المبعوث الأميركي للأمن الغذائي: 3 عوامل تهدد غذاء العالم... و200 مليون معرّضون للجوع

فاولر قال لـ«الشرق الأوسط» إن 45 % من أطفال اليمن يعانون من التقزم

د. كاري فاولر (موقعه الخاص)
د. كاري فاولر (موقعه الخاص)
TT

المبعوث الأميركي للأمن الغذائي: 3 عوامل تهدد غذاء العالم... و200 مليون معرّضون للجوع

د. كاري فاولر (موقعه الخاص)
د. كاري فاولر (موقعه الخاص)

«نسحب الطعام من أفواه الأطفال الجوعى، لنُطعم الأكثر جوعا». شهادة نقلها كاري فاولر، المبعوث الأميركي الخاص للأمن الغذائي، عن أحد موظفي برنامج الغذاء العالمي، وتعكس في نظره معضلة الغذاء التي يواجهها العالم اليوم.
قال فاولر في حوار مع «الشرق الأوسط» إن حرب أوكرانيا عرّضت 40 مليون شخص إضافي لانعدام الأمن الغذائي، ليصبح 200 مليون شخص مهددا بالجوع الحاد حول العالم. وشدد فاولر، الذي عينه وزير الخارجية أنتوني بلينكن مبعوثا خاصا قبل شهر واحد، على «الحاجة إلى بناء أنظمة غذائية أكثر مرونة، تعزز قدرة الدول على التعامل مع الصدمات».
ودق المسؤول الأميركي ناقوس الخطر جراء تداعيات انعدام الأمن الغذائي على دول أفريقيا والشرق الأدنى وجنوب آسيا، لافتا إلى أن 45 في المائة من أطفال اليمن يعانون اليوم من التقزم.
كما أشاد بدور «قبو سفالبارد للبذور» في الحفاظ على السلالات النباتية حول العالم، وحمايتها من تداعيات الكوارث الطبيعية والحروب، مذكرا بنجاح تجربة حماية احتياطيات «بنك بذور» كان مقره في حلب السورية.
- أزمة متفاقمة
يقول فاولر، وهو خبير زراعي مخضرم: «كانت هناك أزمة غذاء عالمية قبل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن الحرب أدت إلى تفاقم الوضع. والدول الأكثر عرضة لتداعياتها هي الدول في نهاية السلسلة الغذائية»، مشيرا بشكل خاص إلى أفريقيا جنوب الصحراء ودول في الشرق الأدنى وجيوب في جنوب آسيا وآسيا. ويرى فاولر أن حرب أوكرانيا سلطت الضوء على الترابط بين أنظمة العالم الغذائية. «لدينا سوق عالمية، والاضطرابات في جزء واحد من العالم يمكن أن تتسبب في حدوث آثار متشعبة في جميع أنحاء العالم. في هذه الحالة بالذات، أدرك العالم أهمية أوكرانيا للأمن الغذائي العالمي. فهي مُصدر رئيسي للحبوب والقمح والذرة وزيت دوار الشمس، وهو زيت نباتي رئيسي للطهي وعدد من الأغراض الأخرى»، لافتا إلى أن أوكرانيا تحتل المرتبة الخامسة في جميع هذه الفئات من حيث الصادرات العالمية.
ونوه المسؤول الأميركي أن جزءا كبيرا من هذه المواد الغذائية كان يُصدر تاريخيا إلى أفريقيا والشرق الأدنى. «تعطلت هذه الإمدادات الغذائية بسبب الحرب، وبدأنا نشهد عواقبها الآن، الأمر الذي يدفع على الأرجح بـ40 مليون شخص إضافي إلى فئة انعدام الأمن الغذائي، لتجاوز إجمالي الأشخاص الذين يعانون منه 200 مليون حول العالم».
- سبل تخفيف حدة الأزمة
«يمكن التسبب في أزمة غذاء عالمية بين عشية وضحاها – كما أظهر لنا السيد بوتين - لكن من الصعب حل أزمة الغذاء هذه بالسرعة نفسها». وأوضح فاولر أن ذلك يستلزم «انتظار موسم حصاد جديد للحصول على إمدادات إضافية».
ونوه المبعوث الأميركي إلى ضرورة الاستثمار في المساعدات الإنسانية على المدى القصير، لافتا إلى الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في هذا الإطار خلال الأشهر القليلة الماضية، مشددا في الوقت نفسه على «الحاجة إلى بناء أنظمة غذائية أكثر مرونة، حيث تصبح الدول أكثر قدرة على التعامل مع الصدمات».
- ثلاثية خطيرة
حدد المبعوث الأميركي ثلاثة عوامل أساسية تفاقم انعدام الأمن الغذائي، هي «التغير المناخي، والصراعات والجائحة». وتوقف فاولر عند المناخ، فقال: «نشهد اليوم ظواهر مناخية غير مسبوقة تاريخيا، مع درجات حرارة عالية لسنوات متتالية، دون انقطاع، مشيرا إلى أن «محاصيلنا الزراعية ليست مهيأة لهذه الظروف المناخية».
ورهن المسؤول الأميركي ضمان الأمن الغذائي في المستقبل بالتأقلم مع متطلبات مناخ المستقبل. وقال: «يتطلب ذلك الاستثمار. فالولايات المتحدة لديها رؤية طويلة المدى في هذا المجال، شجعتها على الاستثمار في (مبادرة غذاء المستقبل)، التي تسعى لدعم المزارعين على تحسين نظم الزراعة الخاصة بهم، ومساعدتهم في حل مشاكل المياه، وتعزيز أنواع المحاصيل التي تتحمل الجفاف».
- الحمائية الغذائية
في وجه تراجع إمدادات الغذاء، تتجه بعض الدول نحو سياسات حمائية تحد من تصدير أصناف غذائية. وأثار قرار الهند، الشهر الماضي، حظر تصدير القمح استياء حول العالم، وتسبب برفع أسعار هذه المادة الغذائية الأساسية.
وفي تعليقه على هذا القرار، قال فاولر: «نود أن نرى عالما تكون فيه التجارة أكثر حرية ولا تخضع لهذا النوع من القيود». وأضاف «تتسبب هذه القيود في انعدام اليقين في الأسواق العالمية»، لافتا إلى أنه غداة قرار الهند، ارتفعت أسعار القمح في السوق المفتوحة بأكثر من 5 في المائة.
واعتبر فاولر أن هذا النوع من القرارات يشوش خطط الدول، خاصة الفقيرة منها، كما يعقد عمل منظمات مثل برنامج الغذاء العالمي، الذي تعاني ميزانيته المخصصة للغذاء بسبب ارتفاع الأسعار.
- تقزم الأطفال
تعتمد المنظمات المهتمة بالغذاء معايير مختلفة لقياس مستويات الأمن الغذائي ونجاعة برامجها في تعزيزه.
ويعتبر فاولر مقياس «تقزم الأطفال»، الذي اختارته مبادرة غذاء المستقبل الأميركية والتي يساهم في الإشراف عليها كعضو في «المجلس الأميركي للتنمية الدولية للأغذية والزراعة»، «بسيطا» و«فعالا». ويقول: «تعاني دولة مثل اليمن من مستويات مرتفعة للغاية من تقزم الأطفال، تعادل 45 في المائة. فإذا نجحنا في تخفيض هذه النسبة، فسوف نكون نجحنا في تطوير النظام الغذائي في هذا البلد».
- قبو سفالبارد... والتجربة السورية
وصف وزير الخارجية الأميركي الدكتور فاولر بـ«عراب قبو سفالبرد العالمي للبذور»، وذلك نسبة لدوره في تأسيس بنك بذور فريد من نوعه، يقع في أرخبيل سفالبارد بالقطب الشمالي.
وقال فاولر: «تُوفر بنوك البذور المواد الأساسية لتربية سلالات نباتية تنتج أصناف بذور محسنة وذات إنتاجية أعلى، من الذرة والقمح وغيرها من المحاصيل. إلا أن بنوك البذور، كغيرها من المباني، معرضة للكوارث الطبيعية، وتأثيرات الحرب - كما يحصل اليوم في أوكرانيا، ما يهدد بفقدان أصناف نباتية فريدة».
ومن هنا استلهم فاولر فكرة تأسيس أكبر مرفق لتخزين احتياطات البذور في العالم، وأوضح: «عملت مع حكومة النرويج على إنشاء منشأة آمنة، في منطقة جبلية بالقرب من القطب الشمالي، تتيح تخزين نسخ من مجموعات البذور المختلفة في دول العالم».
وجاء أول اختبار لـ«قبو سفالبارد» استجابة لتداعيات الحرب السورية. ففي عام 2008 خزن المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، والذي كان مقره في تل هادية بالقرب من حلب، نسخا من مجموعة بذوره في القبو القطبي. وأعادت «منشأة سفالبارد» مجموعات البذور في عام 2015 لباحثي «إيكاردا» عقب انتقالهم إلى بيروت ومراكز أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتكون هذه المرة الأولى التي يفتح أبوابه لنقل سلالات بذور إلى الخارج. وقال فاولر إن «المرة الأولى التي اضطررنا فيها إلى سحب البذور من هذه المنشأة، كانت بعدما غادر (إيكاردا) مقره الذي كان يقع في حلب بسبب الحرب».
وتابع: «كنا قد حصلنا على نسخ من البذور (التي كان يدرسها باحثو المركز)، وحافظنا عليها بقبو سفالبارد، ثم أعدنا إرسالها لمراكز الأبحاث الموجودة في لبنان والمغرب، حتى تواصل عملها في تربية سلالات نباتية».


مقالات ذات صلة

«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

يوميات الشرق تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)

«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

إنها الحرب؛ بشاعتها تفرض البحث عن ملاذ، ومطاردة لحظة تُحتَسب، والسعي خلف فسحة، فيتراءى الطعام تعويضاً رقيقاً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
خاص يحمل الأطفال الفلسطينيون الأواني في طابور لتلقي الطعام من مطبخ خيري في رفح (رويترز)

خاص الجوع في العالم... تحدٍّ أخلاقي يتطلب حلاً مستداماً

يمثل الجوع وانعدام الأمن الغذائي تحديات أخلاقية وإنسانية تؤثر على الملايين حول العالم، ما يفرض مسؤولية أخلاقية تجاه المتضررين.

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم فلسطينيون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي في جباليا بشمال غزة (رويترز)

«الأمم المتحدة» تحذر من تفاقم الجوع في غزة والسودان ومالي

حذرت وكالات الأغذية، التابعة للأمم المتحدة، من تفاقم مستويات الجوع، خلال الأشهر السبعة المقبلة، في أجزاء كثيرة من العالم، وأكثرها إثارة للقلق غزة والسودان.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد أطفال فلسطينيون يتلقون طعاماً مطبوخاً بواسطة مطبخ خيري وسط نقص الغذاء في رفح (رويترز)

«الفاو»: تفاقم الجوع في 16 منطقة ساخنة بسبب الصراعات وظاهرة النينا

حذَّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي من أن انعدام الأمن الغذائي الحاد من المتوقع أن يتفاقم في 16 نقطة جوع ساخنة.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد أحد فروع «لولو ماركت» (إكس)

مجموعة «اللولو» لجمع 1.43 مليار دولار من أكبر طرح أولي بالإمارات العام الحالي

تسعى مجموعة «اللولو» للبيع بالتجزئة إلى جمع ما يصل إلى 1.43 مليار دولار في طرح عام أولي من المتوقع أن يكون الأكبر في الإمارات هذا العام.

«الشرق الأوسط» (دبي)

عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
TT

عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض بعد فوزه في انتخابات 2024، مما وضع عدداً من قادة العالم في موقف دبلوماسي حرج، حيث وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة تعليقاتهم السابقة، التي شنَّت هجمات قاسية عليه. وبينما كانوا ينتقدون سياساته خلال ولايته الأولى، فإنهم اليوم يصوغون رسائل تهنئة ويدخلون في محادثات دافئة معه، استعداداً لمرحلة جديدة من العلاقات بين بلدانهم والولايات المتحدة. وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».

في أوروبا، تزداد المخاوف بشأن تداعيات عودة ترمب على الأمن القاري، خصوصاً في ظل تصريحاته السابقة التي أشار فيها إلى أن حلف «الناتو» لا يفي بالتزاماته المالية.

في المملكة المتحدة، اضطر ديفيد لامي، وزير الخارجية الحالي في حكومة حزب «العمال»، إلى تقديم تهنئة رسمية لترمب، رغم سجله السابق في انتقاده، حيث كان قد وصفه بأنه «عنصري، ومعتل نفسي، وتهديد للنظام الدولي». ويأتي ذلك في سياق تعليقات ساخرة من المعارضة السياسية ووسائل الإعلام، حيث عنونت صحيفة «ديلي ستار» البريطانية على صفحتها الأولى بـ«هذا محرج».

حتى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي بارك فوز ترمب، واجه تلميحات ساخرة من الزعيمة الجديدة لحزب المحافظين، كيمي بادنوش، التي تساءلت عمّا إذا كان ستارمر قد اعتذر لترمب عن تصريحات لامي السابقة. وفي حين لم يرد ستارمر مباشرة، فإنه أشار إلى أن لقاءه الأخير ترمب كان بنّاءً للغاية.

وفي فرنسا، هنَّأ الرئيس إيمانويل ماكرون الرئيس الأميركي المنتخب ترمب، عبر محادثة وصفها مكتبه بـ«الدافئة»، رغم علاقة شابها كثير من التوتر خلال ولاية ترمب السابقة. فبعد فترة من المصافحات الحماسية والخلافات السياسية، يستعد ماكرون الآن للتعامل مع ترمب في قضايا دولية ملحة، مثل الحرب في أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط.

وعلى غرار الساسة الأوروبيين، قام سفير أستراليا في واشنطن، كيفن رود، بحذف منشورات سابقة وصف فيها ترمب بأنه «مدمر، وخائن للغرب». وأعرب رود عن استعداده للعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة؛ لتعزيز العلاقات الثنائية.

يشير المشهد الحالي إلى أن العودة السياسية لترمب قد تضع علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها على محك جديد، خصوصاً في ظل تحديات دولية تتطلب تنسيقاً مشتركاً، في حين يبرز المأزق الذي يواجهه قادة العالم بين تصريحاتهم السابقة والواقع السياسي الجديد.