من الحرب في أوكرانيا ليقول، كما ينقل عنه مساعدوه «إن أوكرانيا يجب أن تنتصر» بعد أن كان يردّد أنه لا يجب أن تكون نهاية الأزمة عبر «إذلال» روسيا؟ وما الذي حصل حتى أصبح الدبلوماسيون الفرنسيون في بروكسل يرددون أنه «لا بد من استعادة أوكرانيا لوحدة أراضيها»، وأن «انتصار روسيا في الحرب من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة خطيرة للنظام العالمي»، بعد أن كانت باريس محطّ انتقادات كييف وبعض الشركاء الأوروبيين، مثل بولندا، بأنها تريد الحفاظ على خط الرجعة مع موسكو وتسعى إلى وقف لإطلاق النار يكرّس الأمر الواقع؟ وما هي التطورات التي جعلت فرنسا تعدّل موقفها من انضمام أوكرانيا السريع إلى الاتحاد بعد أن كانت تتحدث عن فترة لا تقلّ عن عشرين عاماً؟
هذه الأسئلة، وغيرها كثيرة، تطرحها الأوساط الدبلوماسية في العاصمة الأوروبية بينما تترقّب الزيارة التي سيقوم بها ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولز ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي إلى كييف، حيث من المنتظر أن يؤكد الرئيس الفرنسي على «التحوّل الجذري في الموقف الأوروبي المشترك»، كما يقول مصدر سياسي رفيع في بروكسل، على بعد أيام قليلة من قمة الاتحاد التي من المرجّح أن تحدد الإطار الزمني لانضمام أوكرانيا إلى النادي الأوروبي.
الأوساط الدبلوماسية الفرنسية في بروكسل لا تقول إذا كان المقصود بانتصار أوكرانيا هو الانسحاب الكامل للقوات الروسية، أو العودة إلى الوضع الذي كان قائماً في 24 فبراير (شباط) الفائت، وتكتفي بالتذكير أن الجنرال ديغول عندما تحدّث في العام 1940 عن استعادة كرامة فرنسا، لم يكن يتصوّر ماذا سيكون عليه الوضع في العام 1944 «والشيء نفسه بالنسبة إلى زيلينسكي؛ لأن هذه هي طبيعة الحروب».
يقول دبلوماسي فرنسي رفيع في بروكسل، إن سوء التفاهم بين باريس وكييف طويت صفحته بعد المكالمة الأخيرة بين ماكرون وزيلينسكي، وإن فرنسا مستعدة للتجاوب مع طلب أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها تصرّ على الطرح الذي قدّمه ماكرون لإنشاء «مجموعة سياسية أوروبية» تنضمّ إليها كييف في مرحلة أولى، قبل انضمامها إلى الاتحاد، وتتمتع فيها بالعديد من مزايا العضوية، بما فيها التضامن الدفاعي المشترك في حال التعرّض لاعتداء خارجي. ويشير الدبلوماسي الفرنسي إلى أن ألمانيا وإيطاليا تؤيدان هذا الطرح، على أن يشمل أيضاً دولاً أخرى مهددة مباشرة مثل مولدافيا، ودول البلقان المرشّحة لعضوية الاتحاد منذ سنوات؛ منعاً لحدوث فراغ يمكن أن تستغلّه موسكو أو بكين.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون هذا التحول في الموقف الفرنسي نتيجة تحرر ماكرون من عبء حملة الانتخابات الرئاسية التي أراد أن يظهر خلالها كوسيط من أجل السلم وليس كمحرّض على استمرار الحرب وتوسيع دائرتها، وأيضاً لأن المحور الثلاثي الذي تشكّله باريس وبرلين وروما بات على اقتناع بأن بوتين لن يذهب إلى المفاوضات ما لم تتعرّض القوات الروسية لهزيمة أو انتكاسة توقف تقدمها. وهذا ما يفسّر قرار فرنسا وإيطاليا وألمانيا في الأيام الأخيرة تزويد أوكرانيا بأكثر الأسلحة تطوراً في ترساناتها التقليدية.
ويرى آخرون، أن منح أوكرانيا صفة الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد، ضمن مجموعة من الضمانات والشروط، يمهّد لتعهد رسمي من كييف بعدم الانضمام إلى الحلف الأطلسي (الناتو)، كمدخل لمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا برعاية الأمم المتحدة لإنهاء الحرب وتسوية النزاع وإعادة تشكيل التوازنات الأمنية في أوروبا.
في غضون ذلك، تنكبّ المفوضية الأوروبية على إنجاز موقفها من المرحلة الأولى لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد بعد الزيارة الخاطفة التي قامت بها أورسولا فون در لاين إلى كييف، وقالت، إنها عادت منها بتقويم إيجابي للمسار الذي قطعته أوكرانيا كي تحصل على وضع دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وكانت رئيسة المفوضية قالت في حديثها مع الصحافيين خلال رحلة العودة في القطار من كييف «إن أوكرانيا أنجزت الكثير في السنوات العشر المنصرمة وما زال أمامها الكثير»، مشيرة إلى أن الموقف الرسمي للمفوضية سيصدر يوم الجمعة المقبل، وسيكون على مائدة القمة الأوروبية التي ستبتّ فيه بعد أيام.
ويعود للدول الأعضاء في الاتحاد أن تقرّر، بالإجماع، منح أوكرانيا الصفة الرسمية لدولة مرشحة، الأمر الذي من المرجّح أن يثير جدلاً واسعاً، حيث إن بعض البلدان، مثل السويد والدنمارك وهولندا والنمسا، ما زالت على اعتراضها منح كييف هذه الصفة استناداً إلى التقرير الأخير لديوان المحاسبة الأوروبي الذي جاءت استنتاجاته سلبية جداً ضد أوكرانيا من حيث عدم استيفائها شروطاً أساسية لطلب الانضمام، خاصة في مجالات مثل سيادة القانون والفساد وحقوق الإنسان، فضلاً عن نردد دول أخرى مثل ألمانيا والنمسا.
وكانت فون در لاين صرّحت بقولها «لا شك عندي في أن القرار الذي ستتخذه القمة المقبلة سيكون تاريخياً، واعقد الأمل في أننا عندما ننظر إلى الوراء بعد عشرين عاماً من اليوم سنقول، إننا اتخذنا القرار الصحيح»، مذكرة بأن سبيل الانضمام إلى النادي الأوروبي معروف وهو «يقوم على الكفاءة».
تبدل لافت في الموقف الفرنسي قد يؤسس لإنهاء حرب أوكرانيا
تبدل لافت في الموقف الفرنسي قد يؤسس لإنهاء حرب أوكرانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة