بينما كانت البناية التي تقع في شارع «النقلي» بمنطقة فيصل، بالجيزة، (غرب القاهرة) تكاد تكون عادية، قبل تعليق لوحة نحاسية مكتوب عليها «هنا عاش نجيب سرور»، فإنها اكتسبت أهمية خاصة بتلك اللوحة التي توثق لفترة مهمة من حياة الشاعر والمخرج المسرحي المصري الراحل نجيب سرور (1932 - 1978).
البناية العتيقة التي تنتمي إلى فترة الستينات من القرن الماضي، تضم كنزاً ثقافياً في طابقها الرابع، حيث تحتوي على متحف نجيب سرور ومكتبته التي تحتفظ حتى الآن بأشعاره ومسرحياته، ورسائله بين الأهل والأصدقاء، ومسرحيات ودواوين شعرية ومتعلقات شخصية ثمينة، قرر نجله فريد بعد وفاة والدته أن يحولها إلى متحف، بعد أرشفتها وحفظها وتوثيقها وتحويلها بعد ذلك إلى وثائق إلكترونية.
في غرفة الاستقبال التي تتوسط المسكن هناك العديد من اللوحات والصور الفوتوغرافية لنجيب سرور وعائلته، وعلى اليسار مكتبته، وغرفة نومه الملحقة بها، ويقول فريد نجل نجيب سرور لـ«الشرق الأوسط»: «أعلم كل محتويات المكتبة وما بها من كنوز، بداية من أوراق والدي الثبوتية، كبطاقته الشخصية، ووثيقة عقد قرانه على أمي، وبطاقة الدعوة التي وجهها لأصدقائه لحضور حفل الزواج، وبطاقة التموين التي كان يصرف بها السلع والمواد الغذائية».
ويشير فريد إلى أن المكتبة والغرفة الملحقة بها تحت الترميم حالياً حتى تعود لسابق عهدها وتستقبل الباحثين والمهتمين بتراث والده، على غرار خطابات كثيرة كان والده يتبادلها مع زملائه من الفنانين أمثال كرم مطاوع، الذي كان يعد أقرب أصدقائه، وقام بإخراج أولى مسرحياته بعد عودته، وكانت «ياسين وبهية» عام 1965، و«يا بهية وخبريني» عام 1967، و«آلو يا مصر» وهي مسرحية نثرية، كتبت في القاهرة عام 1968 و«ميرامار» وهي دراما نثرية مقتبسة عن رواية نجيب محفوظ المعروفة وهي واحدة من المسرحيات التي أخرجها هو بنفسه عام 1968.
وهناك خطابات مع الشاعر صلاح عبد الصبور والمترجم أبو بكر يوسف، وماهر عسل ويوسف إدريس، ورسائل مكتوبة لجدي وعمي وأمي، بعث بها من مصر وبودابست التي كان يعمل في إذاعتها، بعد حرمانه من الجنسية المصرية، لتنديده باعتقال المثقفين، وهناك خطاب مهم يشبه الوصية لأمي، فعندما شعر بقرب وفاته، دعاها لأن تقوم بتربيتنا مصريين وغرس روح مصر فينا.
مؤكداً: «أوصى والدي أخي شهدي بنشر أعماله، وقد أوصاني شهدي أيضاً بذلك قبل وفاته في الغربة، وهذه الأعمال موجودة جميعها بخط يده، والمسرحيات المعروفة، لا توجد فقط نصوصها النهائية التي صدرت بها، وظهرت على المسرح، لكن هناك نسخها الأولية والهوامش التي صاحبت كتابتها منذ البداية».
وقال محمود عزت محامي أسرة سرور إنهم عثروا على نص مسرحي شعري لبيرم التونسي، بعنوان «ليلة من ألف ليلة» وهو وثيقة مهمة مكتوبة بخط يد نجيب سرور، وعليه ملاحظاته، وتعديلاته التي دونها، فضلاً عن طلبات الرقابة للسماح بتقديمه للجمهور بعد استبعاد مشهد المؤامرة والذي يصور مقتل الخليفة.
ويعد هذا النص وثيقة إخراجية لنجيب سرور تعود لسنة 1954، إذ قام ببطولتها نظيم شعراوي، شفيق نور الدين، فؤاد شفيق، أحمد علام، نعيمة وصفي، وعبد الغني قمر، وقد تم عرضها على الرقابة وأخذت موافقتها قبل عامين من تقديمها على المسرح، كان وقتها بيرم التونسي على قيد الحياة، ولم يعترض على ما فيها من تغييرات، وإضافات شعرية وحذف وتعديل في المشاهد وسير الأحداث، وهذا النص مختوم بختم الرقابة، وعلى غلافه شعار المسرح القومي، والفرقة المصرية الحديثة التي قدمته وقتها.
ولفت عزت إلى أن المكتبة بها العديد من الكتب المهمة وجميعها مزودة بهوامش تكشف طريقة نجيب سرور في القراءة، وهناك كتب أهداها له كبار المبدعين، وتكشف صيغة الإهداء المكتوبة عليه مكانة نجيب سرور في الوسط الفني والثقافي المصري آنذاك.
من جهته قال المخرج المسرحي، إيمان الصرفي، وهو واحد من حراس تراث وأعمال نجيب سرور وأكثرهم دراية به، إن «لنجيب سرور عدداً من المسرحيات القصيرة مثل (غصن الزيتون)، و(الأم) وهي أقرب إلى الإسكتشات المسرحية، عرضتها فرقة المسرح الشعبي قبل سفره إلى روسيا، وهناك مسرحية (ياسين وبهية) التي كتبها في المجر ونشرها باعتبارها قصيدة مسرحية طويلة، أخرجها كرم مطاوع وأحدثت دوياً فنياً، واحتفى بها النقاد والباحثون باعتبارها تجربة خاصة، وأعقبها بمسرحيات «آه يا ليل يا قمر» و«يا بهية وخبريني» و«الذباب الأزرق» و«قولوا لعين الشمس» ثم «ملك الشحاتين» و«كلمات متقاطعة» و«منين أجيب ناس» و«آلو يا مصر»، أما المسرحيتان اللتان ضاعت أصولهما ونحاول تحقيقهما فهما «البيرق الأبيض» و«النجمة أم ديل»، وأقوم الآن استناداً لمخطوطتين لهما بخط يد سرور بتدقيقهما وإعدادهما للنشر بعد معالجة بعض الثغرات، وتعتبر «البيرق الأبيض» أقربهما إلى الاكتمال، وهناك تصور لأكثر من كتاب لأعمال سبق نشرها في مقالات نقدية وفكرية بجانب حواراته مع رموز مثقفي عصره.