200 مليون مشاهد يتابعون الحفل الختامي ليوروفيجن

«كونشيتا فورست».. المغني الذي أصبح رمزًا للنمسا المتسامحة

المغني المتنكر في زي سيدة دخل التاريخ النمساوي الحديث من أوسع أبوابه باسم كونشيتا فورست (إ.ب.أ)، إحدى المتسابقات في التحضيرات النهائية (إ.ب.أ)
المغني المتنكر في زي سيدة دخل التاريخ النمساوي الحديث من أوسع أبوابه باسم كونشيتا فورست (إ.ب.أ)، إحدى المتسابقات في التحضيرات النهائية (إ.ب.أ)
TT

200 مليون مشاهد يتابعون الحفل الختامي ليوروفيجن

المغني المتنكر في زي سيدة دخل التاريخ النمساوي الحديث من أوسع أبوابه باسم كونشيتا فورست (إ.ب.أ)، إحدى المتسابقات في التحضيرات النهائية (إ.ب.أ)
المغني المتنكر في زي سيدة دخل التاريخ النمساوي الحديث من أوسع أبوابه باسم كونشيتا فورست (إ.ب.أ)، إحدى المتسابقات في التحضيرات النهائية (إ.ب.أ)

تشارك 26 دولة أوروبية بالإضافة إلى أستراليا، هذا المساء، في التصفية الختامية لمسابقة الأغنية الأوروبية أو «اليوروفيجن» التي تستضيفها النمسا ويتوقع أن يتابعها أكثر من 200 مليون مشاهد.
كل دولة وكل عاصمة ممن تأهل فريقها بعد تصفية أزاحت 20 فريقا آخر تتمنى أن يكون الفوز من نصيب مغنيها حتى يتثنى لها بالتالي استضافة المسابقة العام القادم.
من جانبها تشجع النمسا فريق «ميك ميكس» الذي يشارك باسمها هذا العام. كيف لا وقد جنت البلاد بأسرها سمعة سياحية ونالت دعاية مجانية نتيجة فوز مغنيتها كونشيتا فورست العام الماضي مما منح البلاد حق تنظيم هذه الدورة.
ومن يصل العاصمة النمساوية فيينا اليوم سوف تعتريه دون شك «حمى اليوروفيجن» ما إن تطأ قدماه أرض المطار الذي تزينه صور متنوعة لـ«كونشيتا فورست» أو الملكة النمساوية الجديدة.
لعام كامل (2014 – 2015) دخل التاريخ النمساوي الحديث من أوسع أبوابه باسم، كونشيتا فورست، هذا المغني المتنكر في زي سيدة الذي فاز بالدورة السابقة التي استضافتها الدنمارك وأقيمت في عاصمتها كوبنهاغن ومن يومذاك أمست كونشيتا هي الصورة الجديدة للنمسا المتسامحة التي تسعى لبناء الجسور وتعمل لمزيد من الانفتاح لدرجة أن تم زراعة لحية كلحية كونشيتا لأكثر من تمثال لإمبراطورات أسرة الهابسبرغ بما في ذلك الإمبراطورة سيسي جميلة جميلات الأسرة التي حكمت النمسا قبل الحرب العالمية الأولى.
تعتبر اليوروفيجن بكل المقاييس التقنية مسابقة تعتمد أساسا على البث التلفزيوني الذي ينقل لمحات عن عواصم الفرق المشاركة ثم يعود لكل عاصمة لإعلان نتائج تصويت البلد في التصفية الختامية.
من جانبه يستفيد البلد المضيف فائدة كبرى مما يتضمنه البث التلفزيوني عنه وعن إمكاناته بالإضافة لما يستفيده من الضيوف ممن يستمتعون أكثر بزيارته لحضور والمشاركة في فعاليات المسابقة مباشرة على أرض الواقع.
وفي هذا السياق نشطت فنادق فيينا في استقطاب الزوار كما اكتظت مطاعمها ووسائل مواصلاتها ومقاهيها.
من جانبها تطمح مزارات سياحية أن تطول إقامة عشاق المسابقة حتى يتسنى لهم الاستمتاع بمتاحف فيينا ومعارضها ومسارحها وأسواقها والسفر لبقية مدنها.
وفي أكثر من تعليق لـ«الشرق الأوسط» أشاد متابعون بقدرة فيينا على التعامل مع الحدث ليس بأسلوب فني عالي التقنية كمدينة حديثة تعشق الموسيقى فحسب بل وكمدينة سياحية عريقة تعرف كيف تستقبل وكيف تمتع زوارها، مستفيد أقصى فائدة من موقعها الجغرافي في قلب أوروبا ومن إمكاناتها اللوجستية وامتداد شبكة مواصلاتها العامة وخبرة تعاملها مع الفعاليات الفنية.
ورغم تغير الطقس الصيفي الرائع الذي عاشته المدينة قبل يومين إلى ممطر وبارد مما اضطر المنظمين لتوفير مواقع مسقوفة للشاشات العامة التي نصبت للمشاهدة فإن كل التوقعات تؤكد أن الحماس سيغلب وأن «القرية الأوروبية» المقامة في جادة مبنى بلدية فيينا «الرات هاوس» سوف تتحول هذا المساء إلى تجمع بلاستيكي بسبب معاطف الحضور بعدما أكد خبراء الأرصاد سوء الأحوال الجوية أكثر وأكثر مصحوبا بانخفاض في درجة الحرارة ورياح.
أما داخل الساحة الرئيسية بصالة المدينة أو «الأشتات هالة» فلا قلق ولا تثريب لكونها مسقوفة ولا خوف من مياه تتدفق غير «دموع» الفزع ودموع الفرح المتوقعة من المشاركين ومشجعيهم.
وفي هذا السياق نصح خبراء التجميل باستخدام المواد من تلك النوعية التي لا تذوب أو الـ«ووتر بروف» خصوصا ماسكارا الرموش وكحل العيون.
وفي هذا السياق زاد عدد الإعلانات وانتشرت الدعايات التي تدعو لتجربة «مكياج كونشيتا» مقابل 180 يورو...!!
وفيما يبدو فإن ماكياج كونشيتا تجارة رابحة خاصة مع انتشاره بين عاملات الاستقبال بالفنادق اللائي اخترن الظهور ومنذ بدء المسابقة بلحى، وهكذا حال بائعات بمحال تجارية ناهيك عن زائرات وزوار بالقرية الأوروبية.
في سياق آخر لم تكتف فيينا بما تعيشه من مظاهر اليوروفيجن التي تغطي الطرقات والدور ووسائل الإعلام بل عملت على تغيير حتى النمط التقليدي لـ120 إشارة مرورية ضوئية وزعتها على أهم التقاطعات بأهم الشوارع.
الإشارات المرورية الجديدة لم تقتصر على الإضاءة باللون الأحمر كتحذير للوقوف والبرتقالي للاستعداد والأخضر للانطلاق وإنما أدخلت على كل لون رسما، بعضه رسم يجسد امرأتين وآخر رجلين أو خليط في إشارة لقبول المدينة للخيارات الشخصية في العلاقات الاجتماعية.
ورغم ما حملته وسائل الإعلام من أخبار تؤكد إعجاب مدينة ميونيخ الألمانية بفكرة فيينا والنية في تقليدها فإن الأحزاب المعارضة لحكومة إقليم فيينا لم تنتظر حتى تنتهي أيام المسابقة لتهاجم وتنقد تلك الفكرة ضمن ما ستنتقده، بل بادرت بشن هجوم كاسح ضد تلك الإشارات وفكرتها وما تدعو إليه، متهمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم وحليفه حزب الخضر بتبديد 63 ألف يورو، قيمة ما كلفتة تلك الإشارات، التي سوف تتم إزالتها نهاية الشهر القادم.
في سياق آخر ورغم متابعة «الشرق الأوسط» لجولتي التصفيات (النصف الأول والنصف الثاني) فإن المراهنة على فريق أو التكهن بالفائز يعتبر أمر صعب لا لكثرة الفرق الرائعة فحسب بل ولصعوبة معرفة أسس تصويت واختيار وميول كل دولة من الدول الـ20 التي تأهلت للدور النهائي ويحق لها التصويت بالإضافة للخمسة المؤسسين الكبار (إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا) التي تشارك مباشرة في التصفية النهائية بجانب النمسا وأستراليا.
ومعلوم أن لكل دولة 12 صوتا بعضهم سوف يمنحها للأحسن فنيا فيما سيصوت آخرون مساندة للجار أو للجذور والتاريخ المشترك أو لمواقف سياسية وانحيازات مستقبلية.
وحتى يتضح الفائز هذا المساء تظل فيينا هي الفائزة لمهاراتها التنظيمية ويبقى التلفزيون هو الأول كوسيلة إعلامية هامة تربط الشعوب وتجمعها حول شاشتها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».