في حين تتضاءل فرص إحياء الاتفاق النووي مع إيران، تتزايد احتمالات إصدار مجلس المحافظين التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً يدين عدم تعاون إيران مع الوكالة الأممية، وسيناقشه المجلس خلال اجتماعاته الممتدة طوال هذا الأسبوع. ودعا مدير «الذرية الدولية» رافائيل غروسي إلى الخروج «من الحلقة المفرغة» التي تدور فيها المحادثات مع إيران منذ مارس (آذار) الماضي، عندما تم الاتفاق معها على تزويد «الذرية الدولية» بإجابات حول العثور على آثار لليورانيوم المخصب في 3 مواقع سرية. وأبلغ غروسي مجلس المحافظين الأسبوع الماضي بأن إيران لم تقدم إجابات شافية حول أسئلة الوكالة وهو ما رفضته إيران وهددت بـ«رد مناسب» في حال تبنى المجلس قراراً لإدانتها.
ورغم رفض غروسي إعلان موقفه من تبني مجلس المحافظين مشروع قرار يوبخ إيران، حفاظاً على حياديته، فقد لمح في مؤتمر صحافي أمس إلى تأييده للخطوة، قائلاً «آمل أن نتمكن من حل هذه المسائل العالقة مع إيران للمرة الأخيرة، نتيجة المشاورات الجارية هنا هذا الأسبوع».
وزار غروسي قبل يومين من بدء أعمال مجلس المحافظين، إسرائيل وليس إيران كما فعل عشية الاجتماعين الأخيرين للمجلس، وهو ما اعتبره البعض إشارة إلى أن «الذرية الدولية» تستعد لتصعيد لجهتها مع إيران. ولم يتلق دعوة إيرانية لزيارة طهران هذه المرة.
ولكن غروسي نفى خلال المؤتمر الصحافي أن يكون قد أراد «إرسال رسالة سياسية» من خلال زيارته تل أبيب ولقائه برئيس الحكومة نفتالي بنيت، وقال، إن «عليه الحديث مع الجميع». ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول المخاوف من وقف إيران تعاونها في حال صدر قرار عن المجلس، رفض غروسي «التخمينات» حول رد فعل طهران، ولكنه عبّر عن أمله أن يكون هكذا قرار «تذكيراً بضرورة حل قضايا بين الوكالة وإيران معلقة منذ فترة طويلة»، مشيراً إلى أنه «ليس من مصلحة أحد وقف التعاون بين إيران والوكالة».
وقبل عامين، صدر قرار عن مجلس المحافظين يدين إيران، وكانت الإدانة الأولى التي يتبناها المجلس منذ الاتفاق النووي عام 2015، بسبب عدم سماحها للمفتشين الدوليين رفع عينات من أماكن يشبته بأنها كانت تجري فيها اختيارات نووية سرية. وبعد القرار، سمحت إيران للمفتشين بالدخول ورفع العينات. وجاءت نتيجة العينات لتؤكد ما كانت تشتبه فيه الوكالة؛ إذ أكدت النتائج المخبرية وجود آثار يورانيوم مخصب في 3 مواقع في إيران، هي تورقوزآباد وورامين ومريوان. ومنذ ذلك الحين، تحاول الوكالة الحصول على أجوبة من إيران حول هذه الآثار التي عثر عليها من دون جدوى. وكانت إسرائيل قد زودت الوكالة بملفات كانت سرقتها من أرشيف إيران النووي، دلتها على المواقع السرية الثلاث.
وقد أجّلت الدول الغربية طرح مشروع قرار في مجلس المحافظين يدين إيران منذ أكثر من عام؛ لمنح المفاوضات التي استضافتها فيينا بين أبريل (نيسان) العام 2021 وحتى مارس الماضي، فرصة لإعادة إحياء الاتفاق النووي.
وترفض الوكالة التخلي عن هذا التحقيق رغم أن آثار اليورانيوم التي عثرت عليها تعود إلى قرابة 20 عاماً أو أكثر، وكانت إيران قد اشترطت إغلاق هذا التحقيق كجزء من مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 والمتوقفة منذ مارس الماضي. وكان من المفترض لإيران أن تكشف عن كامل نشاطاتها النووية خلال المفاوضات التي أدت إلى توقيع الاتفاق عام 2015؛ حرصاً على الثقة المتبادلة ولوقف الشكوك حول نواياها الفعلية من نشاطاتها النووية. وتعتبر الوكالة والدول الغربية أن عدم كشف إيران عن كامل نشاطاتها لا يبعث بالثقة بها ولا يضمن أن نواياها سليمة. وكرر غروسي تأكيده للصحافيين، أنه لن يتخلى عن هذا التحقيق، وقال «هذه الأسئلة لن تزول وسنبقى نطرحها، وعلى إيران أن تعطينا أجوبة مقبولة حولها». وشرح غروسي بأنه إيران «تتعاون» بمعنى أنها تعطي أجوبة ولكن تلك الأجوبة لا يمكن تصديقها، وأشار إلى أن إيران تغير في رواياتها في كل مرة تعود الوكالة وترفض تفسيراتها.
وأبلغ غروسي مجلس المحافظين أمس، أن إيران «لم تقدم تفسيرات مقبولة من الناحية التقنية» فيما يتعلق بآثار اليورانيوم. وأضاف بأن طهران «لم تعلِم الوكالة كذلك بالموقع أو المواقع الحالية، التي يتم فيها تخزين المواد أو المعدات التي تحمل آثار يورانيوم والتي تم نقلها من تورقوزآباد في العام 2018». وتابع «إذا لم تقدم إيران أجوبة وتفسيرات مقبولة تقنياً... وتعلِم الوكالة بالأماكن الحالية التي يتم فيها تخزين المواد والمعدات الملوثة باليورانيوم، فإن الوكالة لن تكون قادرة على تأكيد صحة وكمال التزامات إيران بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة».
وتتزايد المخاوف من تقليص إيران للمدة التي تحتاج إليها للحصول على مواد كافية لتصنيع قنبلة نووية، وقد قدر غروسي في المؤتمر الصحافي في فيينا المدة التي تحتاج إليها إيران لذلك «ببضعة أسابيع»، وقال «هم قريبون جداً من الحصول على مواد كافية لصنع قنبلة نووية».
وكان غروسي في تقريره الذي رفعه لمجلس المحافظين ذكر، أن إيران تخزن يورانيوم مخصباً بنسبة أكثر بـ18 مرة من المسموح لها ضمن الاتفاق النووي. ولدى إيران مخزون يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المائة وجزء مخصب بنسبة 60 في المائة، علماً بأن الاتفاق النووي لا يسمح لها بالتخصيب بنسبة أعلى من 3.67 في المائة. ويحتاج تصنيع قنبلة نووية إلى يورانيوم مخصب بنسبة 90 في المائة.
وعلى وقع هذا التقرير، وتعثر المفاوضات بين القوى الكبرى وإيران، انطلق أسبوع المناقشات السرية داخل المجلس الذي يستعد للتصويت على مشروع قرار غربي أعدته الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) يدعو إيران للتعاون مع الوكالة لحل القضية الشائكة بشأن المواقع السرية.
وكان غروسي قد عقد اتفاقاً مع إيران في مارس الماضي بعد أشهر من التوتر، تعهدت فيه طهران بتقديم إجابات للوكالة حول الأسئلة المتعلقة بعثور المفتشين على آثار يورانيوم في مواقع سرية.
واتفاقية الضمانات هي تلك التي أبرمتها «الذرية الدولية» مع الدول الأعضاء في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والتي وقعت عليها إيران. وتختلف التزامات إيران ضمن هذه الاتفاقية عن التزاماتها ضمن الاتفاق النووي. ويحتاج مجلس المحافظين إلى ثلثي الأصوات لتمرير مشروع قرار، علماً بأنه يضم 35 دولة؛ ما يعني أن تصويت 24 دولة كافٍ لتبني القرار. وبحسب تركيبة الدول الأعضاء في المجلس في هذه الدورة، من المتوقع أن يمر هكذا قرار بالثلثين المطلوبين، رغم معارضة روسيا والصين لتبنيه.
«الطاقة الذرية» تؤيد ضمناً قراراً غربياً لإدانة إيران
غروسي: طهران لم تقدم تفسيرات مقبولة حول المواقع السرية
«الطاقة الذرية» تؤيد ضمناً قراراً غربياً لإدانة إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة