قاضٍ انقلابي في صنعاء يأمر بإخضاع المعتقلين لـ«حوثنة» فكرية

TT

قاضٍ انقلابي في صنعاء يأمر بإخضاع المعتقلين لـ«حوثنة» فكرية

لم يكن الخطاب الشهير لعبد الملك الحوثي الذي حرّض فيه أتباعه على الصحافيين باعتبارهم - وفق اعتقاده - أخطر من حملة السلاح، إلا توجيهاً إضافياً لعناصره لتكثيف القمع ضد الصحافيين، بعد أن أُغلقت كل وسائل الإعلام المحلية التي لا تلتزم بالنهج المذهبي للميليشيات، لكن اليوم العالمي لحرية الصحافة كشف عن توجهات غير مسبوقة في تاريخ العقوبات على الصحافيين السياسيين تشهدها سجون الحوثيين.
في هذا السياق، أوعزت الميليشيات الحوثية إلى أحد القضاة الموالين لها بالحكم على صحافي معتقل بالسجن ثماني سنوات مع إخضاعه لدورات تأهيلية وسلوكية وثقافية وهي المسميات التي تستخدم للتعبير عن التوجهات المذهبية للجماعة في سياق سعيها لـ«حوثنة» أفكار الأفراد والمجتمعات المحلية في مناطق سيطرتها.
المحامي عبد المجيد صبرة الذي يتولى الترافع عن المعتقلين لدى ميليشيات الحوثي كشف عن وجود أربعة صحافيين في سجون الميليشيات لم يكن أحد يعلم عنهم من قبل، ولعل أبرزهم نبيل السداوي الذي اعتقل من قبل جهاز الأمن السياسي سابقاً (الأمن والمخابرات حالياً) في النصف الثاني من عام 2015 وتعرض للإخفاء القسري والتعذيب الشديد الجسدي والمعنوي، ولم تتم إحالته إلى النيابة إلا بعد مرور أربع سنوات تقريباً، حيث بدأت النيابة التحقيق معه في منتصف عام 2019.
وكشف صبرة عن أن المحكمة المتخصصة بقضايا أمن الدولة والإرهاب الخاضعة للميليشيات في صنعاء أصدرت حكماً بسجن الصحافي ثماني سنوات، وكذلك وضعه تحت رقابة الشرطة لمدة ثلاث سنوات، كما أمر القاضي الحوثي «الجهات المعنية بتأهيله ثقافياً وسلوكياً وفكرياً وتربوياً».
ويقول المحامي صبرة إن الفقرة الأخيرة «من أغرب ما جاء في الأحكام التي يحرص القاضي الحوثي محمد مفلح على ذكرها في كثير من أحكامه في قضايا المعتقلين، رغم خروجها الواضح والصريح، وفقاً للدستور والقانون، عن العمل القضائي».
ورأى صبرة في ذلك «استجابة للعمل السياسي لجماعة الحوثي المتعلق بمحاولة إخضاع كثير من فئات المجتمع اليمني لدورات ثقافية ومذهبية للإيمان بمعتقداتها وأفكارها».
وإلى جانب الصحافيين الأربعة المحكوم عليهم حوثياً بالإعدام، وهم عبد الخالق عمران وأكرم الوليدي والحارث حميد وتوفيق المنصوري، تحتجز الميليشيات منذ سنوات الصحافيين محمد الصلاحي ومحمد الجنيد من محافظة الحديدة، ويونس عبد السلام في صنعاء، فيما لا يزال الصحافي وحيد الصوفي مخفياً قسراً من 2015، كما أقدمت الميليشيات على إغلاق إذاعة صوت اليمن المملوكة للصحافي مجلي الصمدي منذ أربعة أشهر.
وقال مثقفون وصحافيون يمنيون إن ميليشيات الحوثي تفرض كثيراً من القيود على القنوات والإذاعات العاملة تحت سيطرتها، بما يتواءم ويتوافق مع سياستها، وتفرض عليها بث بعض البرامج المتعلقة بها في المناسبات الخاصة بها، ومن ذلك خطب عبد الملك الحوثي، كما لا تستطيع المكاتب الإعلامية في مناطق سيطرتها ترتيب أي مقابلة مع أي شخصية سياسية أو اجتماعية في القنوات الأجنبية إلا بعد أخذ موافقة من قادة الميليشيات وأجهزتها الأمنية.
وذكر بيان تضامني وقعه نشطاء بارزون أن الصحافي محمد الصلاحي اعتقل في العشرين من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018 ميلادياً، وأنه تعرض للتعذيب في سجون المخابرات في الحديدة، وحالياً تتم محاكمته في مبنى المخابرات بصنعاء من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة، معتبرين اشتراط القاضي على المعتقلين الالتزام بطريقة الحوثيين في التفكير، انتهاكاً صارخاً لحرية التفكير وحرية الاختلاف وحق التنوع.
نقابة الصحافيين اليمنيين عبرت، في بيان لها، عن «غضبها الشديد وألمها جراء إصرار جماعة الحوثيين على اعتقال الصحافيين وإصدار حكم جائر بإعدام أربعة منهم بعد اختطافهم وإخفائهم وتعذيبهم منذ عام 2015، في ظل ظروف احتجاز قاسية وغير قانونية».
وانتقدت النقابة تعنت ورفض الحوثيين كل المطالب المحلية والدولية الداعية إلى إطلاق سراحهم، ودعت جميع الأطراف وفي مقدمها جماعة الحوثي إلى إيقاف سياسة العداء تجاه الصحافة والصحافيين وأصحاب الرأي، والقبول بالتعدد والتنوع وحرية الصحافة باعتبارها «خطوة ضرورية ومهمة تسهم في تحقيق السلام وتصويب الأخطاء والخطايا».
وتعهدت نقابة الصحافيين اليمنيين بالعمل بكل الوسائل المشروعة من أجل الدفاع عن الصحافيين والإعلاميين وحقوقهم وحرياتهم، والعمل من أجل عدم إفلات منتهكي حرية الصحافة والمعتدين على الصحافيين من العقاب كون هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».