كيف يمكن للمرء أن يصبح مصيدة للقلوب، أو بمعنى آخر حاصداً دوماً لحب الآخرين؟ سؤال شغل الأدب والفنون طويلاً واختلفت الرؤى والمعالجات له، لكن يبدو أنه ما زال مطروحاً بقوة، فقد تناولته من جديد الفنانة التشكيلية المصرية نادية وهدان عبر 30 لوحة في معرضها الحالي بغاليري «سماح» بالقاهرة.
في رواية «في مصيدة الحب» للكاتب الكوري دايفيد يوون وهي من الروايات التي تناولت هذا السؤال أخيراً وتُرجمت إلى ست عشرة لغة عالمية، ربما يجد القارئ أن الإجابة تكمن في تحطيم الكثير من القيود وصولاً إلى الحب الذي وصفه المؤلف بأنه «أحد أسمى المشاعر، تعجز أي لغة في التعبير عنه وإعطائه حقه»، لكن في معرضها الجديد المقام بعنوان «مصيدة القلوب» تقودنا نادية وهدان إلى إجابة أخرى مختلفة وهي: «الإحساس بالرضا»، تقول الفنانة لـ«الشرق الأوسط»: «لكل منا حكاياته التي تشغله وتؤلمه في هذا الواقع، لكن من يصل منا إلى الرضا والقناعة فإن قلبه يُغمر بفيض الحياة»، وتتابع: «يقود الرضا الإنسان إلى مساحة كبيرة من التعايش والسكينة والسلام النفسي رغم كل مكابد الحياة».
لكن ما علاقة ذلك بصيد القلوب؟! إذا ما تأمل المتلقي شخوص لوحاتها يستشعر هذه العلاقة بقوة، إذ يجد نفسه أمام جمال أخاذ، من نوع مختلف، لا يستند إلى الملامح بقدر انطلاقه من صفاء الروح ونقاء القلب، فقد أضاف الجانب اللامرئي من العمل الفني إلى المرئي سراً من أسرار التناغم الإنساني، كما أن التعبير عن الرضا منح شخوصها هالات من الهدوء والصفاء، وأكسبها أجواءً حالمة رقيقة، أكدت أن اليقين بفكرة أن الخير فيما نملكه إنما هو السبيل لبلوغ الجمال الآسر.
تقول وهدان، أستاذ الرسم والتصوير بكلية التربية الفنية جامعة حلوان: «عند الوصول إلى مرتبة الرضا، فإن الإنسان يرتقي بالحب في سلوكه وتعاملاته مع الناس، ويصبح صانعاً للأمل وحب الحياة، متغافلاً عن الحقد والأذى بعيداً عن حصار الحياة المتصنعة، لذلك يجتذب الآخرين، ومن هنا يقال إن (البشاشة مصيدة القلوب)».
وعن اختيارها المرأة للتعبير عن قضيتها الإنسانية توضح: «في أعمالي أتخذ من المرأة أيقونة للتعبير عن الإنسان، لما تحمله من صفات جمالية، ولكن لا تشغلني كثيراً المظاهر الشكلية فأجد أنه من خلال إعادة الرؤية للشكل تتسرب الطاقة الكامنة في النفس، وتضيف إليها معاني مدهشة تمس الوجدان، فترفع الحواجز بين الرؤيتين البصرية والخيالية».
رغم استخدام وهدان الملائكة رمزاً للنقاء والبراءة، فإنها لم تقع في فخ الأسلوب المباشر التقليدي، فقد نجحت في إكساب الأعمال جانباً روحانياً ذا تأثير عاطفي في المشاهد نحو قدر مقصود من المثالية، تقول: «تسمو المعاني إلى ما فوق الشعوري بعيداً عن أي زمان أو مكان، واستخدم تجسيد الملائكة، بل أضيف لبعض الشخصيات أجنحة كاستعارة لفكرة التحليق والارتقاء، فتتجسد الشخصيات كأشكال ممتزجة بالمشاعر، وأجد أن المثالية هنا تكمن في استخدام الفكر الاستعاري الصوري، وما تكتسبه من أبعاد فلسفية ومعانٍ وجودية في أجواء من الخيال الرومانسي».
لكن ألا تقف الملائكة عائقاً أمام تجسيد الصراع الطبيعي المستمر بين الخير والشر؟ تجيب الفنانة قائلة: «ذلك هو المراد! إن وصول المرء للشعور بالرضا يهدئ كل صراعاته الداخلية ويوضح الرؤية أمامه، وذلك دون التقيد بالتشبيهات البصرية المباشرة».
استخدمت الفنانة الأسلوب الرمزي في العديد من الأعمال، ففي لوحة «دمعة» على سبيل المثال اعتمدت على عناصر تشكيلية ذات علاقات بصرية تدفع بدلالات معبرة للغة الجسد، إذ تتوسط امرأة العمل، ويخرج جسدها من وسط الزهور الوردية الرقيقة، بينما يقف على رأسها غراب أسود ينعق، وقد ظهرت المرأة بملامح هادئة ولكن تسقط دمعة على خدها، لنجد أنفسنا أمام صورة مشوشة من خلال الخربشات والملامس الرمادية التي رُسمت في الخلفية، وكذلك التأثيرات المختلفة للفرشاة في الجسد والوجه بالألوان الأكريلك، وقد امتزج الجسد مع الورود وفق تقنيات لونية أنشأت علاقات مزج بين الشكل والأرضية، وذلك من خلال التأثيرات الملمسية للون الوردي باستخدام سكينة الرسم فوق التوال.
تقول: «سعيت من خلال هذا التكوين إلى التعبير عن العنف الذي تتعرض له المرأة، والذي رغم قسوته؛ فإنها تتحمل وتتعايش وتكون مصدراً للعطاء لكل من حولها، لكي تستمر الحياة، وتعمدت هذا التضاد بين الرمادي والوردي لتحقيق علاقة تقارب ومقارنة وصلت إلى حد المزج بين صفات إنسانية متناقضة».
وفى لوحة «الأمل» نجد أنها استخدمت سكينة الملاك واحتواء مجموعة الورود في تجسيد مفهوم الإرادة القوية، واعتمدت على مجموعة لونية مضيئة من الوردي والأصفر إلى جانب الأبيض لإتاحة المجال للمشاهد إلى إطالة زمن التأمل؛ كي يفسر الربط بين العالمين الواقعي والخيالي. وتتكون هذه اللوحة من ثلاثة أجزاء وربطت بينها عبر فرد جناح أبيض للمرأة في الخلفية يمتد يميناً ويساراً، تقول: «أردت التأكيد على ضرورة تمسك الإنسان بالأمل مهما قست عليه الحياة، ومهما نال منه عدوه (الغراب)، وقد عبرت عن أوجاع الحياة بالدرجات الرمادية على مساحة صغيرة، في حين احتل الجانب المضيء المشرق معظم المساحة، ما يولّد لدى المرء الشعور بقدرته على المقاومة وتحقيق الذات».
«مصيدة القلوب»... رؤية تشكيلية جديدة لمفهوم الحب
معرض مصري يضم 30 لوحة تعكس حالة رومانسية
«مصيدة القلوب»... رؤية تشكيلية جديدة لمفهوم الحب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة