هل تصبح ألمانيا «رجل أوروبا المريض»؟

المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)
المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)
TT

هل تصبح ألمانيا «رجل أوروبا المريض»؟

المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)
المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)

«هناك احتمال بأن يصبح اقتصاد ألمانيا رجل أوروبا المريض، في ظل تعثر السياسات التي كانت وراء قوة عمل المصانع الألمانية».
هذا ما ذكرته وكالة «بلومبرغ» في تحليل كتبته الصحافية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية في فرانكفورت جانا راندو.
يقول التحليل إنه بعد سنوات من زيادة الصادرات إلى الصين وإقامة روابط تتعلق بالطاقة مع روسيا، يواجه أكبر اقتصاد في أوروبا مجموعة كارثية من المخاطر.
وتقول راندو، في التحليل، إن اعتماد ألمانيا الكثيف على التصنيع يجعلها أكثر عرضة من نظرائها الأوروبيين للتأثر بالاضطرابات المتعلقة بالحرب في إمدادات الطاقة الروسية والاختناقات في قطاع التجارة. وتتمثل نتيجة ذلك في خطر التعرض للانكماش، وربما ارتفاع الأسعار، ما يزيد من الضغط على المستهلكين الذين يعانون بالفعل، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
وقالت ألاين شولينغ، وهي من كبار الاقتصاديين في مصرف «إيه بي إن امرو» الهولندي، إن «ألمانيا في وضع اقتصادي كارثي... وهناك ما يبرر تماماً المخاوف بشأن مستقبلها». وهي تتوقع انكماش ناتج ألمانيا في الربع الثاني.
ورغم أن الاقتصاديين في «أميركا ميريل لينش» و«بانكو سانتاندرد» من بين من يشاركونها هذا الرأي، ما زال إجماع الاقتصاديين في وكالة «بلومبرغ» يؤكد أنه سيكون هناك نمو بنسبة 0.4 في المائة.
وتتوقع المفوضية الأوروبية أن إستونيا فقط هي التي سوف تسجل نمواً أبطأ من ألمانيا هذا العام، بسبب تأثيرات مماثلة ولكن لأنها أكثر قرباً من روسيا، بينما من المتوقع أن يكون التضخم في الدولتين أقوى من معدل منطقة اليورو التي تضم 19 دولة.
وترى راندو أن الضغط أصبح واضحاً في جوهر الاقتصاد الألماني. فنحو 77 في المائة من شركات التصنيع تشكو من أن نقص المواد والمعدات يؤثر سلباً في أعمالها، أكثر من أي مكان آخر في أوروبا. وخفّضت شركات تصنيع الآلات من توقعاتها لنمو الإنتاج من 4 في المائة إلى 1 في المائة فقط. ويبرز على قمة المتاعب الاقتصادية، احتمال أن يستنفد السفر للخارج في الصيف قدراً كبيراً من الأموال، حيث ينفق المستهلكون الألمان المال في دول البحر المتوسط المشمسة بعد عامين من الجائحة.
وربما بدأ تجار التجزئة يشعرون بالمعاناة بالفعل، حيث انخفضت المبيعات في أبريل (نيسان) أكثر من أي وقت آخر في السنة.
وقال رئيس اتحاد الصناعات الألمانية، زيغفريد روسفورم، الأربعاء الماضي، إن حرب روسيا ضد أوكرانيا وتأثير سياسة «صفر – كوفيد» التي تتبعها الصين سيجعلان عام 2022 «صعباً للغاية». وأوضح بعد محادثات مع وزير الاقتصاد روبرت هابيك وممثلي النقابات، أن «تداعيات الاضطرابات تفرض اتخاذ إجراء سريع... إن الوقت يمر بسرعة».
وتقول راندو إن متاعب ألمانيا نابعة من تجاهل المخاطر الجيوسياسية التي تفرض تدعيم قاعدة التصنيع بها، والتي ساعدت إلى جانب الإصلاحات العمالية الكبيرة في إنقاذ البلاد من التدهور في مطلع القرن الحالي. فقد قامت مستشارة ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل وسلفها غيرهارد شرودر بتكثيف اعتماد البلاد على الطاقة الرخيصة من روسيا، مع تشجيع الشركات على إجراء معاملات تجارية مع الصين.
وقال المستثمر الملياردير جورج سوروس، في منتدى دافوس الاقتصادي الأسبوع الماضي، إن «ذلك جعل ألمانيا أفضل اقتصاد أداء في أوروبا، ولكن الآن هناك ثمن باهظ ينبغي دفعه».
ويبدو أن المستشار أولاف شولتس اعترف بالمخاوف وقال: «بعض الأشخاص كانوا أقل اهتماماً في الماضي». وأضاف في منتدى دافوس أن ألمانيا تحتاج الآن إلى سرعة تنويع سلاسل الإمداد وأسواق التصدير.
وقال شولتس: «يتعين على كثير من الشركات مواجهة ذلك. فقد انتهكت في الغالب ما تعلمته في بداية دروس النشاط التجاري؛ وهو أنه يتعين على المرء عدم وضع كل ما لديه من بيض في سلة واحدة».
ومنذ تولي شولتس منصبه كانت أولى رحلاته الآسيوية إلى اليابان، بينما استضاف أيضاً رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي في برلين. ولم يزر الصين حتى الآن وكثّف انتقاداته لانتهاكات حقوق الإنسان فيها. كما عقدت دولته محادثات مع قطر كجزء من جهودها لإيجاد بديل للغاز الروسي.
ورغم السُّحب، هناك بعض الدلائل المبشرة. إذ من الممكن أن يساعد تخفيف الإغلاقات بسبب الجائحة في بكين وشنغهاي في زيادة الطلب على السلع الألمانية وإنهاء بعض اختناقات سلاسل الإمداد، التي تعرقل عمل شركات التصنيع في البلاد. وتتوقع شركات تصنيع السيارات، بما في ذلك شركة «دايملر» للشاحنات أكبر شركة تصنيع للسيارات التجارية في العالم، أن تخف مشكلة نقص الرقائق الإلكترونية هذا الربع، وأن يتحقق تحسن كبير في النصف الثاني.
ويرى محافظ المصرف المركزي الألماني (البوندسبنك) يواكيم ناغل، أن الاقتصاد الألماني متماسك، وأنه من الممكن أن يزيد الناتج بنسبة 2 في المائة هذا العام.
وقال شولتس، في مجلس النواب الألماني، إن حكومته تتخذ «خطوة غير معتادة» تتمثل في إجراء محادثات مع أصحاب الأعمال والنقابات خارج مفاوضات الأجور المنتظمة، وذلك كجزء من جهود الدولة لمواجهة التضخم. وأضاف: «نريد عملاً منسقاً ضد ضغط الأسعار».


مقالات ذات صلة

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

العالم ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

عشية بدء المستشار الألماني أولاف شولتس زيارة رسمية إلى أفريقيا، هي الثانية له منذ تسلمه مهامه، أعلنت الحكومة الألمانية رسمياً إنهاء مهمة الجيش الألماني في مالي بعد 11 عاماً من انتشاره في الدولة الأفريقية ضمن قوات حفظ السلام الأممية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الألمانية شددت على أنها ستبقى «فاعلة» في أفريقيا، وملتزمة بدعم الأمن في القارة، وهي الرسالة التي يحملها شولتس معه إلى إثيوبيا وكينيا.

راغدة بهنام (برلين)
العالم ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

منذ إعلانها استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، العام الماضي، كثفت برلين نشاطها في القارة غرباً وجنوباً، فيما تتجه البوصلة الآن شرقاً، عبر جولة على المستوى الأعلى رسمياً، حين يبدأ المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، جولة إلى منطقة القرن الأفريقي تضم دولتي إثيوبيا وكينيا. وتعد جولة المستشار الألماني الثانية له في القارة الأفريقية، منذ توليه منصبه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021. وقال مسؤولون بالحكومة الألمانية في إفادة صحافية، إن شولتس سيلتقي في إثيوبيا رئيس الوزراء آبي أحمد والزعيم المؤقت لإقليم تيغراي غيتاتشو رضا؛ لمناقشة التقدم المحرز في ضمان السلام بعد حرب استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل عشرات

العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

لا يرغب هانز يواخيم فاتسكه، المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند، في تأجيج النقاش حول عدم حصول فريقه على ركلة جزاء محتملة خلال تعادله 1 - 1 مع مضيفه بوخوم أول من أمس الجمعة في بطولة الدوري الألماني لكرة القدم. وصرح فاتسكه لوكالة الأنباء الألمانية اليوم الأحد: «نتقبل الأمر.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

جماهير حاشدة تستقبل الوفد الفلسطيني للألعاب الأولمبية في باريس (فيديو)

TT

جماهير حاشدة تستقبل الوفد الفلسطيني للألعاب الأولمبية في باريس (فيديو)

الرياضيون الأولمبيون الفلسطينيون وأعضاء الوفد يقفون مع أنصارهم لدى وصولهم إلى مطار شارل ديغول في باريس (أ.ف.ب)
الرياضيون الأولمبيون الفلسطينيون وأعضاء الوفد يقفون مع أنصارهم لدى وصولهم إلى مطار شارل ديغول في باريس (أ.ف.ب)

تم الترحيب بالرياضيين الأولمبيين الفلسطينيين بهتاف جماهيري «تحيا فلسطين»، وهدايا من الطعام والورود عند وصولهم إلى باريس، الخميس، لتمثيل غزة التي مزقتها الحرب وبقية المناطق الفلسطينية على المسرح العالمي.

وبينما كان الرياضيون المبتهجون يسيرون عبر بحر من الأعلام الفلسطينية في مطار باريس الرئيسي، قالوا إنهم يأملون أن يكون وجودهم بمثابة رمز وسط الحرب بين إسرائيل و«حماس»، حسبما أفادت وكالة «أسوشييتد برس».

وحث الرياضيون والمؤيدون الفرنسيون والسياسيون الحاضرون الأمةَ الأوروبية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بينما أعرب آخرون عن غضبهم من الوجود الإسرائيلي في الألعاب.

وقال يزن البواب، وهو سباح فلسطيني يبلغ من العمر 24 عاماً وُلد في السعودية: «فرنسا لا تعترف بفلسطين دولةً، لذلك أنا هنا لرفع العلم الفلسطيني». وأضاف: «لا نعامل بوصفنا بشراً، لذلك عندما نلعب الرياضة يدرك الناس أننا متساوون معهم». وتابع: «نحن 50 مليون شخص بلا دولة».

وقام البواب، وهو واحد من ثمانية رياضيين في الفريق الفلسطيني، بالتوقيع للمشجعين، وتناول التمر من طبق قدمه طفل بين الحشد.

الرياضيون الأولمبيون الفلسطينيون وأعضاء الوفد يقفون مع أنصارهم لدى وصولهم إلى مطار شارل ديغول في باريس (أ.ف.ب)

وتُظهِر هتافات «فلسطين الحرة» التي يتردد صداها في مطار شارل ديغول في باريس كيف يؤثر الصراع والتوتر السياسي في الشرق الأوسط على الألعاب الأولمبية.

ويجتمع العالم في باريس في لحظة تشهد اضطرابات سياسية عالمية، وحروباً متعددة، وهجرة تاريخية، وأزمة مناخية متفاقمة، وكلها قضايا صعدت إلى صدارة المحادثات في الألعاب الأولمبية.

في مايو (أيار)، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه مستعد للاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية، لكن الخطوة يجب أن «تأتي في لحظة مفيدة» عندما لا تكون المشاعر على هذا النحو (أي متوترة).

وأدى موقف ماكرون بعدم اعتراف مباشر بدولة فلسطينية، إلى إثارة غضب البعض، مثل إبراهيم بشروري البالغ من العمر 34 عاماً، وهو من سكان باريس، والذي كان من بين عشرات المؤيدين الذين كانوا ينتظرون لاستقبال الرياضيين الفلسطينيين في المطار. وقال بشروري: «أنا هنا لأظهر لهم أنهم ليسوا وحدهم. إنهم مدعومون».

وأضاف أن وجودهم هنا «يظهر أن الشعب الفلسطيني سيستمر في الوجود، وأنه لن يتم محوه. ويعني أيضاً أنه على الرغم من ذلك، في ظل الوضع المزري، فإنهم يظلون صامدين، وما زالوا جزءاً من العالم وهم هنا ليبقوا».

ودعت السفيرة الفلسطينية لدى فرنسا إلى الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية، ومقاطعة الوفد الأولمبي الإسرائيلي. وكانت قد قالت في وقت سابق إنها فقدت 60 من أقاربها في الحرب في غزة. وقالت: «إنه أمر مرحب به، وهذا ليس مفاجئاً للشعب الفرنسي، الذي يدعم العدالة، ويدعم الشعب الفلسطيني، ويدعم حقه في تقرير المصير».

وتأتي هذه الدعوة للاعتراف بعد يوم واحد فقط من إلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً لاذعاً أمام الكونغرس خلال زيارة لواشنطن، والتي قوبلت بالاحتجاجات. وأعلن أنه سيحقق «النصر الكامل» ضد «حماس»، ووصف أولئك الذين يحتجون في الجامعات وفي أماكن أخرى في الولايات المتحدة، على الحرب، بأنهم «أغبياء مفيدون» لإيران.

ورددت سفارة إسرائيل في باريس موقف اللجنة الأولمبية الدولية في «قرار فصل السياسة عن الألعاب». وكتبت السفارة في بيان لوكالة «أسوشييتد برس»: «نرحب بالألعاب الأولمبية وبوفدنا الرائع إلى فرنسا. كما نرحب بمشاركة جميع الوفود الأجنبية... رياضيونا موجودون هنا ليمثلوا بلادهم بكل فخر، والأمة بأكملها تقف خلفهم لدعمهم».

مؤيدون يتجمعون للترحيب بالرياضيين الفلسطينيين في مطار شارل ديغول قبل دورة الألعاب الأولمبية في باريس (رويترز)

وفق «أسوشييتد برس»، حتى في ظل أفضل الظروف، من الصعب الحفاظ على برنامج تدريبي حيوي للألعاب الأولمبية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. أصبح هذا الأمر أقرب إلى المستحيل خلال تسعة أشهر من الحرب بين إسرائيل و«حماس»، حيث تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية الرياضية في البلاد.

ومن بين الجالية الفلسطينية الكبيرة في الشتات في جميع أنحاء العالم، وُلد العديد من الرياضيين في الفريق أو يعيشون في أماكن أخرى، ومع ذلك فإنهم يهتمون بشدة بالسياسة في وطن آبائهم وأجدادهم.

وكان من بينهم السباحة الأميركية الفلسطينية فاليري ترزي، التي وزعت الكوفية التقليدية على أنصارها المحيطين بها، الخميس. وقالت: «يمكنك إما أن تنهار تحت الضغط وإما أن تستخدمه كطاقة». وأضافت: «لقد اخترت استخدامه كطاقة».