عن علاقة كتابة المرأة بالملابس والموضة يدور كتاب «حتى فساتيني»، الذي يضم مجموعة من القصص القصيرة لثماني كاتبات من مشارب أدبية متنوعة: أسماء جمال عبد الناصر، إيناس الهندي، شيماء ياسر، مريم حسين، مي التلمساني، نورا ناجي، نور حلوم، وفاء السعيد، بالإضافة إلى الكاتب داني ناجي.
يستوحي الكتاب عنوانه من قصيدة شهيرة للشاعر نزار قباني، وهو نتاج ورشة عمل مشتركة بين «بيت التلمساني» الثقافي وصاحبته الكاتبة مي التلمساني، وبين دار النشر «المرايا للثقافة والفنون» بعنوان «الكتابة والموضة». دار محور الورشة حول تعقب أساليب التعبير عن الذات من خلال الملابس وتحولات الذوق الخاص والعام والقيم الجمالية، والاجتماعية المرتبطة بالموضة في الأربعين عاماً الماضية.
عن هذه التجربة وأبعادها المجتمعة والإنسانية تقول مي التلمساني التي حررت الكتاب وقدمت له: «الفكرة تشغلني منذ زمن طويل، أولاً فيما يتعلق بتحديد علاقة الإنسان بالملابس والأزياء، ودور الموضة والأناقة في تشكيل هوية الأشخاص، والمحور الثاني هو كيف ينظر المجتمع الخارجي للمظهر، ودلالته داخل المجتمعات، لا سيما مجتمعاتنا العربية المحافظة، لا سيما في الأربعين عاماً الأخيرة، وهذا سياق تاريخي لا ينفصل عن موضوع الورشة، حيث تغيرت نظرة المرأة للملابس بشكل له أبعاد اجتماعية بعيدة عن اختيارها لملابسها وأناقتها بشكل حُر».
وتضيف محررة الكتاب: «الرجل أيضاً له علاقة بجسده واختيارات ملابسه في وسط مجتمعه المحيط، لكن الكتابة التي خرجت عن الورشة ركزت على المرأة وعلاقتها بجسدها، وعلاقتها بالملابس، حتى أن المشارك الرجل الوحيد في الورشة الكاتب داني ناجي، جمعت قصته (مروحة روميو وجولييت) بين ثلاثة أجيال مختلفة من السيدات بداية من الجدة والأم والحفيدة، حيث جمع بينهن في لحظة حداد، وتفرض الجدة على الحفيدة في هذه المناسبة ارتداء فستان وليس بنطلون».
- دلالة الفستان
تتنوع مناخات المجموعة فنياً ويهتم أغلبها بإبراز المشهد كقيمة بصرية، مما يجعل القصص بمثابة عرض سردي شيق لكرنفال من الملابس، ويهيمن الفستان كدلالة مركزية، حاملاً صدى لأفكار مجتمع وعاداته وتقاليده.
وهنا تلفت مي إلى أن الورشة «ركزت على المفردات التي يمكن أن تساعد الكتاب في التعبير عن تلك الصورة، عبر نقاش مفتوح يحاول الالتزام بوصف الملابس والجسد عبر حكايات مختلفة، وكانت هناك حرية في الاشتغال على الملامح العامة للقصص، وكما كان هناك حضور لعنصر التجربة الذاتية في النصوص، كان هناك كذلك عنصر التخييل بشكل كبير».
من جهتها، تعتبر مديرة النشر في «المرايا للثقافة والفنون» الباحثة الثقافية دينا قابيل، أن ثمة مفارقة يمكن التقاطها من عنوان المجموعة، تبدأ مع قصيدة «أيظن» وما ارتبط بها برهافة مشاعر عودة الحبيب، ومعه الأناقة التي غابت واستردتها الحبيبة بعودته، وهناك كذلك البعد الخاص بالعتب المجتمعي الذي أفقد الفستان بهجته، وسط تحفظات اجتماعية على ارتدائه، في مواكبة لتطورّات اجتماعية واسعة على مدار سنوات طويلة، انعكست على مظهر المرأة وحريتها في اختيار أناقتها، التي يرمز لها الكتاب بالفستان.
- فلسفة الأناقة
تزامنت ورشة «الكتابة والموضة» مع منح مي التلمساني وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة فارس، الذي استضافته السفارة الفرنسية في حفل خاص بالقاهرة، اختارت مي التلمساني الظهور خلاله الحفل بإطلالة عصرية مستوحاة من التراث المحلي المصري، وهو ما ترى أنه لا ينفصل عن اهتمامها الشخصي واهتمامها ككاتبة بمسألة الهوية التي تجسدها الملابس. تقول: «اخترت يوم منحي الوسام الفرنسي أن أقول عبر مظهري إنني مصرية وعربية وإن لدينا تراثاً طويلاً مع أناقة المرأة أفتخر به، وإن تراث الأناقة هذا يتجلى بأشكال متنوعة، وحتى الحُلي التي كنت أرتديها كانت مستوحاة من التراث، ودائماً أرى أن فكرة الاحتشام والأناقة عبرت عنها لسنوات طويلة أيقونات مثل أم كلثوم وفيروز، وثقافة الاحتشام تلك يمكن تأملها بعيداً عن فكرة الستار أو حجب المرأة بعيداً عن الأناقة، فالأناقة لا تعني أن يكون الإنسان بالضرورة صادماً لمجتمعه، كما أنه لا يمكن الحديث عنها دون الحديث عن أناقة الروح، لذلك أحترم جميع اختيارات الناس في الملبس، ولكن مع فهم سياق تلك الاختيارات، وفهمها كقضية مجتمعية».
- مرايا الملابس
في نص «صورة جديدة لفستان قديم» للكاتبة نورا ناجي نقرأ حكاية امرأة تكتب عن الموضة للصحف، وهي نفسها لديها علاقة مبتورة عن نفسها وملابسها، وفي قصة «اختلط علينا الأمر» لمريم حسين كتبت عن علاقة شابة بأمها المنقبة، وعلاقتها بالملابس التي ترتديها فقط عند لقاء حبيبها، والتراوح بين هذين العالمين.
تقول مريم حسين إنها تتأمل بعيون نصها المشارك في المجموعة وتتساءل: «هل للملابس ذاكرة؟ هل إذا انتقلت من ملكية إنسان لآخر تنسى تفاصيل وطباع وصوت وعطر المالك القديم لها، أم تظل محتفظة بتفاصيله القديمة إضافة إلى تفاصيل مقتنيها الجديد. ويختلط عليها الأمر، فتكرر السؤال: (هل تشعر أقمشة ملابسنا بحزننا؟ هل تحتفظ ملابسنا بوجوه عشاقنا؟ هل تشعر بحركتنا المضطربة السعيدة ونحن نستعد للقائهم؟)».
وفي قصة «خزانة لا تتسع لكل شيء» تراقب نور حلوم، كاتبة سينمائية سورية، تلك الملابس التي تتنقل معنا، وتمعن في تأملها بخاصة عند التنقل بين مقرات السكن المختلفة، تشارك أصحابها الرحلة من خزانة ملابس لخزانة أخرى. وفي قصة «باترون مزيونة» للكاتبة شيماء ياسر تتأمل فيها فكرة الحجاب والاحتشام، وما يفرضه الأم والأب على اختيارات ملابس الابنة.
وتدور قصة «طرحة سوداء» للكاتبة وفاء السعيد عن بطلة تخلع الحجاب ولكنها تضطر أن ترتدي طرحة سوداء عند ذهابها لقريتها بعد موت والدتها لأن السياق الاجتماعي بالقرية كان يستلزم ظهورها كذلك، رغم أنها غير محجبة في المدينة.
وتتناول «لا قصة ولا مناظر» للكاتبة أسماء جمال عبد الناصر قصة موظفة في جهاز للرقابة على المصنفات الفنية والأفلام، لها آراء تخص علاقة المرأة بجسدها وملابسها، تتفاوت مع النظرة الذكورية المحيطة بها، تواكب مفارقة عملها في جهاز للرقابة.
وتنطلق الفنانة التشكيلية إيناس الهندي في قصتها «فستان ديور الأخضر» من أن المصمم العالمي الشهير كريستيان ديور يختار في سنة من السنوات تصميم فستان زفاف بلون أخضر وليس أبيض، تتناول ذلك في سياق تخييلي لبطلة تحاول اختيار فستان زفاف بلون أخضر.
وفي قصة «فستان عند الركبة» تتأمل مي التلمساني الفستان الأبيض الصيفي الخفيف، الذي صار ينظر له المجتمع بنظرة سلبية بسبب أنه قصير أو مكشوف قليلاً، وتستدعي بطلة القصة وهي تقوم بترتيب خزانتها، فستان الزفاف الأبيض، ومعه ذكريات فساتين زفاف سيدات عائلتها، بمختلف سياقاتهن الاجتماعية، وعلاقة اختياراتهن تلك بشخصياتهن.