وزير الخارجية الفرنسي ضحية التوتر المتصاعد بين باريس وباماكو

TT

وزير الخارجية الفرنسي ضحية التوتر المتصاعد بين باريس وباماكو

مع تقديم رئيس الحكومة الفرنسية جان كاستيكس استقالة حكومته المرجحة يوم الاثنين القادم، يستمر الوزراء في القيام بمهام وزاراتهم بينما تتكاثر التساؤلات عمن يخرج أو يبقى منهم في الحكومة المقبلة التي لم يعرف حتى اليوم هوية رئيسها. لكن الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند لم ينتظر أن تتم الأمور في مواعيدها بل سارع منذ ليل الاثنين الماضي في الكشف عن مصير وزير الخارجية جان إيف لو دريان بقوله، بمناسبة حديث تلفزيوني، إن الأخير لن يبقى وزيراً في الحكومة القادمة. ولو دريان، البالغ من العمر، 74 عاماً، أمضى منها عشر سنوات في الوزارة، منها خمس سنوات وزيراً للدفاع في عهد هولاند والسنوات الخمس الأخرى وزيراً للخارجية في عهد إيمانويل ماكرون.
وكان يمكن للوزير المعني أن يترك منصبه بسلام ويعود بعدها إلى منطقته «بروتاني» الواقعة غرب فرنسا. بيد أن نبأً مزعجاً مصدره باماكو، عاصمة مالي، جاء في 11 الجاري، ليعكر كدره إذ أفاد بأنه مستدعى للمثول أمام القضاء المالي وتحديداً أمام محقق من القسم الاقتصادي والمالي في باماكو، في العشرين من يونيو (حزيران) القادم. وسارعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى نفي أن يكون قد وصل أي استدعاء رسمي لمثول الوزير من جانب السلطات المالية التي توترت علاقاتها بقوة مع باريس في الأشهر الأخيرة والتي سبق لها أن هاجمت لو دريان شخصياً بسبب تصريحات متكررة أدلى بها مشككاً بـ«الشرعية» التي يفترض أن تتحلى بها الحكومة الحالية المنبثقة عن انقلابين عسكريين في عامي 2020 و2021 فيما الصلاحيات الحقيقية واقعة في قبضة المجلس العسكري الذي يعود إليه اتخاذ القرارات الرئيسية.
تعود هذه المسألة إلى عام 2015 عندما كان لو دريان وزيراً للدفاع. وتفيد وثيقة رسمية اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية بأن شركة فرنسية اسمها «أوبرتور تكنولوجي» حصلت على عقد من الحكومة المالية، يوم كان إبراهيم بوبكر كايتا رئيساً للجمهورية، تتولى بموجبه «فبركة» جوازات السفر «البيومترية» لصالح الحكومة المالية لمدة عشر سنوات. والحال أن توماس، ابن وزير الخارجية، كانت له حصة في الشركة المذكورة وأن الفوز بالعقد لم يمر وفق الأصول في العطاءات الخاصة بالعقود الحكومية. وجاء في الوثيقة التي اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية ما حرفيته أن «القواعد المعمول بها وفق القانون المالي وخصوصاً المرسوم المتعلق بالعطاءات العامة قد تم انتهاكها عند تلزيم العقد المشار إليه» أي الخاص بجوازات الفسر البيومترية. واللغز الذي يريد القضاء في مالي حله يدور حول معرفة ما إذا كان لو دريان قد تدخل لدى الحكومة المالية لتمكين الشركة الفرنسية من الفوز بالعقد.
وحتى اليوم، لم يصدر عن الجانب الفرنسي لا السياسي ولا القضائي أي تعليق أو ردة فعل. وطالما لم يتم تبليغ وزير الخارجية بالطرق المعتادة، فمن الصعب معرفة ما إذا كان سيستجيب إلى دعوة المثول التي تؤكد المصادر المالية أنها وجهت إليه. وتفيد المعلومات المتوافرة أيضاً بأن «منصة» تضم جمعيات مدنية مالية تدعى «ماليكو» هي التي تقدمت بالشكوى إلى القضاء المالي. وبغياب المعلومات المؤكدة، فإن التحليلات والتخمينات تذهب في كل اتجاه ومنها من يرى أن باماكو تريد التشويش على لو دريان أو حتى الانتقام منه بالنظر للدور الذي لعبه في التصعيد القائم بين باريس وباماكو ومنها من يعتبر أنها استمرار لعلمية التصعيد لا بل القطيعة القائمة حالياً بين باريس وباماكو وأن لو دريان ليس سوى الذريعة. والدليل على ذلك ووفق تصريحات لقاضية من باماكو للوكالة الفرنسية، فإن الدعوى المقدمة ضد لو دريان «لا أساس قانونياً لها».
حقيقة الأمر أن الخلاف بين العاصمتين ليس وليد الأمس، ذلك أن مآخذ كل طرف على الآخر قديمة ومتعددة. ولعل القشة التي قصمت ظهر البعير تعود لقرار الرئيس ماكرون في شهر مارس (آذار) من العام الماضي وضع حد لما يسمى «عملية برخان» أي القوة العسكرية الفرنسية التي تعمل في مالي منذ بداية عام 2014 واستبدالها بقوة أخرى بأهداف مختلفة محصورة بمحاربة التنظيمات الإرهابية وليس مساعدة السلطات في مالي على استعادة سيطرتها على المناطق التي تستعيدها «برخان».
ومأخذ باريس أن باماكو لا تقوم بما فيه الكفاية لإعادة الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والأمنية للمناطق «المحررة» لسحب البساط من تحت أرجل التنظيمات الراديكالية. وجاء رد المجلس العسكري على شكل تعاقد مع «ميليشيا فاغنر» الروسية للحلول محل «برخان»، فيما ترى باريس أن غرضها هو حماية النظام وليس محاربة الإرهاب.
ولم تنفع تحذيرات باريس التي ضربت باماكو بها عرض الحائط وذهبت إلى حد منع انتشار وحدة سويدية للمشاركة في قوة «تاكوبا» المشكلة من وحدات كوماندوس أوروبية، ثم تسارع التصعيد مع الطلب من السفير الفرنسي مغادرة باماكو وقرار باريس والأوروبيين الانسحاب من مالي. وآخر تجلياته قرار المجلس العسكري الخروج من ثلاث اتفاقيات مبرمة مع فرنسا أهمها معاهدة التعاون العسكري المبرمة في عام 2014، والاتفاقان الآخران يتناولان الإطار القانوني لتواجد برخان «2013» وتتماته في عام 2020 الخاصة بقوة «تاكوبا» الأوروبية. وحجة باماكو أن الفرنسيين والأوروبيين لا يحترمون منطقة الحظر الجوي التي أقرها المجلس العسكري وهم يستمرون في التحليق فيها وبالتالي ما يحصل هو «اعتداء على السيادة المالية». وبالمقابل، تواصل باريس عملية الانسحاب وفق الخطة الموضوعة وحتى اليوم سلمت الجيش المالي أربع قواعد عسكرية كبرى. هكذا يمكن النظر إلى أن الدعوى ضد لو دريان جزء من التجاذب القائم بين العاصمتين.
ولا شك أن الوزير الفرنسي كان يفضل أن يترك منصبه من غير أن تلوث سمعته بانتظار أن يلقي القضاء في مالي، إذا توافرت له الاستقلالية، الضوء على تفاصيل «فضيحة» ربما ليست فضيحة.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.