اللبنانيون يعانون يومياً بين ملاحقة تقلبات الليرة وتفلت أسعار الاستهلاك

مسؤول مصرفي لـ«الشرق الأوسط»: السلطة النقدية مضطرة لاستعادة دورها في إدارة السيولة

متظاهرون أمام المقر المركزي لـ«مصرف لبنان» في بيروت أمس احتجاجاً على الوضع الاقتصادي (إ.ب.أ)
متظاهرون أمام المقر المركزي لـ«مصرف لبنان» في بيروت أمس احتجاجاً على الوضع الاقتصادي (إ.ب.أ)
TT

اللبنانيون يعانون يومياً بين ملاحقة تقلبات الليرة وتفلت أسعار الاستهلاك

متظاهرون أمام المقر المركزي لـ«مصرف لبنان» في بيروت أمس احتجاجاً على الوضع الاقتصادي (إ.ب.أ)
متظاهرون أمام المقر المركزي لـ«مصرف لبنان» في بيروت أمس احتجاجاً على الوضع الاقتصادي (إ.ب.أ)

أكد مسؤول مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط» أن الخيارات الضيقة المتاحة أمام السلطة النقدية تحكم وبشبه حصرية تمليها مخاطر تفلت بلا سقوف للانهيار النقدي وأسعار الاستهلاك، بالاستمرار في تنفيذ قرار استعادة دورها المفصلي في إدارة السيولة النقدية بالليرة وبالدولار الأميركي، وبعدم التهاون عن تحقيق هدف تركيز الجزء الأكبر من المبادلات النقدية عبر منصة «صيرفة» وتضييق فجوة التسعير إلى حد إعادة اعتمادها كمرجعية سوقية رئيسية للمبادلات اليومية.
وإذ تتوخى المبادرة إرساء تهدئة نقدية تضمن تحصين الأمن النقدي في مرحلة حساسة متخمة بمواعيد إعادة تشكيل السلطات الدستورية فضلاً عن المتطلبات المتصلة بملف لبنان لدى إدارة صندوق النقد الدولي، فإن هذه التأكيدات تأتي مع استمرار تنفيذ عمليات التبادل النقدي عبر المنافذ المصرفية ضمن ساعات العمل المعتادة ولليوم الرابع على التوالي، بعد ختام المرحلة الأولى والمكثفة التي أوجبت فتح فروع المصارف لأربع ساعات إضافية لثلاثة أيام متتالية، بهدف التمكن من تلبية الشريحة الأكبر من الطلب المرتقب على العملة الخضراء، والتجاوب مع قرار البنك المركزي الذي يتيح لحملة السيولة بالليرة، ومهما كانت المبالغ، استبدالها بدولارات نقدية (بنكنوت) عبر منصة «صيرفة» وبسعرها المعتمد البالغ 24.5 ألف ليرة لكل دولار.
ونوّه المسؤول بأن التصدي اليومي، الصريح والفوري، من قبل مصرف لبنان أفلح في كشف زيف بعض المحاولات لإعادة تأجيج المضاربات على العملة الوطنية من خلال عرض أسعار بعضها وهمية للدولار، بدليل التهرب من اعتمادها في التنفيذ لصالح طالبيها. كما بدا فعالاً في الحد من سيطرة التطبيقات الهاتفية على عمليات التسعير، وفي الحؤول دون تعميم شائعات بوقف مبادرة التدخل القوي الذي يجري عبر المنصة، التي تم تداولها على شبكات تواصل اجتماعي تضم صرّافين وتجار عملات.
وبلغت حصيلة الموجة الأولى للتدخل، نحو 425 مليون دولار في 3 أيام، منها نحو 196 مليون دولار في اليوم الأول الذي شهد إقبالا كثيفا من قبل حملة الليرة بالتزامن مع صرف مستحقات الرواتب الشهرية للقطاع العام وإتاحة استبدالها بالدولار أيضاً. ثم تقلّص حجم الطلب إلى نحو 100 مليون دولار يومياً. وهو رقم مرشح لمزيد من التناقص ربطا بامتصاص واستيعاب أكثر من 10 تريليونات ليرة حتى الساعة، فيما يقدر أن مبالغ الكتلة المتداولة بالليرة خارج البنك المركزي تبلغ نحو 43 تريليون ليرة وفقاً لأحدث البيانات العائدة لمطلع الشهر الحالي.
وفضلاً عن التغطية المؤسسية المؤمنة من قبل المجلس المركزي في مصرف لبنان، تشير مصادر متابعة إلى تنسيق مسبق تكفل بتأمين تغطية سياسية من قبل مرجعيات القرار في السلطتين التشريعية والتنفيذية للمبادرة الهادفة أساساً إلى كبح مسلسل انهيار صرف العملة الوطنية الذي قارب 40 ألف ليرة للدولار الواحد بنهاية الأسبوع الماضي، وتمدّدت مفاعيله الدراماتيكية سريعاً إلى أسواق الاستهلاك، ومنذرة بالتسبب بصعود حاد لمنسوب القلق من حصول قلاقل تتعدى النطاق الشعبي والاجتماعي لتصيب الاستقرار الأمني الهش.
وتبعا لهذه الوقائع، يقدّر المسؤول المصرفي أن هامش المناورة ضيّق أساساً وبطبيعته أمام حاكم البنك المركزي رياض سلامة، بعدما حسم قراره وعممه ببيان رسمي حمل توقيعه، ويقضي بانطلاق مبادرة جديدة تهدف إلى الاستعادة المتدرجة لمركزية الدور في إدارة اللعبة النقدية، وضمن استهداف أبعد مدى لإيقاف مرن لمسلسل الانهيارات القياسية المتتابعة التي لحقت بالعملة الوطنية من دون هوادة على مدار نحو 32 شهراً بالتتابع.
ويلفت إلى حقيقة تبديد نحو 20 مليار دولار منذ بدء الأزمة على دعم الاستهلاك والتدخل في سوق القطع وتغطية المصاريف الخارجية للدولة وسداد مستحقات للكهرباء وأقساط لصالح مؤسسات دولية، ليتقلص إجمالي الاحتياطات الداعمة من العملات الصعبة إلى نحو 11 مليار دولار، تشمل ملياراً من حقوق السحب الخاصة المحولة من صندوق النقد، ويقابلها متوجبات تتعدى نحو 13 مليار دولار كتوظيفات إلزامية على الودائع في الجهاز المصرفي التي تفوق قليلاً مستوى 100 مليار دولار.
وشكلت خسائر النقد التي تعدت حدود 95 في المائة، أحد العوامل الرئيسية للأزمات المتفجرة في البلاد منذ خريف عام 2019، وهي أفضت ضمن نتائجها الكارثية إلى إيقاع نحو 85 في المائة من المقيمين تحت خط الفقر، بينهم أكثر من الثلث ضمن حزام الفقر المدقع وفقا لتقارير ميدانية صادرة عن مؤسسات دولية. فضلا عن ضمور الناتج المحلي الإجمالي من نحو 55 إلى أقل من 22 مليار دولار، وإلى انحسار حاد للغاية في حجم القطاع المالي والمصرفي، فيما تقدر خطة التعافي التي أعدتها الحكومة إجمالي الفجوة المالية المحققة بنحو 72 مليار دولار.
وعلى خط موازٍ، تحاول وزارة الاقتصاد، إنما من دون فعالية ملحوظة حتى الساعة، إعادة ضبط الأسعار المتفلتة في كامل منظومة أسواق الاستهلاك، وبالتالي تحقيق التماهي البديهي مع التراجع الفعلي لسعر الدولار بمقدار 10 آلاف ليرة من مستواه الأعلى الذي تم استغلاله في عمليات التسعير للسلع والمواد.
وبرز في هذا السياق، التنويه بأن مدير عام وزارة الاقتصاد والتّجارة محمد أبو حيدر، وهو عضو في المجلس المركزي لمصرف لبنان، تابع مع المعنيين في البنك المركزي، آليّة الحصول على أسماء المستفيدين من منصّة «صيرفة» لاستيراد المواد الغذائيّة. وذلك بهدف التحقق من آليّة تسعيرهم للبضائع في حال كانت على سعر «صيرفة» أم على سعر السَوق السوداء.
وتُظهِر الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي المنحى الصاعد بحدة بالغة لمؤشر تضخّم الأسعار الذي حقق زيادة نسبتها 206.24 في المائة على صعيد سنوي حتى نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي، لتصل بذلك الحصيلة المجمعة إلى نحو 1100 في المائة للتضخم المتفلت إبان الأزمات المتواصلة في البلاد.
وقد بلغ متوسّط الزيادة السنويّة في مؤشّر تضخّم الأسعار 217.16 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وجاء الارتفاع السنوي في تضخّم الأسعار نتيجة تسجيل جميع مكوّنات المؤشّر زيادة في أسعارها حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة بنسبة 374.38 في المائة (تثقيل بنسبة 20 في المائة)، ورافقها زيادة في أسعار النقل بنسبة 492.09 في المائة (تثقيل بنسبة 13.1 في المائة)، بتأثير مستمر من تداعيات غزو روسيّا لأوكرانيا ورفع مصرف لبنان لكامل الدعم عن أسعار المحروقات المستوردة. وزيادة في أسعار المسكن: الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى بنسبة 408.55 في المائة (تثقيل بنسبة 11.8 في المائة)، وارتفاع أسعار الألبسة والأحذية بنسبة بلغت 170.09 في المائة (تثقيل بنسبة 5.2 في المائة). وذلك من دون استثناء الزيادة غير المسبوقة في أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 320.28 في المائة (تثقيل بنسبة 2.8 في المائة).


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

حكومة نتنياهو تدعو لتوقيف مدّعٍ عامّ سابق وتتهمه بالخيانة

جانب من المظاهرات الإسرائيلية المطالبة في تل أبيب بإجراءات لضمان الإفراج عن المحتجزين في غزة (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات الإسرائيلية المطالبة في تل أبيب بإجراءات لضمان الإفراج عن المحتجزين في غزة (أ.ف.ب)
TT

حكومة نتنياهو تدعو لتوقيف مدّعٍ عامّ سابق وتتهمه بالخيانة

جانب من المظاهرات الإسرائيلية المطالبة في تل أبيب بإجراءات لضمان الإفراج عن المحتجزين في غزة (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات الإسرائيلية المطالبة في تل أبيب بإجراءات لضمان الإفراج عن المحتجزين في غزة (أ.ف.ب)

على عكس ما يقال في إسرائيل من أن المدعي العام الأسبق، موشيه لادور (عمره 80 عاماً)، دعا الطيارين في سلاح الجو إلى رفض الخدمة العسكرية والتمرد، تعود الهجمة عليه والتحريض الدموي عليه، من اليمين الحاكم، والمطالبة باعتقاله ومحاكمته بتهمة الخيانة، إلى تصريح آخر له قال فيه إن الالتزام بالقانون يقضي بأن يعلن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الاعتزال.

وكان المدعي العام لادور يتكلم في لقاء ثقافي في بئر السبع، صبيحة السبت. ولم يدعُ فعلاً إلى التمرد، كما يتهمونه، بل قال إنه «في ظل تحوُّل إسرائيل إلى ديكتاتورية، بسبب خطة الإصلاح القضائي الحكومية، ينبغي أن تعود الاحتجاجات القوية ضد الحكومة إلى الشوارع، ويجب ابتداع أساليب احتجاج إضافية». وعندما سئل إن كانت لديه اقتراحات عينية، أجاب: «أجل. على سبيل المثال لدينا الطيارون الذين أنهوا خدمتهم العسكرية، ويعملون متطوعين في جيش الاحتياط. بإمكان هؤلاء أن ينظموا حملة احتجاج. بمقدورهم الامتناع عن التطوع، بل من واجبهم أن يقولوا للدولة: تعملون على التحول إلى ديكتاتورية؟ لن أعود إلى قمرة القيادة».

وقد نجحت الحكومة بقيادة نتنياهو في إثارة موجة تحريض عليه، وتحويل تصريحه إلى عنوان أساسي في نشرات الأخبار على مدى ساعات، ليس فقط في إسرائيل بل في الإعلام الدولي وحتى في العالم العربي. وأصدر نتنياهو بنفسه بياناً رسمياً وصف به تصريحات لادور بأنها «دعوة لرفض الخدمة العسكرية أثناء الحرب، وهي تستحق الإدانة من جميع الأطياف السياسية». وأضاف أن مثل هذه الدعوات «تتجاوز الخطوط الحمراء، وتهدد الديمقراطية ومستقبلنا». وتوجه نتنياهو إلى المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف - ميارا، لاتخاذ إجراءات فورية ضد هذه الظاهرة التي وصفها بـ«الخطيرة». وأعلن وزير القضاء الإسرائيلي، ياريف ليفين، أنه توجه إلى المستشارة القضائية للحكومة، مطالباً بفتح تحقيق ضد المدعي العام الإسرائيلي الأسبق، لادور، مؤكداً أن «غياب التعامل الحازم مع مثل هذه الدعوات سيؤدي إلى توسع ظاهرة التحريض على رفض الخدمة». وفي رسالته للمستشارة القضائية، قال ليفين إن «الدعوة إلى رفض الخدمة، سواء في أوقات السلم أم الحرب، تشكل انتهاكاً واضحاً وخطيراً للقانون، وهو أمر يزداد خطورة عندما يصدر عن شخص كان مسؤولاً عن تحديد سياسات النيابة العامة في دولة إسرائيل».

وعدَّ وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، تصريحات لادور «طعنة في ظهر الأمة وجنود الجيش الإسرائيلي». وأضاف أن «دعوة لادور تأتي في ظل دعم الجهاز القضائي، بمن في ذلك المستشارة القضائية للحكومة، للنشاطات المناهضة للحكومة». وقال إن «الوقت قد حان للتعامل بحزم مع ظاهرة رفض الخدمة ومع من يدعمونها».

وانضم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إلى الحملة فقال إن «رئيس الأركان، هرتسي هليفي، يدعو إلى وقف كل دعوة لرفض الخدمة أو عدم الامتثال، مشدداً على ضرورة إبقاء الجيش خارج النزاعات السياسية، خصوصاً في ظل التحديات الأمنية الحالية».

وحتى في المعارضة السياسية انساقوا للحملة، فوصف رئيس حزب «المعسكر الرسمي»، بيني غانتس، تصريحات لادور بأنها «دعوات لرفض الخدمة» وقال إن هذه تشكل «عودة إلى وضع مشابه لما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023». وقال: «رفض الخدمة كان وسيظل خارج حدود النقاش المشروع». وأدان رئيس المعارضة الإسرائيلية من حزب «يش عتيد»، يائير لبيد، تصريحات لادور، لكنه حذر في الوقت نفسه مما سماه «مهرجان الإدانة الذي يقوده نتنياهو ووزراؤه»، وقال: «كان أكثر مصداقية لو لم تكن هذه الحكومة تسحبنا بقوة إلى السابع من أكتوبر وأيام الانقلاب القضائي. إن حكومة الكوارث هذه تتحدث عن تجاوز الخطوط الحمراء؟ إنها تتجاوز كل خط أحمر ممكن يومياً، ومع ذلك فنحن نرفض أي دعوات لرفض الخدمة أو التهرب من الجيش الإسرائيلي».

تأتي هذه التصريحات وسط انقسام حاد في إسرائيل بسبب التعديلات القضائية التي تروّج لها حكومة نتنياهو، والتي دفعت - قبل السابع من أكتوبر 2023 - آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع احتجاجاً، وباتت تعود إلى السطح في ظل مساعي الحكومة لاستئنافها. لكن الحقيقة هي ان ما أغضب نتنياهو وصحبه هي ليست تصريحات لادور حول الخدمة العسكرية. والدليل هو ان هناك العشرات من قادة الأحزاب الدينية ورجال الدين الحريديم يدعون إلى رفض الخدمة ليس فقط التطوعية وليس فقط في جيش الاحتياط، بل يدعون لرفض الخدمة الإجبارية، ويحضون شبانهم على تمزيق أوامر الاستدعاء للجيش وإلقائها في المرحاض، ويعدون الخدمة خيانة للدين. ومع ذلك، لم يخطر ببال أحد في إسرائيل المطالبة باعتقالهم أو التحقيق معهم.

بيد أن التصريحات التي أغضبت نتنياهو وصحبه هي تصريحات أخرى أدلى بها لادور، في اللقاء نفسه؛ فقد أجرى مقارنة بين ملفات الفساد المتهم بها نتنياهو، بتلك التي أدين بها رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، والتي قادت إلى إصدار حكم ضده بالسجن 3 سنوات، قائلاً إن «التهم ضد نتنياهو أخطر كثيراً من تلك التي أدين بها أولمرت». وقال لادور إنه «كان ينبغي إعلان تعذُّر قيام نتنياهو بمهام رئيس الحكومة منذ فترة طويلة». ومع أنه أعرب عن تأييده إبرام صفقة بين النيابة وبين نتنياهو تمنع الحكم عليه بالسجن، حتى تنقذ البلاد من جنونه، قال إن هذه الصفقة يجب ألا تكون «صفقة استسلامية»، ويجب أن تتضمن اعتزال نتنياهو السياسة تماماً.