نجمة «الباليه» الفرنسية أوريلي دوبون تعتزل الرقص

جمهورها ودعها بثلث ساعة من الوقوف والتصفيق المتواصل

أوريلي المعتزلة رغما عنها
أوريلي المعتزلة رغما عنها
TT

نجمة «الباليه» الفرنسية أوريلي دوبون تعتزل الرقص

أوريلي المعتزلة رغما عنها
أوريلي المعتزلة رغما عنها

قبل 33 عاما وقعت عين خبيرة على طفلة موهوبة في الرقص الكلاسيكي تدعى أويلي دوبون فقررت ضمها إلى فرقة باليه الأوبرا في باريس. وفي سن 25 تمكنت الطفلة من الفوز بلقب «نجمة» الفرقة. ثم كان لا بد لها من أن تأفل، مثل كل النجوم، بسبب تجاوز السن المقررة للراقصات. فقد وقف جمهور الأُوبرا، ليلة أول من أمس، وواصل التصفيق لمدة 25 دقيقة تحية للفنانة التي تنص التعليمات على أن تتقاعد عند بلوغها 42 عاما .
اختارت أشهر نجمات «الباليه» الفرنسيات أن تودع الجمهور بأداء دور مانون ليسكو، المرأة العاشقة حتى الموت لأحد فرسان القرون الوسطى، عن قصة للأب بريفو. وجرت حفلة الوداع في قصر «غارنييه» للعروض الموسيقية في باريس، وكان من الصعب إحصاء أسماء المشاهير من النجوم والأميرات والوزراء وأرباب الصناعة والمال والسياسة والأزياء والشخصيات التي جاءت من عدة دول لحضور العرض الاستثنائي. وكتب المعلقون أن الاهتمام بمناسبة اعتزال أوريلي دوبون طغى على الاهتمام بمهرجان «كان» السينمائي الدولي الحالي على الشاطئ الجنوبي للبلاد. ونظرا لاهتمام عموم الفرنسيين بآخر الوقفات المسرحية لنجمة «الباليه» ولعدم تمكن الآلاف من الفوز بتذاكر الحفل، فقد تولى المخرج سيدريك كلابيش تصويره على أن يعرض على شاشة القناة الفرنسية الثالثة في الثلاثين من الشهر الحالي.
رقصت أوريلي دوبون، مساء الوداع، كما لم ترقص من قبل. واختارت شريكها في الأداء الراقص ربيرتو بولي، نجم فرقة «سكالا دو ميلانو» ومسرح الأكاديمية الأميركية لـ«الباليه». وقد استقبلها الجمهور، حال ظهورها على المسرح بعاصفة من التصفيق، لكي يترك نفسه، على مدى ساعتين، مأخوذا بأداء ساحر لراقصة في ثوب مهلهل، قادرة على أن تعبّر بالخفة والحركة الرشيقة، من دون كلام، عن أبلغ مشاعر الحب لدى المرأة. ثم انسدل الستار وعاد ليرتفع عدة مرات تاركا لبطلة العرض أن تحيي الجمهور تحت مطر من الورق اللماع الذي استمر في الهطول لثلث ساعة. ومن بين كل الحضور تركزت عيناها على زوجها الراقص جيريمي بيلنغار وولديها منه. تمكنت أوريلي دوبون من تأدية مختلف الأدوار وأصعبها. وبسبب براعتها في الأداء من دون هنات أو أخطاء كتب النقاد أنها «ترقص ضد الطبيعة».
أما هي فقد صرحت أكثر من مرة أن ما يثير اهتمامها هو الدور الذي يكشف عن لحظات الضعف لدى البشر. وقد كان من حظها أن تتعلم على يد الراقصة الألمانية الكبيرة بينا بوش.

وعنها تقول أوريلي: «كنت مثل قشرة البيضة القاسية جدا وهي التي نقرت على القوقعة لكي تنتشلني منها». فقد كانت الراقصة الفرنسية شديدة الحساسية والهشاشة، الأمر الذي يثقل انطلاقتها، لولا ترتيباتها مع بينا بوش التي حررت كاهلها من التردد الفطري وجعلتها تحلق بخفة الفراشة.
وبخلاف الراقصات الروسيات اللواتي يواصلن الوقوف على المسارح حتى سن متأخرة، عبرت دوبون عن أسفها لقانون فرقة «باليه باريس» الذي يفرض عليها الاعتزال وهي في كامل لياقتها. وقالت: «الاعتزال معناه أن أتخلى عن غرفة التبديل المخصصة لي في المسرح، عن مهنتي، عن النجومية، وهي أُمور قاسية في نهاية المطاف. لقد مرت السنوات بلمح البصر».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».