لطالما كانت مدينة ميامي الأميركية الوجهة المفضّلة لمعارضي «الأنظمة الدكتاتورية في أميركا اللاتينية»، غير أن العديد منهم «باتوا يختارون إسبانيا»، فلجأ المزيد منهم، خلال السنوات الأخيرة، إلى العاصمة الإسبانية مدريد التي أصبحت «ميامي جديدة»، حسبما قال يونيور غارثيا لوكالة الصحافة الفرنسية. وأسّس الكاتب المسرحي يونيور غارثيا (39 عاماً) منصة الدفاع عن حرية التعبير «أرتشيبييلاغو» وانخرط في التظاهرات غير المسبوقة التي هزّت كوبا في يوليو (تموز) 2021.
ولجأ إلى مدريد في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) بعدما مُنع من تنظيم تجمّع احتجاجي جديد في كوبا. وتشاركه هذا الرأي كارولينا باريرو، وهي مؤرّخة فنّية انتقلت إلى العاصمة الإسبانية في فبراير (شباط)، بعدما أمرتها السلطات الكوبية بمغادرة البلاد خلال 24 ساعة لمشاركتها في تظاهرات العام 2021. وتقول باريرو: «يوجد العديد من المعارضين، ليس فقط من كوبا بل أيضاً من نيكاراغوا وفنزويلا ودول أخرى (...) كرّسوا حياتهم لمحاربة الاستبداد، حالياً في مدريد». استقبلت العاصمة الإسبانية في السنوات الأخيرة المعارضين الفنزويليين ليوبولدو لوبيز وأنتونيو ليديزما والكاتبيْن النيكاراغويين سيرجيو راميريز وجيوكوندا بيلي اللذين ينتقدان المنحى الاستبدادي الذي اتّخذه دانيال أورتيغا.
ورحّب في مارس (آذار) توني كانتو، النائب السابق من يمين الوسط ومدير المكتب المسؤول عن الدفاع عن الثقافة الإسبانية في حكومة مدريد الإقليمية، بالوضع الحالي، قائلاً: «إن مدريد هي ميامي الجديدة». وانتقد الرئيس الكوبي ميغيل دياز-كانيل بسخرية في ديسمبر (كانون الأول) «تحويل مدريد إلى ميامي».
ويستفيد عدد من المعارضين اللاجئين في مدريد، كما كارولينا باريرو، من ازدواجية الجنسية، فيما غيرهم يصلون إلى إسبانيا بتأشيرة دخول وثمّ يطلبون اللجوء، مثل يونيور غارثيا. وبعضهم، وهم معارضون فنزويليون بشكل خاص، حصلوا على الجنسية الإسبانية من الحكومة.
ورفضت الحكومة الإسبانية التعليق على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية بهذا الشأن. لكن في نوفمبر (تشرين الثاني)، دافع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس عن عادة استقبال الوافدين من أميركا اللاتينية، معتبراً أنهم «يشاركوننا قيمنا» و«يتوّجهون بشكل طبيعي نحو أوروبا».
ويعتبر الكوبيون أن خيار مدريد مرتبط أيضاً بأسباب إدارية، إذ إن القنصلية الأميركية في هافانا والتي أُغلقت في العام 2017 لم تفتح أبوابها إلّا الأسبوع الماضي، ما أجبر الكوبيين لأكثر من أربعة أعوام على السفر إلى دول من العالم الثالث لطلب تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة.
وشكّلت التأشيرات الأميركية عائقاً، لذا أصبحت «إسبانيا خياراً جيداً جداً»، بحسب أبراهام خيمينيز، وهو صحافي ترك كوبا وانتقل إلى برشلونة في يناير (كانون الثاني) بعدما حصل على جواز سفر رفضت السلطات منحه إيّاه طيلة أعوام. غير أن مقارنة مدريد بميامي لها أيضاً حدود، بحسب يونيور غارثيا.
يوضح أن هناك «استياء» و«غضبا» تجاه النظام الكوبي في مدينة ميامي لأن اللاجئين الذين يعيشون هناك هم أشخاص «فقدوا كل شيء في كوبا» و«عرفت أسرهم السجن وأحياناً الموت».
أمّا مدريد، فهي «تقدّم السلام والهدوء للتفكير بشكل أفضل»، بحسب غارثيا، الذي يقول إن هذا الجوّ، بالإضافة إلى التواصل مع معارضين آخرين من أميركا اللاتينية، يروق له. ويقول: «لا أريد أن يمتلكني الغضب والاستياء».
وتفتخر مونيكا بارو من جهتها بـ«الثقافة المشتركة» بين كوبا وإسبانيا ووجود شبكة من الكوبيين تعتبرها ضرورية «للتخفيف» من «صدمة» المنفى، بعدما تركت كوبا في يناير (كانون الثاني) 2021. وترى أن الرحيل «هو الشعور بأننا دفنّا أهلنا» لأننا لا نعلم ما إذا كنّا سنراهم مجدداً. وقد استقبلت مدريد بين 2010 و2011 أكثر من 110 سجناء سياسيين كوبيين وعائلاتهم، بعد توقيع اتفاق بين النظام الشيوعي والكنيسة الكاثوليكية. وكوبا «طنجرة ضغط، وفي كل مرة يرتفع فيها الضغط»، تحاول هافانا تخفيفه عن طريق إجبار المعارضين على الرحيل، حسبما يقول المدير التنفيذي للمرصد الكوبي لحقوق الإنسان أليخاندرو غونزاليس راغا الذي وصل إلى مدريد في العام 2008 بعدما قضى خمس سنوات في السجن في كوبا.
مدريد «ميامي جديدة» للمعارضين من أميركا اللاتينية
مدريد «ميامي جديدة» للمعارضين من أميركا اللاتينية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة