«توافق» بين الأحزاب الكردية والنازحين على رفض خطة تركية لإعادة توطين السوريين

«الشرق الأوسط» جالت في مخيم «واشوكاني» شرق الفرات

TT

«توافق» بين الأحزاب الكردية والنازحين على رفض خطة تركية لإعادة توطين السوريين

لم يتبق لنازحي مدينة رأس العين السورية وريفها، القاطنين في مخيمات الشتات الواقعة على بعد عشرات الكيلومترات من مسقط رأسهم، سوى متابعة الأخبار المتسارعة عن الخطة التركية بتوطين مليون لاجئ سوري في مناطق نفوذ عملياتها العسكرية شمال شرقي بلدهم.
«الشرق الأوسط» جالت في مخيم «واشوكاني»، واستمعت إلى شهادات نازحين فروا من نيران الهجوم التركي نهاية 2019 على مناطقهم.
تروي النازحة ميرفانا، ذات العقود الأربعة، المنحدرة من مدينة رأس العين أو «سري كانيه» كما ذكرتها بحسب تسميتها الكردية، أنها تتابع عن كثب الأخبار المتعلقة بالمنطقة الآمنة التي تريد تركيا إنشاءها في مسقط رأسها ومناطق ثانية خاضعة لنفوذها العسكري، وقالت في بداية حديثها بنبرة صوت مرتفعة: «هذه أرضنا ولا نقبل أن تتحول إلى غيرنا، وليس لهم حق العيش في بيوتنا أو ممتلكاتنا، فالجيش التركي وفصائل سورية موالية هجرونا منها قسرياً ليُسكنوا فيها غرباء غيرنا».
وهذه النازحة الكردية فرت بعد سيطرة الجيش التركي وفصائل سورية موالية، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2019 على المنطقة، وأجبرت على النزوح إلى هذا المخيم، وانتهى بها المطاف للعيش مع أفراد عائلتها الثمانية في المخيم، لتضيف قائلة: «تركيا محتلة، وتهدف عبر مشروع المستوطنات إلى تغيير هوية سكان المنطقة، وكل هذا يحدث ولا جهة تحرك ساكناً».
ويقع مخيم «واشوكاني» على بعد 12 كيلومتراً غرب مدينة الحسكة، على أرض صحراوية، ويقطن فيه نحو 15 ألف نازح ينحدرون من مدينة رأس العين، وهم 2317 عائلة موزعة على ألفي خيمة، بحسب إدارة المخيم.
وتروي سورية العلي، البالغة من العمر 45 سنة، كيف قضت نحو 11 عاماً وهي تعيش هذه الأوضاع المأسوية على حد وصفها، وتقول: «نعاني من أوضاع معيشية وأمنية مأساوية، وكل هذا بسبب تركيا وسيطرتها على مناطقنا. واليوم، تبني تركيا تجمعات سكنية محل بيوتنا وتاريخنا، ونحن نعيش على بعد عشرات الكيلومترات، وليس بمقدورنا العودة».
وأثناء حديثها، كانت سورية تحمل هاتفاً محمولاً تشاهد فيه بعض المقاطع والصور الحديثة عن الشارع الذي كانت تسكنه والمحال التجارية التي تتذكرها الواحد تلو الآخر، لتضيف بحسرة: «لقد سرقوا كل ما نملك، المحل والبيت، وحالنا كحال كثير من أهالي (سري كانيه). سرقوا ممتلكاتهم، وبفعلتهم سرقوا أحلامنا ومستقبل أبنائنا». ثم تصمت برهة وقد بدا على وجهها أنها تبتلع ريقها بصعوبة لتمنع نفسها من البكاء، قبل أن تتابع لتقول: «لم تعد هناك قيمة للحياة، فمن يدفع فاتورة الحروب هم المدنيون».
وبحسب مسؤولي الإدارة الذاتية وأرقام منظمات الأمم المتحدة وجهات إنسانية دولية، يبلغ تعداد النازحين الفارين من مدينة رأس العين وريفها وحدها قرابة 120 ألفاً، فيما يبلغ عدد السوريين الذين هربوا من مناطق العمليات التركية «غصن الزيتون» 2018 في مدينة عفرين، و«درع الفرات» 2016 في جرابلس والباب، و«نبع السلام» 2019 في رأس العين وتل أبيض، نحو نصف مليون شخص، موزعين على مناطق الإدارة الذاتية شرق الفرات، بينهم من يعيش في مدنها وبلداتها أو في مخيمات وتجمعات عشوائية، بينما لجأ آخرون إلى دول الجوار.
هيفدار (28 سنة) التي كانت تجلس تحت خيمتها، سبقت دموعها كلماتها الُممزوجة بالحزن والقهر، وتحدثت عن حالة أسرتها المفككة، بين قسم يسكنون معها وهم زوجها وأطفالها الثلاثة الصغار، وآخرون قصدوا دول الجوار، لتقول: «منذ الهجوم التركي على مدينتي لم نعرف طعم الأمان والاستقرار. سنتان ونصف السنة ونحن على هذه الحال، ونعيش مرارة النزوح والشتات». وقد نزحت وعائلتها بداية إلى بلدة تل تمر المجاورة لمسقط رأسها، وبسبب استمرار العمليات القتالية في محيط المنطقة توجهوا إلى مدينة الحسكة وقصدوا مركزاً للإيواء قبل ترحيلهم إلى هذا المخيم. وتعبيراً عن موقفها الرافض للخطة التركية، عبرت قائلة: «هذه الأرض ورثناها وتعبنا عليها، وقدمنا تضحيات كبيرة للعيش بكرامة. لا نقبل أن يأتي التركي لبناء مساكن وتجمعات وإسكان غرباء فيها».
سياسياً، رفضت الأمانة العامة لـ«المجلس الوطني الكردي» في سوريا الخطة التركية الرامية إلى توطين مليون لاجئ سوري في مناطق العمليات العسكرية الخاضعة لنفوذها شمال البلاد، وقالت في بيان نشر على موقعها الرسمي في 16 من الشهر الجاري: «يرى (المجلس) في هذا المشروع تعارضاً مع القرار الدولي (2254)، وتفريطاً بحقوق اللاجئين وممتلكاتهم الأصلية، إضافة لما يؤسسه من نزاعات وفتن بين أبناء الشعب السوري الواحد»، منوهاً إلى الحاجة الماسة لتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً، شرط أن تكون إلى مناطقهم الأصلية. ودعا المجلس أنقرة إلى العدول عن هذا المشروع، كما وجه دعوة للدول المعنية بالشأن السوري إلى اتخاذ موقف واضح وصريح منه، «والإسراع بتفعيل العملية السياسية لإيجاد حل نهائي للأزمة لضمان عودة آمنة للاجئين والنازحين إلى ديارهم في أماكن سكناهم الأصلية».
بدورها، قالت إلهام أحمد، الرئيسة التنفيذية لـ«مجلس سوريا الديمقراطية»، إن تركيا استغلت الصمت الدولي لتتوسع في الأراضي السورية وتمارس بشكل منهجي تغيير التركيبة السكانية في تلك المناطق. وأضافت: «تركيا استهدفت العمق الثقافي لهوية مدينة عفرين الكردية، فقضية عفرين هي قضية جميع السوريين». وشددت على حق كل سوري في العودة الآمنة لبلده ومنطقته الأصلية، لتقول: «نحن ضد أي طرف يرتكب الجرائم بحق السوريين، ونطالب بفتح المجال أمام جميع السوريين المهجرين والنازحين واللاجئين بالعودة الآمنة لمناطق سكناهم الأصلية بعد إنهاء الاحتلال والاستبداد».
من جانبه، قال القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، خلال مشاركته في منتدى عقد في ريف حلب الشمالي في 12 من الشهر الجاري، إن هدف تركيا من إعادة اللاجئين إلى شمال سوريا هو تغيير ديموغرافية وتركيبة سكان المنطقة. وذكر أن قواته ستقوم بما يقع على عاتقها سياسياً وحقوقياً وعسكرياً لإفشال مشاريع تركيا. وأضاف خلال كلمته: «الأولوية تحرير المناطق المحتلة، وعلى رأسها عفرين وسري كانية (رأس العين) وتل أبيض وبقية المناطق السورية». كما توجه بالدعوة إلى الحركة الكردية السياسية والأحزاب السورية الوطنية، «لأن يضعوا نصب أعينهم تحرير المناطق المحتلة من تركيا» على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)

تواصلاً لمسلسل انتهاكات الجماعة الحوثية الذي كانت بدأته قبل أسابيع في صنعاء وإب، وسّعت الجماعة من حجم بطشها بصغار التجار وبائعي الأرصفة في أسواق محافظة ذمار وشوارعها، وفرضت عليهم دفع إتاوات تحت مسميات غير قانونية. وفق ما ذكرته مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط».

وأكدت المصادر أن الحملات التي شارك فيها مسلحون حوثيون مدعومون بعربات عسكرية وجرافات وشاحنات، جرفت المتاجر الصغيرة وصادرت 40 عربة لبائعين متجولين بما فيها من بضائع في مدينة ذمار وعلى طول الشارع العام الرابط بين صنعاء ومحافظتي إب وتعز.

جانب من حملة حوثية استهدفت السكان وممتلكاتهم في ذمار (فيسبوك)

وجاءت الحملة التعسفية بناءً على مخرجات اجتماع ضم قيادات حوثية تُدير شؤون محافظة ذمار، (100 كيلومتر جنوب صنعاء) نصت على قيام ما تسمى مكاتب الأشغال العامة والمرور وصندوق النظافة والتحسين وإدارة أمن ذمار باستهداف صغار الباعة في المدينة وضواحيها قبيل انتهاء العام الحالي.

وبرّرت الجماعة الانقلابية حملتها بأنها للحفاظ على ما تسميه المنظر العام للشوارع، وإزالة العشوائيات والاختناقات مع زعمها بوجود مخالفات.

واشتكى مُلاك متاجر صغيرة، طالهم التعسف الحوثي لـ«الشرق الأوسط»، من ابتزاز غير مسبوق على أيدي مشرفين ومسلحين يجمعون إتاوات بالقوة تحت مسميات عدة.

وذكروا أن مسلحي الجماعة دهموا شوارع وأسواق شعبية في مناطق عدة بذمار، وباشروا بجرف المتاجر ومصادرة عربات البائعين واعتقلوا العشرات منهم عقب رفضهم دفع مبالغ مالية «تأديبية».

وأجبر الوضع المتردي كثيراً من السكان في ذمار ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة على العمل بمختلف المهن، حيث يعجّ الشارع الرئيسي للمدينة وشوارع فرعية أخرى منذ سنوات عدة بآلاف العاملين بمختلف الحِرف جُلهم من الشباب والأطفال والنساء؛ أملاً في توفير لقمة العيش.

انتهاكات ممنهجة

ويصف عبد الله (30 عاماً) وهو مالك متجر صغير، ما يتعرض له صغار الباعة من حرب شعواء من قِبل الجماعة الحوثية بأنه «انتهاكات ممنهجة» بقصد التضييق عليهم ودفعهم إلى الالتحاق ببرامج التعبئة العسكرية.

ويشير مراد، وهو مالك عربة متجولة إلى أنه تمكن من استعادة عربته من بين أيدي عناصر حوثيين بعد مصادرتها مع عربات بائعين آخرين في سوق شعبية وسط المدينة، وأكد أن ذلك جاء بعد استجابته بدفع مبلغ مالي لمسلح يُشرف على تنفيذ الحملة الاستهدافية.

الحوثيون صادروا عربات باعة بزعم التهرب من دفع إتاوات (فيسبوك)

وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الجماعة صغار الباعة بذمار، فقد سبق لها أن نفذت منذ مطلع العام الحالي ما يزيد على 6 حملات للبطش والتنكيل بالمئات منهم؛ بغية إرغامهم على دفع إتاوات.

وكان الانقلابيون الحوثيون أطلقوا قبل نحو شهر حملة استهدفت بالتعسف والابتزاز تجاراً وبائعين في سوق «المثلث» بمدينة ذمار، أسفر عنها جرف متاجر صغيرة ومصادرة عربات وإتلاف بضائع.

وسبق للباعة الجائلين أن طالبوا مرات عدة سلطات الانقلاب في ذمار بتوفير أسواق بديلة لهم، بدلاً من الحملات التي تُشنّ عند كل مناسبة طائفية بهدف جمع أكبر قدر من المال.