سماء العاصمة السودانية الخرطوم تغطت أمس (الخميس) بما يشبه سحابة من «الغاز المدمع» متأتياً من قنابل أطلقتها الشرطة لتفريق آلاف المحتجين الذي عادوا إلى الشوارع بعد «هدنة رمضان» القصيرة التي توقفت خلالها الاحتجاجات المستمرة منذ نحو 6 أشهر، للمطالبة بالحكم المدني والثأر لقتلى وجرحى الثورة، وعودة العسكريين للثكنات.
وحاولت الأجهزة الأمنية تفريق المحتجين في نقطة التجمع الأولى «محطة باشدار»، بإطلاق الغاز المدمع بكثافة عليهم، بيد أن المنطقة شهدت حالة من «الكر والفر» بين الطرفين، استطاع خلالها «الثوار» تجميع أنفسهم مجدداً، والتوجه نحو القصر الرئاسي في الخرطوم، فيما تجمع متظاهرون آخرون في منطقة «المؤسسة» بمدينة الخرطوم بحري، وتجمع محتجو أم درمان في عدد من الشوارع الرئيسة، مستهدفين التجمع قرب مبنى البرلمان (المجلس الوطني).
وقالت المتظاهرة «س.ي»؛ إن احتجاجات أمس «ضربة بداية قاتلة» صوّبها «الثوار»، وأفشلت تكتيكات العسكر أثناء محاولاتهم فض الحشود قبل انطلاقها، بتنظيم «صندوق» من عدة اتجاهات، و«أعلنوها مدوية أن العسكر للثكنات والجنجويد ينحل». وتابعت: «هذا إعلان بأن شهر مايو (أيار) سيكون ناراً على كل الانقلابيين، والعودة مستحيلة».
وعاد المتظاهرون إلى الشوارع استجابة لدعوة وجّهتها لجان المقاومة السودانية في بيان، أول من أمس (الأربعاء)، معلنة أنهم سيخرجون إلى الشوارع «متحدين وموحدين» من أجل التغيير وبناء دولة المواطنة التي يسود فيها حكم القانون وتحكمها المؤسسات، وأكدت مجدداً لاءات الاحتجاجات: «لا مساومة، لا تسوية، لا شراكة»، بل إسقاط السلطة الحالية و«المضي نحو المستقبل».
وتولت «لجان المقاومة السودانية»، وهي تنظيمات شعبية في الأحياء والمدن، معظم عناصرها من الشابات والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة، قيادة الاحتجاجات منذ إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واعتبرتها انقلاباً عسكرياً على الحكومة المدنية، فيما يقول إنها إجراءات «تصحيحية».
ومرة أخرى، خاض المحتجون معركة «كسر عظم» مع القوات العسكرية عند منطقة «شروني» التي تبعد مئات الأمتار عن القصر الرئاسي، ولم يفلح القمع «المفرط» في تشتيتهم، والتكتيكات الجديدة التي استخدمتها قوات الأمن، بما في ذلك استخدام الخيول لمطاردتهم. وأفلح المحتجون في اختراق عدد من الحواجز الأمنية، ما اضطر أجهزة الأمن لتكثيف استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وقنابل الصوت، التي غطت سماء وسط العاصمة الخرطوم.
وقال كشة عبد السلام، والد عبد السلام، أحد شهداء ثورة ديسمبر (كانون الأول)، لـ«الشرق الأوسط»، عقب اشتراكه في موكب 5 مايو الحالي: «بدأ عيدنا اليوم، بعد أن ثبّط الصمت الذي اكتنف الشارع الثوري خلال شهر رمضان هممنا»، موضحاً أن «العودة القوية» للاحتجاجات أكدت «أن الشباب ما زالوا متمسكين بجمر ثورتهم، لإسقاط كل مخططات قوى خيانة الثورة والهبوط الناعم».
واستنكر كشة ما يتم تناقله عن العودة للتفاوض في «غرف مغلقة» بقيادة اللجنة الأممية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، إيغاد)، واعتبرها تجريباً للمجرب، بقوله: «إنهم يحاولون إعادة تجربة الوثيقة الدستورية الأولى التي أوردت الثورة موارد الهلاك». وأضاف: «الشوارع أكدت اليوم عودة الثورة، وتمسكها بلاءاتها الثلاث».
ولم تتوقف الاحتجاجات طوال أكثر من 6 أشهر، بقيادة لجان المقاومة السودانية، وواجهتها الأجهزة الأمنية والشرطية بعنف مفرط، ما أدى إلى مقتل 94 محتجاً وإصابة أكثر من 4 آلاف. وكذلك دونت حالات اغتصاب محتجات، فضلاً عن مئات المعتقلين.
وأخذت الاحتجاجات في رمضان الماضي أشكالاً تتناسب مع الصيام، تضمنت إفطارات جماعية عند أسر «الشهداء» إحياء لذكراهم، ومواكب ليلية داخل الأحياء. وفي ثاني أيام عيد الفطر خرجت عدة مواكب في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم، تصدت لها الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع.
تجدد «الكر والفر» و«سحابة الغاز» في شوارع الخرطوم
تجدد «الكر والفر» و«سحابة الغاز» في شوارع الخرطوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة