من يرفع الحصار عن تعز؟

غضب مجتمعي ضد الإصرار الحوثي على المزيد من خنقها... ومعايير دولية «مزدوجة»

متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
TT

من يرفع الحصار عن تعز؟

متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)

(تحليل إخباري)
تتخذ الأطراف المعنية بفتح الطرقات والمنافذ الرئيسية من وإلى مدينة تعز مسارات طويلة ومعقدة، تشبه كثيراً الطرقات البديلة التي لجأ إليها أهالي مدينة ومحافظة تعز بسبب الحصار، فبينما توشك الهدنة الإنسانية المعلنة لمدة شهرين على الانتهاء؛ يبقى رفع الحصار عن المدينة عملاً متعثراً، ويمر بالكثير من المناورات والحسابات.
وفي الوقت نفسه، تتواصل معاناة أهالي تعز المحاصرة، حيث ما زالوا يسلكون طرقاً طويلة ضيقة وأغلبها غير معبّدة تلتف حول المدينة والجبال المحيطة بها هرباً من الحصار، وتختنق يومياً بمئات السيارات والشاحنات والحافلات، وتقع فيها حوادث سقوط وتعثر؛ ما يؤدي إلى مزيد من الاختناق.
وعند أهم منافذ المدينة، وهو منفذ الحوبان شرق المدينة المغلق من قِبل ميليشيات الحوثي منذ سبع سنوات؛ يقف المئات من أهالي المدينة احتجاجاً على تباطؤ إجراءات ومساعي المجتمع الدولي والأمم المتحدة في فتح المنافذ والطرقات، وهم يعلمون يقيناً أن لا نوايا لدى الميليشيات لإنهاء هذه المعاناة، وبحسب صلاح أحمد غالب، المحامي والناشط وأحد المشاركين في الوقفات اليومية؛ فإن المعني بالمناشدة والخطاب هو مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة هانس غروندبيرغ الذي بذل كل جهوده لتسهيل تشغيل مطار صنعاء، ولم يقدم لتعز سوى الكلام والاجتماعات.
يتابع صلاح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، هذه الوقفات كما يُلاحظ من خلال اللافتات والشعارات التي يرفعها المشاركون فيها؛ تخاطب المبعوث الأممي والمجتمع الدولي للوفاء بالتزاماتهم برفع الحصار عن تعز، وتنفيذ كامل بنود وشروط الهدنة الإنسانية المعلنة، ولأننا نعرف أيضاً أن جهودهم لن تكون مجدية؛ لكن ما يستحق هذه الوقفات هو التذكير بالمجرم الحقيقي الذي يحاصر المدينة، ويلقي بالاتهامات على غيره، ويتنصل من كل التزاماته؛ ما يؤكد أنه لن يقدم أي تنازل في هذا الشأن.
يتفق الكاتب والباحث وسام محمد مع صلاح، حيث يؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن حصار تعز لن ينتهي عما قريب، حيث يرى أنه وفي حال اضطر الحوثي إلى فتح إحدى الطرق؛ فستكون مخصصة للناس العاديين وخاضعة لإجراءات معقدة وستمارس فيها انتهاكات شتى بحق السكان الذين يمرون منها، وربما بشكل مضاعف عما هو حادث اليوم في الطرق الفرعية البديلة.
يتساءل محمد: ما الذي سيفعله الحوثي لإنهاء حصار تعز إذا ما استجاب للضغوط؟، ويجيب على نفسه: سيفتح إحدى الطرق، وهذا لن يكون بمثابة إنهاء فعلي للحصار؛ ولذا أعتقد أن حصار تعز يمكن أن ينتهي بناءً على تفاهمات الهدنة الأخيرة، حتى وإن جرى تجديد هذه الهدنة لاعتبارات عدة متعلقة بالواقع القائم وبالأطراف المختلفة.
بالنسبة لجماعة الحوثي؛ فإن إنهاء حصار تعز يعني أن المحافظة التي تمتلك أكبر كتلة سكانية، سوف تعود وتتوحد من جديد؛ الأمر الذي سيجعلها قادرة على استعادة تأثيرها وابتكار أساليب نضالية جديدة في مقاومة الحوثي، وهذه الأساليب متعذرة اليوم بسبب تشرذم المحافظة وانقسامها وشلّ قدرتها بفعل الحصار.
- تغيرات خريطة الحصار
حصار تعز أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة اليمنية؛ فهو مفروض من جهات عدة، ويعزل المدينة عن محيطها الريفي، ويقطع اتصالها المباشر بباقي البلاد.
وبحسب شهادات جمعتها «الشرق الأوسط» من أهالي المدينة؛ تمترس الحوثيون بداية الحرب شرقاً في عقبة منيف ومحطة سيارات النقل إلى صنعاء أسفل القصر الجمهوري، وكلابة، وزيد الموشكي، والكثير من شوارع مديرية صالة، وشمالاً في منافذ عدة، وأهمها منفذ عصيفرة الرمدة، وغرباً في المطار القديم ومفرق شرعب، ونشروا في هذه المناطق قناصتهم وزرعوا الألغام، وبعد تحرير هذه الأجزاء من المدينة، تحول الحصار على مديريتي القاهرة والمظفر بالكامل، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من مديرية صالة، والتي يطوقها الحوثيون بمسلحيهم وقناصتهم من جهات الشرق والشمال والغرب، أما في الجنوب، فتقع المديريات الريفية المحررة: صبر الموادم، صبر المسراخ، صبر مشرعة وحدنان، والتي أصبحت المنفذ الإجباري المؤدي إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثي عبر طرق طويلة وملتفة تصل حتى منطقة دمنة خدير.
في جهة الشرق، تم إغلاق الطريق إلى ضاحية الحوبان، وهي أهم ضواحي المدينة وأكبرها، بل إن مساحتها تفوق مساحة المدينة بكثير، وتعد الحوبان من أكثر مناطق اليمن البلاد عموماً في الحركة الاقتصادية حيث تضم منطقة صناعية واسعة وأنشطة تجارية متعددة، وكانت قبل الحصار هي الرئة الاقتصادية للمدينة، وشهدت نشاطاً عمرانياً مكثفاً، وفي هذه الضاحية تتفرع الطريق القادمة من طرف مدينة تعز شمالاً باتجاه العاصمة صنعاء مروراً بمحافظتي إب وذمار، وجنوباً باتجاه مدينة عدن الساحلية الجنوبية التي تضم أكبر موانئ البلاد، مروراً بمحافظة لحج.
ومن جهة الغرب، قطع الحصار الطريق إلى ميناء المخأ، وهو المتنفس البحري المباشر الوحيد لتعز والذي تم تحريره قبل خمسة أعوام، إضافة إلى ميناء الحديدة الذي لا يزال تحت سيطرة الميليشيات، أما من جهة الشمال فاستمر إغلاق جميع الطرق التي تؤدي إلى عدد من مديريات المحافظة.
ومن الجنوب، حيث يقف جبل صبر بارتفاعاته ووعورته وطرقه الضيقة والملتوية، وتمر عبره طرق متفرعة في تضاريس وعرة ضمن مديرية سامع، واستخدمت هذه الطرق في فترة سيطرة الميليشيات على الجزء الغربي والجنوبي الغربي من تعز.
وهكذا، فإن أي مواطن داخل المدينة يريد الوصول إلى الحوبان، وبدلاً عن التوجه شرقاً عبر شوارع المدينة للوصول إليها في أقل من نصف ساعة؛ يضطر إلى التوجه شمالاً، للمرور عبر طرق جبلية ضيقة في مديريات صبر، للوصول إلى منطقة دمنة خدير ومنها إلى الحوبان، ويعود إلى المدينة من الطريق نفسها، ليقضي في الرحلة الواحدة أكثر من ثماني ساعات، يكون خلالها عرضة للإيقاف والابتزاز في نقاط التفتيش، أو الاختطاف أو حتى انفجار الألغام المزروعة في الطرقات.
لمدينة تعز طريق واحدة تربطها بالعالم من ناحية الجنوب الغربي، وتمر عبر مساحة واسعة من ريف المحافظة، والذي يمر عبر منطقة شديدة الوعورة تعرف بـ«هيجة العبد»، واكتسب شهرة واسعة نظراً لحيوية الدور الذي يؤديه في خدمة المدينة المحاصرة؛ ولكثرة الحوادث التي وقعت فيه وأعداد الضحايا الذين سقطوا فيه والخسائر المادية والاقتصادية عند إغلاقه بفعل تلك الحوادث؛ أو بفعل الخراب الذي تحدثه فيه سيول الأمطار.
في بداية الحرب، كان منفذ المدينة إلى هذه الطريق مغلقة بسبب سيطرة ميليشيات الحوثي على الجزء الغربي من المدينة، إلا أن طريق هيجة العبد كانت تقدم خدمات محدودة للمدينة، حيث تصل المواد الأساسية والمساعدات الإغاثية للسكان عبرها إلى آخر نقطة محررة، ومن هناك يتم حملها ونقلها على ظهور المواطنين والحمير والجمال في طرق جبلية طويلة ولمدة أيام، حتى الوصول إلى طرق صغيرة للسيارات في جبل صبر شمال المدينة.
- تحرير جزئي ونتائج عكسية
يرى الكاتب والباحث مصطفى ناجي الجبزي، أن استمرار حصار تعز يعود إلى مبررات عدة؛ فعدم استكمال تحرير المدينة قاد إلى نتيجة عكسية، وهي استمرار ميليشيات الحوثي في فرض الحصار كانتقام وعقاب جماعيين على شكل حقد أعمى لا علاقة له بالمكاسب العسكرية التي يمكن تحقيقها؛ فالحصار تحول قنصاً للأطفال واستهدافاً يومياً للأحياء السكنية بالقذائف، لكن ثمة مبررات اقتصادية للميليشيات في استمرار حصارها المفروض على تعز، ومن ذلك استمرار سيطرتها على أهم مناطق الإنتاج الصناعي في تعز، وهي الحوبان؛ ما يعود عليها بأموال ضخمة تأتي من الضرائب والإتاوات التي يفرضها.
ويشير الجبزي وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن فتح الحصار عن تعز سيؤدي إلى نشوء عمليات تجارية كبيرة، وتبادل للسلع والمنتجات على نطاق واسع، بينما يقوم اقتصاد الميليشيات على المحافظة على فارق سعر العملة المحلية في مناطق سيطرتها، مقابل تدهور سعر هذه العملة في المناطق المحررة.
ويؤكد الباحث الجبزي، أنه، وباستثناء باب المندب والساحل الغربي؛ فإن تحرير مناطق الداخل في محافظة تعز تم بإرادة محلية للمجتمع وبإمكانات بسيطة؛ وهو ما يعني إمكانية استكمال تحرير المحافظة، وتوجيه خطاب شحذ الهمم نحو ذلك، وعدم الاكتفاء بلوم المجتمع الدولي لتقاعسه في رفع الحصار، فلا بد من التذكير المستمر أن المجرم الحقيقي هو الحوثي، وهو من ينبغي أن توجه المعركة ضده.
وبالعودة إلى الكاتب والصحافي وسام محمد، الذي يحذر القيادة الشرعية للبلاد من المبالغة في التمسك بالتسوية السلمية، ويستغرب كيف لا تدرك أو لا تفهم طبيعة الحوثي ومشروعه؛ مفسراً ذلك بعدم وجود استعداد لكسر الحصار عسكرياً.
ويقول، إن هذا الوضع يتعزز بالنظر إلى طبيعة القوى العسكرية المهيمنة في تعز؛ فهي خاضعة لتوجهات طرف لم يعد يرى نفسه معنياً بمواصلة الحرب، كما أن بعض القوى العسكرية تدين بالولاء لدول في الإقليم موالية لإيران ومنحازة للحوثي، في حين انسحبت القوى السياسية المحلية من المشهد بشكل مبكر، وأصبحت تتبنى بشكل معلن وضمني السلام مع الحوثي، لكن دون أن توضح ماهية هذا السلام.
ويأمل وسام محمد، أن تكون هناك فرصة وحيدة تلوح في الأفق، فهذا الغضب الشعبي المتنامي بعد تسهيل حركة دخول السلع إلى ميناء الحديدة وتشغيل الرحلات إلى مطار صنعاء، جعل المجتمع يستشعر المعايير المزدوجة التي يتبعها المجتمع الدولي عند تعامله مع الأزمة اليمنية. ويشدد على أن هذا الغضب المتنامي من الممكن أن تتمخض عنه حركات احتجاجية تغامر بتنظيم مسيرات سلمية، والمرور من الطرق المغلقة وتحمّل أي كلفة، فإذا لم يحدث هذا شعور الناس بخيبة الأمل؛ سيجعلهم يفكرون على المدى الطويل في بناء حركة شعبية لمواجهة الوضع الجديد، حسب رأيه.
يصرخ أحد أهالي المدينة في الوقفة الاحتجاجية أمام المتاريس في طريق الحوبان شرقاً: فتحوا الموانئ والمطارات من خلال اتفاقات تمت عبر الهاتف، أما وهم ذاهبون إلى مشاورات وتشكيل لجان من أجل طرقات تعز؛ فهذا يعني أنهم لن يفتحوها.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.