مخاوف أوروبية من نقل موسكو أرض المعركة إلى إمدادات الحبوب

«المفوضية» تبحث إرسال مساعدات غذائية مباشرة إلى الدول المحتاجة

حقل عباد الشمس في مزرعة بأوديسا جنوب أوكرانيا، 22 مايو (أ.ف.ب)
حقل عباد الشمس في مزرعة بأوديسا جنوب أوكرانيا، 22 مايو (أ.ف.ب)
TT

مخاوف أوروبية من نقل موسكو أرض المعركة إلى إمدادات الحبوب

حقل عباد الشمس في مزرعة بأوديسا جنوب أوكرانيا، 22 مايو (أ.ف.ب)
حقل عباد الشمس في مزرعة بأوديسا جنوب أوكرانيا، 22 مايو (أ.ف.ب)

عادت «حرب الحبوب» لتتصدّر الهواجس الأوروبية رغم الجهود والمساعي الحثيثة التي تبذل منذ أيام على أعلى المستويات من أجل «الإفراج» عن المحاصيل الأوكرانية المحاصرة في الصوامع والموانئ، والتي حذّرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أمس، من أن عدم إيصالها إلى بعض البلدان الأفريقية قبل نهاية فصل الصيف من شأنه أن يؤدي إلى موجة مجاعة غير مسبوقة، وتعرّض عشرات الملايين لنقص في التغذية، فيما أعربت الأمم المتحدة عن خشيتها من أن تسبّب هذه الحرب «إعصار غلاء» في أسعار الحبوب والمواد الغذائية.
ويأتي ارتفاع هذه الهواجس في ضوء التقارير التي وصلت مساء الجمعة، إلى المجلس الأوروبي حول المحادثات التي أجراها الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي تتولّى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، والتي استخلص منها الأوروبيون أن موسكو عازمة على اللعب بورقة الأزمة الغذائية إلى أبعد الحدود في المواجهة مع الدول الغربية، خصوصاً بعد الحزمة الجديدة من العقوبات واتجاه الدول الداعمة لأوكرانيا إلى التصعيد العسكري وتزويد كييف بمزيد من الأسلحة المتطورة.
ودفعت هذه التطورات بالمفوضية الأوروبية إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ أمس (السبت)، لخليّة الأزمة التي شكلتها في بداية الحرب، للبحث في الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتأمين كميات كافية من الحبوب تؤجل انفجار الأزمة في انتظار إيجاد حل لها. وطلبت المفوضية من الدول الأعضاء تزويدها ببيانات دقيقة عن كميات الحبوب التي يمكن أن تتخلّى عنها من مخزوناتها الاستراتيجية حتى نهاية السنة الجارية، وعن قدراتها الذاتية على إرسال مساعدات غذائية مباشرة إلى الدول المحتاجة. ويخشى الأوروبيون أن مخاوفهم من تداعيات الأزمة الغذائية على تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى بلدان الاتحاد، وعلى الارتفاع المطّرد في أسعار الحبوب والزيوت النباتية بعد ثلاثة أشهر على بداية الحرب التي تنذر المؤشرات بأن نهايتها ليست في الأفق المنظور، تعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقة قوية في المواجهة مع الغرب لن يتوانى عن استخدامها برغم المحاذير من ارتداداتها الإنسانية وتضييق عزلته على الصعيد الدولي.
ويفيد التقرير المشترك الذي صدر مؤخراً عن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي، بأن ثمّة 22 دولة أفريقية تعتمد على صادرات الحبوب الروسية والأوكرانية بنسبة تزيد على 50 في المائة، وأن أوكرانيا وحدها كانت تزوّد السوق العالمية للزيوت النباتية بأكثر من 45 في المائة من احتياجاتها. ويحذّر التقرير من أن عدم تصدير الحبوب لن يتسبّب في مجاعة وأزمة غذائية واسعة فحسب، بل إنه سيقطع امدادات المساعدات الغذائية عن ملايين اللاجئين والنازحين الذين يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة في عشرات البلدان والمناطق. ورغم التصريحات التي أدلى بها الرئيس السنغالي معرباً عن اطمئنانه وسعادته عقب محادثاته التي دامت ثلاث ساعات مع بوتين، والتي تحدث خلالها الرئيس الروسي عن تضامن موسكو التقليدي مع الشعوب الأفريقية ضد الاستعمار الغربي، يرى الأوروبيون أن تصريحات بوتين عن «وضع صعب في سوق الغذاء العالمية»، وأن «الأزمة بدأت مع انفجار جائحة كوفيد عام 2020»، وانتقاده الدول الغربية بأنها «تحاول تحميل الصحيح مشكلات المريض المختلّ»، يبيّن أنه قرّر السير في مراهنة يعتبر أنها، رغم خطورتها، ستساعده في رفع العقوبات أو تخفيفها.
وكان بوتين شدّد في تصريحاته بعد اللقاء مع ماكي سال على أن العقوبات الغربية هي التي تسهم في تفاقم وضع السوق العالمية للحبوب، وقال إن الإنتاج العالمي حالياً يبلغ 800 مليون طن سنوياً «لا تصدّر أوكرانيا منها سوى 20 مليون طن، أي ما يعادل 2.5 في المائة من المجموع، فضلاً عن أنها غير قادرة في الوقت الراهن على تصدير أكثر من ستة أو سبعة ملايين طن».
وما يعزّز المخاوف الأوروبية من أن بوتين يستخدم أزمة الغذاء فيما يشبه لعبة «الروليت الروسية»، هو أنه بعد أن عرض على رئيس الاتحاد الأفريقي الخيارات المطروحة لتصدير الحبوب الأوكرانية من ميناء اوديسّا، شريطة أن تتولّى أوكرانيا نزع الألغام منه وسحب السفن التي أغرقتها فيه عمداً، وتعهّد بعدم افتراص الوضع لشنّ هجمات من البحر ومواكبة سفن الشحن في عبورها المياه الدولية، أو تصديرها من ميناء ماريوبول المطلّ على بحر آزوف المتصل بالبحر الأسود، أو حتى عبر نهر الدانوب إلى رومانيا أو بولندا، أخرج الرئيس الروسي ورقته الرئيسية في هذه المساومة، عندما قال: «لكن الحل الأسهل والأقلّ كلفة، هو تصدير الحبوب عبر بيلاروسيا لنقلها إلى الموانئ المطلّة على بحر البلطيق، ثم إلى البحر الأسود ومنه إلى أي ميناء في العالم... لكن ذلك يقتضي رفع العقوبات عن بيلاروسيا».
وتقول مصادر المفوضية إن الاتحاد الأوروبي تبلّغ عن طريق الأمم المتحدة بأن موسكو لن تسمح في أي حال من الأحوال بدخول قطع بحرية أجنبية إلى الموانئ التي تقع تحت سيطرتها لمواكبة السفن المحمّلة بالحبوب، وإنها هي التي تتولّى ضمان سلامتها ومرافقتها إلى المياه الدولية. وبذلك يقطع بوتين الطريق على كل العروض التي قدمتها دول أوروبية من أجل نزع الألغام من ميناء أوديسّا، ومواكبة سفن الشحن خلال عبورها مياه البحر الأسود.
ومن المقترحات التي تدرسها خليّة الأزمة الأوروبية حالياً، تقديم المساعدة لأوكرانيا من أجل أن تتولّى كييف نزع الألغام من ميناء أوديسّا ليكون جاهزاً أمام سفن الشحن التجارية لتحميل الحبوب وإخراجها إلى المياه الدولية. لكن يرى خبراء المفوضية أن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً نظراً لضعف قدرات أوكرانيا البحرية وافتقارها للسفن كاسحات الألغام. ويعتزم الاتحاد الأوروبي إرسال موفد غداً (الاثنين)، إلى أنقرة لمناقشة المخارج المحتملة من هذه الأزمة مع السلطات التركية التي، في جميع الحالات، لها الكلمة الفصل في السماح لسفن الشحن بعبور البحر الأسود بموجب معاهدة مونترو الموقعة عام 1936. وتأتي هذه الخطوة الأوروبية استباقاً للزيارة المتوقعة التي سيقوم بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة يوم الأربعاء المقبل، للبحث مع نظيره التركي في المخارج المحتملة لأزمة الحبوب.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.