«العالم على صورة الإنسان»... ثنائيات لبنانية في فينيسيا

«بوابة يانوس» لأيمن بعلبكي و«ألو حبيبتي» لدانيال عربيد في حوار فني

فينيسيا: عبير مشخص
فينيسيا: عبير مشخص
TT

«العالم على صورة الإنسان»... ثنائيات لبنانية في فينيسيا

فينيسيا: عبير مشخص
فينيسيا: عبير مشخص

«العالم على صورة الإنسان» هو عنوان الجناح اللبناني ببينالي فينيسيا للفنون، الصيغة عامة فالوضع العالمي مشترك، تمر به كل البلاد، الحرب القائمة التي شنّتها روسيا على أوكرانيا تذكرة بأن شرارة الحرب لا تظل في مكانها، بل تمتد وتتوغل. هل قصد معدو الجناح اللبناني أن ما يحدث في هذا البلد إنما هو جزء مما يحدث في أنحاء الكرة الأرضية؟ هل تمثل تركيبات الفنان أيمن بعلبكي مدناً أخرى تعيش بوجهين؟ الإجابة هنا هي «نعم».
الدخول في تجربة العرض اللبناني تبدأ قبل أن نضع أقدامنا داخل مساحة الجناح، فهناك صوت محادثات طويلة بين امرأة نسمع صوتها ولا نسمع أصوات محدثيها، ولكن ذلك الصوت يصبح دليلنا للجناح لنكتشف داخله عالماً آخر من التناقضات والثنائيات.
الجناح مقسم جزأين، هناك فيلم الفيديو الذي يصور من داخل سيارة متحركة بين شوارع مدينة بيروت، لا نرى المدينة كما نريد، فرؤيتنا محكومة بالمحادثات المستميتة التي تجريها امرأة نتخيل أنها في داخل العربة، تجادل وتطلب وتشكو وتصل لحافة اليأس مرات ومرات، وكل ما تريده هو الوصول لأموالها التي ربما تكون محجوزة في البنوك بلبنان، تحاول التحايل على محدثيها، بالإقناع أو بالتوسل وبالاستعطاف «أنا امرأة مريضة». لا نعرف نتيجة محادثاتها؛ فكل ما نعرفه ونستشفه هو أن المحادثة بلا نهاية تماماً مثل الرحلة بالسيارة بين شوارع بيروت. بحسب البيان الصحافي «تشركنا عربيد في رحلة في سيّارة مع أمّها التي ذهبَت في سباق محموم إلى جني الأموال في شوارع بيروت، وهو مسعًى حميم بقدر ما هو سياسي عندما ندرك الأزمة التي تدمّر لبنان اليوم. فيُعرض أمام أعين الزوّار المشهد البيروتي من وراء الواجهة الأماميّة للمزيد من الغموض بين المساحة العامّة والمساحة الخاصّة».

                             «ألو حبيبتي» و«بوابة يانوس» في الجناح اللبناني بفينيسيا  (الشرق الأوسط)
ربما كان الفيديو صاخباً أكثر من اللازم وغطى في أحيان كثيرة على تجربة استيعاب عمل بعلبكي، ولكن يمكننا فهم تجاور العملين؛ فذلك الصخب العقيم هو خير خلفية صوتية لصورة بيروت الضخمة التي ركبها بعلبكي على الجانب المقابل.
في عمل بعلبكي الضخم نرى واجهة بناية حديثة وأنيقة، يمكننا تخيل ما كانت عليه في يوم من الأيام، ولكن الواجهة مغطاة تماماً بالملصقات الملونة (الكثير منها ممزق) وبالأسلاك وبأقمشة الأشرعة المدمَّرة الممزّقة المرقّعة المحروقة المثقوبة. يشير البيان الصحافي إلى أن عمارة البناية مستمدة من أسلوب الـbrutaliste المعماري والذي ازدهر في لبنان منذ الستينات. لمسة أخيرة للصرح الفوضوي يضعها بعلبكي بإضافة ألواح منحنية مطليّة بنسيج خرساني، ربما في إشارة إلى أن هذه المدينة في طور إعادة بناء دائمة.

                                                            زائرة لـ«بوابة يانوس» (الشرق الأوسط)
هل ما نراه هنا هو حلم الثراء والاستقرار الذي غلبته تيارات كثيرة من الفوضى والعدمية والفقر والقبح أيضاً؟ ربما. ما الذي يشدنا للوقوف أمام هذا النصب الذي نرى اسمه مكتوباً أمامنا «بوابة يانوس»؟ هو جاذب للبصر وأيضاً يجذبنا لاستكشافه، على اليمين واليسار أبواب صغيرة يدلف منها بعض أفراد الجمهور مدفوعين لا شك بمحاولة استكشاف الجانب الخلفي لذلك النصب. ربما يأتي الإغراء لمعرفة المغزى أيضاً من الاسم، فيانوس هو «إله البوابات والمداخل والانتقالات والطرق والممرات والمخارج في الميثولوجيا الرومانية»، بحسب تفسير موقع ويكيبيديا، «هذا الإله له وجهان، وجه ينظر للمستقبل ووجه ينظر للماضي، ويعدّ حسب الميثولوجيا أنه مثير وحاسم النزاعات والحروب والسلام». يدلف الزائر من خلال البوابة وبه أمل أن يكون الداخل مغايراً، فإذا كانت الواجهة فوضوية ومتخبطة ومضببة الملامح فربما يكون الجانب الآخر مشرقاً، واضحاً يحمل بعض الأمل. ندلف من الباب على اليمين وخلفه نرى بالفعل واقعاً مغايراً، ولكنه ليس للأفضل على التأكيد، هنا غرفة صغيرة بسيطة البناء لحارس المبنى ربما، تبدو حاجياته البسيطة داخل الحجرة نراها من خلال فتحة شباك وخارج الغرفة حبل غسيل منشور عليه قطع ملابس وملاءات متيبسة. البساطة والفقر إذن هما الخلفية ويزيد عليهما اللون الواحد الذي يغطي كل الغرفة ومحتوياتها، مروراً بقفص طيور فارغ وإبريق شاي من دون فناجين، وصولاً لقطع الملابس المصلوبة على حبل الغسيل، هو لون أخضر ميت، يرى فيه البعض تشابهاً مع اللون الكاكي أو لون الرؤية الليلة من مناظير الجنود. في كل الحالات اللون لا يجذبنا ولا يثير داخلنا أي أمل بأن بركة «يانوس» قد حلت على هذا البناء، أو ربما يدلنا على أن الجانب الظاهر من البناء هو الجانب المضيء من التركيب.

                                                               زائر لـ«بوابة يانوس» (الشرق الأوسط)
براعة الفنان أيمن بعلبكي هنا ترمي بنا كمتفرجين داخل معضلة لا حل لها، الوضع اللبناني شائك وملبك، ولا يبدو أن هناك أملاً وشيكاً لانفراجه الأزمة. صورة بيروت التي عبر عنها بعلبكي هنا هي «صورة مشرذمة تتأرجح باستمرار، على غرار الإله اللاتيني يانوس، بين الماضي والمستقبل، بين الأخطار والوعود، بين الكواليس والواجهة، بين السِّلم والحرب... وبين المساحتين، يبقى الباب مفتوحاً للمرور عبره والتأرجح بين الناحية والأخرى».
يصحبني في زيارة الجناح الخبير الفني صالح بركات صاحب «غاليري صالح بركات» في العاصمة اللبنانية، وهي من الصالات الفنية التي تأثرت بحادثة انفجار مرفأ بيروت، يشير في حديثه معي إلى أن الجناح يعكس حالة الاستقطاب التي يشهدها العالم أجمع وتمثلت في «الفجوات المتسعة بين الفقراء والأغنياء، بين الشمال والجنوب، بين البيض والملونين». يقول إن العرض بشقيه، عرض دانيلا عربيد وعمل بعلبكي يعكسان صورة المدينة: «فيه ناس عايشة برة وناس عايشة جوة... يبيعون لنا بناية فخمة ولكنها بالأساس مكسرة، وخلف الواجهة هناك ناس تعيش أوضاعاً سيئة».

                                                             الوجه الخلفي لـ«بوابة يانوس» (الشرق الأوسط)
بحسب البيان الصحافي الصادر، فالجناح يفتح «حواراً سياسياً وجمالياً من خلال أعمالٍ بعيدة قريبة في آن واحد. لكلّ عملٍ قيمتُه وموضوعه وتاريخه وأسراره. فعبر نصب (بوّابة يانوس) لأيمن بعلبكي كما فيديو (ألو، حبيبتي) الصاخب لدانيال عربيد من شوارع بيروت يتحاور الفنّانان في مدينة تجسّد ليس لبنان وحسب، بل العالم أيضاً فيصوّرانها في خضمّ اضطرابات الأزمة العالميّة وعدم الاستقرار العاطفي في علاقتنا مع الواقع».
بحسب البيان أيضاً، فيمكن تفسير البعد السياسي لهذين العملين على ضوء الوضع الراهن في لبنان، فهما «يعبّران عن التناقضات في البلد والصعاب التي يواجه. فيقترن السباق المحموم إلى جني الأموال بالعنف الذي يحتدم اليوم في لبنان. أمّا المضاربة العقارية التي تَعِد بالأحلام فتخفي الهلاك وتضللّ المشتري. ويُحيي كلاهما بوسائله الخاصّة وبسيرهما على خيط العودة الأبديّة جسد لبنان في خضمّ فوضاه وكمال جماله».

                                                                       دانيال عربيد (الشرق الأوسط)

                                                              أيمن بعلبكي (تييري فان بيسين)
الهندسة المعمارية للجناح من تصميم المهندسة المعمارية ألين أسمر دامان والتي تقدم جولة في قلب لبنان من خلال أعمال عربيد وبعلبكي «تتّخذ الهندسة المعماريّة للجناح شكل صدفة بيضاوية صلبة... يدعو الشكل الهندسي المغلف الأعمال إلى الحوار من دون حيل، بل وجهاً لوجه وعبر تقصير المسافات، كما هو حال محادثة فطريّة وطبيعيّة». تشير الهندسة المعماريّة الأولية للجناح اللبناني إلى الآثار المعاصرة للمشهد العمراني اللبناني، وإلى الـ«بيضة» في وسط المدينة لجوزيف فيليب كرم، وإلى مبنى المعرض الدولي «رشيد كرامي» لـ«أوسكار نيماير» في طرابلس.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.