حرفة راشيا الفخار اليدوية تندثر تدريجيا في لبنان

جهاد إسبر يصنع إحدى فخارياته ({الشرق الأوسط})
جهاد إسبر يصنع إحدى فخارياته ({الشرق الأوسط})
TT

حرفة راشيا الفخار اليدوية تندثر تدريجيا في لبنان

جهاد إسبر يصنع إحدى فخارياته ({الشرق الأوسط})
جهاد إسبر يصنع إحدى فخارياته ({الشرق الأوسط})

هي صناعة تتطلب الدقة والذوق والعمل الدءوب، متجذرة في ذاكرة الذين توارثوها جيلا بعد جيل، قديمة قدم تاريخ البلدة، وتعتبر المهنة الأقدم في لبنان وفق بعض كبار السن في المنطقة. إنها صناعة الفخار في راشيا الفخار (جنوب لبنان) التي باتت شبه منقرضة بعدما ازدهرت عقودا طويلة.
حتى اليوم لا يزال كثير من اللبنانيين يفضلون «الفخاريات» لأنها جميلة ورخيصة الثمن، فيحرصون على استخدامها في البيت لا سيما في فصل الصيف، حيث يجدون نكهة خاصة للطعام والشراب فيها، مثل إبريق الفخار الذي يمتص الحرارة، ويعطي الماء طعما لذيذا.
تهجير أهالي البلدة مرات عدة بسبب الحروب، لم يحل دون عودتهم لممارسة نشاطهم، وذلك ليقينهم بوجوب المحافظة على مكانة هذا الإرث الذي يشكل مصدر عيشهم الأساسي إلى جانب الزراعة.
يقول جهاد إسبر (50عاما) في حديث لـ«الشرق الأوسط»، التي التقته في إحدى الفواخير: «الفخاريات واحدة من أهم المراجع التاريخية في حياة الأمم، ومفتاح معرفة الحضارات المختلفة. والخوف أن تصبح بلدة (راشيا الفخار) بلا فخار. وعلى الرغم من أن ابن راشيا الفخار يولد فاخوريا، فإنه لم يبق سواي وأديب الغريب».
ويشرح بأن المهنة أصبحت تعاني واقعا صعبا بعد نزوح أهل البلدة وهجرة الشبان إلى المدن وبلاد الاغتراب نتيجة المضاربة الخارجية، واندثار حرفتها بعد الاحتلال وما رافقه من عدوان وتدمير، فضلا عن غياب دعم الدولة وضيق الأسواق الاستهلاكية وتضاعف أكلاف هذه الصناعة، حيث ارتفع سعر التراب أضعافا.
ولأن الحرفة التي تحمل راشيا الفخار عراقة اسمها، في خطر، نظم مركز البحوث من أجل العمل التنموي لتمكين المرأة منذ سنتين دورتين تدريبيتين على أصول وفصول صناعة الفخار، في محاولة لاستنهاض الهمم من أجل ديمومتها.
وتوجه التدريب نحو مجموعة من الشابات والسيدات، من أعمار مختلفة، تعلمن خلاله أصول الحرفة من ألفها حتى يائها: العجن، والتجليس على الدولاب، والتلوين، من «الكوب» حتى «المزهرية».
وقد أشرف على تعليمهن إسبر، الذي هو رئيس «الجمعية التعاونية الحرفية» لإنتاج وتسويق الفخار في البلدة، وذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية. «بوركت الأيادي التي تحول التراب ذهبا» شعار رفعه إسبر، على باب معرضه المتواضع بشكله، والغني بمحتوياته، التي لم تقتصر على الفخاريات الخاصة بالاستخدام المنزلي، إنما زادها أشكالا أخرى صنع يديه، كأنها منحوتات بالإمكان تزيين المنازل بها، عل إسبر يجذب الزوار، على ندرتهم، للتعرف إلى أهمية الفخار وجماليته مما يشجعهم على شرائها. من تربة راشيا، يتحضر عجين الفخار «الصلصال الدلغاني الأبيض والأصفر»، يصول في برك أو حفر مخصصة، ويحرك حتى يذوب، ثم يروب مثل اللبن، بعدها يكون طينا جاهزا للتدوير والتصنيع.
تبدأ الورش في أواخر شهر مايو (أيار) من كل عام وتنتهي مع نهاية سبتمبر (أيلول) .
في يونيو (حزيران) يبدأ العمل، إذ إن العجين «المقولب» و«المدور» والمصنع، يحتاج إلى شمس شديدة ليجف، والفخار يمر بست مراحل، حتى يجهز وينشف كليا خلال أسبوع، ويلون ويدخل إلى الفرن «عاكوشة» ليشوى على درجة حرارة لا تقل عن 1200 وتدوم بين ثماني ساعات أو تسع متواصلة، والتلوينة، محلية من القرية. أما المشغل فآلة بسيطة مصنعة محليا، تحرك بالأرجل بواسطة دولاب عرضي كبير، مربوط «بآكس» عمودي يحمل في الأعلى دولابا خشبيا أصغر حجما، هو الذي توضع فوقه العجينة لتصنع. بدوره يؤكد الغريب (70 عاما) والذي لا يزال يمارس هذه المهنة بوصفها وسيلة عيش اعتمدها منذ الصغر أن ميزة فخار راشيا هي سماكته التي لا تتعدى ملليمترين اثنين، وبنقشه النادر والتلوين الذي احتكرته القرية من دون سواها.
ووفق الغريب، فإن شهرة فخار البلدة، تخطت حدود الوطن تاريخيا، إلى فرنسا وفلسطين والجولان ومصر والأردن، مبديا أسفه على تحولها من حاجة منزلية أساسية، إلى مجرد كماليات تزين القصور والمنازل الفخمة.
من راشيا الفخار خرجت الأباريق بأنواعها: كوز، إبريق، إبريق طبازي، دورق، شربة، حق، منشل، جرة، بقسية، خابية، وخضاضية. أما الأواني فهي: وسطية، قصعة، جسطر، زعنونة، برنية، مقلى. فضلا عن كثير من الصناعات الفخارية كقواوير الشجر والورود التي تزين المنزل إضافة إلى أدوات الزينة والأشكال الجميلة والمجسمات بأشكالها المختلفة. ويوضح الغريب أن مقدار ما كانت تنتجه راشيا من الفخار قبل الستينات أكثر من ألف طن سنويا من الأباريق والجرار والخوابي التي تستعمل لتخزين وحفظ زيت الزيتون والأواني الفخارية الأخرى. وكان عدد المصانع يفوق الستين مصنعا وعدد الأفران نحو العشرين. ويتابع أن كل فرن يتسع لـ500 «حق»، والحق عبارة عن جرة صغيرة ومنشلين وأربعة أباريق. هذا الفرن سمي قديما «عاكوشة» أو «فرن النار»، لافتا إلى أن صناعة الفخار وراثية وشاقة لدرجة تلزم كل أفراد العائلة المشاركة فيها.
وبدلا من 80 مصنعا كانت في راشيا الفخار، لم يبق غير مصنعين اثنين لأديب غريب وجهاد إسبر، بعد أن سعى إلى هذه المهنة نحو سبعين معلما أبرزهم هاني، والد جهاد ويوسف الزوقي. هؤلاء أجادوا خلال قرن من الزمن تطوير الصنعة إلى حرفة، فمهنة، غزوا من خلالها أسواق لبنان، وجعلوا من راشيا الفخار مقصدا للسياحة والزوار الذين أعجبوا بجودتها. إشارة إلى أن البلدة تقع على إحدى تلال سفوح حرمون الغربية، وتشرف على جبال الجليل وسهل الحولة جنوبا، وهي بلدة قديمة العهد، ربما من زمن الفينيقيين إذ تدل الأماكن التاريخية على قدمها.
وفي الختام فإن أصل كلمة راشيا سرياني، وتعني رؤساء أو زعماء، والفخار ترجمة لاسم سرياني يعني الخزف وهذا ما جاء في كتاب للدكتور أنيس فريحة، عن اسم بلدة «راشيا الفخار».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.