مستقبل الغابات والمحيطات في عالم متغيّر المناخ

البيئة في مجلات الشهر

مستقبل الغابات والمحيطات في عالم متغيّر المناخ
TT

مستقبل الغابات والمحيطات في عالم متغيّر المناخ

مستقبل الغابات والمحيطات في عالم متغيّر المناخ

عرضت العديد من المجلات العلمية التي صدرت في مطلع شهر مايو (أيار)، رؤى استشرافية للتحولات التي ستشهدها النظم الطبيعية تحت وطأة تغيُّر المناخ. فاختارت «ناشيونال جيوغرافيك» حماية الغابات ومستقبلها موضوعاً لغلافها، وناقشت «ديسكفر» التجارب المستفادة من حرائق الغابات في أستراليا. وكان اهتمام «ساينس» بمستقبل الحياة في المحيطات، فيما تناولت «ساينتفك أميركان» مسألة الاستدامة في المزارع السمكية البحرية.
- «ناشيونال جيوغرافيك»
خصصت ناشيونال جيوغرافيك (National Geographic) عددها الجديد لحماية الغابات ومستقبلها. وفي مقال بعنوان «مستقبل الغابات»، أشارت المجلة إلى أن الأرض فقدت ثلث غاباتها خلال 10 آلاف سنة، واللافت أن نصف هذه الخسارة كانت منذ سنة 1900، وعلى الصعيد العالمي، انخفضت إزالة الغابات من ذروتها في ثمانينات القرن العشرين، فيما تختلف الاتجاهات حسب المناطق. ففي إندونيسيا، التي كانت تقطع الغابات من أجل مزارع نخيل الزيت، تراجعت خسارة الغابات البكر منذ 2016. وخلال الفترة بين منتصف 2020 ومنتصف 2021، فقدت منطقة الأمازون البرازيلية 13 ألف كيلومتر مربع من الغابات المطيرة بزيادة قدرها 22 في المائة على العام السابق.
- «نيو ساينتست»
تحت عنوان «هل الكلاب حيوانات غازية؟» عرضت نيو ساينتست (New Scientist) أمثلة عن الخسائر الفادحة التي تُلحقها الكلاب الشاردة والأليفة بالحياة البرية. وتقدّر إحدى الدراسات عدد الكلاب في العالم في حدود المليار، ما يجعلها أكثر الحيوانات الآكلة للحوم شيوعاً على وجه الأرض. وفي الوقت الذي تتعرض فيه الطبيعة لضغوط غير مسبوقة، توجد أدلة متزايدة على أن الكلاب تقتل وتأكل وتُرعب وتُنافس الحيوانات الأخرى، وتلوث المجاري المائية، وتفرط في تسميد التربة، وتعرّض النباتات للخطر. وعلى سبيل المثال، تتسبب الكلاب الضالة والشاردة في المرتفعات الأكوادورية باختفاء حيوانات البوما والدببة والثعالب والظربان على نحو أكثر مما يفعله فقدان الموائل الطبيعية.
- «ساينس»
عرضت ساينس (Science) نتائج بحث جديد حول مستقبل الحياة في المحيطات. وبالاعتماد على نماذج حاسوبية تأخذ في الاعتبار تسارع احترار المحيطات وتناقص الأوكسيجين فيها، فإن الأنواع البحرية تسير إلى انقراض جماعي يضاهي أسوأ انقراض شهده كوكب الأرض قبل 250 مليون سنة. ويتوقع البحث أن تكون خسارة الأحياء في المحيطات ما بين 50 و70 في المائة مع نهاية القرن الثالث والعشرين، إذا استمرت انبعاثات غازات الدفيئة من دون إجراءات جديّة لخفضها. ويتوقع البحث أن تهاجر العديد من الأنواع الاستوائية لتعيش في خطوط العرض العليا مع ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وهي عملية بدأت بالفعل على اليابسة وفي المحيطات حالياً.
- «ساينتفك أميركان»
تناولت ساينتفك أميركان (Scientific American) مسألة الاستدامة في مزارع تربية الأسماك البحرية. وعرضت المجلة تجربة ولاية «ماين» الأميركية في أنظمة الاستزراع المعاد تدويرها (RAS) التي تُستخدم لإكثار الأسماك الزعنفية، مثل السلمون واليلوتيل، في حظائر شبكية ضخمة في المحيط. وتستهلك الأسماك في هذه الأنظمة أغذية مصممة علمياً وأدوية مكافحة للعدوى، ويتم توليد التيار الذي تسبح فيه بشكل مصطنع، ويجري غمرها بالضوء لمدة تصل إلى 24 ساعة لتسريع النمو. ويخشى العلماء أن يؤدي هذا النمط المكثّف من تربية الأسماك إلى الإضرار بالنظم البيئية الهشة لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء. ويرتبط الاستزراع السمكي المكثّف بعدد من المشكلات، كانخفاض التنوع الحيوي وفقدان الموائل والإفراط باستخدام المضادات الحيوية وانتهاكات رعاية الحيوانات، وغيرها.
- «أميركان ساينتست»
اختارت أميركان ساينتست (American Scientist) أسباب ظهور العوامل الممرضة عنواناً لغلاف عددها الجديد. وكان الطاعون والكوليرا قتلا الملايين من البشر على مدى القرون الماضية، في حين أن أصول هذين المرضين عبارة عن كائنات دقيقة غير ضارة تطورت لتصبح من بين أسوأ الأوبئة التي تصيب البشرية. ويدرس العلماء هذه العملية، التي تُعرف باسم «ظهور مسببات الأمراض»، لفهم القواعد البيولوجية والقوى التطورية التي تصيب الكائنات الدقيقة، بهدف إدارة الأمراض والسيطرة عليها. وتتضمن هذه العوامل الاضطرابات البيئية من صنع الإنسان، كتغيُّر المناخ وتلوث النظم الطبيعية، التي تؤثر بشكل كبير في انتشار البكتيريا المسببة للأمراض، وتسريع اكتسابها مقاومة المضادات الحيوية، وزيادة احتمالية ظهور مسببات الأمراض الجديدة.
- «ديسكفر»
ناقشت ديسكفر (Discover) الدروس المستفادة من حرائق الغابات في أستراليا. وكانت البلاد تعرضت خلال السنة الماضية لنحو 15 ألف حريق متفرّق، طالت 190 ألف كيلومتر مربع من الأراضي، وأهلكت نحو 3 مليارات حيوان، وفق تقديرات متحفّظة. وخلصت لجنة التحقيق في هذه الحرائق إلى مجموعة من التوصيات، من بينها ضرورة خضوع العاملين في مجال حرائق الغابات لتدريب معياري، وتحسين التنبؤ بالطقس، ووضع نماذج محدّثة للتنبؤ بحرائق الغابات، وتثقيف المواطنين لتحقيق فهم أفضل لنظام الإنذار عن الحرائق، وتحديث نظام التصنيف الوطني ليشمل فئة الحرائق العملاقة الجديدة التي تغذّيها أحوال المناخ المتطرفة.
- «ساينس نيوز»
مستقبل الغذاء، وكيف تساعدنا التجارب بخصوص ما نأكله وكيف نزرعه على مواجهة تغيُّر المناخ، كان موضوع الغلاف في ساينس نيوز (Science News). ويعتمد العالم حالياً على 13 محصولاً فقط لتأمين 80 في المائة من السعرات الحرارية للبشر، ويأتي نصف هذه السعرات من القمح والذرة والأرز وحدها. ومن أجل تلبية الطلب المتزايد على الطعام، يقترح العلماء تنويع سلة الغذاء لمواجهة الاحترار العالمي. كما يدعون إلى الاستثمار في جميع الحلول الممكنة، كزراعة المحاصيل المقاومة لتغيُّرات المناخ، والبحث في الأغذية المهندسة وراثياً وإدخال محاصيل مهملة لا نعرف عنها الكثير.
- «ساينس إيلوسترتد»
مساهمة توربينات الرياح الضخمة في البحار في التحول الأخضر لأستراليا كان موضوع غلاف ساينس إيلوسترتد (Science Illustrated). وكانت أستراليا أدخلت مؤخراً تغييرات على تشريعاتها للسماح بتراخيص مزارع الرياح البحرية، وفي الوقت ذاته قامت إحدى الشركات الدنماركية بتطوير أضخم توربين رياح في العالم قادر على توليد طاقة تكفي 10 آلاف منزل. وتملك العديد من البلدان بالفعل مزارع لتوربينات الرياح البحرية، أكبرها استطاعة في المملكة المتحدة، التي أصبحت موطناً لنحو 34 في المائة من جميع توربينات الرياح البحرية في العالم، تليها ألمانيا (28 في المائة) والصين (20 في المائة)، في حين لم تضخّ أستراليا إلى الآن أي استثمارات في هذا المجال.


مقالات ذات صلة

إندونيسيا... انهيارات أرضية في جزيرة جاوة تخلف قتيلين و21 مفقوداً

آسيا عملية بحث عن مفقودين في جاوة (إ.ب.أ)

إندونيسيا... انهيارات أرضية في جزيرة جاوة تخلف قتيلين و21 مفقوداً

قال مسؤولون في إندونيسيا، اليوم الجمعة، إن الانهيارات الأرضية الناجمة عن هطول أمطار غزيرة في جزيرة جاوة الإندونيسية أسفرت عن مقتل شخصين وفقدان 21 آخرين.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
يوميات الشرق ارتفاع نسبة المناطق البحرية المحمية في السعودية (الحياة الفطرية)

الحياة الفطرية لـ«الشرق الأوسط»: «رأس حاطبة» موئل بحري مهم و35 جزيرة في «الثقوب الزرقاء»

أكد المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية أن محميتي «رأس حاطبة» و«الثقوب الزرقاء» تدعمان النظم البيئية البحرية والبرية وتوفران موائل تعشيش للطيور والسلاحف البحرية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
علوم سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح

سفينة شحن فرنسية لعبور المحيطات تعمل بطاقة الرياح

تعيد تعريف «النقل البحري المستدام»

أديل بيترز (واشنطن)
بيئة ماشية تسير على طول منطقة تمت إزالة الغابات منها بشكل غير قانوني في محمية بالقرب من جاسي بارانا بولاية روندونيا في البرازيل 12 يوليو 2023 (أ.ب)

الإنتربول يعلن عن حملة عالمية جديدة لمكافحة الإزالة غير القانونية للغابات

أعلن الإنتربول وشركاؤه، اليوم (الأربعاء)، عن إطلاق حملة إنفاذ قانون عالمية تهدف إلى تفكيك الشبكات الإجرامية التي تقف وراء قطع الأشجار غير القانوني.

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)
يوميات الشرق النفايات البلاستيكية تسهم في تلويث شاطئ كراتشي الباكستاني مما ترك الخط الساحلي مليئاً بالقمامة (إ.ب.أ)

الأنهار تُغرق المحيطات بملايين الأطنان من البلاستيك سنوياً

يمثّل البلاستيك وهو المكون الرئيسي للنفايات البحرية خطراً كبيراً منذ عقود إذ تنقله الأنهار إلى المحيطات بملايين الأطنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دراسة: نفوق أفيال البحر جنوب المحيط الأطلسي بسبب إنفلونزا الطيور

أفيال البحر على جزيرة في جنوب المحيط الهندي (أ.ف.ب)
أفيال البحر على جزيرة في جنوب المحيط الهندي (أ.ف.ب)
TT

دراسة: نفوق أفيال البحر جنوب المحيط الأطلسي بسبب إنفلونزا الطيور

أفيال البحر على جزيرة في جنوب المحيط الهندي (أ.ف.ب)
أفيال البحر على جزيرة في جنوب المحيط الهندي (أ.ف.ب)

نفقت الآلاف من أفيال البحر جنوب المحيط الأطلسي، متأثرة بوباء إنفلونزا الطيور الذي تفشى مؤخراً، حسب ما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

ووفقاً لدراسة، نشرتها الأسبوع الماضي دورية «كوميونيكيشنز بايولوجي»، قد يكون عدد الإناث البالغات من أفيال البحر في أرخبيل ساوث جورجيا تقلص إلى النصف بين عامي 2022 و2024.

ويقدّر مؤلفو الدراسة، ومن بينهم كونور بامفورد عالم الأحياء البحرية البريطاني، عن طريق استقراء جميع أفيال البحر في الأرخبيل، أن نحو 53 ألف أنثى سيكنّ في عداد المفقودات في موسم التزاوج المقبل.

وتقع ساوث جورجيا على بُعد نحو 2000 كيلومتر شرق الحافة الجنوبية للأرجنتين، وهي أحد الموائل المهمة لفيل البحر الجنوبي.


مؤسسات خيرية تخصص 300 مليون دولار لتمويل أبحاث الصحة المرتبطة بالمناخ

موجات الحرارة الممتدة من أخطر الظواهر المناخية التي تتفاقم حدتها بفعل التغير المناخي العالمي (رويترز)
موجات الحرارة الممتدة من أخطر الظواهر المناخية التي تتفاقم حدتها بفعل التغير المناخي العالمي (رويترز)
TT

مؤسسات خيرية تخصص 300 مليون دولار لتمويل أبحاث الصحة المرتبطة بالمناخ

موجات الحرارة الممتدة من أخطر الظواهر المناخية التي تتفاقم حدتها بفعل التغير المناخي العالمي (رويترز)
موجات الحرارة الممتدة من أخطر الظواهر المناخية التي تتفاقم حدتها بفعل التغير المناخي العالمي (رويترز)

خصصت مجموعةٌ من المؤسسات الخيرية 300 مليون دولار لتطوير حلول منقذة للحياة مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وذلك مع وفاة أكثر من نصف مليون شخص حول العالم لأسباب تتعلق بالحرارة سنوياً.

تهدف هذه الأموال، المعلنة هذا الأسبوع في محادثات «كوب 30» للمناخ في البرازيل، إلى تطوير البيانات ومعرفة أفضل الاستثمارات لمعالجة المخاطر المتزايدة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة الشديدة وتلوث الهواء والأمراض المعدية.

التغير المناخي تفاقم بسبب ظاهرة النينيو (أ.ب)

وقالت إستيل ويلي، مديرة السياسة الصحية والاتصالات في مؤسسة «روكفلر»، وهي إحدى الجهات الممولة: «نحن مؤسسة خيرية. لا يمكننا فقط الاستمرار في سد الثغرات وإنعاش نموذج محتضر للتنمية».

وأضافت: «لذا فإن ما نحاول القيام به هو أن نبدأ من خلال رأس مالنا الخيري باختبار حلول جديدة والتحقق من جدواها من خلال هذا العمل والتكاتف معاً».

في سياق منفصل، أطلقت البرازيل مبادرة بعنوان «خطة عمل بيليم الصحية» لتشجيع البلدان على رصد وتنسيق السياسة الصحية المتعلقة بالمناخ في مختلف الوزارات والإدارات.

وقالت ويلي في مقابلة مع «رويترز»: «التقدم في مجال الصحة آخذ في التراجع... حققنا إنجازات بشق الأنفس في مجال الصحة من خلال التكنولوجيا، من خلال المنظومة الصحية العالمية. لكن التغير المناخي يجعل كل مشكلة والصحة العالمية أسوأ في الوقت الحالي».

ويقدر تقرير نشرته مجلة «لانسيت» العلمية في أكتوبر (تشرين الأول) عدد الوفيات السنوية الناجمة عن أسباب مرتبطة بالحرارة المتفاقمة بسبب تغير المناخ بحوالي 550 ألف حالة وفاة سنوياً.

وأورد التقرير أن هناك 150 ألف حالة وفاة سنوية أخرى يمكن ربطها بتلوث الهواء، وغالباً ما يكون بسبب حرق الوقود الأحفوري وتفاقم حرائق الغابات أيضاً. وحذر من أن بعض الأمراض المعدية آخذة في الارتفاع.

وقدرت وكالات الأمم المتحدة في أغسطس (آب) أن حوالي نصف سكان العالم، أي أكثر من 3.3 مليار شخص، يعانون من ارتفاع درجات الحرارة.


كيف تتعامل الكائنات الحية مع السموم في الطبيعة؟

ثعابين (أ.ب)
ثعابين (أ.ب)
TT

كيف تتعامل الكائنات الحية مع السموم في الطبيعة؟

ثعابين (أ.ب)
ثعابين (أ.ب)

أجرى فريق من الباحثين في الولايات المتحدة تجربة فريدة من نوعها، حيث قاموا بتجويع عشرة أفاعٍ من فصيلة الثعابين الملكية Erythrolamprus reginae التي تعيش في غابات الأمازون في كولومبيا، على مدار أيام عدة، ثم وضعوها في صندوق زجاجي مع ثلاثة ضفادع سامة سهمية من فصيلة Ameerega trivittata.

ومن المعروف أن جلود هذه الضفادع تفرز مواد سامة مميتة تقضي على من يحاول أن يتغذى عليها. وفضلت ستة من الثعابين الابتعاد عن الضفادع السامة رغم جوعها، في حين بادرت أربعة ثعابين بمهاجمة الضفادع ثم جرها على الأرض، كما لو كانت تمسح السموم من فوق جلودها قبل التهامها.

ثعابين (أ.ب)

وتقول فاليري راميريز، الباحثة في مجال العلوم الحيوية بجامعة كاليفورنيا بيركلي الأميركية، إن التجربة أسفرت عن نجاة ثلاثة ثعابين من الوليمة المسمومة ونفوق ثعبان واحد؛ ما يعني أن أجسام الثعابين الثلاثة التي ظلت على قيد الحياة استطاعت التعامل مع المواد السامة التي تفرزها الضفادع وتحييد تأثيرها.

ويقول العلماء إن الكائنات الحية على اختلاف أنواعها تتعامل مع السموم في الطبيعة منذ مئات الملايين من السنين، فالميكروبات تستخدم أنواعاً من السموم لغزو أجسام العائل والتغلب على أنظمة المناعة لديها، وبعض النباتات تفرز مواد سامة لحماية نفسها من الحيوانات العشبية، وبعض الحيوانات والزواحف والحشرات تستخدم السموم لقتل فرائسها، أو لحماية نفسها من هجمات أعدائها الطبيعيين في البيئة التي تعيش فيها.

وكتبت الباحثة ريبيكا تارفين، من جامعة كاليفورنيا بيركلي، في الدورية العلمية Annual Review of Ecology, Evolution and Systematics لعام 2023، تقول إن العلماء يعملون على سبر أغوار السموم الطبيعية ووسائل مقاومتها لدى الأنواع الحية في محاولة لاكتشاف أفضل السبل لعلاج حالات تسمم البشر.

وتقول في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني Knowable Magazine المتخصص في الأبحاث العلمية، إن «بضع ملليغرامات من مركب واحد يمكن أن تغير جميع أشكال التفاعلات في النظام البيئي».

وتكتسب الأنواع الحية الخواص السامة بأساليب مختلفة، حيث يصنع بعضها السموم بشكل طبيعي داخل الجسم مثل الضفدع النقاز الذي يفرز جزيئات سامة تعرف باسم «الغليكوسيدات القلبية» والتي تعطل عمل بعض الوظائف الحيوية الأساسية داخل خلايا خصومها، في حين تأوي كائنات أخرى مثل السمكة الينفوخية Puffer Fish نوعاً من البكتريا يفرز مادة سامة تستهدف الجهاز العصبي تسمى «تيترودوكسين»، وتجعل تلك المادة لحوم هذه الأسماك غير صالحة للأكل. وتحصل أنواع عدّة من الكائنات على السموم من الأغذية التي تقتات عليها مثل بعض الضفادع التي تعتمد في غذائها على حشرات سامة، وتستطيع تطويع هذه السموم واستخدامها لصناعة مواد سامة خاصة بها لمحاربة خصومها وأعدائها في الطبيعة.

وفي الطبيعة، تتطور أجسام المخلوقات السامة على نحو يجعلها قادرة على مقاومة السموم نفسها التي تفرزها حتى لا تسمم نفسها، وكذلك تتطور الكائنات التي تتغذى على هذه المخلوقات السامة؛ فالحشرات التي تنمو وتتغذى على نبات الصقلاب أو حشيشة اللبن، وهو نبات غني بسموم الغليكوسيدات القلبية، تكونت لديها مناعة ضد هذا النوع من السموم.

ووجدت سوزانا دوبلر، الباحثة في مجال بيولوجيا الجزيئات بجامعة هامبورغ في ألمانيا، أن حشرة الصقلاب التي تتغذى على بذور هذا النبات السام تكونت لديها مقاومة ضد هذه المادة السامة عن طريق نوع من البروتينات الناقلة يحمل اسم «إيه بي سي بي»، حيث تغلف هذه البروتينات غشاء الخلايا في الأنسجة العصبية وتطرد المواد الضارة وغير المرغوب فيها خارج الخلية. وتبحث دوبلر بالاشتراك مع فريقها البحثي أيضاً فرضية أن البروتينات نفسها تغلف أغشية خلايا الأمعاء وتمنع امتصاص المواد السامة أو دخولها الجسم من البداية.

ثعابين (رويترز)

ووجد الباحثون أن فصيلة أخرى من الخنافس يطلق عليها اسم dogbane beetle قطعت شوطاً أطول في مقاومة المواد السامة في النباتات، حيث تقوم بتخزين هذه السموم في أجسامها وتفرزها على ظهرها كوسيلة للدفاع عن النفس عندما تستشعر الخطر.

أما بالنسبة للثعابين الملكية، فترى الباحثة ريبيكا تارفين أن السر في مقاومة السموم يكمن في أكبادها، حيث تفترض أن أكباد هذه الثعابين تفرز إنزيمات يمكنها تحويل السموم المميتة مواد غير ضارة، مثلما تتعامل أجسام البشر مع الكحوليات والنيكوتين على سبيل المثال. وتقول تارفين إن أكباد الثعابين تحتوي على أنواع من البروتينات التي تلتصق بالمادة السامة وتجعلها غير قابلة للالتحام مع الخلايا المستهدفة، بل وتقوم بمحوها مثلما تفعل قطعة «الإسفنج». وقد اكتشف علماء وجود هذه البروتينات «الإسفنج» داخل دماء بعض الضفادع السامة؛ ما يجعلها قادرة على مقاومة سموم مميتة مثل ساكسيتوكسين وألكالويد التي توجد في مصادر الغذاء الخاصة بها.

ويرى الباحثون أن بعض السناجب الأرضية في كاليفورنيا تستخدم الحيلة عينها للدفاع عن نفسها من سم الأفاعي الجرسية، حيث تحتوي دماء تلك السناجب على بروتينات تعطل مفعول هذه السموم، تماماً مثل البروتينات التي تستخدمها تلك الأفاعي نفسها لحماية ذاتها في حالة إذا ما تسربت السموم من الغدد السامة داخلها إلى أجسامها.

ويقول ماثيو هولدينغ، الباحث في مجال علوم الأحياء التطورية بجامعة ميشيغان الأميركية، إن السناجب الأرضية لديها مزيج من البروتينات في دمائها يتماشى مع السموم التي تفرزها الثعابين المحلية في المناطق التي تعيش فيها. وفي تصريحات لموقع Knowable Magazine، يقول هولدينغ إن تلك الدفاعات لا تكفل حصانة كاملة من السموم؛ لأن الثعابين - على حد قوله - تطور باستمرار أشكالاً جديدة من السموم تكون أكثر فاعلية للتغلب على فرائسها وخصومها، ويقول إن الأفعى الجرسية نفسها قد تموت إذا ما تم حقنها بكمية كافية من السم الذي تفرزه. ومن هذا المنطلق، فإن تجنب السموم هو حصن الدفاع الأول الذي تعتمد عليه المخلوقات بأنواعها للنجاة، وهو ما فعلته الثعابين الملكية قبل محاولة التهاب الضفادع السامة، وهو ما تفعله نفسه بعض السلاحف البحرية عندما تلتهم البطون والأجزاء الداخلية من أسماك السمندل وتترك ظهورها التي تحتوي على مواد سامة، بل إن يرقات بعض الحشرات التي لديها حصانة من سموم الغليكوسيدات في نبات الصقلاب تقوم باعتصار ساق النبات أولاً للتخلص من المواد السامة قبل التهامه.

ولعل الدرس المستفاد الذي اكتسبته الكائنات الحية بالغريزة كأول خطوة للنجاة عند التعامل مع السموم في بيئتها الطبيعية هو ألا تشرب السم.