من يرفع الحصار عن تعز؟

غضب مجتمعي ضد الإصرار الحوثي على المزيد من خنقها... ومعايير دولية «مزدوجة»

متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
TT

من يرفع الحصار عن تعز؟

متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل لافتة ضمن حشود خرجت تنادي برفع حصار تعز أمس (أ.ف.ب)

(تحليل إخباري)
تتخذ الأطراف المعنية بفتح الطرقات والمنافذ الرئيسية من وإلى مدينة تعز مسارات طويلة ومعقدة، تشبه كثيراً الطرقات البديلة التي لجأ إليها أهالي مدينة ومحافظة تعز بسبب الحصار، فبينما توشك الهدنة الإنسانية المعلنة لمدة شهرين على الانتهاء؛ يبقى رفع الحصار عن المدينة عملاً متعثراً، ويمر بالكثير من المناورات والحسابات.
وفي الوقت نفسه، تتواصل معاناة أهالي تعز المحاصرة، حيث ما زالوا يسلكون طرقاً طويلة ضيقة وأغلبها غير معبّدة تلتف حول المدينة والجبال المحيطة بها هرباً من الحصار، وتختنق يومياً بمئات السيارات والشاحنات والحافلات، وتقع فيها حوادث سقوط وتعثر؛ ما يؤدي إلى مزيد من الاختناق.
وعند أهم منافذ المدينة، وهو منفذ الحوبان شرق المدينة المغلق من قِبل ميليشيات الحوثي منذ سبع سنوات؛ يقف المئات من أهالي المدينة احتجاجاً على تباطؤ إجراءات ومساعي المجتمع الدولي والأمم المتحدة في فتح المنافذ والطرقات، وهم يعلمون يقيناً أن لا نوايا لدى الميليشيات لإنهاء هذه المعاناة، وبحسب صلاح أحمد غالب، المحامي والناشط وأحد المشاركين في الوقفات اليومية؛ فإن المعني بالمناشدة والخطاب هو مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة هانس غروندبيرغ الذي بذل كل جهوده لتسهيل تشغيل مطار صنعاء، ولم يقدم لتعز سوى الكلام والاجتماعات.
يتابع صلاح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، هذه الوقفات كما يُلاحظ من خلال اللافتات والشعارات التي يرفعها المشاركون فيها؛ تخاطب المبعوث الأممي والمجتمع الدولي للوفاء بالتزاماتهم برفع الحصار عن تعز، وتنفيذ كامل بنود وشروط الهدنة الإنسانية المعلنة، ولأننا نعرف أيضاً أن جهودهم لن تكون مجدية؛ لكن ما يستحق هذه الوقفات هو التذكير بالمجرم الحقيقي الذي يحاصر المدينة، ويلقي بالاتهامات على غيره، ويتنصل من كل التزاماته؛ ما يؤكد أنه لن يقدم أي تنازل في هذا الشأن.
يتفق الكاتب والباحث وسام محمد مع صلاح، حيث يؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن حصار تعز لن ينتهي عما قريب، حيث يرى أنه وفي حال اضطر الحوثي إلى فتح إحدى الطرق؛ فستكون مخصصة للناس العاديين وخاضعة لإجراءات معقدة وستمارس فيها انتهاكات شتى بحق السكان الذين يمرون منها، وربما بشكل مضاعف عما هو حادث اليوم في الطرق الفرعية البديلة.
يتساءل محمد: ما الذي سيفعله الحوثي لإنهاء حصار تعز إذا ما استجاب للضغوط؟، ويجيب على نفسه: سيفتح إحدى الطرق، وهذا لن يكون بمثابة إنهاء فعلي للحصار؛ ولذا أعتقد أن حصار تعز يمكن أن ينتهي بناءً على تفاهمات الهدنة الأخيرة، حتى وإن جرى تجديد هذه الهدنة لاعتبارات عدة متعلقة بالواقع القائم وبالأطراف المختلفة.
بالنسبة لجماعة الحوثي؛ فإن إنهاء حصار تعز يعني أن المحافظة التي تمتلك أكبر كتلة سكانية، سوف تعود وتتوحد من جديد؛ الأمر الذي سيجعلها قادرة على استعادة تأثيرها وابتكار أساليب نضالية جديدة في مقاومة الحوثي، وهذه الأساليب متعذرة اليوم بسبب تشرذم المحافظة وانقسامها وشلّ قدرتها بفعل الحصار.
- تغيرات خريطة الحصار
حصار تعز أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة اليمنية؛ فهو مفروض من جهات عدة، ويعزل المدينة عن محيطها الريفي، ويقطع اتصالها المباشر بباقي البلاد.
وبحسب شهادات جمعتها «الشرق الأوسط» من أهالي المدينة؛ تمترس الحوثيون بداية الحرب شرقاً في عقبة منيف ومحطة سيارات النقل إلى صنعاء أسفل القصر الجمهوري، وكلابة، وزيد الموشكي، والكثير من شوارع مديرية صالة، وشمالاً في منافذ عدة، وأهمها منفذ عصيفرة الرمدة، وغرباً في المطار القديم ومفرق شرعب، ونشروا في هذه المناطق قناصتهم وزرعوا الألغام، وبعد تحرير هذه الأجزاء من المدينة، تحول الحصار على مديريتي القاهرة والمظفر بالكامل، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من مديرية صالة، والتي يطوقها الحوثيون بمسلحيهم وقناصتهم من جهات الشرق والشمال والغرب، أما في الجنوب، فتقع المديريات الريفية المحررة: صبر الموادم، صبر المسراخ، صبر مشرعة وحدنان، والتي أصبحت المنفذ الإجباري المؤدي إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثي عبر طرق طويلة وملتفة تصل حتى منطقة دمنة خدير.
في جهة الشرق، تم إغلاق الطريق إلى ضاحية الحوبان، وهي أهم ضواحي المدينة وأكبرها، بل إن مساحتها تفوق مساحة المدينة بكثير، وتعد الحوبان من أكثر مناطق اليمن البلاد عموماً في الحركة الاقتصادية حيث تضم منطقة صناعية واسعة وأنشطة تجارية متعددة، وكانت قبل الحصار هي الرئة الاقتصادية للمدينة، وشهدت نشاطاً عمرانياً مكثفاً، وفي هذه الضاحية تتفرع الطريق القادمة من طرف مدينة تعز شمالاً باتجاه العاصمة صنعاء مروراً بمحافظتي إب وذمار، وجنوباً باتجاه مدينة عدن الساحلية الجنوبية التي تضم أكبر موانئ البلاد، مروراً بمحافظة لحج.
ومن جهة الغرب، قطع الحصار الطريق إلى ميناء المخأ، وهو المتنفس البحري المباشر الوحيد لتعز والذي تم تحريره قبل خمسة أعوام، إضافة إلى ميناء الحديدة الذي لا يزال تحت سيطرة الميليشيات، أما من جهة الشمال فاستمر إغلاق جميع الطرق التي تؤدي إلى عدد من مديريات المحافظة.
ومن الجنوب، حيث يقف جبل صبر بارتفاعاته ووعورته وطرقه الضيقة والملتوية، وتمر عبره طرق متفرعة في تضاريس وعرة ضمن مديرية سامع، واستخدمت هذه الطرق في فترة سيطرة الميليشيات على الجزء الغربي والجنوبي الغربي من تعز.
وهكذا، فإن أي مواطن داخل المدينة يريد الوصول إلى الحوبان، وبدلاً عن التوجه شرقاً عبر شوارع المدينة للوصول إليها في أقل من نصف ساعة؛ يضطر إلى التوجه شمالاً، للمرور عبر طرق جبلية ضيقة في مديريات صبر، للوصول إلى منطقة دمنة خدير ومنها إلى الحوبان، ويعود إلى المدينة من الطريق نفسها، ليقضي في الرحلة الواحدة أكثر من ثماني ساعات، يكون خلالها عرضة للإيقاف والابتزاز في نقاط التفتيش، أو الاختطاف أو حتى انفجار الألغام المزروعة في الطرقات.
لمدينة تعز طريق واحدة تربطها بالعالم من ناحية الجنوب الغربي، وتمر عبر مساحة واسعة من ريف المحافظة، والذي يمر عبر منطقة شديدة الوعورة تعرف بـ«هيجة العبد»، واكتسب شهرة واسعة نظراً لحيوية الدور الذي يؤديه في خدمة المدينة المحاصرة؛ ولكثرة الحوادث التي وقعت فيه وأعداد الضحايا الذين سقطوا فيه والخسائر المادية والاقتصادية عند إغلاقه بفعل تلك الحوادث؛ أو بفعل الخراب الذي تحدثه فيه سيول الأمطار.
في بداية الحرب، كان منفذ المدينة إلى هذه الطريق مغلقة بسبب سيطرة ميليشيات الحوثي على الجزء الغربي من المدينة، إلا أن طريق هيجة العبد كانت تقدم خدمات محدودة للمدينة، حيث تصل المواد الأساسية والمساعدات الإغاثية للسكان عبرها إلى آخر نقطة محررة، ومن هناك يتم حملها ونقلها على ظهور المواطنين والحمير والجمال في طرق جبلية طويلة ولمدة أيام، حتى الوصول إلى طرق صغيرة للسيارات في جبل صبر شمال المدينة.
- تحرير جزئي ونتائج عكسية
يرى الكاتب والباحث مصطفى ناجي الجبزي، أن استمرار حصار تعز يعود إلى مبررات عدة؛ فعدم استكمال تحرير المدينة قاد إلى نتيجة عكسية، وهي استمرار ميليشيات الحوثي في فرض الحصار كانتقام وعقاب جماعيين على شكل حقد أعمى لا علاقة له بالمكاسب العسكرية التي يمكن تحقيقها؛ فالحصار تحول قنصاً للأطفال واستهدافاً يومياً للأحياء السكنية بالقذائف، لكن ثمة مبررات اقتصادية للميليشيات في استمرار حصارها المفروض على تعز، ومن ذلك استمرار سيطرتها على أهم مناطق الإنتاج الصناعي في تعز، وهي الحوبان؛ ما يعود عليها بأموال ضخمة تأتي من الضرائب والإتاوات التي يفرضها.
ويشير الجبزي وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن فتح الحصار عن تعز سيؤدي إلى نشوء عمليات تجارية كبيرة، وتبادل للسلع والمنتجات على نطاق واسع، بينما يقوم اقتصاد الميليشيات على المحافظة على فارق سعر العملة المحلية في مناطق سيطرتها، مقابل تدهور سعر هذه العملة في المناطق المحررة.
ويؤكد الباحث الجبزي، أنه، وباستثناء باب المندب والساحل الغربي؛ فإن تحرير مناطق الداخل في محافظة تعز تم بإرادة محلية للمجتمع وبإمكانات بسيطة؛ وهو ما يعني إمكانية استكمال تحرير المحافظة، وتوجيه خطاب شحذ الهمم نحو ذلك، وعدم الاكتفاء بلوم المجتمع الدولي لتقاعسه في رفع الحصار، فلا بد من التذكير المستمر أن المجرم الحقيقي هو الحوثي، وهو من ينبغي أن توجه المعركة ضده.
وبالعودة إلى الكاتب والصحافي وسام محمد، الذي يحذر القيادة الشرعية للبلاد من المبالغة في التمسك بالتسوية السلمية، ويستغرب كيف لا تدرك أو لا تفهم طبيعة الحوثي ومشروعه؛ مفسراً ذلك بعدم وجود استعداد لكسر الحصار عسكرياً.
ويقول، إن هذا الوضع يتعزز بالنظر إلى طبيعة القوى العسكرية المهيمنة في تعز؛ فهي خاضعة لتوجهات طرف لم يعد يرى نفسه معنياً بمواصلة الحرب، كما أن بعض القوى العسكرية تدين بالولاء لدول في الإقليم موالية لإيران ومنحازة للحوثي، في حين انسحبت القوى السياسية المحلية من المشهد بشكل مبكر، وأصبحت تتبنى بشكل معلن وضمني السلام مع الحوثي، لكن دون أن توضح ماهية هذا السلام.
ويأمل وسام محمد، أن تكون هناك فرصة وحيدة تلوح في الأفق، فهذا الغضب الشعبي المتنامي بعد تسهيل حركة دخول السلع إلى ميناء الحديدة وتشغيل الرحلات إلى مطار صنعاء، جعل المجتمع يستشعر المعايير المزدوجة التي يتبعها المجتمع الدولي عند تعامله مع الأزمة اليمنية. ويشدد على أن هذا الغضب المتنامي من الممكن أن تتمخض عنه حركات احتجاجية تغامر بتنظيم مسيرات سلمية، والمرور من الطرق المغلقة وتحمّل أي كلفة، فإذا لم يحدث هذا شعور الناس بخيبة الأمل؛ سيجعلهم يفكرون على المدى الطويل في بناء حركة شعبية لمواجهة الوضع الجديد، حسب رأيه.
يصرخ أحد أهالي المدينة في الوقفة الاحتجاجية أمام المتاريس في طريق الحوبان شرقاً: فتحوا الموانئ والمطارات من خلال اتفاقات تمت عبر الهاتف، أما وهم ذاهبون إلى مشاورات وتشكيل لجان من أجل طرقات تعز؛ فهذا يعني أنهم لن يفتحوها.


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان الصادر، الخميس، عن وزارة الخارجية السعودية، وما تضمّنه من موقف إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

شددت الخارجية على أن «الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في تغليب المصلحة العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.