أكدت كييف أمس أن آخر المقاتلين الأوكرانيين المتحصنين في ماريوبول لن يستسلموا، رغم الخشية من هجوم كبير ضدهم، عشية إحياء روسيا ذكرى الانتصار على ألمانيا النازية، في حين تكثّفت الضربات الروسية على شرق أوكرانيا؛ حيث فُقد 60 شخصاً إثر قصف مدرسة. وتزامن هذا مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة ذكرى 8 مايو (أيار) أن «النصر سيكون لنا كما في عام 1945»، بينما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن «الشر عاد» إلى أوروبا، مقارناً غزو روسيا لأوكرانيا بعدوان ألمانيا النازية على الدول الأوروبية.
وقال حاكم لوغانسك سيرغي غايداي، أمس، إن الأشخاص الذين فُقدوا لجأوا جراء المعارك إلى المدرسة في المنطقة بشرق أوكرانيا، موضحاً أن قرية «بيلوغوريفكا تعرضت لضربة جوية، وأصابت القنابل المدرسة التي دُمرت بالكامل للأسف». وأضاف: «كان هناك 90 شخصاً بالإجمال، أُنقذ منهم 27... قضى على الأرجح 60 شخصاً كانوا في المدرسة».
وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية صباح أمس، إن «العدو لا يوقف العمليات الهجومية في منطقة العمليات الشرقية، من أجل بسط سيطرته الكاملة على أراضي مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون، والحفاظ على الممر البري بين هذه الأراضي وشبه جزيرة القرم المحتلة» منذ عام 2014. وأضافت أنه في منطقة دونيتسك، واصلت القوات الروسية عملياتها الهجومية حول ليمان وبوباسنيانسكي وسيفيرودونتسك وأفدييفكا، وأن الوضع «متوتر» على الجانب المولدافي للحدود.
على الجانب الروسي، أعلنت وزارة الدفاع في إحاطتها أمس، الأحد، تدمير «مركز قيادة لواء ميكانيكي» في منطقة خاركوف (شرقاً) وكذلك «مركز اتصالات مطار تشيرفونوغلينسكوي العسكري القريب من قرية أرتسيز». وأكدت الوزارة أن الدفاع الجوي دمّر «قاذفتين أوكرانيتين أخريين من طراز (سو-24)، ومروحية تابعة للقوات الجوية الأوكرانية من طراز (مي-24) فوق جزيرة سيربنتس، كما تم إطلاق النار على طائرة مُسيَّرة من طراز (بيرقدار-تي بي 2) قرب مدينة أوديسا».
وتحذر السلطات الأوكرانية منذ أيام عدة من تكثيف محتمل للهجمات الروسية، مع اقتراب إحياء ذكرى الانتصار على ألمانيا النازية في 9 مايو.
إجلاء المدنيين من «آزوفستال»
في ماريوبول، وبعد عديد من الدعوات والمحاولات الفاشلة في الأسابيع الأخيرة، قال الرئيس زيلينسكي، مساء السبت، في كلمته اليومية: «قمنا بإجلاء المدنيين من (آزوفستال)»؛ مشيراً إلى إخراج 300 شخص. وأضاف: «نعد الآن للمرحلة الثانية... (إجلاء) الجرحى والطواقم الطبية».
وكان مئات المدنيين قد لجأوا إلى قاعات تحت أرض مصنع الصلب في «آزوفستال»؛ حيث يتحصّن آخر المدافعين عن ماريوبول. وأعلنت موسكو، الأربعاء، وقفاً أحادي الجانب لإطلاق النار لمدة 3 أيام، بدءاً من صباح الخميس، للسماح للمدنيين في «آزوفستال» بالمغادرة؛ لكن السلطات الأوكرانية أكدت أن الروس هاجموا المصنع مرة أخرى خلال تلك الفترة.
وأعلنت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، إيرينا فيريشتشوك، السبت، أنه «تم تنفيذ أمر الرئيس (الأوكراني)، تم إجلاء جميع النساء والأطفال وكبار السن من (آزوفستال)». وبحسب كييف، مكّنت هذه العمليات من إجلاء 500 شخص في أسبوع واحد، تحت رعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».
وتابع زيلينسكي: «بالطبع، نعمل أيضاً على إجلاء عسكريينا. كل هؤلاء الأبطال يدافعون عن ماريوبول»، من دون أن يورد أي عدد. وقال: «هذا في غاية الصعوبة؛ لكنه مهم جداً».
وطلبت أوكرانيا من منظمة «أطباء بلا حدود»، مساء السبت، تنظيم مهمة لإجلاء وعلاج الجنود المتحصنين في مصنع الصلب.
ووفق يفغينيا تيتارنكو، الممرضة العسكرية التي ما زال زوجها الممرض والعضو في كتيبة آزوف التي تدافع عن المصنع موجوداً هناك: «ثمة عديد من الجنود في وضع خطير، إنهم مصابون بجروح ولا يملكون أدوية»؛ مشيرة إلى أنهم «يفتقرون أيضاً إلى الطعام والماء». وكتب لها زوجها ميخايلو الذي اقترنت به قبل يومين من الغزو الروسي، في رسالة نصية اطلعت عليها وكالة «الصحافة الفرنسية»: «سأقاتل حتى النهاية».
وأشارت هيئة الأركان العامة الأوكرانية، في تقريرها الصباحي، الأحد، إلى أن «وحداتنا في منطقة مصنع (آزوفستال) ما زالت محاصرة»، متحدثة أيضاً عن «عمليات هجوم روسية... بدعم من نيران المدفعية والدبابات».
ومدينة ماريوبول التي كانت تضم قبل الحرب نحو 500 ألف نسمة، باتت منكوبة ومدمرة بالكامل، بعد شهرين من القصف الروسي.
واعتبر مستشار الرئيس الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش، الجمعة، أن «العدو يسعى إلى القضاء على المدافعين عن (آزوفستال). إنه يحاول القيام بذلك قبل 9 مايو، لمنح هدية للرئيس (الروسي) فلاديمير بوتين».
بوتين واثق من «النصر»
في غضون ذلك، أكد الرئيس بوتين أنه «كما في عام 1945، سيكون النصر لنا»، طارحاً عدداً من المقارنات بين الحرب العالمية الثانية والصراع في أوكرانيا، خلال تهانيه في ذكرى 8 مايو. وقال بوتين في تهنئة وجَّهها إلى دول الكتلة السوفياتية السابقة، والمنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا: «اليوم، جنودنا مثل أسلافهم، يقاتلون جنباً إلى جنب من أجل تحرير أرضهم من الأوساخ النازية، مع الثقة في أن النصر سيكون لنا كما في عام 1945». وأضاف أن «الواجب المشترك اليوم هو منع عودة النازية التي سببت كثيراً من المعاناة لشعوب الدول المختلفة»، متمنياً أن تكون «الأجيال الجديدة جديرة بذكرى آبائها وأجدادها».
وفي تهنئته، لم يكتف فلاديمير بوتين بالإشارة إلى الجنود فقط؛ بل تحدث عن المدنيين في «الجبهة الداخلية» الذين «سحقوا النازية، مقدمين تضحيات لا تُعد». وقال الرئيس الروسي في فقرة مخصصة للأوكرانيين: «للأسف، النازية اليوم ترفع رأسها مرة أخرى». وأضاف: «واجبنا المقدس هو منع الورثة العقائديين للذين هُزموا»، فيما تسميها موسكو «الحرب الوطنية الكبرى»، من «العودة للانتقام». وتمنى الرئيس «لكل سكان أوكرانيا مستقبلاً سلمياً وعادلاً».
زيلينسكي: الشر عاد
بدوره، قال الرئيس زيلينسكي، إن «الشر عاد» إلى أوروبا، مقارناً غزو روسيا لأوكرانيا بعدوان ألمانيا النازية على الدول الأوروبية، في خطاب ألقاه في ذكرى انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. واعتبر زيلينسكي في تسجيل فيديو تم تصويره بالأسود والأبيض أمام المباني السكنية المدمرة: «بعد عقود من الحرب العالمية الثانية، حل الظلام على أوكرانيا، وعادت من جديد باللونين الأبيض والأسود». وأضاف في الفيديو المترجم إلى الإنجليزية، والذي أظهر صوراً من الأرشيف للحرب العالمية، وصوراً بالأبيض والأسود للغزو الروسي: «الشر عاد بزي مختلف، وتحت شعارات مختلفة، ولكن للهدف نفسه».
وقارن الرئيس الأوكراني قصف ألمانيا النازية للمدن الأوروبية، بقصف بلاده من قبل روسيا. واتهم موسكو «بإعادة تشكيل صارخة للنازية»، باستخدام «أفكارها وأفعالها وأقوالها ورموزها»، وتكرار «فظائعها»، مع إعطاء مبررات «تهدف إلى منح هذا الشر هدفاً مقدساً». وأضاف: «هذا العام نقول بطريقة مختلفة: لن نكرر ذلك مرة أخرى! إننا نسمع هذه الكلمات بطريقة مختلفة. يتردد صداها بطريقة مؤلمة وقاسية، من دون تعجب ولكن مع إشارة استفهام. تقولون: لا نريد تكرار ذلك؟ تحدثوا إذن إلى أوكرانيا».
هجوم أوكراني مضاد
وحققت القوات الروسية بين الجمعة والسبت مكاسب ميدانية بقيت محدودة في محيط سيفيرودونيتسك، إحدى أكبر مدن دونباس التي لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا، وفق ما أفاد المعهد الأميركي للدراسات الحربية، السبت، من غير أن يتوقع أن يمكِّنها ذلك من فرض حصار تام عليها. ولم تتمكن روسيا حتى الآن من إعلان السيطرة الكاملة سوى على مدينة واحدة كبرى، هي خيرسون.
أما في خاركيف، فنجح الهجوم الأوكراني المضاد لوضع ثاني أكبر مدن البلاد بمأمن من المدفعية الروسية، في تحقيق تقدم، مع السيطرة على عدة مواقع روسية، بحسب المعهد. وأوضح المعهد أن «القوات الأوكرانية تستعيد أراضي حول خاركيف، ولا تقتصر جهودها على تصدٍّ محدود، وتبدي قدرة على إطلاق عمليات هجومية على نطاق واسع».
وأعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية، أن الجنود الروس دمروا 3 جسور على الطرق «لإبطاء الهجوم المضاد» في منطقة خاركيف. وأعلن الجيش الأوكراني، السبت، تدمير سفينة إنزال عسكرية روسية من طراز «سيرنا» قرب جزيرة الثعبان التي سيطرت عليها القوات الروسية في البحر الأسود، بواسطة طائرة مُسيَّرة عسكرية تركية الصنع. ولم تؤكد روسيا هذه المعلومات، معلنة في المقابل تدمير «سفينة الهجوم الأوكرانية ستانيسلاف».