هل يمكن تفادي حرب بين الولايات المتحدة والصين؟

بلينكن متحدثاً عن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين في جامعة جورج واشنطن أمس (أ.ف.ب)
بلينكن متحدثاً عن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين في جامعة جورج واشنطن أمس (أ.ف.ب)
TT

هل يمكن تفادي حرب بين الولايات المتحدة والصين؟

بلينكن متحدثاً عن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين في جامعة جورج واشنطن أمس (أ.ف.ب)
بلينكن متحدثاً عن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين في جامعة جورج واشنطن أمس (أ.ف.ب)

في الوقت الذي يشهد فيه العالم أزمة غزو روسيا لأوكرانيا، التي لا تلوح لها نهاية في الأفق، تثار قضية تايوان التي يمكن أن تؤدي إلى احتكاك مباشر بين الولايات المتحدة والصين، مع تعهد واشنطن بالدفاع عن الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها.
ويقول الباحث الأميركي بول هير، وهو زميل متميز في مركز «ناشونال إنتريست» وزميل أول غير مقيم في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، إنه لا توجد ندرة في المعلقين الذين لديهم أفكار ومقترحات للتعامل مع دوامة الهبوط في العلاقات الأميركية – الصينية.
لكن رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق كيفن رود يقدم منظوراً فريداً يستحق الاهتمام المدروس. إن الباحث الحقيقي في شأن الصين الذي لديه أيضاً علاقات واسعة وعميقة ووثيقة في كل من بكين وواشنطن، من دون أن يكون صينياً أو أميركياً، أمر نادر الحدوث بالفعل، وهذا يسمح له بالتحدث بصراحة إلى كلا الجانبين، وهو ما يفعله في كتابه «الحرب التي يمكن تجنبها: مخاطر الصراع الكارثي بين الولايات المتحدة والصين تحت قيادة شي جين بينغ».
ويضيف هير، الذي شغل منصب مسؤول المخابرات الوطنية لشرق آسيا من 2007 إلى 2015، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست»، أن الغرض من الكتاب، وفقاً لرود، هو «تقديم خريطة طريق مشتركة لمساعدة هاتين الدولتين العظميين على الانتقال في مسار مشترك إلى المستقبل». وبالتالي تجنب ما يراه رود بشكل صحيح انحرافاً نحو الصراع.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن هير قوله إن رود محقٌّ أيضاً في تشخيصه بأن «وجهات النظر العالمية المهيمنة الآن في الصين والولايات المتحدة تدفع البلدين نحو الحرب». وما يوصي به رود هو ما يسميه «المنافسة الاستراتيجية الخاضعة للسيطرة»، التي تسعى فيها بكين وواشنطن إلى التوصل إلى تفاهمات متبادلة وقواعد الطريق التي تسمح لهما بالحفاظ على تنافسهما الاستراتيجي الحتمي ضمن حدود، مع تعظيم فرص التعاون متى يتضح أنه يخدم مصالح البلدين.
ويعترف رود تماماً بأن هذا سيكون صعباً للغاية بسبب «عدم الفهم المتبادل» و«التآكل شبه الكامل للثقة» بين الولايات المتحدة والصين. كما أنه يدرك القيود السياسية الداخلية التي ستجعل من الخطر على القادة على أي من الجانبين الدعوة إلى ضبط النفس أو أي شيء يشبه التسوية أو الاسترضاء.
لكن رود يلاحظ أن البدائل، بما في ذلك المسار الحالي، لن تؤدي سوى إلى خطر وقوع كارثة.
وأحد الموضوعات الرئيسية للكتاب، وفقاً لهير، هو حاجة بكين وواشنطن إلى التغلب على الفخ الإدراكي الذي وضعتا نفسيهما فيه بسبب فشلهما في السعي إلى التفاهم المتبادل أو التعاطف الاستراتيجي. وقد سهل ذلك الإسناد الخاطئ لدى كلا الجانبين أو المبالغة في طموحات ونوايا كل منهما لدى الآخر.
والمطلوب بدلاً من ذلك هو تقدير أفضل من قبل كل جانب لكيفية إدراك الآخر للعالم والتفكير فيه. ويقول رود: «على الأقل، يحتاج صانعو السياسات إلى القيام بمحاولة حقيقية، خالية من التحيز الآيديولوجي أو خداع الذات، لفهم بيئة الإدراك السائدة في عاصمتي بلديهما، ودمج ذلك في نهجهما الاستراتيجي للعلاقة».
وكان رود صريحاً بشكل خاص في إصدار هذه الدعوة إلى واشنطن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه كان يكتب «لجمهور أميركي بشكل أساسي». ويقول بصورة رئيسية إن النظرة الصينية للولايات المتحدة ربما تكون أكثر دقة من وجهة النظر الأميركية للصين، مضيفاً: «في حين أن فهم الصين لأميركا الحديثة قد يكون غير كامل، فإنه أكثر انضباطاً وتطوراً مما نجده اليوم بين النخب السياسية في واشنطن في فهمهم لما يجعل الصين في الواقع علامة فارقة».
وينعكس استعداد رود كأجنبي للتحدث بصراحة إلى أصدقائه وشركائه الأميركيين بالمثل في وصفه للسياسة الأميركية تجاه الصين بأنها «مدفوعة في السنوات الأخيرة بمزيج مزعزع للاستقرار من الذعر الاستراتيجي غير المدروس والانتهازية السياسية المحلية». ونتيجة لذلك، فإن «شهية السياسة والمساحة السياسية لنهج أميركي أكثر عقلانية (تجاه الصين) لا تزالان محدودتين». وهذا انتقاد قاسٍ، لكنه ليس في غير محله.
يوجه رود اهتماماً وانتقاداً أقل تجاه الصين. والواقع أن نصف الكتاب عبارة عن شرح متعمق لـ«رؤية شي جين بينغ للعالم»، التي تم تنظيمها على أنها «عشر دوائر متحدة المركز من الاهتمام» (التي يقارنها رود بكتاب عالم النفس الأميركي أبراهام ماسلو الكلاسيكي «التسلسل الهرمي للاحتياجات»).
وتبدأ هذه بالأولوية القصوى للحزب الشيوعي الصيني المتمثلة في البقاء في السلطة والسيطرة، وتتسع لتشمل السعي الداخلي للحزب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وأمن الحدود، والسلامة الإقليمية والسعي الخارجي للنفوذ الإقليمي والعالمي والنفوذ والأمن.
والموضوع المتكرر الأكثر صلة بالعلاقات بين الولايات المتحدة والصين هو وجهة نظر بكين بأنها تتنافس مع واشنطن على جميع احتياجات الصين وأولوياتها تقريباً.
ويرجع ذلك إلى أن القادة الصينيين يرون في الازدراء الأميركي للحزب الشيوعي الصيني، وما يفسرونه في هدف واشنطن المتمثل في تغيير النظام في بكين، أكبر تهديد للاستقرار الداخلي للصين. وبالمثل، فإنهم يرون ما يفسرونه على أنه سياسة الولايات المتحدة لاحتواء الصين إقليمياً وعرقلة قوتها ونفوذها على الصعيد العالمي باعتبارها التحدي الخارجي الرئيسي للصين. ويحدد رود بشكل شامل استراتيجية شي لمواجهة هذا التهديد المتصور، التي تركز على تعزيز السلطة المحلية للحزب الشيوعي في الداخل، مع اتباع سياسات أكثر نشاطاً وحزماً في الخارج لتسجيل نقاط ضد الولايات المتحدة وتعظيم مكانة الصين العالمية ونفوذها.
ويعالج رود قضية استراتيجية رئيسية يمكن أن يكون لميول شي الشخصية تأثير حاسم فيها، ألا وهي تايوان. وفي تحليل رود «يبدو من المرجح بشكل متزايد أن شي سيرغب في محاولة تأمين تايوان خلال مشواره السياسي». وعلى وجه التحديد، يتكهن رود بأن شي قد يرغب في أن يكون لدى بكين القدرة العسكرية للاستيلاء على تايوان «في وقت مبكر من أواخر العقد الحالي إذا اختار»، أو على الأقل أن تكون لديه «ميزة عسكرية كافية ضد الولايات المتحدة» للدفع إلى تسوية سياسية مع تايبيه. وهذا أمر يمكن تصوره بالتأكيد، ولكنه لا يشكل تحديد موعد نهائي للتوحيد مع تايوان ولا قراراً بالهجوم عندما تتحقق القدرة العسكرية المطلوبة.
وما يخلص إليه رود صحيح تماماً إذ يقول إنه «في عالم الأفكار والأنظمة والحوكمة، أتمنى أن يفوز أفضل فريق». وينبغي أن يشعر «العالم الليبرالي الديمقراطي الرأسمالي» بالثقة على الأقل كما تفعل الصين على ما يبدو. إن أكبر خطرين على الولايات المتحدة هما أن تفقد أميركا ثقتها، أو أن يفترض أي من الجانبين أن «الفوز» يتطلب بالضرورة هزيمة الآخر.


مقالات ذات صلة

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

الولايات المتحدة​ بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

في تحول كبير نحو تعزيز العلاقات الأميركية - الفلبينية، يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، في البيت الأبيض مساء الاثنين، في بداية أسبوع من اللقاءات رفيعة المستوى، تمثل تحولاً في العلاقة بين البلدين التي ظلت في حالة من الجمود لفترة طويلة. زيارة ماركوس لواشنطن التي تمتد 4 أيام، هي الأولى لرئيس فلبيني منذ أكثر من 10 سنوات.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
الاقتصاد الشركات الأميركية في الصين  تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

الشركات الأميركية في الصين تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

تخشى الشركات الأميركية في الصين بشكل متزايد من مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة الأميركية في الصين. وأعرب 87 في المائة من المشاركين في الدراسة عن تشاؤمهم بشأن توقعات العلاقة بين أكبر الاقتصادات في العالم، مقارنة بنسبة 73 في المائة في استطلاع ثقة الأعمال الأخير. ويفكر ما يقرب من ربع هؤلاء الأشخاص، أو بدأوا بالفعل، في نقل سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى دول أخرى.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

من المتوقع أن يبحث قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في قمتهم المقررة باليابان الشهر المقبل، الاتفاق على تحديد رد على التنمر الاقتصادي من جانب الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

انتقدت بكين الجمعة، عزم واشنطن فرض قيود جديدة على استثمارات الشركات الأميركية في نظيرتها الصينية، معتبرة أن خطوة كهذه هي أقرب ما يكون إلى «إكراه اقتصادي فاضح وتنمّر تكنولوجي». وتدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برنامجاً لتقييد استثمارات خارجية أميركية، بما يشمل بعض التقنيات الحسّاسة التي قد تكون لها آثار على الأمن القومي. وتعاني طموحات الصين التكنولوجية أساساً من قيود تفرضها الولايات المتحدة ودول حليفة لها، ما دفع السلطات الصينية إلى إيلاء أهمية للجهود الرامية للاستغناء عن الاستيراد في قطاعات محورية مثل أشباه الموصلات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، إن «الولايات المتحد

«الشرق الأوسط» (بكين)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».