باريس تبحث في تعزيز «الشراكة الاستراتيجية» مع نيودلهي

TT

باريس تبحث في تعزيز «الشراكة الاستراتيجية» مع نيودلهي

كانت باريس، أمس، المحطة الثالثة والأخيرة لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي حل قبلها في برلين ثم في كوبنهاغن. وكان مودي أول مسؤول خارجي يزور العاصمة الفرنسية عقب إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون لولاية ثانية. وإذا كانت ألمانيا الشريك الاقتصادي الأول للهند؛ فإن فرنسا شريكها الاستراتيجي الثاني بعد روسيا، حيث إنها تُعدّ المورّد الثاني للأسلحة لنيودلهي التي باعتها 36 طائرة متعددة المهام من طراز «رافال» وست غواصات من طراز «سكوربين»، وتطمع في التعاقد معها على صفقتين إضافيتين؛ طائرات قتالية وغواصات من جهة، وبناء مفاعلات نووية سلمية من جهة أخرى. وبعد أن خسرت فرنسا، الصيف الماضي، صفقة الغواصات الكبرى لأستراليا لصالح صفقة أسترالية – أميركية، فإن باريس حولت أنظارها إلى الهند التي أخذت تعدها «الشريك الاستراتيجي»، وفق توصيف مصادر الإليزيه، أمس، في معرض تقديمها لزيارة مودي. وتطمح باريس إلى تعميق هذه الشراكة، خصوصاً أنها تعتبر أن ما يجمع البلدين هو «علاقة ثقة»، في انتقاد ضمني لأستراليا التي اعتبرتها فرنسا، عندما تراجعت عن عقد الغواصات، «ليست موضع ثقة، وأنها لا تحترم توقيعها». كذلك ترى باريس في نيودلهي طرفاً أساسياً في موضوع الأمن البحري في منطقة المحيطين الهندي - الهادي، حيث تُعدّ فرنسا دولة مشاطئة بفضل ممتلكاتها، وحيث تجمع الطرفين المخاوف من تمدد الصين. وبما أن باريس ومعها الدول الأوروبية الأخرى قد استبعدت عن التحالف الثلاثي الأميركي - البريطاني - الأسترالي، فإن العلاقة مع الهند اكتسبت أبعاداً إضافية.
بيد أن زيارة مودي إلى أوروبا تتم على وقع الحرب في أوكرانيا. ويريد الغربيون الذين تزايدت ضغوطهم الدبلوماسية على الحكومة الهندية، إبعادها عن روسيا ودفعها إلى أمرين: الأول إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا، ودفعها إلى المشاركة في حملة عزل روسيا سياسياً ودبلوماسياً. والثاني حملها على وقف مشترياتها من النفط الروسي بحيث لا تتحول الهند، كما الصين، بديلاً عن السوق الأوروبية لصادرات الطاقة الروسية. وفي هذا السياق، قامت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مؤخراً، بزيارة إلى نيودلهي لهذا الغرض، كذلك تمارس واشنطن ضغوطاً قوية على الطرف الهندي، وقد زار نيودلهي وزيرا الخارجية والدفاع لهذا الغرض. والحال أن نيودلهي، حتى اليوم، امتنعت عن إدانة روسيا، وعبَّر مودي عن هذا الموقف عقب لقائه المستشار الألماني في برلين، الاثنين الماضي، حيث دعا إلى وقف النار واعتبر أن «الحوار هو السبيل الوحيد لحل النزاع».
وفي الأمم المتحدة، أحجمت الهند عن المشاركة في عمليات التصويت لإدانة روسيا، وسعت دوما لالتزام موقف «متوازن»، ما بين الغرب وروسيا، مصدرها الأول من السلاح والطاقة. وتشغل الهند مقعداً غير دائم «حتى نهاية العام الحالي»، في مجلس الأمن الدولي، كما أنها سترأس «مجموعة العشرين» للعام المقبل، بعد تسلمها من إندونيسيا.
وفي باريس، التي يزورها للمرة الثالثة منذ وصول ماكرون إلى السلطة، سيلتقي مودي الرئيس الفرنسي، في جلسة محادثات ثنائية، يتبعها عشاء عمل، ستكون أوكرانيا الملف الأول المطروح على طاولة المحادثات. وقال قصر الإليزيه، قبيل ظهر أمس، إن غرض باريس هو «مواصلة الحوار مع نيودلهي من أجل التشديد على تبعات الحرب على أوكرانيا على النظام الدولي, بحيث يتخطى أوروبا وصولاً إلى مناطق آسيا».
وتضيف المصادر الرئاسية أن باريس «تسعى إلى أن تساعد الجانب الهندي على تنويع مصادره من الطاقة»، بحيث «لا تكون الهند في طريق مسدود، وإنما سنقترح عليهم حلولاً». والمقصود بذلك ليس إيجاد مصادر نفط وغاز بديلة، بل مساعدة الهند على إنشاء محطات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية. وفي بيان أصدره قبل وصوله إلى أوروبا، أعلن مودي أنه يسعى إلى «تعزيز روح التعاون مع الشركاء الأوروبيين، وهم شركاء رئيسيون للهند في سعيها إلى السلم والازدهار». ودارت محادثاته مع ماكرون على المسائل الدولية والإقليمية والتعاون الثنائي. وذكرت مصادر الإليزيه أن الزيارة «لن تشهد توقيع عقود جديدة». وبشكل عام، فإن باريس تريد «مساعدة الهند لتعزيز استقلاليتها الاستراتيجية وتمكينها من اتخاذ القرارات المستقلة»، في المجالات التي يتعاون فيها الطرفان.
تريد باريس، في الملف الثنائي، وفق الإليزيه، «تعميق علاقاتها الاستراتيجية» مع الهند. ويعني ذلك عملياً تواصل العمل حول أربع ملفات رئيسية، هي النووي المدني والدفاع (طائرات «رافال» وغواصات) والفضاء، إضافة إلى ملف رئيسي يرتبط بتبعات الحرب في أوكرانيا، وهو الأمن الغذائي. وفيما تُعدّ الهند ثاني أكبر «منتج» لثاني أكسيد الكربون، المسبِّب للاحتباس الحراري، وهي تسعى للحياد الكربوني، في عام 2060. فإن طموح فرنسا أن تلعب دوراً رئيسياً في مواكبتها. ووصفت مصادر الإليزيه العلاقة التي تربط ماكرون بـمودي بأنها «حارة جداً». وفي الملف الدفاعي، تراهن باريس على سياسة نقل التكنولوجيا إلى الهند، وترى مصادر صناعية فرنسية أن الاستحواذ على عرض دفاعي هندي إضافي سيعني أن كثيراً منه سينتج في المصانع الهندية نفسها. وما تترقبه باريس أن تطرح الهند طلباً للحصول على طائرات قتالية إضافية. وأمس، رفضت مصادر الإليزيه الدخول في تفاصيل المفاوضات القائمة حالياً بين الطرفين، كذلك رفضت الخوض بعيداً في موضوع حقوق الإنسان والانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون في الهند و«صمت» رئيس وزرائها، الذي ينتمي إلى اليمين المتشدد.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.