تجدد «الكر والفر» و«سحابة الغاز» في شوارع الخرطوم

متظاهر يحمل علم السودان في تحرك مطلع أبريل (نيسان) الماضي (أ.ب)
متظاهر يحمل علم السودان في تحرك مطلع أبريل (نيسان) الماضي (أ.ب)
TT

تجدد «الكر والفر» و«سحابة الغاز» في شوارع الخرطوم

متظاهر يحمل علم السودان في تحرك مطلع أبريل (نيسان) الماضي (أ.ب)
متظاهر يحمل علم السودان في تحرك مطلع أبريل (نيسان) الماضي (أ.ب)

سماء العاصمة السودانية الخرطوم تغطت أمس (الخميس) بما يشبه سحابة من «الغاز المدمع» متأتياً من قنابل أطلقتها الشرطة لتفريق آلاف المحتجين الذي عادوا إلى الشوارع بعد «هدنة رمضان» القصيرة التي توقفت خلالها الاحتجاجات المستمرة منذ نحو 6 أشهر، للمطالبة بالحكم المدني والثأر لقتلى وجرحى الثورة، وعودة العسكريين للثكنات.
وحاولت الأجهزة الأمنية تفريق المحتجين في نقطة التجمع الأولى «محطة باشدار»، بإطلاق الغاز المدمع بكثافة عليهم، بيد أن المنطقة شهدت حالة من «الكر والفر» بين الطرفين، استطاع خلالها «الثوار» تجميع أنفسهم مجدداً، والتوجه نحو القصر الرئاسي في الخرطوم، فيما تجمع متظاهرون آخرون في منطقة «المؤسسة» بمدينة الخرطوم بحري، وتجمع محتجو أم درمان في عدد من الشوارع الرئيسة، مستهدفين التجمع قرب مبنى البرلمان (المجلس الوطني).
وقالت المتظاهرة «س.ي»؛ إن احتجاجات أمس «ضربة بداية قاتلة» صوّبها «الثوار»، وأفشلت تكتيكات العسكر أثناء محاولاتهم فض الحشود قبل انطلاقها، بتنظيم «صندوق» من عدة اتجاهات، و«أعلنوها مدوية أن العسكر للثكنات والجنجويد ينحل». وتابعت: «هذا إعلان بأن شهر مايو (أيار) سيكون ناراً على كل الانقلابيين، والعودة مستحيلة».
وعاد المتظاهرون إلى الشوارع استجابة لدعوة وجّهتها لجان المقاومة السودانية في بيان، أول من أمس (الأربعاء)، معلنة أنهم سيخرجون إلى الشوارع «متحدين وموحدين» من أجل التغيير وبناء دولة المواطنة التي يسود فيها حكم القانون وتحكمها المؤسسات، وأكدت مجدداً لاءات الاحتجاجات: «لا مساومة، لا تسوية، لا شراكة»، بل إسقاط السلطة الحالية و«المضي نحو المستقبل».
وتولت «لجان المقاومة السودانية»، وهي تنظيمات شعبية في الأحياء والمدن، معظم عناصرها من الشابات والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة، قيادة الاحتجاجات منذ إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واعتبرتها انقلاباً عسكرياً على الحكومة المدنية، فيما يقول إنها إجراءات «تصحيحية».
ومرة أخرى، خاض المحتجون معركة «كسر عظم» مع القوات العسكرية عند منطقة «شروني» التي تبعد مئات الأمتار عن القصر الرئاسي، ولم يفلح القمع «المفرط» في تشتيتهم، والتكتيكات الجديدة التي استخدمتها قوات الأمن، بما في ذلك استخدام الخيول لمطاردتهم. وأفلح المحتجون في اختراق عدد من الحواجز الأمنية، ما اضطر أجهزة الأمن لتكثيف استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وقنابل الصوت، التي غطت سماء وسط العاصمة الخرطوم.
وقال كشة عبد السلام، والد عبد السلام، أحد شهداء ثورة ديسمبر (كانون الأول)، لـ«الشرق الأوسط»، عقب اشتراكه في موكب 5 مايو الحالي: «بدأ عيدنا اليوم، بعد أن ثبّط الصمت الذي اكتنف الشارع الثوري خلال شهر رمضان هممنا»، موضحاً أن «العودة القوية» للاحتجاجات أكدت «أن الشباب ما زالوا متمسكين بجمر ثورتهم، لإسقاط كل مخططات قوى خيانة الثورة والهبوط الناعم».
واستنكر كشة ما يتم تناقله عن العودة للتفاوض في «غرف مغلقة» بقيادة اللجنة الأممية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، إيغاد)، واعتبرها تجريباً للمجرب، بقوله: «إنهم يحاولون إعادة تجربة الوثيقة الدستورية الأولى التي أوردت الثورة موارد الهلاك». وأضاف: «الشوارع أكدت اليوم عودة الثورة، وتمسكها بلاءاتها الثلاث».
ولم تتوقف الاحتجاجات طوال أكثر من 6 أشهر، بقيادة لجان المقاومة السودانية، وواجهتها الأجهزة الأمنية والشرطية بعنف مفرط، ما أدى إلى مقتل 94 محتجاً وإصابة أكثر من 4 آلاف. وكذلك دونت حالات اغتصاب محتجات، فضلاً عن مئات المعتقلين.
وأخذت الاحتجاجات في رمضان الماضي أشكالاً تتناسب مع الصيام، تضمنت إفطارات جماعية عند أسر «الشهداء» إحياء لذكراهم، ومواكب ليلية داخل الأحياء. وفي ثاني أيام عيد الفطر خرجت عدة مواكب في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم، تصدت لها الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.