من يرفع الحصار عن تعز؟

غضب مجتمعي ضد الإصرار الحوثي على المزيد من خنقها... ومعايير دولية «مزدوجة»

متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
TT
20

من يرفع الحصار عن تعز؟

متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)

(تحليل إخباري)
تتخذ الأطراف المعنية بفتح الطرقات والمنافذ الرئيسية من وإلى مدينة تعز مسارات طويلة ومعقدة، تشبه كثيراً الطرقات البديلة التي لجأ إليها أهالي مدينة ومحافظة تعز بسبب الحصار، فبينما توشك الهدنة الإنسانية المعلنة لمدة شهرين على الانتهاء؛ يبقى رفع الحصار عن المدينة عملاً متعثراً، ويمر بالكثير من المناورات والحسابات.
وفي الوقت نفسه، تتواصل معاناة أهالي تعز المحاصرة، حيث ما زالوا يسلكون طرقاً طويلة ضيقة وأغلبها غير معبّدة تلتف حول المدينة والجبال المحيطة بها هرباً من الحصار، وتختنق يومياً بمئات السيارات والشاحنات والحافلات، وتقع فيها حوادث سقوط وتعثر؛ ما يؤدي إلى مزيد من الاختناق.
وعند أهم منافذ المدينة، وهو منفذ الحوبان شرق المدينة المغلق من قِبل ميليشيات الحوثي منذ سبع سنوات؛ يقف المئات من أهالي المدينة احتجاجاً على تباطؤ إجراءات ومساعي المجتمع الدولي والأمم المتحدة في فتح المنافذ والطرقات، وهم يعلمون يقيناً أن لا نوايا لدى الميليشيات لإنهاء هذه المعاناة، وبحسب صلاح أحمد غالب، المحامي والناشط وأحد المشاركين في الوقفات اليومية؛ فإن المعني بالمناشدة والخطاب هو مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة هانس غروندبيرغ الذي بذل كل جهوده لتسهيل تشغيل مطار صنعاء، ولم يقدم لتعز سوى الكلام والاجتماعات.
يتابع صلاح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، هذه الوقفات كما يُلاحظ من خلال اللافتات والشعارات التي يرفعها المشاركون فيها؛ تخاطب المبعوث الأممي والمجتمع الدولي للوفاء بالتزاماتهم برفع الحصار عن تعز، وتنفيذ كامل بنود وشروط الهدنة الإنسانية المعلنة، ولأننا نعرف أيضاً أن جهودهم لن تكون مجدية؛ لكن ما يستحق هذه الوقفات هو التذكير بالمجرم الحقيقي الذي يحاصر المدينة، ويلقي بالاتهامات على غيره، ويتنصل من كل التزاماته؛ ما يؤكد أنه لن يقدم أي تنازل في هذا الشأن.
يتفق الكاتب والباحث وسام محمد مع صلاح، حيث يؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن حصار تعز لن ينتهي عما قريب، حيث يرى أنه وفي حال اضطر الحوثي إلى فتح إحدى الطرق؛ فستكون مخصصة للناس العاديين وخاضعة لإجراءات معقدة وستمارس فيها انتهاكات شتى بحق السكان الذين يمرون منها، وربما بشكل مضاعف عما هو حادث اليوم في الطرق الفرعية البديلة.
يتساءل محمد: ما الذي سيفعله الحوثي لإنهاء حصار تعز إذا ما استجاب للضغوط؟، ويجيب على نفسه: سيفتح إحدى الطرق، وهذا لن يكون بمثابة إنهاء فعلي للحصار؛ ولذا أعتقد أن حصار تعز يمكن أن ينتهي بناءً على تفاهمات الهدنة الأخيرة، حتى وإن جرى تجديد هذه الهدنة لاعتبارات عدة متعلقة بالواقع القائم وبالأطراف المختلفة.
بالنسبة لجماعة الحوثي؛ فإن إنهاء حصار تعز يعني أن المحافظة التي تمتلك أكبر كتلة سكانية، سوف تعود وتتوحد من جديد؛ الأمر الذي سيجعلها قادرة على استعادة تأثيرها وابتكار أساليب نضالية جديدة في مقاومة الحوثي، وهذه الأساليب متعذرة اليوم بسبب تشرذم المحافظة وانقسامها وشلّ قدرتها بفعل الحصار.
- تغيرات خريطة الحصار
حصار تعز أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة اليمنية؛ فهو مفروض من جهات عدة، ويعزل المدينة عن محيطها الريفي، ويقطع اتصالها المباشر بباقي البلاد.
وبحسب شهادات جمعتها «الشرق الأوسط» من أهالي المدينة؛ تمترس الحوثيون بداية الحرب شرقاً في عقبة منيف ومحطة سيارات النقل إلى صنعاء أسفل القصر الجمهوري، وكلابة، وزيد الموشكي، والكثير من شوارع مديرية صالة، وشمالاً في منافذ عدة، وأهمها منفذ عصيفرة الرمدة، وغرباً في المطار القديم ومفرق شرعب، ونشروا في هذه المناطق قناصتهم وزرعوا الألغام، وبعد تحرير هذه الأجزاء من المدينة، تحول الحصار على مديريتي القاهرة والمظفر بالكامل، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من مديرية صالة، والتي يطوقها الحوثيون بمسلحيهم وقناصتهم من جهات الشرق والشمال والغرب، أما في الجنوب، فتقع المديريات الريفية المحررة: صبر الموادم، صبر المسراخ، صبر مشرعة وحدنان، والتي أصبحت المنفذ الإجباري المؤدي إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثي عبر طرق طويلة وملتفة تصل حتى منطقة دمنة خدير.
في جهة الشرق، تم إغلاق الطريق إلى ضاحية الحوبان، وهي أهم ضواحي المدينة وأكبرها، بل إن مساحتها تفوق مساحة المدينة بكثير، وتعد الحوبان من أكثر مناطق اليمن البلاد عموماً في الحركة الاقتصادية حيث تضم منطقة صناعية واسعة وأنشطة تجارية متعددة، وكانت قبل الحصار هي الرئة الاقتصادية للمدينة، وشهدت نشاطاً عمرانياً مكثفاً، وفي هذه الضاحية تتفرع الطريق القادمة من طرف مدينة تعز شمالاً باتجاه العاصمة صنعاء مروراً بمحافظتي إب وذمار، وجنوباً باتجاه مدينة عدن الساحلية الجنوبية التي تضم أكبر موانئ البلاد، مروراً بمحافظة لحج.
ومن جهة الغرب، قطع الحصار الطريق إلى ميناء المخأ، وهو المتنفس البحري المباشر الوحيد لتعز والذي تم تحريره قبل خمسة أعوام، إضافة إلى ميناء الحديدة الذي لا يزال تحت سيطرة الميليشيات، أما من جهة الشمال فاستمر إغلاق جميع الطرق التي تؤدي إلى عدد من مديريات المحافظة.
ومن الجنوب، حيث يقف جبل صبر بارتفاعاته ووعورته وطرقه الضيقة والملتوية، وتمر عبره طرق متفرعة في تضاريس وعرة ضمن مديرية سامع، واستخدمت هذه الطرق في فترة سيطرة الميليشيات على الجزء الغربي والجنوبي الغربي من تعز.
وهكذا، فإن أي مواطن داخل المدينة يريد الوصول إلى الحوبان، وبدلاً عن التوجه شرقاً عبر شوارع المدينة للوصول إليها في أقل من نصف ساعة؛ يضطر إلى التوجه شمالاً، للمرور عبر طرق جبلية ضيقة في مديريات صبر، للوصول إلى منطقة دمنة خدير ومنها إلى الحوبان، ويعود إلى المدينة من الطريق نفسها، ليقضي في الرحلة الواحدة أكثر من ثماني ساعات، يكون خلالها عرضة للإيقاف والابتزاز في نقاط التفتيش، أو الاختطاف أو حتى انفجار الألغام المزروعة في الطرقات.
لمدينة تعز طريق واحدة تربطها بالعالم من ناحية الجنوب الغربي، وتمر عبر مساحة واسعة من ريف المحافظة، والذي يمر عبر منطقة شديدة الوعورة تعرف بـ«هيجة العبد»، واكتسب شهرة واسعة نظراً لحيوية الدور الذي يؤديه في خدمة المدينة المحاصرة؛ ولكثرة الحوادث التي وقعت فيه وأعداد الضحايا الذين سقطوا فيه والخسائر المادية والاقتصادية عند إغلاقه بفعل تلك الحوادث؛ أو بفعل الخراب الذي تحدثه فيه سيول الأمطار.
في بداية الحرب، كان منفذ المدينة إلى هذه الطريق مغلقة بسبب سيطرة ميليشيات الحوثي على الجزء الغربي من المدينة، إلا أن طريق هيجة العبد كانت تقدم خدمات محدودة للمدينة، حيث تصل المواد الأساسية والمساعدات الإغاثية للسكان عبرها إلى آخر نقطة محررة، ومن هناك يتم حملها ونقلها على ظهور المواطنين والحمير والجمال في طرق جبلية طويلة ولمدة أيام، حتى الوصول إلى طرق صغيرة للسيارات في جبل صبر شمال المدينة.
- تحرير جزئي ونتائج عكسية
يرى الكاتب والباحث مصطفى ناجي الجبزي، أن استمرار حصار تعز يعود إلى مبررات عدة؛ فعدم استكمال تحرير المدينة قاد إلى نتيجة عكسية، وهي استمرار ميليشيات الحوثي في فرض الحصار كانتقام وعقاب جماعيين على شكل حقد أعمى لا علاقة له بالمكاسب العسكرية التي يمكن تحقيقها؛ فالحصار تحول قنصاً للأطفال واستهدافاً يومياً للأحياء السكنية بالقذائف، لكن ثمة مبررات اقتصادية للميليشيات في استمرار حصارها المفروض على تعز، ومن ذلك استمرار سيطرتها على أهم مناطق الإنتاج الصناعي في تعز، وهي الحوبان؛ ما يعود عليها بأموال ضخمة تأتي من الضرائب والإتاوات التي يفرضها.
ويشير الجبزي وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن فتح الحصار عن تعز سيؤدي إلى نشوء عمليات تجارية كبيرة، وتبادل للسلع والمنتجات على نطاق واسع، بينما يقوم اقتصاد الميليشيات على المحافظة على فارق سعر العملة المحلية في مناطق سيطرتها، مقابل تدهور سعر هذه العملة في المناطق المحررة.
ويؤكد الباحث الجبزي، أنه، وباستثناء باب المندب والساحل الغربي؛ فإن تحرير مناطق الداخل في محافظة تعز تم بإرادة محلية للمجتمع وبإمكانات بسيطة؛ وهو ما يعني إمكانية استكمال تحرير المحافظة، وتوجيه خطاب شحذ الهمم نحو ذلك، وعدم الاكتفاء بلوم المجتمع الدولي لتقاعسه في رفع الحصار، فلا بد من التذكير المستمر أن المجرم الحقيقي هو الحوثي، وهو من ينبغي أن توجه المعركة ضده.
وبالعودة إلى الكاتب والصحافي وسام محمد، الذي يحذر القيادة الشرعية للبلاد من المبالغة في التمسك بالتسوية السلمية، ويستغرب كيف لا تدرك أو لا تفهم طبيعة الحوثي ومشروعه؛ مفسراً ذلك بعدم وجود استعداد لكسر الحصار عسكرياً.
ويقول، إن هذا الوضع يتعزز بالنظر إلى طبيعة القوى العسكرية المهيمنة في تعز؛ فهي خاضعة لتوجهات طرف لم يعد يرى نفسه معنياً بمواصلة الحرب، كما أن بعض القوى العسكرية تدين بالولاء لدول في الإقليم موالية لإيران ومنحازة للحوثي، في حين انسحبت القوى السياسية المحلية من المشهد بشكل مبكر، وأصبحت تتبنى بشكل معلن وضمني السلام مع الحوثي، لكن دون أن توضح ماهية هذا السلام.
ويأمل وسام محمد، أن تكون هناك فرصة وحيدة تلوح في الأفق، فهذا الغضب الشعبي المتنامي بعد تسهيل حركة دخول السلع إلى ميناء الحديدة وتشغيل الرحلات إلى مطار صنعاء، جعل المجتمع يستشعر المعايير المزدوجة التي يتبعها المجتمع الدولي عند تعامله مع الأزمة اليمنية. ويشدد على أن هذا الغضب المتنامي من الممكن أن تتمخض عنه حركات احتجاجية تغامر بتنظيم مسيرات سلمية، والمرور من الطرق المغلقة وتحمّل أي كلفة، فإذا لم يحدث هذا شعور الناس بخيبة الأمل؛ سيجعلهم يفكرون على المدى الطويل في بناء حركة شعبية لمواجهة الوضع الجديد، حسب رأيه.
يصرخ أحد أهالي المدينة في الوقفة الاحتجاجية أمام المتاريس في طريق الحوبان شرقاً: فتحوا الموانئ والمطارات من خلال اتفاقات تمت عبر الهاتف، أما وهم ذاهبون إلى مشاورات وتشكيل لجان من أجل طرقات تعز؛ فهذا يعني أنهم لن يفتحوها.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: غروندبرغ ملتزم بالوساطة... والتسوية اليمنية

العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ خلال أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: غروندبرغ ملتزم بالوساطة... والتسوية اليمنية

في أعقاب فرض عقوبات على قيادات حوثية، أكد مكتب المبعوث الأممي التزامه بمواصلة جهوده في الوساطة، والدفع نحو تسوية سلمية وشاملة للنزاع في اليمن.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي الحوثيون يحكمون قبضتهم على مناطق شمال اليمن ويسخرون الموارد للتعبئة العسكرية (أ.ب)

عقوبات أميركية على قيادات حوثية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة أمس على سبعة من كبار القادة الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي الأمم المتحدة تخطط للوصول إلى 12 مليون يمني بحاجة إلى المساعدة هذا العام (إ.ب.أ)

انعدام الأمن الغذائي يتفاقم في 7 محافظات يمنية

كشفت بيانات أممية عن تفاقم انعدام الأمن الغذائي في 7 من المحافظات اليمنية، أغلبها تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وسط مخاوف من تبعات توقف المساعدات الأميركية.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي الشراكات غير العادلة في أعمال الإغاثة تسبب استدامة الأزمة الإنسانية في اليمن (أ.ف.ب)

انتقادات يمنية لأداء المنظمات الإغاثية الأجنبية واتهامات بهدر الأموال

تهيمن المنظمات الدولية على صنع القرار وأعمال الإغاثة، وتحرم الشركاء المحليين من الاستقلالية والتطور، بينما تمارس منظمات أجنبية غير حكومية الاحتيال في المساعدات.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي لقاء نسوي حوثي في صنعاء حول مهام الزينبيات في شهر رمضان (إعلام حوثي)

رمضان... موسم حوثي لتكثيف أعمال التعبئة والتطييف

تستعد الجماعة الحوثية لموسم تعبئة وتطييف في شهر رمضان بفعاليات وأنشطة تلزم فيها الموظفين العموميين بالمشاركة وتستغل المساعدات الغذائية بمساهمة من سفارة إيران.

وضاح الجليل (عدن)

كيف سترد إدارة ترمب على الحوثيين هذه المرة؟

زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
TT
20

كيف سترد إدارة ترمب على الحوثيين هذه المرة؟

زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)

غداة التهديد الحوثي الأخير بعودة الهجمات الحوثية المزعومة ضد إسرائيل، تصاعدت التساؤلات اليمنية عن الطريقة التي ستتخذها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الجماعة المدعومة من إيران.

ويرى سياسيون يمنيون أن الولايات المتحدة سترد بطريقة أشد ردعاً على هجمات الحوثيين، إذا ما نفَّذت الجماعة تهديدها بالعودة إلى قصف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن؛ حيث تزعم أنها في موقف الدفاع عن الفلسطينيين في غزة.

ويبدو أن زعيم الجماعة المدعومة من إيران، عبد الملك الحوثي، يسعى لاختبار ردة الإدارة الأميركية الجديدة؛ إذ هدد، مساء الجمعة، بأن جماعته ستعود لمهاجمة السفن بعد 4 أيام، إذا لم تسمح إسرائيل بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ضمن ما نصّت عليه المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.

وكانت إسرائيل وحركة «حماس» توصلتا، بوساطة قطرية ومصرية وأميركية، إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى بدأ سريانه مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي. ومنذ ذلك الحين، توقف الحوثيون عن هجماتهم ضد السفن وباتجاه إسرائيل، مع تهديدهم بالعودة إليها في حال فشل الاتفاق.

وتقول الحكومة اليمنية إن هجمات الحوثيين البحرية، وباتجاه إسرائيل، تأتي تنفيذاً لتوجيهات إيرانية، وإنها لم تساعد الفلسطينيين في شيء، أكثر من استدعائها لعسكرة البحر الأحمر وإتاحة الفرصة لإسرائيل لتدمير البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

مقاتلة أميركية تتزود بالوقود جواً (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تتزود بالوقود جواً (الجيش الأميركي)

ومع توقُّع أن تكون إدارة ترمب أكثر حزماً من سابقتها في التعاطي مع التهديدات الحوثية، كان قد أعاد تصنيف الجماعة «منظمة إرهابية أجنبية» ضمن أولى قراراته، إذ بدأ سريان القرار قبل أيام بالتوازي مع إدراج 7 من كبار قادة الجماعة على لائحة العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة.

السيناريوهات المتوقعة

مع تهديد زعيم الجماعة الحوثية بالعودة إلى مهاجمة السفن، يتوقع سياسيون يمنيون أن ردة الفعل الأميركية ستكون أقوى. وقد تصل إلى الدعم العسكري للقوات اليمنية على الأرض. وهذا يعني نهاية المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بناء على خريطة الطريق التي كانت توسطت فيها السعودية وعمان في نهاية 2023، وتعذر تنفيذها بسبب التصعيد الحوثي البحري والإقليمي.

ويتوقع البراء شيبان، وهو زميل في المعهد الملكي البريطاني لدراسات الدفاع، أن واشنطن سترد هذه المرة، وقد تكون بوتيرة ضربات أعلى، كما ستشدد الرقابة على كل الأفراد والكيانات الذين لا يزالون يقومون بأي تعاملات مالية أو لوجستية مع الحوثيين، بما في ذلك دخول النفط الذي يُعتبَر أحد أبرز الموارد الذي استخدمته الجماعة خلال الفترة الماضية.

صاروخ باليستي سماه الحوثيون «فلسطين2» واستخدموه لمهاجمة إسرائيل (إعلام حوثي)
صاروخ باليستي سماه الحوثيون «فلسطين2» واستخدموه لمهاجمة إسرائيل (إعلام حوثي)

وفي حال حدوث ذلك، يرى شيبان أن ذلك قد يدفع الحوثيين إلى التصعيد العسكري، وهو ما سيكون له تبعات على خريطة الطريق والمشاورات الذي كانت قد دشنتها الرياض مع الحوثيين منذ عام 2022.

من جهته، يتوقع المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، رداً أميركياً على أكثر من مسار، ومن ذلك أن يكون هناك رد عسكري جوي وبحري على الأهداف الحوثية، إلى جانب استهداف البنية التحتية للجماعة، مثل الموانئ والمنشآت العسكرية.

ويضيف: «ربما قد نرى المزيد من العقوبات الاقتصادية على الحوثيين، مثل تجميد الأصول وتحديد التجارة، بهدف تقليل قدرتهم على الحصول على الأسلحة والموارد. إلى جانب اللجوء إلى البحث عن شريك عسكري في اليمن، بهدف دعمه عسكرياً وتعزيز قدرته على مواجهة الجماعة».

ويخلص الطاهر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى القول إن «رد واشنطن سيكون معتمداً على سياق الحادثة ونتائجها، بالإضافة إلى التطورات السياسية والاستراتيجية في المنطقة».

وفي سياق التوقعات نفسها، لا يستبعد الباحث السياسي والأكاديمي اليمني فارس البيل أن يقود أي هجوم حوثي ضد السفن الإدارة الأميركية إلى خلق تحالف جديد يضم إسرائيل لتوجيه ضربات أكثر فاعلية ضد الجماعة وقادتها، وربما بالتزامن مع استهداف القدرات النووية لطهران.

مجسمات لصواريخ ومسيرات وهمية يعرضها الحوثيون في شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
مجسمات لصواريخ ومسيرات وهمية يعرضها الحوثيون في شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

ويجزم البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن أميركا تبدو الآن أكثر تصميماً على توجيه ضربات قوية ضد الحوثي في حال أعاد هجماته.

وفي اتجاه آخر، يرى الباحث السياسي اليمني رماح الجبري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تبحث عن أي قصف إسرائيلي أو غربي لمناطق سيطرتها؛ كون ذلك يحقق لها أهدافاً كثيرة. من بينها التصوير لأتباعها أن أي تحرك عسكري يمني أو حرب اقتصادية ضدها انتقام إسرائيلي، وأن الصف الوطني الذي يقوده مجلس القيادة الرئاسي يخدم مصالح تل أبيب.

ويبدو أن الجماعة (بحسب الجبري) تريد أن تستعجل اختبارها لرد الإدارة الأميركية الجديدة، مستغلةً الظروف الحالية التي تتجاذب تنفيذ بقية خطوات اتفاق الهدنة في غزة بين حركة حماس وإسرائيل، دون أن تكترث للرد الأميركي المتوقَّع؛ كونها لا تأبه لأي أضرار يتعرض لها السكان في مناطق سيطرتها.

وعيد أميركي

في أحدث التصريحات الأميركية بشأن الموقف من الجماعة الحوثية، كانت القائمة المؤقتة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، السفيرة دوروثي شيا، توعدت الحوثيين، خلال إيجاز في مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن.

وقالت إنه تماشياً مع الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترمب بشأن إعادة إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، تتخذ الولايات المتحدة خطوات ملموسة للقضاء على قدرات الحوثيين.

وأضافت أن بلادها ستتخذ خطوات لوقف الدعم الإيراني لأنشطة الحوثيين الإرهابية، وذلك بموجب المذكرة الرئاسية الخاصة بالأمن القومي التي أصدرها الرئيس ترمب، وأعاد من خلالها فرض القدر الأقصى من الضغط على إيران.

ضربات إسرائيلية أحدثت حرائق ضخمة في الحديدة اليمنية (رويترز)
ضربات إسرائيلية أحدثت حرائق ضخمة في الحديدة اليمنية (رويترز)

وتوعدت السفيرة شيا باتخاذ إجراءات ضد الحوثيين، في حال استأنفوا هجماتهم المتهورة في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة وضد إسرائيل.

وقالت إن كل دولة عضو في مجلس الأمن تتحمل مسؤولية الوفاء بالتزاماتها بموجب القرارات الصادرة عن المجلس، بما في ذلك القرارات التي تتعلق بالحظر المفروض على إمداد الحوثيين بالأسلحة والمواد والتدريبات ذات الصلة أو بالمساعدات المالية.

ودعت القائمة المؤقتة بأعمال المندوب الأميركي في الأمم المتحدة إلى التحرك باتجاه تعزيز آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش الخاصة باليمن، وحضت الدول الأعضاء على القيام بدورها وزيادة التمويل للتخطيط طويل الأمد الخاص بالآلية وتوظيفها للأفراد وبنيتها التحتية الحيوية والضرورية لتعزيز القدرة على تفتيش جميع الحاويات غير المكشوفة، وبنسبة مائة في المائة.

ووصفت الحوثيين بأنهم يواصلون سعيهم إلى أخذ مضيق باب المندب والتجارة الدولية كرهينة، ولم يبدوا أي رغبة أو قدرة على التمييز بين أهدافهم، وشددت بالقول: «حري بنا ألا نقبل بأي شكل من الأشكال مزاعمهم بشأن أي أساس مشروع لهجماتهم».

الهجمات والضربات السابقة

يُشار إلى أن الجماعة الحوثية تبنَّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة في البحرين الأحمر والعربي، منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة واحتجاز طاقمها لأكثر من عام ومقتل 4 بحارة.

وتلقت الجماعة نحو ألف غارة نفذتها واشنطن بمشاركة بريطانيا في بعض المرات للحد من قدراتها، في حين شنت إسرائيل 5 موجات انتقامية جوية على موانئ الحديدة ومطار صنعاء، ومحطات كهرباء، رداً على إطلاق الجماعة نحو 200 صاروخ وطائرة مسيرة باتجاه إسرائيل خلال 14 شهراً.

السفينة البريطانية «روبيمار» الغارقة في البحر الأحمر إثر قصف صاروخي حوثي (أ.ف.ب)
السفينة البريطانية «روبيمار» الغارقة في البحر الأحمر إثر قصف صاروخي حوثي (أ.ف.ب)

وباستثناء إسرائيلي واحد قُتِل جراء انفجار مسيرة حوثية في شقة بتل أبيب في يونيو (حزيران) الماضي، لم تكن لهذه الهجمات أي تأثير قتالي باستثناء بعض الإصابات، والتسبُّب في الضغط على الدفاعات الجوية الإسرائيلية.

غير أن الضرر الأكبر لهذه الهجمات الحوثية كان على الصعيد الاقتصادي مع تجنُّب كبرى شركات الملاحة المرور عبر باب المندب وسلوكها مساراً أطول عبر طريق الرجاء الصالح، وهو ما أدى إلى تراجع حركة السفن في البحر الأحمر إلى أكثر من 50 في المائة، وأصبحت مصر أكبر الخاسرين لفقدها نحو 7 مليارات دولار من عائدات قنوات السويس.

ومع عدم نجاح هذه الضربات الغربية والإسرائيلية في الحد من قدرات الجماعة الحوثية على شن الهجمات، كان الموقف الرسمي لمجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة التابعة له معارضة هذه الضربات، لجهة أنها غير فاعلة في إنهاء التهديد الحوثي، وأن البديل الأنجع دعم القوات اليمنية الشرعية لاستعادة الحديدة وموانئها ومؤسسات الدولة المختطفة، باعتبار ذلك هو الحل العملي.