عادت المفاوضات بين الشركاء الأوروبيين حول الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا إلى نقطة البداية، بعد أن رفضت المجر أمس الطرح الأخير الذي كانت قد قدّمته المفوضية الأوروبية والذي كانت قد أوحت التصريحات التي صدرت عن المسؤولين المجريين نهاية الأسبوع الفائت بأن بودابست توافق على الاقتراح المعدّل الذي يعطيها فترة انتقالية حتى عام 2025 لتنفيذ العقوبات وتعويضات مالية تصل إلى ملياري يورو. وصرّح أمس وزير الخارجية المجري بيتر زيغارتو، بأن اقتراح المفوضية بصيغته الراهنة «يدمّر الاقتصاد المجري ولا يتضمّن حلولاً، للأضرار الهائلة التي تنشأ عن الحظر الشامل على صادرات الطاقة الروسية»، مضيفاً: «إن الحل الوحيد الممكن في الوقت الراهن هو أن يقتصر الحظر على الشحنات الواردة عن طريق البحر من غير أن يشمل تدفق المحروقات الروسية عبر الأنابيب البرّية». ويتزامن هذا الموقف المجري الذي فاجأ المفاوضين في بروكسل وأثار امتعاضاً شديداً في أوساط المفوضية، مع إعلان كييف أمس (الأربعاء)، عن قرار إقفال محطة الغاز في سوجرانوفكا التي يمرّ عبرها ثلث الغاز الروسي إلى أوروبا. وقال ناطق بلسان الشركة الأوكرانية التي تدير هذه المحطة التي تقع في منطقة دونباس التي تسيطر عليها القوات الروسية: «إن الوضع الأمني لا يسمح بتشغيلها الآمن في الظروف الراهنة». ويذكر أن 32.6 مليار متر مكعّب من الغاز من الغاز الروسي المسيّل تمرّ يومياً عبر هذه المحطة من أصل 100 مليار تصل إلى أوروبا كل يوم من روسيا. وفيما أعربت أوساط المفوضية الأوروبية عن خشيتها من أن يشكّل هذا القرار ضربة جديدة إلى أسواق الغاز الذي ارتفعت أسعاره بعد قرار موسكو وقف الإمدادات إلى بولندا وبلغاريا، أفاد ناطق بلسان الحكومة البلغارية بأن بلاده ستبدأ بتسلم كميات كافية من الغاز الأميركي المسيّل اعتباراً من الشهر المقبل، بموجب اتفاق تمّ أمس في واشنطن بين رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف ونائبة الرئيس الأميركي كامالا هارّيس في واشنطن. وتأتي هذه التطورات على «جبهة الطاقة» التي تشكّل كعب أخيل في المواقف الأوروبية من الاجتياح الروسي لأوكرانيا في الوقت الذي تحاول بعض البلدان الكبرى في الاتحاد، مثل ألمانيا وفرنسا، التمايز عن الموقف الأميركي الذي بدأ الأوروبيون يشعرون بأن الانجرار وراءه من شأنه أن يُحدث اهتزازات سياسية واجتماعية بدأت بوادرها تثير قلقاً في عواصم الاتحاد. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد دعا في خطابه أمام البرلمان الأوروبي يوم الاثنين الماضي خلال اختتام أعمال مؤتمر «مستقبل أوروبا»، إلى الاستعداد للسلام الذي يجب أ ا يكون على حساب إذلال روسيا، فيما كان المستشار الألماني أولاف شولتس يقول في تصريحات صحافية «لن أنفّذ كل ما يُطلب منّي»، مدافعاً عن موقفه من الانتقادات المباشرة الموجهة إليه من أوكرانيا وبعض الحلفاء الأوروبيين مثل بولندا، لعدم تجاوبه مع طلبات تزويد القوات المسلحة الأوكرانية بأسلحة ثقيلة. إلى جانب ذلك يراقب المسؤولون في الاتحاد تنامي المشاعر الأوروبية ضد الذهاب بعيداً في تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الثقيلة والهجومية، وفي استهداف روسيا بالمزيد من العقوبات التي تنذر تداعياتها بانكماش اقتصادي وأزمات اجتماعية في بلدان الاتحاد. وفيما تحاول بعض العواصم الأوروبية التجاوب مع هذه المشاعر المتنامية على الصعيد الداخلي، تكثّف واشنطن مساعيها للحفاظ على وحدة الصف الأوروبي، على الأقل في ملفّ العقوبات على موسكو، مدركةً أن إفشال المخطط الروسي يتوقف عليها بنسبة كبيرة.
وكان مصدر سياسي أوروبي رفيع قد علّق على المحادثات التي يجريها رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي في واشنطن بقوله: «إن إدارة بايدن تعوّل على إيطاليا لاحتواء التردد الألماني والهروب الفرنسي إلى الأمام» في المواجهة مع موسكو، وإنها مستعدّة لتقديم كل الإغراءات اللازمة لكي تلعب روما هذا الدور داخل الاتحاد الأوروبي. لكن يقول المصدر إن دراغي ليس طليق اليدين على الصعيد الداخلي، لا سيّما أن طرفين أساسيين في الائتلاف الحكومي الذي يرأسه: حركة النجوم الخمس وحزب الرابطة، يعارضان الاستمرار في تزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة وفرض المزيد من العقوبات التي ترتدّ عواقبها على الاقتصاد الإيطالي. كما يستبعد المصدر المذكور أن يفرّط دراغي بالعلاقة التي تربطه بالرئيس الفرنسي والمستشار الألماني اللذين يشكلان إلى جانبه الترويكا التي من المفترض أن تكون قاطرة الإصلاحات والتعديلات في المعاهدات الأوروبية التي تتيح للاتحاد التكيّف مع الواقع الجديد.
ومن الملفات الأخرى التي تثير قلقاً متزايداً في الأوساط الأوروبية، أزمة اللاجئين الأوكرانيين الذين زاد عددهم على خمسة ملايين ويرجح أن يصل إلى عشرة ملايين إذا استمرت الحرب حتى نهاية السنة الجارية، والأزمة الغذائية المحدقة بمنطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط المجاورتين لأوروبا. ويسعى الأطراف الأوروبيون المؤيدون لخط احتواء التصعيد في المواجهة مع موسكو، إلى إقناع واشنطن وكييف بأن يكون الهدف الأخير من هذه المواجهة «الفشل الاستراتيجي» لموسكو، وفتح كل المسارات الحوارية الممكنة لإنهاء الأزمة بالسبل الدبلوماسية. وكان المراقبون الأوروبيون قد لمسوا تجاوباً من واشنطن مع التصريحات التي أدلى بها دراغي خلال لقائه مع بايدن وقال فيها إن الأوروبيين المصرّين على وحدتهم في مواجهة العدوان الروسي يريدون أيضاً العمل على إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن. وكانت الناطقة بلسان البيت الأبيض قد علّقت على تصريحات دراغي بقولها: «نتفق مع إيطاليا بأن الأزمة لا يمكن أن تُحلّ إلا بالعملية الدبلوماسية، لكن حتى الآن لم نرَ أي مـؤشرات من موسكو على أنها مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات ومواصلة العملية».
«جبهة الطاقة» لا تزال «كعب أخيل» الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا
كييف تقفل محطة الغاز في سوجرانوفكا التي يمرّ عبرها ثلث الغاز الروسي إلى أوروبا
«جبهة الطاقة» لا تزال «كعب أخيل» الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة