ميقاتي رئيساً لحكومة من طراز آخر «ولن يكون مطواعاً»

لتأمين الحضور السني الوازن في التركيبة السياسية

TT

ميقاتي رئيساً لحكومة من طراز آخر «ولن يكون مطواعاً»

(تحليل إخباري)
تتخوف مصادر سياسية على تواصل مع أقطاب في الموالاة والمعارضات المتناثرة من أن يكتفي رئيس الجمهورية ميشال عون في الحفاظ على الشكل الديمقراطي بدعوته الكتل النيابية والنواب المستقلين للاشتراك في الاستشارات المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة من دون أن يسهم في تأليفها، في حال أن التركيبة الوزارية لن تأتي على قياس رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وتلبي طموحاته في تأمين استمرارية الإرث السياسي لعون فور انتهاء ولايته الرئاسية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بعد أن تراجعت حظوظ باسيل لخلافته في رئاسة الجمهورية.
وتقول المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» بأن مخاوفها تبقى مشروعة لأن معظم القوى السياسية عانت الأمرّين من المحاولات السابقة لتعطيل تشكيل الحكومات من قبل باسيل بتناغم مع الرئيس عون، ولم يفرج عنها إلا بعد أن أيقن بأن التركيبة الوزارية تحفظ له حقوقه لاستخدامها لاحقاً في تعطيل جلسات مجلس الوزراء ما لم تأت مقرراتها استجابة لشروطه مستفيداً من مراعاة حليفه «حزب الله» له.
وتلفت إلى أنه من السابق لأوانه الدخول في استعراض أسماء المرشحين لتولي رئاسة الحكومة، رغم أن اسم الرئيس نجيب ميقاتي يتصدر اللائحة قبل الدخول في اختبار جدي لنيات رئيس الجمهورية، وما إذا كانت لديه الرغبة في إنهاء ما تبقى من ولايته بتسهيل عملية تشكيل الحكومة لتأمين استمرار التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات لوقف التدهور الاقتصادي والمالي بعد أن بلغ ذروته.
وتؤكد المصادر نفسها بأن الرئيس ميقاتي يتهيّب الموقف ولم يكن مرتاحاً للمشهد السياسي الذي أفرزته الجلسة الأولى للمجلس النيابي المنتخب التي خصّصت لانتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب، والذي أدى إلى إحداث انقسام حاد غير مسبوق طغت عليه الحماوة السياسية غير المبررة، وتحذّر من لجوء البعض وتحديداً من هم على تواصل مع باسيل إلى استدراج العروض للمرشحين لرئاسة الحكومة في محاولة لخلق منافسة لميقاتي ليست موجودة في الأساس، رغم أنه وإن كان لا يتهرّب من تحمّل المسؤولية فهو في المقابل ليس في وارد تشكيل الحكومة بأي ثمن لتأتي مطابقة لشروط الفريق السياسي المحسوب على عون وتستجيب لطموحات باسيل كجائزة ترضية لخروجه من السباق الرئاسي.
وترى بأن من ينصح عون بوجوب التقيُّد بأصول اللعبة الديمقراطية بفتح الباب أمام اختيار شخصية نيابية لتولّي رئاسة الحكومة بذريعة الاحتكام إلى ما ستحمله الاستشارات الملزمة لا يتطلع إلى تسهيل تشكيل الحكومة، وإنما لوضع العراقيل التي تعيق ولادتها، وبالتالي فإنه يسدي له نصيحة حق يراد منها باطل.
وتعزو السبب إلى أن الجلسة النيابية الأولى تدل على أن الغالبية العظمى من النواب السنّة كانوا في حالة من الإرباك، ولم تسجّل المداولات أي حضور يُذكر لهم لغياب الكتلة النيابية الوازنة ولافتقادهم إلى الناظم الذي لديه القدرة للتدخّل، ليس من باب إثبات الوجود فحسب، وإنما لتأمين التوازن المفقود لواحدة من الطوائف الكبرى في لبنان.
وتضيف بأن لمسات نادي رؤساء الحكومات كانت غائبة من الجلسة، وتكاد تغيب لاحقاً ما لم تلعب دوراً فاعلاً في المعادلة السياسية بعد عزوف أركانها عن خوض الانتخابات، وتقول بأن هناك حاجة إلى تزخيم دورهم رغم التباين في وجهات النظر بدعم ترشيح ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة العتيدة للحفاظ على التوازن من خارج البرلمان.
وتؤكد المصادر نفسها، بأن الانقسام داخل البرلمان لا يوحي بقدرة النواب على إنتاج الحلول بالتعاون مع رئيس جديد للحكومة يمكن أن يواجه صعوبة في تحقيق التوازن المطلوب بينه وبين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، ليس لأنه يفتقد إلى ما يكفيه من الخبرة، وإنما لعدم وجود كتلة نيابية وازنة لمنع الإخلال بمبدأ الشراكة، وتحذر من لجوء البعض إلى تحويل منصب رئاسة الحكومة إلى حقل من التجارب، ما يفتح الباب أمام الصراع على تقاسم النفوذ بين الرئاستين الأولى والثانية، في حين تبقى الرئاسة الثالثة شاهداً على ما يدور من حولها نظراً لتشتُّت النواب السنّة الذي يضعف الموقع الأول لطائفتهم في التركيبة السياسية.
وتجزم المصادر أيضاً بأن لا خيار أمام البرلمان سوى ترجيح كفة ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة لتأمين استمرارية التفاوض مع صندوق النقد بدلاً من العودة مع رئيس آخر إلى نقطة الصفر، إضافة إلى أن عامل الوقت لا يسمح بتأخير ولادة الحكومة لأن الكلفة ستكون عالية ولا تملك الدولة الاحتياط المطلوب لمنع الانهيار الشامل ولإعادة التأسيس لبناء علاقات مع المجتمع الدولي ومواصلة الجهود للانفتاح على الدول العربية بعد أن تمكنت الحكومة الحالية من رأب الصدع الذي أصاب علاقات لبنان بدول الخليج العربي.
فالرئيس ميقاتي بعد إجراء الانتخابات غير ما قبلها، أي أنه لن يكون متناغماً على بياض في علاقاته مع عون بلا مقابل يدفع باتجاه تفعيل الحكومة لأنه ليس في وارد ترؤس حكومة تكون نسخة طبق الأصل عن حكومة تصريف الأعمال التي أتعبته وأتعبت البلد وجاءت بوزراء شغلوا حقائب وانشغلوا في نصب الكمائن بدلاً من التفاتهم إلى هموم اللبنانيين وتوفير الحد الأدنى الذي يضمن لهم تأمين لقمة العيش.
لذلك؛ فإن الرهان على عودة ميقاتي إلى رئاسة الحكومة لن يسري مفعوله لتصبح الطريق سالكة أمامه لتشكيل حكومة من نوع آخر بتأييد الأكثرية النيابية لعودته، وإنما بمدى استعداد الرئيس عون للتعاون معه بلا شروط مسبقة يوظفها لترميم صورة صهره في التركيبة الوزارية، خصوصاً أن هناك حاجة ماسة إليه تستدعي منه عدم التفريط بآخر خرطوشة لآخر حكومات «العهد القوي» التي يُفترض بألا تكون على شاكلة سابقاتها من الحكومات التي كانت لباسيل اليد الطولى في الهيمنة عليها بتسليم من عون الذي أدار ظهره للاتهامات التي استهدفته على خلفية تنصيب صهره رئيساً للظل.
وعليه، فإن مجرد اللجوء إلى خيار آخر بتعويم حكومة تصريف الأعمال هو هرطقة دستورية تنمّ عن محاولة للهروب إلى الأمام وستلقى مقاومة داخلية ورفضاً خارجياً يبدأ بميقاتي الذي ليس في وارد إقحام نفسه في مغامرة لا يريدها لأنها تزيد من الكلفة السياسية التي سيدفعها بلا مردود، وقد تضطره إلى تحمّل المزيد من المسؤولية التي تفوق ما يتحمّله اليوم على رأس حكومة تصريف الأعمال، إضافة إلى أنها سترفع منسوب الاحتجاجات الشعبية.
فالكرة الآن في مرمى عون لتسهيل تشكيل حكومة من طراز آخر غير الحكومات السابقة مدعومة سياسياً ومستقلة مهنياً ما يتيح لها حرية التحرك للإفادة من الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلد، شرط المجيء بوزراء معظمهم من طينة أخرى غير بعض الوزراء الحاليين، وإلا فلا مفر من التمديد لحكومة تصريف الأعمال، وبالتالي لا شيء يمنع رئيسها من الدعوة لعقد مجالس وزارية لتدبير شؤون المواطنين، وإن كان سيحمل في حال إعادة تكليفه اسم الرئيس المكلف من دون أن يُعطى الفرصة لتشكيل حكومة جديدة إلا إذا كان لأكثرية النواب رأي آخر في تسمية من سيتولى تأليفها.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.