مبنى مركز دراسات الشرق الأوسط لجامعة أكسفورد.. جوهرة معمارية في قلب العراقة

مدير المركز لـ («الشرق الأوسط»): المبنى الجديد يواكب التطورات المعمارية في المنطقة

مبنى مركز دراسات الشرق الأوسط من تصميم المهندسة العراقية الأصل زها حديد في جامعة أكسفورد   (تصوير: جيمس حنا)
مبنى مركز دراسات الشرق الأوسط من تصميم المهندسة العراقية الأصل زها حديد في جامعة أكسفورد (تصوير: جيمس حنا)
TT

مبنى مركز دراسات الشرق الأوسط لجامعة أكسفورد.. جوهرة معمارية في قلب العراقة

مبنى مركز دراسات الشرق الأوسط من تصميم المهندسة العراقية الأصل زها حديد في جامعة أكسفورد   (تصوير: جيمس حنا)
مبنى مركز دراسات الشرق الأوسط من تصميم المهندسة العراقية الأصل زها حديد في جامعة أكسفورد (تصوير: جيمس حنا)

كشفت جامعة «أكسفورد» العريقة، أمس، عن آخر إضافة معمارية لكلية «سنت أنتوني» التابعة لها، والتي أشرفت على تصميمها المهندسة عراقية الأصل زها حديد بهدف توسيع مركز دراسات الشرق الأوسط بالجامعة واحتضان مكتبة المركز الأرشيفية.
وأزاحت الشيخة موزة بنت ناصر الستار عن المبنى الجديد الذي أضفى لمسة عصرية متميزة بين مباني الجامعة العريقة والتي يرجع معظمها إلى عصر الملكة فيكتوريا. وسيحتضن المبنى الذي تبلغ مساحته 1127 مترا مكعّبا، ابتداء من السنة الدراسية المقبلة، وثائق مركز الشرق الأوسط الأرشيفية بالإضافة إلى مكتبة وقاعة محاضرات.
وقال يوجين روغان، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أكسفورد لـ«الشرق الأوسط»: «يعدّ هذا المبنى إبداعا معماريا حقيقيا أضفى لمسة معاصرة أساسية لمواكبة التطورات المعمارية في منطقة الشرق الأوسط. فأغلب المباني الجديدة في الإمارات والسعودية ومصر والعراق وغيرها تتميز بالإبداع والمعاصرة. فضلا عن ذلك، فإن هذه الطفرة المعمارية الفريدة تتماشى وتاريخ الجامعة المعماري والذي تميز في الماضي بالإبداع ورسم توجهات معمارية جديدة».
من جهة أخرى، أشار روغان إلى أن أهمية المبنى لا تتوقف عند بعده المعماري فحسب، بل تتجاوزه إلى تعزيز مهمة المركز التعليمية وتوسيع نطاق النقاش حول قضايا الشرق الأوسط. يقول روغان: «اعتاد المركز تنظيم جلسات نقاش ومحاضرات حول قضايا تهم المنطقة، وعادة ما تكون مفتوحة أمام الطلاب والعموم. لكن السعة المقعدية في بعض قاعات المحاضرات تحول أحيانا دون تمكن جميع المهتمين من الحضور. وبالتالي، فإن هذا المبنى سيمكننا من فتح فعالياتنا أمام عدد أكبر من سكان أكسفورد وتعميم الفائدة على نطاق أوسع».
وتكفّلت شركة الاستثمارات «إنفستكورب» بتكاليف المشروع والتي بلغت 11 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل 17 مليون دولار) وأطلقت اسمها على المبني الجديد. وأكد نمير كيردار، رئيس «إنفستكورب» التنفيذي: «لا تختزل مهمة (إنفستكورب) في التمويل المالي فحسب، بل تسعى إلى تشجيع التعليم العالي وحوار الثقافات. وهذا ما أبدع فيه مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أكسفورد الذي تمكن من تأسيس جسر حقيقي بين الغرب والشرق الأوسط». ويضيف: «نحن فخورون جدا بالقيام بدورنا لتعزيز هذه القضية الجوهرية».
ومن جانبه، أوضح أليكس بيلتون، أحد المهندسين القائمين على المشروع لـ«الشرق الأوسط»، أن «مبنى (إنفستكورب) يضاعف المساحة المتاحة لطلاب مركز دراسات الشرق الأوسط ويوفر نحو 1200 متر مكعب من المساحة الإضافية وقاعة محاضرات ذات سعة مقعدية تصل إلى 118 مقعدا». وأكد بيلتون أن فريق المهندسين المعماريين الذين أشرفوا على المشروع، بقيادة زها حديد، أولى اهتماما فائقا بالتفاصيل خلال عملية التصميم، مشيرا إلى أن «الهدف من المبنى الجديد هو الدمج بين الإبداع المعماري وتوفير فضاء مريح للطلاب والباحثين في المركز.. في هذا السياق، حاولنا الاهتمام بكل التفاصيل مهما كانت صغيرة، بدءا من الإضاءة والتصميم الداخلي، إلى تصميم الكراسي والمكاتب التي صُممت حافتها، مثلا، بشكل دائري للمحافظة على الوثائق الأرشيفية وحمايتها من التلف».
ومن جانبها، عبرت زها حديد، المهندسة المعمارية ذات الصيت العالمي وأول امرأة تحصل على جائزة «بريتزكر» للهندسة المعمارية، عن إعجابها بالعمل الذي يقوم به مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أكسفورد «الذي يشجع النقاش ويساهم في فهم المنطقة بشكل أفضل»، على حد قولها.
وأسس مركز الشرق الأوسط بكلية «سنت أنتوني» بجامعة أكسفورد عام 1957، وهو ثاني مركز من نوعه بعد مركز «هارفارد» لدراسات الشرق الأوسط. وأسس المركز في سياق الحرب الباردة التي شهدت موجة اهتمام في الغرب بالمناطق ذات أهمية استراتيجية وفي مقدمتها روسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقامت إليزابيث مونرو وأول مدير للمركز ألبرت حوراني عام 1961 بتأسيس أرشيف تاريخي للأوراق الخاصة والرسمية المتعلقة بالشرق الأوسط، ويضم هذا الأرشيف حاليا أوراقا لأكثر من ثلاثمائة وخمسين شخصية ومؤسسة تغطي الفترة الممتدة من عام 1800 إلى اليوم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».