موجة هروب جماعي من سندات اليونان.. وبزوغ نجم الفرنك السويسري كملاذ آمن

مع تصاعد المخاوف بشأن صعوبة الوصول إلى حل حول ديون أثينا

موجة هروب جماعي من سندات اليونان.. وبزوغ نجم الفرنك السويسري كملاذ آمن
TT

موجة هروب جماعي من سندات اليونان.. وبزوغ نجم الفرنك السويسري كملاذ آمن

موجة هروب جماعي من سندات اليونان.. وبزوغ نجم الفرنك السويسري كملاذ آمن

في حين تتصاعد المخاوف بشأن صعوبة الوصول إلى حل لأزمة اليونان، يعمل المستثمرون بقوة تلك الأيام على التخارج من الديون اليونانية والاتجاه إلى الأصول الآمنة، حيث عاود الفرنك السويسري الظهور كبديل آمن يتكالب الكل على شرائه.
وعزز من مخاوف المستثمرين على مدار الأيام الماضية احتمالية عدم قدرة أثينا على سداد ديون مستحقة لصندوق النقد الدولي في الخامس من يونيو (حزيران) المقبل تقدر بنحو 750 مليون يورو (855 مليون دولار).
ويقول محللون لـ«الشرق الأوسط»، إن المخاوف المتعلقة بأزمة اليونان دفعت المستثمرين إلى عمليات بيع جماعية ليس فقط للسندات اليونانية، ولكن لسندات الدول المنكشفة على ديون أثينا مع الاتجاه إلى الأصول الآمنة كالدولار القوي والفرنك السويسري الذي بزغ نجمه من جديد في خضم الأحداث المتسارعة.
وتنكشف معظم دول منطقة اليورو، وفي مقدمتها ألمانيا، على الديون اليونانية، وهو ما يجعل من مخاطر الإفلاس ضربة موجعة للاقتصاد الألماني، فيما قللت سويسرا من تعرضها لتلك الديون بعد أن كانت من أكثر حائزيها.
ويراهن المستثمرون الذين يضخون أموالهم في العملة السويسرية بالوقت الحالي على استبعاد احتمالية تدخل المركزي السويسري مرة أخرى على غرار ما حدث في يناير (كانون الثاني) الماضي فيما عرف حينها بـ«تسونامي الفرنك». وفي مطلع العام، فاجأ البنك المركزي السويسري الأسواق بإلغائه سقفًا مفروضًا منذ ثلاث سنوات لسعر الفرنك، وهو ما دفع العملة الوطنية التي تعتبر استثمارًا آمنًا، ولطالما نظر إليها كحجر زاوية في السياسة المالية للبنك إلى الارتفاع مقابل العملات الكبرى على غرار اليورو والدولار.
وينظر إلى العملة السويسرية كملاذ آمن في أوقات الأزمات مع تفضيل المستثمرين له عن بقية ملاذات الأصول الآمنة كون الميزان التجاري لسويسري لم يحقق عجزا منذ عام 2000.
يقول فيكتور لي كينغ، خبير أسواق العملات لدى «إتش إس بي سي» لـ«الشرق الأوسط»: «عاد الفرنك إلى طبيعته كملاذ آمن؛ ففي الوقت الذي يهرب فيه المستثمرون من سندات اليونان تبرز العملة السويسرية كالعادة كمكان مفضل لهم لحجز الأموال في انتظار ما ستؤول إليه الأمور».
وارتفع العائد على سندات اليونان لعشر سنوات إلى أعلى مستوى له في نحو شهر خلال تعاملات الأربعاء الماضي بنسبة 0.7 في المائة أو ما يوازي نحو 50 نقطة أساس إلى 11.42 في المائة. وصعد العائد على سندات اليونان لآجل عامين نحو 250 نقطة أساس إلى 23.68 في المائة وهو أعلى مستوى له منذ مطلع العام الحالي. والعلاقة عكسية بين العائد على السند والطلب عليه، فارتفاع العائد يعني تراجع الطلب والعكس بالعكس. يتابع كينغ: «لا يتوقف الأمر فقط على الفرنك هنا، هناك أيضًا تحول لضخ الأموال في الدولار الذي يعد من أفضل عملات الملاذ في الوقت الذي تبرز فيه الأزمات».
ويشير تقرير حديث لبنك أوف أميركا ميريل لينش عن تراجع إقبال المستثمرين العالميين على زيادة انكشافهم أمام المخاطر في العالم بصورة عامة. يقول التقرير، إن نسبة الأصول النقدية في المحافظ الاستثمارية ارتفعت لتبلغ 23 في المائة هذا الشهر، في أعلى نسبة من نوعها منذ ديسمبر (كانون الأول) 2014.
يتابع التقرير: «هناك عمليات تخارج من أسواق السندات حول العالم، وخصوصا السندات اليونانية وسندات الدول المنكشفة على تلك الديون».
يضيف كينغ: «أعتقد أن المستثمرين لديهم ثقة كبيرة من صعوبة تدخل البنك المركزي السويسري لوضع حد لارتفاع الفرنك، كما فعل في عام 2011، ولكنها تبقى ثقة محفوفة بالمخاطر فما الذي قد يفعله هؤلاء إذا تدخل البنك لوضع سقف للفرنك مرة أخرى؟».
وارتفع الفرنك نحو 3.5 في المائة مقابل اليورو خلال الشهر الماضي بعد أن بدأ المركزي الأوروبي برنامجه للتيسير الكمي وأغرق الأسواق باليورو الضعيف. ويقول ستيفين لويس، كبير الاقتصاديين لدى «إيه دي إم إنفستورز»، لـ«الشرق الأوسط»: «أي حديث عن عدم التوصل لحل لأزمة الديون اليونانية من شأنه أن يجعل المستثمرين يعزفون عن المخاطرة». وأضاف: «الأمر بسيط بالنسبة للمستثمر. سأخرج من هذا الأصل وأتحول إلى شيء أكثر أمانا».
ويتابع المستثمرون عن كثب تطورات الأمور خلال هذا الصيف، حيث تعين على اليونان تسديد 10 مليارات يورو لصندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، ودائنين آخرين قبل نهاية شهر أغسطس (آب) المقبل، بينما تعاني أثينا بالفعل من نقص في السيولة.

* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»



تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
TT

تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)

مع اقتراب اليورو من أسوأ شهر له منذ أوائل 2022، يحذر المحللون من أن التقلبات الحادة في العملة قد تصبح المصدر القادم لعدم الاستقرار في الأسواق العالمية، خاصة بعد أن أحدثت تقلبات الين الياباني، في أغسطس (آب) الماضي، اضطرابات عبر الأصول المختلفة.

وانخفض اليورو بنحو 3.8 في المائة أمام الدولار، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهو الآن يقترب من مستوى 1 دولار الرئيسي، تحت ضغط عدة عوامل تشمل خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لفرض تعريفات تجارية، وضعف الاقتصاد في منطقة اليورو، وتصاعد النزاع بين روسيا وأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تسهم رهانات النمو الأميركي في تقوية الدولار والأسواق الأميركية، وفق «رويترز».

ورغم ذلك، يبقى المستثمرون والمتداولون في العملات منقسمين حول المسار القادم للعملة الأوروبية، حيث يُعدّ الدولار نفسه مهدَّداً بتداعيات التضخم الناجم عن التعريفات وزيادة الديون الحكومية التي قد تُزعزع الثقة في الأسواق والاقتصاد الأميركي.

وقد تتصاعد حالة عدم اليقين إذا استمر اليورو في التراجع، مما يزيد من احتمالية حدوث تحولات مفاجئة قد تؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة على الاستراتيجيات الاستثمارية المرتبطة بسياسات ترمب، مثل تلك التي تراهن على انخفاض اليورو وارتفاع الأسهم الأميركية، وفقاً لما أشار إليه المحللون.

في هذا السياق، قال كيت جاكس، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية في «سوسيتيه جنرال»: «نحن نشهد تقلبات هائلة، حيث بدأ المتداولون التساؤل: هل نتجاوز سعر صرف اليورو مقابل الدولار أم يعود إلى مستوياته السابقة؟». وأضاف: «الخلاصة هي أننا سنرى مزيداً من المناقشات الساخنة في كلا الاتجاهين بشأن اليورو، وأنا شخصياً لا أعتقد أن هذه الارتباطات العالية بين الأصول سوف تستمر».

وبدأت أزمة السوق، في أغسطس، بتقلبات الين مقابل الدولار، والتي فاجأت صناديق التحوط التي كانت تراهن ضد العملة اليابانية، وتحولت إلى بيع الأسهم لتمويل طلبات الهامش.

وحذّرت الجهات التنظيمية من أن الأسواق قد تصبح عرضة لمثل هذه الأحداث، عندما تتغير الروايات الاقتصادية بسرعة، وخاصة في ضوء المستويات العالية من الاستدانة في النظام.

وأضاف جاكس: «إذا تجاوزنا نقطة تكافؤ اليورو مع الدولار، فسنبدأ مواجهة المخاوف التي شهدناها من قبل في الأسواق».

التداعيات المحتملة

يُعد زوج اليورو/الدولار الأميركي هو الزوج الأكثر تداولاً في الأسواق العالمية. والتغيرات السريعة في سعر صرفه يمكن أن تعطل أرباح الشركات المتعددة الجنسيات، فضلاً عن التأثير على آفاق النمو والتضخم في البلدان التي تعتمد على استيراد أو تصدير السلع بالدولار.

وقال ثيموس فيوتاكيس، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي في «باركليز»، إن «اليورو هو معيار رئيسي»، مما يعني أن الدول الحساسة للتجارة مثل الصين وكوريا الجنوبية وسويسرا قد تسمح لعملاتها بالضعف مقابل الدولار، إذا استمر اليورو في الانخفاض؛ من أجل الحفاظ على قدرة صادراتها على المنافسة مقابل منتجات منطقة اليورو.

وأشار فيوتاكيس إلى أن الجنيه البريطاني، الذي انخفض بنحو 2 في المائة أمام الدولار في نوفمبر ليصل إلى نحو 1.26 دولار، سيكون حساساً جداً تجاه أي تقلبات في تحركات اليورو.

وأصبحت الأسواق أيضاً أكثر حساسية لتحركات اليورو/الدولار، بعد أن لاحظ خبراء استراتيجيات العملة تدفقاً من المتداولين على عقود الخيارات التي تجمع الرهانات على النتائج المرتبطة بسياسات ترمب، مثل ضعف اليورو، وارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز».

وقال فيوتاكيس: «لقد رأينا كثيراً من المستثمرين يحاولون الاستثمار في هذه النتائج المشروطة»، منوهاً بالارتباطات بين تحركات العملة والأسواق الأوسع.

انقسام الآراء بشأن المستقبل

في الوقت نفسه، يبدو أن مديري الأصول على المدى الطويل منقسمون بشكل كبير بشأن الاتجاه المستقبلي لليورو والدولار، مما يشير إلى أن هذا الزوج من العملات قد يشهد تقلبات ملحوظة في الأشهر المقبلة.

وقال ويليم سيلز، كبير مسؤولي الاستثمار في وحدة الخدمات المصرفية الخاصة والثروات ببنك «إتش إس بي سي»: «نتوقع أن يهبط اليورو إلى 99 سنتاً، بحلول منتصف العام المقبل».

في المقابل، اقترح كبير مسؤولي الاستثمار في «أموندي»، أكبر مدير للأصول في أوروبا، فينسنت مورتييه، أن انخفاض أسعار الفائدة في منطقة اليورو قد يعزز النشاط الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي، وهو ما قد يساعد في رفع اليورو إلى 1.16 دولار، بحلول أواخر عام 2025.

وفي سوق خيارات العملة السريعة، كان المتداولون في أواخر يوم الثلاثاء يقدّرون احتمالات بنسبة 56 في المائة بأن ينتهي العام باستعادة اليورو بعض الأرض فوق مستواه الحالي عند نحو 1.047 دولار، على الرغم من أن البنوك الكبرى، مثل «جيه بي مورغان»، و«دويتشه بنك»، قالت إن التحرك إلى دولار واحد قد يحدث، خاصة إذا كان مرتبطاً بمزيد من التعريفات الجمركية.

وقد أدى ازدياد الرهانات على أن البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية إلى 2.75 في المائة، الشهر المقبل، إلى إضعاف اليورو بشكل كبير.

لكن الرواية السائدة بأن سياسات ترمب الاقتصادية، مثل ارتفاع التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية، سوف تُبقي أسعار الفائدة مرتفعة والدولار قوياً، بدأت تتعرض لبعض الضغوط.

في هذا السياق، قال ستيفن جين، الرئيس التنفيذي لشركة «يوريزون إس جيه إل كابيتال»، إن الولايات المتحدة قد تواجه ما يسمى «لحظة يقظة السندات»، إذا قام المقرضون في سوق سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ قيمتها 27 تريليون دولار، برفع تكلفة الديون؛ في محاولة للحد من التخفيضات الضريبية المموَّلة بالديون المفرطة. وأضاف: «من المحتمل أن يسمح هذا بالتيسير المالي، مما يسمح بهبوط هادئ للاقتصاد الأميركي، وخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، ومن ثم جعل الدولار مُبالغاً في قيمته».