باسيل يتحضّر لاغتيال اتفاق الطائف مستقوياً بـ«حزب الله»

النائب جبران باسيل ملقياً خطاباً في مناصريه قبل أيام (إ.ب.أ)
النائب جبران باسيل ملقياً خطاباً في مناصريه قبل أيام (إ.ب.أ)
TT

باسيل يتحضّر لاغتيال اتفاق الطائف مستقوياً بـ«حزب الله»

النائب جبران باسيل ملقياً خطاباً في مناصريه قبل أيام (إ.ب.أ)
النائب جبران باسيل ملقياً خطاباً في مناصريه قبل أيام (إ.ب.أ)

استبق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الاستعدادات لإعادة انتظام المؤسسات الدستورية بدءاً بانتخاب رئيس جديد للبرلمان اللبناني وتشكيل حكومة جديدة وتأمين الانتقال السلمي بانتخاب رئيس جمهورية خلفاً للحالي ميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بوضع دفتر شروط أقل ما يقال فيه، كما يقول قطب سياسي لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتوخى منه إقحام البلد في أزمة سياسية مديدة ومستعصية، بدلاً من تهيئة الأجواء أمام إعادة تكوين السلطة بعد إنجاز الاستحقاق بانتخاب مجلس نيابي جديد.
ولفت القطب السياسي الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن باسيل أطل على اللبنانيين بخطاب ناري لم يكن مضطراً إليه أراد منه الدخول في اشتباك سياسي مع غالبية القوى السياسية، بحيث لا يقتصر على الحرب الضروس الدائرة بين تياره السياسي وخصومه في الشارع المسيحي ويكاد يشمل الجميع باستثناء حليفه الوحيد «حزب الله» الذي أمّن له الفوز بعدد من المقاعد النيابية ليوحي بأنه حقق تقدُّماً على غريمه السياسي حزب «القوات اللبنانية».
فباسيل أدرج في دفتر شروطه، كما يقول القطب السياسي، مجموعة من النقاط الخلافية تتجاوز موقفه من إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للبرلمان لدورة سابعة، إلى تنظيم اغتياله لـ«اتفاق الطائف» وتلميحه بوضوح إلى وجود نية بعدم تشكيل الحكومة من دون أن يسلّط الأضواء على الأسباب التي يمكن أن تعطّل تشكيلها، مع أن البيان الذي تلاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فور انتهاء الجلسة الوداعية لمجلس الوزراء، قبل أن تتحوّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، لا يقتصر على تعداد إنجازاتها من خلال جردة الحساب التي أعدّها، وإنما جاء بمثابة مسودة للبيان الوزاري للحكومة العتيدة قوبلت بخرق من وزير الطاقة وليد فيّاض، ليس بسحبه ملف الكهرباء من جدول أعمال الجلسة، وإنما لاعتراضه على تكليف شركات دولية بإعداد دفتر شروط لتلزيم معملي دير عمار والزهراني لتوليد الطاقة استجابة لطلب باسيل.
وأكد المرجع نفسه أن باسيل أعدّ خطة لاغتيال اتفاق الطائف بمطالبته بتعديلات دستورية تمثّلت في تحديد مهلة الشهر لرئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة على أن تنسحب المُهلة نفسها على الأخير لتأليفها. وسأل: «ما الجدوى من تحديد المهل ما دام عون لا يزال رئيساً للجمهورية وهو من دفع رئيس الحكومة السابق (سعد الحريري) للاعتذار عن عدم تأليف الحكومة بتواطؤ على المكشوف من باسيل وحليفه (حزب الله)، وإن كان نأى بنفسه عن الدخول شريكاً في التعطيل موكلاً إليه المهمة لتفادي عودة الاحتقان المذهبي والطائفي تحديداً بين الشيعة والسنّة؟».
ورأى أن مجرد تحديد المهل يعني إعطاء رئيس الجمهورية حق الفيتو، أياً يكن الرئيس، برفضه التوقيع على التشكيلة الوزارية، ما يعني عدم رغبته في التعاون مع من سماه أكثرية النواب في الاستشارات النيابية الملزمة. وحذر من أن ما يطرحه باسيل يأخذ البلد إلى مكان آخر ويفتح الباب أمام اشتباك سياسي غير مسبوق، لأنه ينتزع من الرئيس المكلف صلاحياته ويجيّرها لنفسه، وهذا ما يتعارض مع روحية الطائف ويعود بالبلد إلى ما كان عليه من قبل استناداً إلى الدستور قبل تعديله، أي أن يسمي الرئيس الوزراء وينتقي من بينهم رئيساً للحكومة، ما يلغي الشراكة في السلطة التنفيذية ويبقيها حصراً بيده، علماً بأن اقتراحه يبقى في حدود «الهرطقة السياسية» لأن صاحبه يدرك جيداً أنه في حاجة إلى تعديل دستوري بأكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، ولن يجد من يؤيده سوى أهل البيت، فيما خصومه لا يغامرون بمصير البلد بأخذه إلى فتنة مذهبية هو في غنى عنها.
وقال إن دعوة باسيل لاستكمال تطبيق الطائف بإلغاء الطائفية السياسية وبتشكيل مجلس للشيوخ ما هي إلا وعود مسمومة للتغطية على تجويفه من الشراكة السنّية في السلطة التنفيذية.
وسأل القطب السياسي باسيل: ما المقصود من طلبه بانتخاب رئيس الجمهورية عبر دورتين بذريعة تأمين حسن التمثيل للموقع الأول لدى المسيحيين في السلطة لئلا تبقى الرئاسة لقمة سائغة؟ وهل يريد التمييز بين ناخب مسيحي من الدرجة الأولى وآخر مسلم من الدرجة الثانية من خلال إعطاء الحق للمسيحيين بتزكية من يرشّحونه للرئاسة على أن يقتصر دور المسلمين في الموافقة على من يرشّحونه؟
واعتبر أن مثل هذا الاقتراح ما هو إلا هرطقة دستورية ليس لأنه في حاجة إلى تعديل دستوري بموافقة أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، وإنما يراد منه إعادة الاعتبار للرئيس الأقوى في طائفته بعد أن سقط ولم يعد قابلاً للتعويم في ضوء انحياز عون لمصلحة فريق الممانعة وتوفير الغطاء السياسي لسلاح «حزب الله»، بدلاً من أن يكون رئيساً لكل اللبنانيين ويعمل للتوفيق بينهم لحل الخلافات، باعتبار أنه حامٍ للدستور ورمز لوحدة البلد.
وتطرّق إلى دعوة باسيل للحوار، وقال: «الله يطعمه الحجة والناس راجعة»، وهذا ما ينطبق على عون الذي فوّض رئيس الظل ومنحه كل الصلاحيات التي أُعطيت له للحفاظ على استمرارية إرثه السياسي من قبل وريثه باسيل الذي لا يستقوي بفائض القوة التي يتمتع بها «حزب الله» فحسب، وإنما لقدرته على التحكُّم بالقرارات الرئاسية من خلال الوديعة التي أودعها في قصر بعبدا عبر فريقه السياسي الذي يدير على هواه شؤون البلاد والعباد لعله يؤمّن إيصال رئيس «التيار الوطني» إلى سدّة الرئاسة الأولى.
ووصف طروحات باسيل بأنها بهورة سياسية لعله، من وجهة نظره، يعوّض عن الحصار العربي والدولي المفروض عليه من جهة، ولصرف الأنظار عن فائض القوة الذي منحه له «حزب الله» بفوزه بعدد من المقاعد في الدوائر ذات الغلبة فيها للصوت الشيعي للتعويض، ليس عن تراجعه انتخابياً في الشارع المسيحي فحسب، وإنما لسد الفراغ في البرلمان الناجم عن خفض عدد أعضاء كتلته النيابية.
وفي هذا السياق، يُنقل عن بعض حلفاء «حزب الله» في الحلقات المغلقة في ضوء تقويمهم للنتائج التي انتهت إليها الانتخابات النيابية بأن الحزب تخلى عن حلفائه باستثناء حليفه «التيار الوطني»، بخلاف ما أكد عليه أمينه العام حسن نصر الله لجهة التزامه بحلفائه في الانتخابات ولم يعد لمرشّحيه من خيار، ما عدا تعويم باسيل، سوى الدخول في مبارزة مع حليفه الاستراتيجي حركة «أمل» لحصد العدد الأكبر من الأصوات التفضيلية في الدوائر التي جمعت الثنائي الشيعي في لائحة واحدة.
كما يُنقل عن هؤلاء قولهم إن الحزب لم يكن مضطراً للدخول في منافسة من هذا القبيل مع «أمل»، لأنهم يتخوّفون من أن تتحوّل المبارزة للحصول على الصوت التفضيلي في الدورات الانتخابية المقبلة إلى مشروع فتنة شيعية - شيعية بعد أن تباهى باسيل بأنه وجّه ضربة إلى رأس الفتنة في البقاع الغربي، في إشارة غير مباشرة إلى رسوب نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي في الانتخابات، في ضوء ما يقال بأن الحزب حجب عنه الأصوات التفضيلية لمصلحة الفائز المرشح الماروني في «التيار الوطني» شربل مارون.
لذلك، فإن دعوة باسيل للحوار تفتقد إلى من يتجاوب معها، وتبقى مفاعيلها، كما يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط»، حبراً على ورق، لأن من انقلب على مقررات الحوار، في إشارة إلى عون و«حزب الله»، لم يعد في الموقع الذي يسمح له برعايته وهو يستعد لمغادرة قصر بعبدا في 31 أكتوبر المقبل، إضافة إلى أن باسيل يمتلك القدرة على التعطيل مدعوماً من عمّه في محاولة لإعادة تعويمه، لكنه عبثاً يحاول إنقاذ نفسه، برغم أنه يتصرف كأنه المرشد الأول للجمهورية التي أخذت تتهاوى نحو الانهيار الشامل.
وعليه، فإن باسيل، بحسب المصدر السياسي، أراد أن يرسم لنفسه خريطة الطريق لتعطيل استحقاق تشكيل الحكومة ولاحقاً الرئاسة، بتحذيره من الفراغ ما لم يرضخ خصومه لشروطه، مع أنه يدرك أن موقعه السياسي سيواجه مشكلة فور خروج عمّه من بعبدا، وبالتالي فإن تعذُّر تشكيل الحكومة العتيدة سيؤدي إلى حشر عون في الزاوية في حال أراد إخضاع رئيسها لشروط وريثه السياسي.
ويمكن لعون أن يلتف على إجراء استشارات نيابية مُلزمة لتسمية من يشكل الحكومة برضوخه لمشيئة الأكثرية النيابية بتكليف من يؤلفها، على أن يزرع الألغام لمنع ولادتها لتستمر حكومة تصريف الأعمال مع تزويدها بجرعة تشريع الضرورة، وهذا هو واقع الحال ما لم تحصل مداخلات دولية تمنع تعطيلها وتمهّد لانتخاب رئيس جديد لمنع سقوط البلد في فراغ قاتل لا يزال هو المسيطر حتى إشعار آخر على السواد الأعظم من اللبنانيين والسياسيين على حد سواء.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

«حزب الله» يستعد سياسياً لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار

الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أثناء إلقاء كلمة من مكان غير محدد 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

تتعاطى القوى السياسية على اختلافها مع تأكيد أمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بتموضعه مجدداً تحت سقف «اتفاق الطائف»، على أنه أراد أن يستبق الوعود الأميركية بالتوصل إلى وقف إطلاق النار، بتحديد العناوين الرئيسية لخريطة الطريق في مقاربته لمرحلة ما بعد عودة الهدوء إلى جنوب لبنان، بانسحاب إسرائيل من المناطق التي توغلت فيها تمهيداً لتطبيق القرار الدولي «1701»، وتعد بأنها تأتي في سياق استعداد الحزب للعبور من الإقليم -أي الميدان- إلى الداخل اللبناني عبر بوابة الطائف.

فالبنود التي حددها قاسم في مقاربته لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار تنم، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، عن رغبته في إضفاء اللبننة على توجهات الحزب وصولاً إلى انخراطه في الحراك السياسي، في مقابل خفض منسوب اهتمامه بما يدور في الإقليم في ضوء تقويمه لردود الفعل المترتبة على تفرُّده في قرار إسناده لغزة الذي أحدث انقساماً بين اللبنانيين.

وتعدّ المصادر أنه ليس في إمكان الحزب أن يتجاهل الوقائع التي فرضها قرار إسناده لغزة، وأبرزها افتقاده لتأييد حلفائه في «محور الممانعة»، وكاد يكون وحيداً في المواجهة، وتؤكد أن تفويضه لرئيس المجلس النيابي، نبيه بري، للتفاوض مع الوسيط الأميركي، آموس هوكستين، وتوصلهما إلى التوافق على مسوّدة لعودة الهدوء إلى الجنوب، يعني حكماً أنه لا مكان في المسوّدة للربط بين جبهتي غزة والجنوب وإسناده لـ«حماس».

انكفاء الحزب

وتلفت المصادر نفسها إلى أن عدم اعتراض الحزب على المسوّدة يعني موافقته الضمنية على إخلاء منطقة الانتشار في جنوب الليطاني والانسحاب منها، إضافة إلى أن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ صدور القرار «1701»، في آب (أغسطس) 2006، أصبحت بحكم الملغاة، أسوة بإنهاء مفعول توازن الرعب الذي كان قد أبقى على التراشق بينهما تحت السيطرة.

وتقول المصادر نفسها إنه لا خيار أمام الحزب سوى الانكفاء إلى الداخل، وإن ما تحقق حتى الساعة بقي محصوراً في التوصل إلى وقف إطلاق النار العالق سريان مفعوله على الوعود الأميركية، فيما لم تبقَ الحدود اللبنانية - السورية مشرّعة لإيصال السلاح إلى الحزب، بعدما تقرر ضبطها على غرار النموذج الذي طبقه الجيش على مطار رفيق الحريري الدولي، ومنع كل أشكال التهريب من وإلى لبنان، إضافة إلى أن وحدة الساحات كادت تغيب كلياً عن المواجهة، ولم يكن من حضور فاعل لـ«محور الممانعة» بانكفاء النظام السوري عنه، رغبة منه بتصويب علاقاته بالمجتمع الدولي، وصولاً إلى رفع الحصار المفروض عليه أميركياً بموجب قانون قيصر.

لاريجاني

وفي هذا السياق، تتوقف المصادر أمام ما قاله كبير مستشاري المرشد الإيراني، علي لاريجاني، لوفد من «محور الممانعة» كان التقاه خلال زيارته إلى بيروت: «إيران ترغب في إيصال المساعدات إلى لبنان لكن الحصار المفروض علينا براً وبحراً وجواً يمنعنا من إرسالها، ولم يعد أمامنا سوى التأكيد بأننا شركاء في إعادة الإعمار».

وتسأل ما إذا كان التحاق الحزب بركب «اتفاق الطائف»، الذي هو بمثابة ملاذ آمن للجميع للعبور بلبنان إلى بر الأمان، يأتي في سياق إجراء مراجعة نقدية تحت عنوان تصويبه للعلاقات اللبنانية - العربية التي تصدّعت بسبب انحيازه إلى «محور الممانعة»، وجعل من لبنان منصة لتوجيه الرسائل بدلاً من تحييده عن الصراعات المشتعلة في المنطقة؟ وهل بات على قناعة بأنه لا خيار أمامه سوى التوصل إلى وقف إطلاق النار، رغم أن إسرائيل تتمهل في الموافقة عليه ريثما تواصل تدميرها لمناطق واسعة، وهذا ما يفتح الباب للسؤال عن مصير الوعود الأميركية، وهل توكل لتل أبيب اختيار الوقت المناسب للإعلان عن انتهاء الحرب؟

تموضع تحت سقف «الطائف»

ولم تستبعد الدور الذي يعود لبري في إسداء نصيحته للحزب بضرورة الالتفات إلى الداخل، والتموضع تحت سقف «اتفاق الطائف»، خصوصاً أن المجتمع الدولي بكل مكوناته ينصح المعارضة بمد اليد للتعاون معه لإخراج لبنان من أزماته المتراكمة.

وتقول إن الحزب يتهيب التطورات التي تلازمت مع إسناده لغزة، وتسأل هل قرر إعادة النظر في حساباته في ضوء أن رهانه على تدخل إيران لم يكن في محله؛ لأن ما يهمها الحفاظ على النظام وتوفير الحماية له، آخذة بعين الاعتبار احتمال ضعف موقفها في الإقليم؟

لذلك فإن قرار الحزب بأن يعيد الاعتبار للطائف، يعني أنه يبدي استعداداً للانخراط في الحراك السياسي بحثاً عن حلول لإنقاذ لبنان بعد أن أيقن، بحسب المصادر، بأن فائض القوة الذي يتمتع به لن يُصرف في المعادلة السياسية، وأن هناك ضرورة للبحث عن القنوات المؤدية للتواصل مع شركائه في البلد، وأولهم المعارضة، مع استعداد البلد للدخول في مرحلة سياسية جديدة فور التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يعطي الأولوية لانتخاب الرئيس، ليأخذ على عاتقه تنفيذ ما اتُّفق عليه لتطبيق الـ«1701».

وعليه لا بد من التريث إفساحاً في المجال أمام ردود الفعل، أكانت من المعارضة أو الوسطيين، على خريطة الطريق التي رسمها قاسم استعداداً للانتقال بالحزب إلى مرحلة سياسية جديدة، وهذا يتطلب منه عدم الاستقواء على خصومه والانفتاح والتعاطي بمرونة وواقعية لإخراج انتخاب الرئيس من المراوحة، واستكمال تطبيق «الطائف»، في مقابل معاملته بالمثل وعدم التصرف على نحو يوحي بأنهم يريدون إضعافه في إعادة مؤسسات البلد، بذريعة أن قوته اليوم لم تعد كما كانت في السابق، قبل تفرده في إسناده لغزة، وما ترتب عليها من تراجع للنفوذ الإيراني، بالتلازم مع عدم فاعلية وحدة الساحات التي تتشكل منها القوة الضاربة لـ«محور الممانعة» الذي لم يكن له دور، ولو بحدود متواضعة، بتوفير الدعم للحزب كونه أقوى أذرعته في الإقليم، وبالتالي هناك ضرورة لاحتضانه لاسترداده إلى مشروع الدولة.