«سفر الأحلام»... رحلة تشكيلية في دواخل الإنسان

حياة القاضي مقسمة بين القاهرة والمنيا
حياة القاضي مقسمة بين القاهرة والمنيا
TT

«سفر الأحلام»... رحلة تشكيلية في دواخل الإنسان

حياة القاضي مقسمة بين القاهرة والمنيا
حياة القاضي مقسمة بين القاهرة والمنيا

اهتم الإنسان بتصوير نفسه منذ القدم، فنقش ما يشبهه على الصخور وجدران المغارات والكهوف، ومنذ ذلك الوقت لم تنقطع العلاقة بينه وبين الفن، فقد ظل يجسد ذاته والآخر في أعمال فنية تعبر عن فيض المشاعر الإنسانية ونبض البيئة المحيطة به. وفي معرض الأكاديمي المصري الدكتور زكريا أحمد القاضي، المقام في قاعة «صلاح طاهر» بدار الأوبرا المصرية (وسط القاهرة) نعيش معه مجدداً مجموعة من التأملات والتخيلات حول الإنسان الأول منذ بدء الخليقة حتى وقتنا الحاضر، وذلك من خلال 24 لوحة زيتية.
ينسج الفنان رؤية خاصة للإنسان تفيد بأنه خلال جميع العصور والحضارات المختلفة، التي مرّ بها، لم يتوقف يوماً عن الحلم واستشراف المستقبل، فالمعرض الذي يحمل عنوان «سفر الأحلام» يتنقل بين عوالم الآمال والمساحات المرئية واللامرئية الحالمة للإنسانية.
يقول الدكتور زكريا القاضي، وكيل كلية الفنون الجميلة، في جامعة المنيا سابقاً، والأستاذ المتفرغ في قسم التصوير بالكلية لـ«الشرق الأوسط»: «يشغلني دوماً عالم الإنسان الخاص الذي قد يجد نفسه فيه، وقد يصنعه كما يريد، ويسبح في أرجائه دون قيود، وخلال ذلك يلازمه الحلم منذ نعومة أظافره، فيعايشه في يقظته ومنامه؛ لأن الأحلام مستمرة طالما الحياة مستمرة». ويتابع: «من المفارقات أننا دائماً نعرف بداية الحلم، ولكننا نجهل نهايته، وهو ما يستفز الفنان لتجسيد تحولات وأطوار الأحلام في حياة البشر».

تتعدد حالات الشخوص في الأعمال بين السعادة والشقاء، والاستقرار والغربة، والحب والكره، والانتظار، ولحظات الفوز بتحقق الأماني، إلا أنه في النهاية يجد المتلقي نفسه من خلال اللوحات متأملاً في دواخل الروح البشرية ودلالة ما تخفيه من أوجاع ومسرات، ويساعد على ذلك دمج الفنان بين الأسلوب الكلاسيكي، والرموز والدلالات المتداخلة مع بنية العمل التي تشير إلى تمتعه بفلسفة خاصة تعظم من الإنسان. يقول: «إن الإنسان محور أعمالي؛ بوجوده تستقيم الحياة، ومن دونه لا قيمة لها».
ويصل للمشاهد إحساس بأن ملامح وجوه الشخوص هي عبارة عن خطوط رسمها الزمن وترك بصمته عليها وحوّلها إلى لوحة تحمل قيماً تعبيرية تشع في النفس أحاسيس متعددة ومتناقضة.
استدعى الفنان من حضارات وطنه وفلكلوره الشعبي وبيئته كثيراً من العناصر والموتيفات والحيوانات والطيور التي أكسبت أعماله ثراءً خاصاً، تأثراً بنشأته في حي شعبي، ومن ثم إقامته في مدينة المنيا (صعيد مصر)، ويوضح: «حياتي مقسمة إلى جزأين، الأول النشأة، وهي البيئة التي فتحت عيوني عليها؛ حين ولدت في حي شعبي غني بتاريخه وأصالته، وهو حي شبرا العريق، وفيه رأيت الموالد والأراجوز وصندوق الدنيا، واستمعت إلى حكاوي الأساطير الشعبية، مثل أبو زيد، وعنترة، وسيف بن زي يزن، إضافة إلى حكايات العشق والغرام، مثل حسن ونعيمة، وعزيزة ويونس، وقصص (ألف ليلة وليلة)، و(مولد سيدنا الولي)، فكلها كانت بالنسبة لي معيناً لا ينضب، نهلت منه، وما زلت حتى الآن».
أما الجزء الثاني من حياة القاضي، فقد تأثر فيه بالمنيا، «خلال سنوات الدراسة والعمل، ورحلات القطار، منها وإليها، عبر ما يزيد عن 35 سنة، وهي الرحلات التي ما زالت تحيا بذاكرتي ووجداني، وأمدتني بأحلام كثيرة وفترات من التأمل لملامح وشخوص أهالينا؛ حيث أتاحت لي الاقتراب منهم، والاستماع إلى حكاويهم، ومن خلال تلك المعايشة أجدهم يتزاحمون على سطح لوحاتي».

ويتابع القاضي: «لم تغادرني قسمات وجوههم، فهي إن كانت وجوهاً لناس عاديين مهمشين لا يشعر بهم ولا يعرفهم أحد، إلا أنها تحمل من الصلابة والصبر ما يفوق الاحتمال، فلا يسعك إلا أن تشعر بقوتهم في القدرة على هزيمة اليأس، وغزل أحلامهم وتحقيقها في هدوء».
يبرز في أعمال المعرض، كما المعارض السابقة، اهتمامه بالمكان، وهو ما يفسره قائلاً: «لقيمته الجمالية والروحية؛ خصوصاً الأحياء القديمة التي سجلنا ذكرياتنا على جدرانها، حملت شوارعها أحلامنا؛ ولذلك تسكننا، ونشم رائحة أيامنا في حواريها». ومن الأمكنة التي تحتل مساحة كبيرة في فنّه الواحات، التي يقول عنها: «سافرت إليها، وارتشفت من نبع الجمال الصافي البكر الموجود فيها، ورأيت الأفق الممتد الذي يحضن الكثبان الرملية المتفرقة، التي تبدو وكأنها عرائس تفترش البساط الذهبي»، ويتابع: «ما زالت الواحات عالقة في ذاكرتي بأماكنها المختلفة؛ حيث مقابر البجوات والمعابد والجبال والصخور والنخيل، ومنابع المياه المتدفقة، ومدينة (القصر) بتأثيرها الساحر لما تحمله من إحساس ميتافيزيقي فريد».
ورغم أنه يبدأ رسومه من أرضية واقعية تتضمن عناصر موجودة في البيئة المصرية، فإنه يأخذنا إلى واقع جديد ذي سحر خاص، عبر إعادة صياغة هذه العناصر من ثيمات محلية وشعبية باستخدام فيض الخطوط والألوان، يقول: «إن الفنان المصري سعيد الحظ، لأنه ابن لإرث حضاري ممتد آلاف السنين من العصر البدائي، مروراً بالفرعوني، ووصولاً إلى الحضارة المعاصرة، بكل ما تشمله من قلق وسرعة مضطردة وتطور، فكل هذا يؤثر فيه، فيراه ويخزنه ويصهره في بوتقة إبداعه».

ويضيف القاضي: «بالنسبة لي، كانت الأساطير الفرعونية والشعبية محل اهتمامي دائماً وأبداً، وكنت أطرح على نفسي أسئلة كثيرة في معنى العالمية والهوية وسبل التميز؛ خصوصاً أثناء دراستي في أكاديمية الفنون في روما، ووجدت الإجابة في أن التميز يجب أن يكون أنت نفسك، ولا أحد غيرك». ويواصل قائلاً: «كانت النافذة التي أطللت منها على الفنون القديمة، هي نافذة الاستلهام والتفتيش في ذاكرة الزمن عن أصولنا ومفرداتنا الخاصة الغنية، التي تحمل بصماتنا على مرّ الزمن».
يستخدم زكريا القاضي الألوان الزيتية على قماش «توال»، مرتكزاً إلى الحالة الشعورية والطاقة التعبيرية المتدفقة، من خلال أسلوب التداعي الحر؛ حيث يضع العناصر وينظمها على سطح اللوحة ويغلفها بالفكرة، لتمثل رسالة جمالية، من خلال شحنات لونية تشع بالبهجة والفرح، وتدفع إلى تحمل قسوة الحياة، بينما يهتم بخشونة السطح للتأكيد على السمات الإنسانية، مؤكداً: «هذه هي الرسالة التي أبعثها للمتلقي من خلال أعمالي».



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.