حتى بيكاسو المخطئ يمكن أن يكون على حق!

معرض «الفترة الزرقاء» ضمن مجموعة «فيليبس»  في واشنطن (نيويورك تايمز)
معرض «الفترة الزرقاء» ضمن مجموعة «فيليبس» في واشنطن (نيويورك تايمز)
TT

حتى بيكاسو المخطئ يمكن أن يكون على حق!

معرض «الفترة الزرقاء» ضمن مجموعة «فيليبس»  في واشنطن (نيويورك تايمز)
معرض «الفترة الزرقاء» ضمن مجموعة «فيليبس» في واشنطن (نيويورك تايمز)

لوحة «الفترة الزرقاء» ضمن مجموعة «فيليبس» في العاصمة واشنطن، تُعطي لمحة عن الفنان قبل أن يدخل في سبيله مع التكعيبية. بابلو بيكاسو، «الحساء» (1903). ويطلق الناقد على هذه اللوحة اسم إحدى اللوحات الكئيبة من الفترة الزرقاء للفنان، من دون أي تعقيد يمكن له تحقيقه. إذ تنحني امرأة ترتدي عباءة زرقاء نحو فتاة تلبس معطفاً أزرق لتقدم لها وعاء من الحساء الساخن ذي اللون الأزرق - مما يعطي سحابة من البخار الأزرق، بالطبع.
أخبرني خبير في بابلو بيكاسو ذات يوم أنه لو كان الرسام قد صدمته حافلة سنة 1905، لكان قد ظهر إلينا كعضو ثانوي في الحركة الرمزية، قبل أن يتلاشى في دهاليز فرنسا. ومن الواضح جداً أن بيكاسو مهم فقط لما توصل إليه بعد سنوات قليلة، عندما مزقت لوحاته التكعيبية نسيج الفن الغربي.


«الحساء» إحدى اللوحات «الخجولة» من الفترة الزرقاء للفنان (نيويورك تايمز)

رسم «بيكاسو: الفترة الزرقاء»، ضمن مجموعة «فيليبس» هنا حتى 12 يونيو (حزيران)، كل الأعمال الفنية تقريباً تعود لما قبل سنة 1905، لكن رغم التواريخ «الخاطئة» للوحات، أو بسبب هذه التواريخ، فإن هذا العرض يثير الدهشة. أجل، يمكننا رؤية بيكاسو فقط قبل أن يكتشف كيف يصنع الفن المهم. في بعض الأحيان، فإنه يتحرك على المسار الخاطئ بوضوح. لكننا أيضاً أعطينا فرصة لمشاهدة هذا الشاب الصغير جداً يعاين إحساسه الأول بالفنان الذي يحتاج لأنه يكون عليه.
ويضم المعرض الذي تشرف عليه سوزان بيرندز فرانك من «فيليبس» وكينيث برومل من معرض الفنون في أونتاريو، أكثر من 40 لوحة لأعمال بيكاسو، بالإضافة إلى رسومات، ومطبوعات، وبعض المنحوتات قام بها هو وآخرون، تعطي مسحاً دقيقاً لما كان عليه الفنان في السنوات الأولى من القرن العشرين، وهو يتنقل ذهاباً وإياباً بين برشلونة وباريس التي انتقل إليها نهائياً سنة 1904، كانت هذه هي السنوات التي أتقن فيها بيكاسو - الذي لم يكن قد بلغ العشرينات من عمره - أسلوب ما يسمى بالفترة الزرقاء.
وقد جلب فريق «فيليبس» لوحات معروفة من الفترة الزرقاء مثل «الحساء»، عمل يعود لسنة 1903 من معرض الفنون في أونتاريو، حيث بدأ العرض لأول مرة في الخريف الماضي: امرأة ترتدي عباءة زرقاء تنحني نحو فتاة صغيرة تلبس ملابس زرقاء لتقدم لها وعاء من الحساء الساخن - مقدماً سحابة من البخار الأزرق، بالطبع.
ولوحة قماشية شهيرة أخرى، رُسمت قبل سنة أو سنتين، والآن يملكها معهد ديترويت للفنون، تُظهر امرأة أخرى بملابس زرقاء اللون، جالسة هذه المرة على مقعد أزرق أمام نافذة مفتوحة تنظر إلى سماء زرقاء خاوية. حملت اللوحة، في اللغة الإنجليزية، لقب «المرأة المبتئسة»، التي تُبرز الحقيقة الأكثر جلاءً عن هذا العمل، وعن الأعمال الأخرى المشابهة لها: الحضور القوي للغاية للون الأزرق الذي يمتد إلى مشاعرهم، التي قد بلغت درجة من الاكتئاب تنتهي بها إلى درجات السخافة في الأسلوب الفني.
ونمط لوحات بيكاسو الزرقاء يتطابق مع موضوعها: على نحو مماثل، إنه سلس، وسهل للغاية، وربما يبلغ حد الميوعة لالتقاط كل الطرائق التي بها نعرف نحن البشر كيفية المعاناة. ويطبع أسلوبهم المعاناة من خلال تحويلها إلى فن مقبول. ولا ينبغي للبؤس أن يتلاشى بمثل هذه السهولة أبداً.

لوحة «الغرفة الزرقاء» سنة 1901 (نيويورك تايمز)

لكن سهولة استيعاب هذه اللوحات قد تفسر لماذا أصبحت أكثر لوحات بيكاسو شعبية، وتلك التي تدر بعضاً من أعلى أسعاره: فهي تسمح لنا بمقابلة رجل عبقري معتمد من دون الاضطرار لمواجهة الصعوبة المذهلة للوحات التكعيبية التي تولت التصديق على موهبته.
وتلك الصعوبة موجودة، على الأقل في رحم بعض الأعمال المبكرة الأخرى ضمن مجموعة «فيليبس». وتعطي لمحة مثيرة عن بيكاسو وهو يأتي من تلقاء نفسه.
وحتى أن الصور التي تحمل مواضيع تبدو واضحة إلى حد ما، مثل اللوحات التي تسمى الآن «عارية مع القطط» و«امرأة ذات جوارب زرقاء»، والتي رُسمت سنة 1901 لأول عرض فني منفرد في باريس، يمكن أن تحتوي على وثبات فنية جامحة تحجب وتزيل أكثر مما تُصور، كما لا يمكن القول حتى عن أغرب ضربات الفرشاة لدى فان غوخ أو رامبرانت. إن بيكاسو لا يحاول خلق نمط مبتدأ متماسك؛ في أفضل حالاته يمارس القسوة التي ببساطة توقف فنه عن الانضواء تحت أسلوب بعينه. هذه اللوحات واضحة جداً للنظر. هذا يشهد، بتألق، على الحقائق القاسية التي عاشت عليها العاهرات اللواتي تصورهن.
وتعد أعمال بيكاسو الخاصة بمجموعة «فيليبس» الأكثر بروزاً، «الغرفة الزرقاء» لسنة 1901، حيث إنها لم تبلغ - أو لم تستقر بعد - على أي من السهولة الأنيقة التي تميزت بها أعمال الفترة الزرقاء الأكثر كلاسيكية. بيكاسو يسمح لجسد المرأة التي تستحم في وسط الغرفة بالوقوع في حالة من عدم التناسق وعدم الترابط التام، مع وجود ذراعين لا تكادان تظهران؛ وتسقطان تقريباً من أكتاف لا تكاد تبدو منطقية كأجزاء بشرية من جسد الإنسان.
ويظهر بابلو بيكاسو الأكثر تعمقاً في «الغرفة الزرقاء» (1901). لم يستقر الرسام على السهولة الأنيقة الموجودة في لوحات الفترة الزرقاء الأخرى، لكنه يصور مشاهد الاستحمام بتصوير غير متناظر. في مقدمة للتكعيبية، التي أعلنت استحالة تحقيق التصوير المتماسك للعالم.
وهذا ليس جمالاً في الاستحمام، مثل الذي كان بيكاسو ليراه في لوحات إدغار ديغا وبيير أوغست رينوار. ولكن امرأة وقعت في حيرة بشرية شديدة من محاولة تحميم جسدها في حوض الماء الضحل بغرفة النوم المتواضعة. أو، على الأرجح، أنها عاهرة تتعامل مع ما يعنيه تنظيف الجسد المبيع لتوه إلى رجل عشوائي صودف بأن يحمل بعضاً من العملات في جيبه - من المرجح للغاية أن يرسم الرجل لوحة تذكارية لذلك اللقاء، حتى يبيعها إلى بعض هواة جمع التصاوير الآخرين.
* خدمة «نيويورك تايمز»

ولفهم ما يصل إليه بيكاسو هنا، لا بد من مقارنة صورته للمُستحمة «الحقيقية» مع الراقصة كاملة الملبس في الملصق الشهير لهنري دو تولوز - لوتريك الذي يظهر مُعلقاً على جدار غرفة نوم سيدة الاستحمام. يمثل هذا الملصق الأنيق على وجه التحديد ذلك النمط الكامل المتماسك من الأناقة الذي يتجنبه بيكاسو بوضوح في بقية اللوحة، والذي يتصارع مع تصوير العالم بدلاً من الاكتفاء بطريقة أخرى ملموسة للقيام بذلك.
وهذا ما يجعلها مقدمة لتكعيبية بيكاسو، التي لا تتعلق أبداً بكشف طريقة جديدة تمثل بها الصور الحياة. (رغم أن هذه هي الطريقة التي غالباً ما يتم بها تصنيف «التكعيبية»، منذ لحظة اختراعها تقريباً، من قبل الجميع باستثناء بيكاسو). وتُفهم التكعيبية على نحو أفضل بأنها إعلان عظيم لاستحالة التمثيل المتماسك في عالم عصري - أو على الأقل عالم الفن الحديث للغاية - ذلك الذي استنفذ جميع خيارات التماسك. وقد تحدث المؤرخ الفني ت. ج. كلارك عن استعداد التكعيبية «للاستفادة القصوى من هذا الغموض، وأخيراً التمتع به».
وجاء على لسان إحدى شخصيات رواية الحداثي العظيم صامويل بيكيت، أو «مايسترو الفشل»، كما كان يُسمى ذات يوم: «لن أستطيع الاستمرار، ولسوف أواصل» - قد تكون عبارة بيكيت الشهيرة شعاراً لبيكاسو التكعيبي.
ويمكن رؤية بيكاسو الراديكالي فعلياً خلال لوحة «الغرفة الزرقاء»، وليس فقط عبر السيدة المستحمة في وسطها. انظر إلى سجادة الصلاة عند قدميها، التي تستعملها لتغطية الأرضية المظلمة الباردة: الشكل في مركز السجادة، الذي كان يُقصد به «المحراب» في السجادة الحقيقية، أو مكان الصلاة، يشير إلى مدينة مكة (أشكك كثيراً في أن بيكاسو كانت لديه أدنى فكرة عن ذلك) أصبح شكلاً من أشكال الصورة الرمزية للمرأة التي تقف فوقها، غير أنها تناهت إلى بقعة مجتزأة من البشرة الوردية المحيطة بشائبة من الشعر الداكن المرتكن على خلفية تفتقد لكل معاني التماسك على الإطلاق.
خذ بعين الاعتبار هذا الجزء من اللوحة - اقطعه بعين العقل من نسيج اللوحة - لتكون لديك فكرة جيدة عن المكان الذي سوف يبلغه بيكاسو خلال حفنة من السنوات.



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.