تمسك الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالمضي قدماً في تعديلات جذرية في نظام الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية الأساسية، ما أدى إلى موجة جديدة من الاحتجاجات المعيشية، إثر قفزة في أسعار المواد الغذائية.
وعزا رئيسي مرة أخرى نهج الحكومة في الملف الاقتصادي إلى محاربة الفساد. وقال في مؤتمر عن «الخصخصة» إن من المقرر «اتخاذ قرارات صعبة» على مستوى البلاد. وأضاف: «ربما البعض لا يوافق على هذا الأمر، لكن لا عيب في إلقاء نظرة انتقادية إلى الأعمال وستدلنا إلى أفق واضح يواجه اقتصادنا».
وقال رئيسي: «جئنا للحكومة لكي نصلح حاضنا في اقتصاد، لكي لا تكون هناك قضايا تتطلب متابعة القضاء».
واتخذت الحكومة خطوات عملية بداية الشهر الحالي، للعمل بخطة خفض الدعم المخصص للسلع الغذائية، في سياق ما يوصف بـ«الدولار الحكومي»، وذلك وفقاً لخطة الموازنة العامة التي أقر البرلمان الإيراني خطوطها العريضة في يناير (كانون الثاني) الماضي، رغم تحذيرات الخبراء من تداعياتها السلبية على التضخم الذي تقول الحكومة إنه يصل إلى نحو 40 في المائة، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أكثر من 50 في المائة.
وبدأت الحكومة خطة التخلي عن دعم الدولار المخصص للسلع الغذائية، بوقفه القمح، ما رفع سعر الطحين (الدقيق)، ووصل سعر الخبز إلى عشرة أضعاف، قبل أن تعلن وزارة الداخلية الإيرانية رسمياً رفع أسعار الألبان وزيت الطهي والبيض والدجاج.
وتناوبت مدن في أنحاء البلاد، منذ 6 مايو (أيار) الحالي، على الاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار. وبموازاتها، نشرت السلطات عدداً كبيراً من قوات الشرطة وقوات «الباسيج» التابعة لـ«الحرس الثوري»، لإخماد الاحتجاجات قبل توسع نطاقها في المناطق التي تشهد نزول الإيرانيين إلى الشارع.
وذكرت وكالة «هرانا» المعنية بحقوق الإنسان في إيران أن 10 من أصل 31 محافظة إيرانية، شهدت 35 تجمعاً احتجاجياً في غضون الأسبوعين الماضيين، مشيرة إلى اعتقال 449 محتجاً في محافظة الأحواز ذات الأغلبية العربية، في جنوب البلاد.
وبحسب تسجيلات فيديو، سقط حتى الآن ما لا يقل عن ستة قتلى. ولم تقدم السلطات الإيرانية أي إحصائية للمعتقلين والقتلى حتى الآن. وخلال الأيام الماضية، أظهرت تسجيلات فيديو أن السلطات استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي ضد المتظاهرين.
واعترفت الحكومة، الأسبوع الماضي، بخروج احتجاجات لكنها وصفتها بأنها تجمعات صغيرة، وقالت السلطات إن الاضطرابات الجديدة «أثارها أعداء أجانب»، في تكرار لأوصاف استخدمتها السلطات الإيرانية للاحتجاجات والتجمعات ضد تدهور الوضع المعيشي خلال السنوات الخمس الماضية. وأفادت وسائل إعلام رسمية، الأسبوع الماضي، باعتقال «عشرات المشاغبين والمحرضين»، بحسب «رويترز». ونظم معلمون احتجاجات في جميع أنحاء إيران في الآونة الأخيرة للمطالبة برفع الرواتب وتحسين ظروف العمل. وتم اعتقال العشرات.
وسرعان ما اكتسبت الاحتجاجات منحى سياسياً، إذ دعت الحشود إلى نهاية المؤسسة الحاكمة، على غرار الاحتجاجات العامة في 2017 و2019 وانطلقت شرارة الأخيرة بسبب ارتفاع مفاجئ لأسعار الوقود.
ويقول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بإيران إن خدمات الإنترنت معطلة منذ الأسبوع الماضي، وهو ما يُنظر إليه على أنه محاولة من قبل السلطات لوقف استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم التجمعات ونشر مقاطع مصورة. ونفى المسؤولون الإيرانيون حدوث أي انقطاع في الإنترنت.
ودافعت قوات «الحرس الثوري» عن إجراءات الحكومة. ووصف قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، تلك الإجراءات بأنها «جراحة اقتصادية»، وعرض مساعدة قوات «الباسيج» الذراع التعبوية لـ«الحرس الثوري» لتنفيذ خطة الحكومة. وعاد سلامي للتعليق، الجمعة، على التطورات في إيران، وقال: «يعتقد الأعداء خطأ أن الشعب الإيراني سيستجيب... للشائعات التي ينشرونها والأكاذيب التي يقولونها».
ونشر ناشطون، أواسط الأسبوع الجاري، صوراً من منشورات لقوات «الباسيج» تدعو إلى تنظيم تجمعات «موازية» في تأييد للحكومة، ضد الاحتجاجات الشعبية. وبالفعل خرجت أول من أمس، وعرض التلفزيون الرسمي مسيرات مؤيدة للحكومة، وهم يهتفون «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل»، في عدد من المدن التي شهدت احتجاجات حاشدة.
وحذرت رابطة علماء الاجتماع في إيران من تعمق الأزمة الحالية. وقالت، في بيان تناقلته مواقع محلية أمس، إن «الإصرار على الأساليب المجربة والمكلفة وغير الفاعلة، توسع وتعمق نطاق الاحتجاجات». ويحتج البيان على اعتقال الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع سعيد مدني، وهو أحد الباحثين المختصين في دراسة «الحركات الاجتماعية» في البلاد.
وبحسب أرقام رسمية، يعيش زهاء نصف سكان إيران، البالغ عددهم 85 مليون نسمة، تحت خط الفقر. وفاقمت العقوبات الأميركية، إلى جانب ارتفاع التضخم والبطالة وتراجع العملة الوطنية والفساد الحكومي، الوضع الاقتصادي المتردي.
وسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، واشنطن عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران وست قوى كبرى، وأعاد فرض العقوبات على طهران. وتعثرت المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران منذ مارس (آذار).
الحكومة الإيرانية تتمسك بالتعديلات الاقتصادية وتحذيرات من تعمق الأزمة
الحكومة الإيرانية تتمسك بالتعديلات الاقتصادية وتحذيرات من تعمق الأزمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة