بالتزامن مع تجاوز الحرب الروسية في أوكرانيا يومها المائة، يوم الجمعة الماضي، حذّر حلف شمال الأطلسي من أنها تتجه إلى حرب استنزاف مديدة، فيما بدا أن الموقف الأميركي يواصل الرهان على النجاح في محاصرة روسيا.
- تحولات دولية كبيرة
ورغم فشل الحملة الدبلوماسية الكبيرة في الفترة التي سبقت العملية العسكرية الروسية في 24 فبراير (شباط) في منع الحرب، فإن الاجتماعات التي قادتها الولايات المتحدة ساهمت في إعادة ترتيب التوازنات الدولية، في أحد التحولات الكبرى التي حدثت منذ الحرب العالمية الثانية. فقد تخلت دول أوروبية، بما في ذلك ألمانيا والسويد وفنلندا، عن عقود من السياسة العسكرية الحذرة لدعم الحلفاء الغربيين في جهود تزويد أوكرانيا بالأسلحة الدفاعية والقتالية، وفرض عقوبات واسعة النطاق، وتعزيز دفاعاتها الخاصة، والعمل على حظر واردات النفط الروسية.
وبعدما كان مقدراً لأوكرانيا ألّا تصمد عاصمتها أكثر من أيام أو أسابيع قليلة في أحسن الأحوال، وفق تقديرات الاستخبارات الأميركية، بات الاعتقاد الآن أن أوكرانيا في طريقها لتلعب دوراً كبيراً، ليس فقط في مواجهة روسيا، بل من حيث مكانتها في شرق أوروبا ووسطها. وعكس خطاب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي أمام مؤتمر أمني أوروبي، الخميس الماضي، أن القتال قد يصل إلى «نقطة تحول» و«عندما تخسر روسيا الحرب ضد أوكرانيا، ستنتصر حرية الأوروبيين لعقود مقبلة»، انتقاله على مدار المائة يوم الماضية من زعيم تحت الحصار العسكري ومعرض لخطر الاغتيال، إلى قائد أوروبي قوي.
- تحذيرات موسكو
ومع احتدام المعارك في دونباس، شرق أوكرانيا، وتكثيف الولايات المتحدة شحناتها من الأسلحة وإعلانها عن إرسال أنظمة صواريخ متطورة للمرة الأولى إلى كييف، كرّست واشنطن سياسة تدخلها في هذه الحرب. ورغم تحذيرات موسكو من احتمال توسع الحرب، ترى الولايات المتحدة أن روسيا ليست هي المنافس الاستراتيجي، بل الصين، بحسب القراءة الواسعة التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي. ومع حزمة العقوبات الأميركية الجديدة، يقول مسؤولو إدارة بايدن إن هدفهم النهائي في فرض العقوبات وتقديم المساعدة العسكرية هو تقوية يد أوكرانيا على طاولة المفاوضات؛ حيث قال بلينكن للصحافيين يوم الأربعاء إن «الصراع من المرجّح أن ينتهي، لكن لا يمكننا التنبؤ بكيفية حدوث ذلك، وأفضل ما يمكننا تقييمه الآن أننا ما نزال نتطلع إلى شهور كثيرة من الصراع، فالصورة متحركة».
وبحسب تقرير لمعهد دراسات الحرب في واشنطن، فإن القوات الروسية رغم تحقيقها تقدماً استراتيجياً مهماً في شرق أوكرانيا، فإنه تقدّم مكلف جداً. وتواصل القوات الروسية تطويق مدينة سيفيرودونيتسك وتنفذ عمليات أخرى للاستيلاء على ليسيتشانسك، على حساب محاور أخرى للتقدم. ومن الواضح أن جهود القوات الروسية كانت محدودة بسبب التضاريس في الدونباس، ولا تزال تواجه تحديات في عبور نهر سيفيرسكي دونيتس، لاستكمال تطويق المدينتين، وتحقيق مزيد من التقدم غرب مدينة ليمان نحو سلوفيانسك عبر رايهوردوك. ولا تزال القيادة العسكرية الروسية تواجه تعقيدات في تكوين القوة الكافية والحفاظ على الروح المعنوية للأفراد الذين تم حشدهم، وتحديات في إرساء سيطرة مجتمعية دائمة على الأراضي الأوكرانية المحتلة حديثاً. وهو ما أجبر الروس على وقف محاولة دخول المدن عبر أرتال، واعتماد مجموعات قتالية صغيرة، الأمر الذي يجبرهم على خوض مواجهات مباشرة مع القوات الأوكرانية المدافعة بشكل شبه متكافئ، والمجهزة بصواريخ «جافلين» في كل زاوية.
- طلبات «محبطة»
تحدّث تقرير في صحيفة «واشنطن بوست»، نقلاً عن مسؤولين صينيين وأميركيين، قولهم إن الصين رغم رغبتها في زيادة مساعدتها لروسيا، من دون مواجهة عقوبات غربية، بدأت تشكو من الطلبات الروسية «المحبطة». فقد ضاعفت روسيا من طلباتها، ودعت الصين إلى «الارتقاء إلى مستوى تأكيدها السابق على الشراكة بلا حدود»، التي تم الاتفاق عليها قبل أسابيع من بدء الحرب في أوكرانيا. وضغطت موسكو في مناسبتين على الأقل على بكين لتقديم أشكال جديدة من الدعم الاقتصادي، وهي تبادلات وصفها مسؤول صيني بأنها «متوترة». وفيما امتنع المسؤولون عن مشاركة تفاصيل طلبات روسيا، قال أحد المسؤولين إن ذلك يشمل الحفاظ على «الالتزامات التجارية» التي سبقت حرب أوكرانيا، والدعم المالي والتكنولوجي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول صيني على اطّلاع مباشر بالمناقشات: «لقد أوضحت الصين موقفها بشأن الوضع في أوكرانيا، والعقوبات غير القانونية ضد روسيا. نحن نتفهم مأزق موسكو، لكن لا يمكننا تجاهل وضعنا في هذا الحوار. ستعمل الصين دائماً في مصلحة الشعب الصيني». وقال مسؤولون صينيون وأميركيون إن الصين في مأزق، وتحاول مساعدة أهم شريك استراتيجي لها، الذي بدأ حرباً لم تتوقع بكين أن تدخل شهرها الرابع. وأضاف هؤلاء أن الرئيس الصيني كلف أقرب مستشاريه للتوصل إلى طرق لمساعدة روسيا مالياً، لكن من دون انتهاك العقوبات. لكن مسؤولاً أميركياً قال إن الصين حاولت إيجاد فرص أخرى «دبلوماسياً» لإظهار دعمها، كإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا. وأضاف: «ما تحاول الصين القيام به، هو أن تكون مع روسيا، وأن تلتزم الحياد علناً وألّا تتعرض للخطر المالي، لكن هذه الأهداف المتناقضة يصعب الوفاء بها في الوقت نفسه». ورغم دعوة الصين إلى إنهاء الحرب، ورفضها الانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا، ملقية باللوم على الولايات المتحدة وعلى توسع حلف الناتو في أوروبا، فإنها لم تكن تتوقع أن تطول الحرب، بحسب المسؤول الصيني. وأشار إلى أن بكين أوضحت لموسكو أن إنهاء الصراع يسمح لها بمزيد من المجال لمعارضة العقوبات وتنمية علاقاتها التجارية مع روسيا، بعدما نزحت الشركات الأجنبية عنها. وقال المسؤولون الصينيون إن روسيا لم تطلب «أسلحة وذخيرة» لدعم حربها، لكنهم رفضوا التعليق على ما إذا كانت روسيا طلبت مواد أخرى، يمكن استخدامها في العمليات العسكرية، بما في ذلك التكنولوجيا والإمدادات.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد أوضح الأربعاء أن الولايات المتحدة لم تشهد أي «جهود منهجية» من جانب الصين لمساعدة روسيا في التهرب من العقوبات، ولم تشهد أي دعم عسكري كبير من الصين لروسيا.
تمسّك أميركي بدعم أوكرانيا عسكرياً رغم تحذيرات موسكو
تمسّك أميركي بدعم أوكرانيا عسكرياً رغم تحذيرات موسكو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة