تنمّ أعمال الشقيقتين اللبنانيتين الفنانتين ميشيل ونويل كسرواني، عن مدى تعلقهما بوطنهما لبنان، رغم أنهما تستقران في باريس منذ سنوات. فهما تواكبان أحداث البلد بعمق، وتحللان مشهدياته على الأرض، وكأنهما تعيشانها بحذافيرها، وتترجمان مشاعرهما تجاه بلدهما الأم في أعمال فنية مختلفة، إن من حيث المحتوى أو التنفيذ.
لم تشأ الشقيقتان أن يمر الاستحقاق النيابي أمامهما مرور الكرام، ولذلك قررتا إصدار عمل فني بعنوان «برا»، يحاكي اللبنانيين عامة وجيل الشباب تحديداً، ويحثهم على إخراج السياسيين والزعماء التقليديين من حياتهم، بممارسة حقهم في التصويت والاقتراع.
وتشير ميشيل التي تصل لبنان قريباً للمشاركة في العملية الانتخابية، إلى أن ولادة العمل استغرقت أشهراً، إذ لم تستطع وشقيقتها أن تجدا الكلام المناسب لهذه المرحلة، وليكون وقعه على الناس كما تتمنيان. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «حاولنا مرات عدة، ولكننا فشلنا في كتابة نص يترك بأثره على الخطاب الجماعي. كنا نفتش عن موضوعات وزوايا لم يتم تناولها من قبل. ولكن، إثر غرق الزورق مقابل مدينة طرابلس أخيراً، لمعت الفكرة بسرعة وانطلقنا إلى العمل».
تؤكد كسرواني أن كلام الأغنية وموسيقاها وعملية تصويرها نُفذت في ظرف أيام قليلة. «بعيد انتشار خبر غرق الزورق تحدثنا مع ترايسي وبول نجار، والدي الطفلة ألكسندرا ضحية انفجار المرفأ. ورحنا نحكي عن كل هذه المآسي التي نمر بها ولا نزال نشهدها، مع أننا اعتقدنا لبرهة أنها انتهت إلى غير رجعة».
السرعة في التنفيذ طبعت «برا»، حتى إن الأختين اضطرتا إلى الاستعانة بلقطات مصورة من أغنيات قديمة لهما، كي يخرج العمل إلى النور في الوقت المناسب. وعلى ركيزة فنية تمثلت بالشعر والحكاية، بني العمل الذي وضع التصميم الصوتي له زيد حمدان.
ولكي يأتي وقع الكلام على قدر تمنيات الشقيقتين كسرواني، ويحفز اللبنانيين على التغيير والاقتراع من أجله، فقد غاصتا في المشهدية اللبنانية منذ عام 1975 وصولاً إلى اليوم. أفكار متسلسلة تبدأ بأم الشهيد، وتمر بالتسويات الرئاسية، وفساد السياسيين، والتلوث البيئي، وترسيم الحدود، وغيرها من الأحداث التي مرت بلبنان، ورسمت خيوط القصة التي يرويانها في هذا العمل. وتعلق ميشيل في سياق حديثها: «لم نشأ أن يكرر اللبناني أخطاءه، وعمدنا إلى استخدام تاريخ لبنان منذ أيام اندلاع الحرب الأهلية. فما نشهده اليوم من تفلّت للسلاح، وأخطاء ترتكب باسم مصلحة بلادنا، لم تأت من عبث، هي نتائج أفرزتها الحرب ولا نزال نعاني منها. والأهم أن هناك جيلاً من الشباب لا يعرف هذه الحقائق. وبالتالي لا يمكننا أن نمر على ماضينا ونقلب الصفحة وكأن شيئاً لم يكن. فنحن في (برا) نحاول أن نحكي بلسان الناس، الذين خسروا فلذات أكبادهم، وبيوتهم، وأرزاقهم، وأموالهم، ولا يزالون متمسكين بزعماء الحرب أنفسهم. في رأيي، هؤلاء الضحايا الذين خسرناهم منذ بداية الحرب حتى يومنا هذا، لو تسنّت لهم العودة إلى الحياة من جديد، لكانوا أسفوا لرحيلهم وغيروا من معتقداتهم القديمة. وإذا كنا اليوم ننادي بأشخاص جدد، فإننا نقوم بذلك بحذر. هذا المفهوم يرد في كلام العمل، لأن ثقتنا بالآخر أصبحت مهزوزة إلى حين أن نلمس العكس». تشير الشقيقتان كسرواني إلى هذا الأمر في مقطع يقول: «نازلين ضد الأحزاب، الضد حالها، مع الجداد بس منتبهين».
وتختم الشقيقتان العمل بنبرة عالية، تدعو المقترعين إلى إخراج كل من ساهم في تدهور أوضاع لبنان من حياتهم. «رح منصوّت كأول خطوة حتى نشيلكن، برّا بيوتنا الباردة، برّا برّاداتنا الفاضية، برّا آخر علبة دوا، برّا عتمة شوارعنا، برّا جرايدنا، برّا شاشاتنا، برّا المنابر، برّا البحر، برا البرّ،، برّا العنابر، برّا ملفّات القضاء، وكواتم الصّوت، برّا تدخلات الخارجية وفلسفة الموت، برّا أعصابنا، وضغط شراييننا برّا المسافة... رح منصوّت لنطلعكن برا سنينا».
وتختم ميشيل لـ«الشرق الأوسط»: «إنه إحساس في المسؤولية، يجتاحنا رغم وجودنا خارج لبنان. شخصياً، لا أشعر أني أعيش خارج بلدي، لأني أحمل همومه معي. ولست بعيدة عنه كما يعتقد الناس، ولا يوجد شرخ بيني وبينه، ولا أعيش بهدوء كما يحلو للبعض أن يقول. على العكس تماماً، فأنا هنا كي أجيّر كل وسائل الراحة التي تحيط بي من أجل العمل للوطن. فلولا توفر خدمات الإنترنت، والكهرباء، والاتصالات على أنواعها، لما ولد هذا العمل الفني».