برلين... حقائب أوكرانية ومرارات سورية وخيط روسي

«الشرق الأوسط» زارت الحضن الألماني حيث يلتقي اللاجئون باللاجئين

إيرينا كوفالينكو (يمين) مشت 3 أيام من كييف إلى بولندا (الشرق الأوسط)
إيرينا كوفالينكو (يمين) مشت 3 أيام من كييف إلى بولندا (الشرق الأوسط)
TT

برلين... حقائب أوكرانية ومرارات سورية وخيط روسي

إيرينا كوفالينكو (يمين) مشت 3 أيام من كييف إلى بولندا (الشرق الأوسط)
إيرينا كوفالينكو (يمين) مشت 3 أيام من كييف إلى بولندا (الشرق الأوسط)

كانت المدرسة قريبة من المخيم فأخذونا إليه. تدربت باكراً على أوجاع اللاجئين. شاهدت المسنين الذين ضاعف التهجير التجاعيد في وجوههم. شممت رائحة يأسهم من فرط الانتظار. عاينت العائلات المحتشدة في غرف مرتجلة تشبه الخيام. ورأيت الأولاد يلعبون في الأزقة حيث تتدفق مياه غير صحية. قرأت حسرة الأمهات يكابدن لإسكات جوع الصغار وينتظرن الإعاشة من المنظمات الدولية. واستمعت إلى روايات الذين احتفظوا بمفاتيح المنازل التي هجروها حالمين بالعودة إلى تحريك المفاتيح في أقفالها. قبل ثلاثة أعوام عدت إلى المخيم الفلسطيني المقيم على أطراف صيدا في جنوب لبنان. أكل الصدأ المفاتيح واغتال حلم العودة. أجيال تراكمت حزينة في وطن صغير اسمه المخيم. الشبان الذين عثروا على فرصة للنجاة منه ألقوا بأنفسهم في بلاد الله الواسعة. ومن لم يجرؤ على المغامرة يهدر أيامه في المخيم بعدما أقلع عن الرهان على الضمير العالمي وقرارات الأمم المتحدة. لا غرابة أن تلازم هذه المشاهد الموجعة الصحافي الوافد من الشرق الأوسط الرهيب وهو منطقة منجبة للاجئين. وشاءت المهنة أن ألتقي لاحقاً بلاجئين فروا من أفغانستان أو العراق أو سوريا أو إثيوبيا.

فروا من وطأة قساة الداخل أو قساة الخارج. وفروا من الجفاف والعطش والحروب الأهلية التي لا تنتهي. في سبتمبر (أيلول) 2015، تدفق السوريون عبر حدود ألمانيا. اتخذت المستشارة أنجيلا ميركل قراراً تاريخياً شجاعاً. شرعت الأبواب أمام الذين تركوا كل شيء وجاءوا. تركوا السقوف التي ترد المطر. والجدران التي تحمي. والأرض التي كانت ترد الجوع. ذهبت يومها إلى برلين واستمعت إلى قصص راعبة. لا أستطيع نسيان ما قاله لي شاب سوري استقل أحد «قوارب الموت» للوصول إلى الأرض الأوروبية. سألته عن شعوره بعدما استقبلته ألمانيا، فقال: «الوضع ممتاز... ثلاث وجبات ولا بعث هنا ولا داعش». ما أوجع أن يحتفي هارب من وطنه بثلاث وجبات يوفرها مركز اللجوء في بلاد بعيدة وغريبة. لا غرابة أن تضخ دولنا الفاشلة وبلداننا المتصدعة سيلاً من اللاجئين في عروق العالم. لكن لم نكن نتوقع أن تستيقظ أوروبا ذات يوم وتنهمك بإيواء قوافل من اللاجئين الأوروبيين أطلقها الجرح الأوكراني الذي هز القارة المستقرة وأيقظ شياطينها القديمة. دفعني الفضول الصحافي إلى العودة إلى برلين للقاء اللاجئين الجدد ومن دون تناسي أبناء الموجة السابقة.
في المحطة المركزية للقطارات في برلين تنتظم صفوف الواصلين حديثاً. يجدون في استقبالهم عدداً من الموظفين والمتطوعين. أغلبية المنتظرين من النساء والأولاد. اكتفى عدد من الرجال بإيصال العائلات إلى مكان آمن واختاروا العودة إلى أوكرانيا للقتال أو «المساهمة في تعزيز صمود السكان».

لا يبقى إلا حقيبة

قافلة لاجئين وقافلة حقائب. ما أصعب أن لا يبقى لك من بلادك إلا حقيبة وأن تلقي بنفسك معها في بلاد أخرى منتظراً أن يتكرم المضيفون عليك بعنوان، وإن مؤقتاً. مشهد الحقائب يكسر القلب. كأن الحقيبة نعش يحمل جثة الوطن ورائحة التراب ورماد الذكريات. تذكرت الشاعر الكبير محمود درويش الذي كان يذهب في غنائيته ومخيلته إلى حيث يتعذر الذهاب. «وطني ليس حقيبة، وأنا لست المسافر».
في الرحلة الأوكرانية لا وجود لقوارب الموت. القطارات هي وسيلة الفرار. أبرز المحطات بولندا ومنها بالقطار إلى عناوين أخرى بينها ألمانيا. في عيون المنتظرين قلق من لا يعلم ما ستحمله الأيام. ابتعدوا عن الصواريخ والقنابل الروسية لكنهم لا يعرفون كم سيطول الغياب وماذا تخبئ أيام الغربة. يحاولون إقناع أنفسهم أن هذه الرحلة القسرية لن تطول. بينهم من يراهن على تطور دولي يفرض وقف الحرب. وبينهم من يتزايد اقتناعه أن حرباً طويلة قد بدأت وأن أبواب العودة لن تفتح ما لم تخسرها روسيا.
يفضل معظم الأوكرانيين الوافدين البقاء في برلين. لكن ذلك غير متاح لأن السلطات الألمانية مهتمة بتوزيع العبء على مناطق مختلفة لضمان توافر الخدمات والتسهيلات. الخائفون من حرب طويلة يحلمون بتعليم أبنائهم باللغة الأوكرانية لكن ذلك صعب. يتساءلون عن مصير السنوات الدراسية إذا ألحقوا صغارهم بمدارس ألمانية.
طلبت المسؤولة عن المركز عدم الاتصال بالوافدين ثم اكتفت بمنع تصوير الفيديوهات. أحد المتطوعين المعنيين باستقبال اللاجئين لفت إلى أن عدد الواصلين إلى أوكرانيا اقترب من ستمائة ألف لاجئ. قال إن معدل الواصلين يومياً يتراوح ما بين ألف وألفين في حين كان ارتفع في بدايات الحرب إلى عشرات الآلاف يومياً. أضاف أن معظم الذين وصلوا يعتقدون أن إقامتهم ستكون قصيرة بانتظار عودتهم إلى بلادهم، لكن التجارب السابقة تؤكد صعوبة الجزم في هذه المواضيع، خصوصاً إذا تبين لاحقاً أن حجم الأضرار التي لحقت بالأماكن السكنية والبنية التحتية واسع كما يتردد. أكد أن السلطات تبذل كل ما في وسعها لتوفير الإيواء والغذاء والعناية الطبية، مشيراً إلى ارتفاع عدد المقيمين في برلين وميونيخ وكولون. ولفت إلى صعوبة إضافية تتمثل في أن العملة الأوكرانية غير قابلة للتحويل في الوقت الراهن.
في قاعة قريبة وبانتظار التوجه إلى مراكز الإيواء يتوزع الواصلون على طاولات ويتناولون الطعام والمشروبات.

طابور من اللاجئين بانتظار التسجيل في محطة قطارات برلين (أ.ب)

صوفي شابة في الحادية والعشرين. جاءت من مدينة خيرسون الواقعة على البحر الأسود في جنوب أوكرانيا. لم تصدق في البداية أن الحرب ستنشب وستطول. قالت إنها انتظرت في الأيام الأولى مراهنة أن يتدخل العالم لوقف الاجتياح الروسي. روت كيف أن القنابل «لم تستهدف فقط المراكز العسكرية، بل انهمرت في كل اتجاه، ما جعل الحياة جحيماً». لا ماء ولا كهرباء واندلعت حرائق كثيرة في الأبنية. نفدت كميات الغذاء وصارت الشوارع مقفرة ولم يبق غير الفرار. وهذا ما حصل.
تقول صوفي إنها تشك في احتمال عودة قريبة «لأن العيش في ظل الاحتلال الروسي مستحيل». تنهمر دموعها وتستخدم في وصف الجنود الروس عبارات مفرطة في القسوة بينها «وحوش».
لارينا، رفيقة صوفي في جامعة خيرسون وفي رحلة اللجوء، تقول إن العودة إلى أوكرانيا حتمية، مشيرة إلى أن الأوكرانيين لن يستسلموا، ويعدون أنفسهم لمقاومة واسعة لإرغام الروس على المغادرة. تقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «خدع العالم بأسره» وتصفه بأنه «إرهابي يسعى إلى تركيع أوكرانيا مقدمة لتركيع دول أخرى. وعلى العالم أن يوقفه». تحمل بشدة على الجنود الروس وتتهمهم بارتكاب «فظاعات في حق النساء والأطفال». وتقول إن الطيران الروسي قصف مستشفيات ومدارس لأنه أراد جعل المناطق غير صالحة للحياة.
تبدو لارينا كأنها تتمسك بخيط أمل، حين تؤكد أن «الجنود الأوكرانيين يقاتلون بشجاعة لكن ليس لديهم ما يكفي من الأسلحة». أشادت بالدعم الغربي لبلادها وقالت إنها تتطلع إلى المزيد منه، وشكرت ألمانيا على المساعدات التي تقدمها للاجئين وحسن المعاملة. قبل أن تعود لتؤكد أن الأوكرانيين لا ينوون الاستسلام «مهما كان الثمن»، لافتة إلى أن بلداناً أخرى ستواجه مصير أوكرانيا إن لم يردع العالم الرئيس الروسي «الذي يحن إلى أيام الاتحاد السوفياتي». تبتسم حين تسألها عن «النازيين» الذين جاء الجيش الروسي لاجتثاثهم، وتقول: «هذا التضليل هدفه تبرير الحرب. في أوكرانيا، كما في بلدان أوروبية، مجموعات من اليمين المتطرف ليست موجودة في الحكم أو القرار. لم تبادر أوكرانيا إلى شن الحرب. روسيا هي التي بدأت وحسابات بوتين أبعد من أوكرانيا».
 

بكاء وصلاة وفرار

جاءت إيرينا كوفالينكو إلى برلين مع ابنتها وأمها وخالتها. كانت في كييف لدى انطلاق الحرب. توهمت أن القصة قد تنتهي سريعاً. انتقلت إلى قرية خارج العاصمة لتنتظر وقف الحرب. أمضت ثمانية أيام «في البكاء والصلاة والصراخ والهروب إلى الأماكن التي يعتقد أنها آمنة. استولى علينا الرعب حين رحنا نشاهد الأبنية المهدمة والبيوت المحروقة والشوارع الخالية وسط دوي الصواريخ والغارات. هرب النوم من عيوننا وانتابتنا مشاعر لا يمكنني التعبير عنها. مشينا على مدى ثلاثة أيام إلى أن تيسر لنا الانتقال إلى بولندا وسط الخوف من احتمالات الموت على الطرقات». تقول إن الحزن كان مخيماً على الأوكرانيين الذين احتشدوا في القطارات بحثاً عن بلاد بعيدة عن القنابل.
تبكي إيرينا وتلملم دموعها. فقدت «البيت والطمأنينة والبلاد الجميلة والغنية». تريد مدرسة لابنتها وتريد لها تعليماً بالأوكرانية. يخيفها أن المستقبل غامض. مستقبلها ومستقبل بلادها. لا تصدق أن أوكرانيا كانت مصدر تهديد لروسيا. تتحدث عن «أهوال ارتكبها الجيش الروسي»، وتقول إنها لن ترجع إلا بعد انسحابه.

«شارع الشمس»

تركت اللاجئين الأوكرانيين مع أوجاعهم وحقائبهم وقلت أزور، مع الزميلة راغدة بهنام، «شارع الشمس» الذي طغى عليه في السنوات الأخيرة الطابع السوري بعد تراجع طابعه التركي. تكاد تشعر أنك في دمشق. حلويات وفلافل وشاورما ولحم حلال وملوخية ومحلات ثياب وبسطات لبيع الخضر. يقصد السوريون هذا الحي للتبضع لأن أسعاره أفضل من الأحياء الأخرى. لافتات بالعربية وعمال يرحبون بالعابرين.

جاء إيهاب سحاري من إدلب في «نوع من اللجوء». يقول: «كان المحل تركيا وصار ملكنا أنا وشقيقي. ماشي الحال. هناك من السوريين من عثر على عمل مستقر وهناك من ينتظر. الصغار الذين ولدوا هنا لا يتكلمون العربية إجمالاً. هربنا من الحرب. المهم أن لا تلحق بنا إلى هنا بسبب أوكرانيا». أضاف أن «الحرب في أوكرانيا رفعت الأسعار. اشتد الطلب على الطحين والزيت والسكر. أتعاطف مع الأوكرانيين، فقد ذقنا مرارة أن يخسر المرء بلاده وتدمر. حين قلنا إن الطيران الروسي دمر بلادنا لم يكن هناك من يريد أن يسمع. أولاد عمي قتلوا بفعل الغارات الروسية التي استهدفت أيضاً المدارس والمستشفيات وحتى الميدانية منها. مسؤولية ما لحق بسوريا تقع على عاتق إيران وروسيا وحزب الله. لا أفكر حالياً في العودة خصوصاً أنني من إدلب. النظام الحالي مجرد واجهة لإرادة روسيا وإيران. أتمنى أن لا يصل الأوكرانيون إلى ما وصلنا إليه».
شعر بالامتنان تجاه البلد الذي استضافهم. قال: «كتر خيرهم (الألمان). ليسوا سيئين. أعطونا ما لم نحصل عليه في بلادنا. أعرف ما يذكر في وسائل التواصل الاجتماعي عن أن ألمانيا تعامل الأوكرانيين أفضل مما عاملت السوريين. أنا لا أستغرب إذا حصل شيء من ذلك. الأوكرانيون أقرب إلى الألمان في الثقافة والدين والجغرافيا. شيء طبيعي. لو كنا مكانهم لفعلنا الشيء نفسه».

إيهاب سحاري الفار من إدلب لا يتمنى للأوكرانيين مصير السوريين (الشرق الأوسط)

تابعنا جولتنا في الحي العربي. من نافذة مطعم «الدمشقي»، يطل حسام زيدان تشاركه رائحة الشاورما. فلسطيني من مخيم اليرموك. جاء في 2015 بعدما عاش عامين في المخيم المحاصر. سلك طريق تركيا واليونان وانتهى به المطاف في ألمانيا. قال: «أنا عامل في المطعم. الشغل جيد. لا أفكر في العودة. المخيم دمر تماماً. وكل أقاربي باتوا هنا. يتعرض الأوكرانيون لظلم شبيه بالذي لحق بالسوريين. قلبياً أتمنى أن ينتصر الأوكرانيون. روسيا كانت لها يد فيما حدث في سوريا والآن في أوكرانيا. هناك كلام عن معاملة أفضل للأوكرانيين، لكننا لا ننسى أن هذه البلاد استقبلتنا».

فر حسام زيدان من مخيم اليرموك بدمشق واحتضنته ألمانيا (الشرق الأوسط)

في طريق العودة إلى الفندق، شاهدت علماً أوكرانياً يرفرف. شاب أوكراني يجلس على مقربة منه. لا يريد نشر اسمه أو صورته. والسبب بسيط أنه عائد إلى بلاده بعدما عثر على مكان آمن لأمه وشقيقته. والده رفض المغادرة. قال إنه لا يقبل أن يترك أرضه ويفضل أن يموت فيها. وهو عائد للمشاركة في مقاومة يتوقع أن تكون شرسة ومكلفة. يرى أن العالم مسؤول عما حل بأوكرانيا لأنه لم يتصرف بحزم حين استرجع بوتين القرم في 2014. يصف الرئيس الروسي بأنه «ستالين هذا القرن» و«شديد الخطورة» على بلاده وجيرانها والعالم. يتحدث عن «ضربات موجعة» وجهها الجيش الأوكراني إلى الجيش الروسي. يقول إنه إذا قبل العالم بتفكيك أوكرانيا، فإن دولاً أخرى ستصبح لقمة سائغة أمام جيرانها الأقوياء.
قال الشاب إن المنطق الذي يستخدمه بوتين مخيف. يتذرع بمخاوف لا أساس لها ليملي على دولة مجاورة مستقلة السياسات التي يجب أن تنتهجها. يستغرب «كيف يسمح بوتين لنفسه أن يعتبر أوكرانيا دولة غير موجودة». أعرب عن اعتقاده أن حلف «الناتو» لا يرغب أصلاً في ضم أوكرانيا إلى صفوفه بسبب نزاعها مع روسيا حول القرم والمناطق التي أعلنت استقلالها عن سلطة كييف. واعتبر أن روسيا «لا تريد أوكرانيا مستقلة بل تابعة لها. وبعدما فشلت في ترتيب انقلاب داخلي للمجيء بسلطة موالية لها، لجأت إلى الحرب لزعزعة استقرار أوكرانيا والاستيلاء على بعض أراضيها».
في المقهى، سألني العامل التركي إن كنت سائحاً فاغتنمت المناسبة للتحدث إليه. قال إنه يقيم في برلين منذ ثمانية عشر عاماً ويزور بلاده الأصلية بين وقت وآخر. استوقفني قوله إنه شكر الله أن الاحتكاكات التي حصلت في سوريا لم تؤد إلى اشتباك بين روسيا وتركيا لأنه كان يمكن أن يكون أخطر من المواجهة الروسية - الأوكرانية. أبدى تعاطفه مع المدنيين الهاربين من نيران الحرب وختم حديثه بالقول إن «المشكلة الكبرى في هذا العالم هي أن تكون ضعيفاً وجاراً لقوي».
نزل الليل على برلين المنشغلة ليس فقط باستقبال اللاجئين، بل أيضاً بالمشهد الأوروبي الجديد. عاد الخوف إلى القارة. لم يعد الإرهاب هو المشكلة هذه المرة مصدر الخوف هو روسيا التي لا تستطيع ألمانيا الاستغناء عن الغاز الوافد منها. فجأة ترددت في أرجاء الفندق أصوات مواويل عربية. خرجت لأستطلع فرأيت عروساً بثوبها الأبيض وقربها العريس والأقارب. عرس سوري على بعد أمتار من بوابة برندنبرغ، أي قرب المكان الذي كان فيه جدار برلين قبل أن يتوارى. فجأة انعقدت حلقة الدبكة وانطلقت الزغاريد. مشهد يشبه تماماً تلك المشاهد التي تتكرر في دمشق، لكنه عرس في المنفى لسوريين استقالا من بلدهما أو استقال منهما.

في السنوات الأولى لوصولهم إلى بلد اللجوء، يعاند الواصلون محاولين الاحتفاظ بتراثهم وأغانيهم وأسلوب حياتهم الذي اعتادوه في البلدان التي أرغموا على تركها. تصبح هذه التقاليد الجسر الأخير الذي يربطهم ببلادهم السابقة. لكن الوقت يبدل كل شيء. غداً يذهب أطفالهم إلى المدارس ويتعلمون بلغة أخرى ويحفظون مواويل البلد الجديد وينخرطون في أسلوب حياة مختلف. هذا يصدق على السوريين وسيصدق لاحقاً على الأوكرانيين.

 

جيان عمر: القرار الأوروبي سهّل الاحتضان الألماني للأوكرانيين

جيان عمر شاهد لا بد من اللجوء إليه في الحديث عن برلين واللاجئين. جاء الشاب الكردي السوري المولود في القامشلي في 1985 طالباً إلى ألمانيا. في 2012، تحول إلى لاجئ، بعدما رفضت السفارة السورية تجديد جواز سفره بسبب نشاطه السياسي المعارض للنظام في دمشق. يعيش منذ أكثر من عشر سنوات في برلين، وهو اليوم عضو في برلمانها، والمتحدث في حزب «الخضر» عن قضايا الهجرة واللجوء والتجنيس.
قال جيان إن المجتمع الألماني تعامل بانفتاح كبير مع موجة النزوح الأوكرانية، وأشار إلى أنه شاهَدَ في الأيام الأولى عدداً من الألمان يعرضون على الواصلين الإقامة في بيوتهم بانتظار العثور على مقر ثابت. ذكر أيضاً أن بعض العائلات الألمانية حملت مساعدات لتستقبل بها الفارّين من الحرب الروسية.

جيان عمر خلال جلسة لبرلمان برلين الشهر الماضي (حزب الخضر الألماني)

ولفت إلى أن قرار الاتحاد الأوروبي باستقبال الأوكرانيين، وفق معايير الهجرة الجماعية من دول الحرب، سهّل منح الإقامات للوافدين، علاوة على تسهيلات أخرى. ولفت إلى أن القرار الأوروبي اتُّخذ بالإجماع، في حين أن بعض الدول، وبينها بولندا والمجر، عارضت هذه الصيغة حين طُرِحت بشأن تدفق اللاجئين السوريين في 2015.
لاحظ أن بعض وسائل التواصل الاجتماعي أوردت انتقادات لما اعتبرته تفضيلاً للاجئين الأوروبيين على الوافدين من الشرق الأوسط، لكنه لاحظ أيضاً أن نشطاء سوريين وأوكرانيين نظموا مظاهرات مشتركة ضد الحرب والدور الروسي في سوريا وأوكرانيا. ولفت إلى قلق الأوروبيين من عودة الحرب إلى قارتهم، وإلى انقسامات في الرأي العام حول المدى الذي يمكن الذهاب إليه في تسليح أوكرانيا من دون الانخراط مباشرة في النزاع.


مقالات ذات صلة

تركيا: مطالبات بفتح طريق حلب مع تدفق السوريين إلى الحدود

المشرق العربي أعداد من السوريين يغادرون إلى حلب من بوابة باب الهوى (جيلفا غوزو) على الحدود مع سوريا (إعلام تركي)

تركيا: مطالبات بفتح طريق حلب مع تدفق السوريين إلى الحدود

بدأت أعداد من اللاجئين السوريين في تركيا التدفق على البوابات الحدودية للعودة إلى بلادهم بعد سيطرة فصائل المعارضة على حلب مع مطالبات بفتح الطريق المتجه إليها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي لقاء بين داود أوغلو عندما كان رئيساً لوزراء تركيا والأسد في دمشق عام 2016 (أرشيفية)

«عملية حلب» قلبت الوضع الميداني لصالح تركيا بمواجهة روسيا وإيران

يتفق خبراء ومحللون على أن تركيا تبدو الآن، ومع التغير بالوضع الميداني نتيجة عملية المعارضة المسلحة في حلب، هي اللاعب الرئيسي في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا تصاعد الدخان فوق المباني بعد قصف جوي، خلال اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في الخرطوم 1 مايو 2023 (رويترز)

6 قتلى في قصف لـ«الدعم السريع» على مخيم للنازحين في شمال دارفور

قُتل 6 أشخاص على الأقل في قصف نفذته «قوات الدعم السريع» طال مخيماً للنازحين في شمال دارفور بغرب السودان، وفق ما أفاد ناشطون الاثنين.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
المشرق العربي الطيران الروسي كثف من هجماته في إدلب مع تقدم المعارضة (رويترز)

سوريو تركيا يترقبون الأوضاع للعودة إلى بلدهم

شهدت الساعات الأخيرة اتصالات مكثفة من جانب تركيا بشأن التطورات في سوريا وتقدم قوات «هيئة تحرير الشام» والفصائل الداعمة لها وبينها فصائل موالية لأنقرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا أولاد من اللاجئين الروهينغا يلعبون داخل مخيم للاجئين في بنغلادش (رويترز)

إنقاذ 100 لاجئ من الروهينغا من المياه قبالة إندونيسيا

أُنقذ أكثر من مائة من اللاجئين الروهينغا بينهم نساء وأطفال بعد غرق مركبهم قبالة سواحل إندونيسيا.


الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!