الأقمار الصناعية تكشف تغييرا بدورة المياه على الأرض

الأقمار الصناعية تكشف تغييرا بدورة المياه على الأرض
TT

الأقمار الصناعية تكشف تغييرا بدورة المياه على الأرض

الأقمار الصناعية تكشف تغييرا بدورة المياه على الأرض

يتسبب تغير المناخ في إبعاد دورة المياه على الأرض بشدة. ووفقًا لبيانات الأقمار الصناعية الجديدة فإن المياه العذبة تزداد نقاوة والمياه المالحة تزداد ملوحة بمعدل سريع بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم. وإذا استمر هذا النمط فسيؤدي لزيادة العواصف المطيرة، وذلك وفق دراسة جديدة نشرت بمجلة «scientific Reports».
وتشير النتائج إلى تسارع شديد في دورة المياه العالمية (علامة لم يتم ملاحظتها بوضوح في قياسات الملوحة المباشرة من عوامات المحيط) والتي تقيس عادةً أقل قليلاً من سطح المحيط. ومع ذلك، يتم توقعه بشكل شائع في النماذج المناخية.
ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يتوقع علماء المناخ أن يكون هناك تبخر أكبر على سطح المحيط، ما يجعل الطبقة العليا من البحر أكثر ملوحة ويضيف الرطوبة إلى الغلاف الجوي، وذلك حسبما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص. وسيؤدي هذا بدوره إلى زيادة هطول الأمطار في أجزاء أخرى من العالم، ما يؤدي لتمييع بعض المسطحات المائية لجعلها أقل ملوحة.
ويمكن وصف النمط بشكل أساسي بأنه «رطب - رطب - جاف - يصبح أكثر جفافاً»؛ وهو سبب حقيقي للقلق. فإذا تسارعت دورة المياه مع الاحتباس الحراري قد يكون لها تأثيرات عميقة على المجتمع الحديث، ما يؤدي لجفاف ونقص المياه، فضلاً عن زيادة العواصف والفيضانات. وربما يكون قد بدأ في تسريع ذوبان الجليد حيث يتزايد هطول الأمطار في المناطق القطبية.
من جانبه، يوضح عالم الرياضيات بمعهد برشلونة للعلوم البحرية إستريلا أولميدو أن «هذه الكمية العالية من المياه المتداولة في الغلاف الجوي يمكن أن تفسر أيضًا الزيادة في هطول الأمطار التي يتم رصدها في بعض المناطق القطبية، حيث تؤدي حقيقة هطول الأمطار بدلاً من الثلج إلى تسريع الذوبان».
ففي القطبين الشمالي والجنوبي الأقصى من كوكبنا، هناك عدد أقل من عوامات المحيطات التي تقيس ملوحة السطح مباشرة. وأن تحليل القمر الصناعي الجديد هو أول تحليل يقدم منظورًا عالميًا حول هذه المسألة.
بدوره، يشرح الفيزيائي أنطونيو توريل من معهد العلوم في ديل مار بإسبانيا «عندما لا تكون الرياح قوية جدًا ترتفع درجة حرارة المياه السطحية، ولكنها لا تتبادل الحرارة مع الماء الموجود في الأسفل، ما يسمح للسطح بأن يصبح أكثر ملوحة من الطبقات السفلية ويمكّن من ملاحظة تأثير التبخر من خلال قياسات الأقمار الصناعية. إذ ان الرمز (T) يخبرنا أن الغلاف الجوي والمحيط يتفاعلان بطريقة أقوى مما نتخيل، مع عواقب مهمة على المناطق القارية والقطبية». بينما تتنبأ النماذج المناخية الحديثة بأن مقابل كل درجة مئوية من الاحترار، يمكن أن تشتد دورة مياه الأرض بنسبة تصل إلى 7 في المائة.
من الناحية العملية، هذا يعني أن المناطق الرطبة يمكن أن تنمو بنسبة 7 في المائة أما المناطق الرطبة والجافة فبنسبة 7 في المائة بالمتوسط. وان بيانات الأقمار الصناعية العالمية تدعم الآن تلك التنبؤات؛ ففي المناطق الاستوائية وخط العرض المتوسط وجد الباحثون اختلافات كبيرة بين قياسات العوامات للملوحة وقياسات الملوحة بالأقمار الصناعية.
وقد أظهرت القياسات الأخيرة بشكل أوضح «تغيرات في دورة مياه الأرض.على وجه التحديد في المحيط الهادئ، حيث رأينا أن ملوحة السطح تتناقص بشكل أبطأ من الملوحة الجوفية، وفي هذه المنطقة نفسها، لاحظنا زيادة في درجة حرارة سطح البحر وانخفاضا بشدة الرياح وعمق طبقة الاختلاط»، وفق أولميدو.
من جانبهم، يجادل الباحثون بأن نماذج المحيطات المستقبلية يجب أن تتضمن بيانات ملوحة الأقمار الصناعية؛ حيث يبدو أنها وكيل صادق للتدفقات العالمية في التبخر والتساقط. وأن الطريقة الوحيدة لضمان عدم اشتداد موجات الحر والجفاف والعواصف في المستقبل هي الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري (لا يزال بإمكان البشرية فعل الكثير).
ويقدر أحدث تقرير صادر عن اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ، أنه إذا تمكنا من الحفاظ على الاحتباس الحراري عند درجتين مئويتين، فستكون أحداث الطقس المتطرفة أقوى بنسبة 14 في المائة مما كانت عليه في بداية الثورة الصناعية. وهذا قدر مقلق من التغيير. ففي عام 2021، حذرت الأمم المتحدة من أن العقود القادمة ستجلب على الأرجح سلسلة من موجات الجفاف الكارثية. وعندما يعاني ربع سكان العالم تقريبًا من نقص في المياه، فقد تكون العواقب وخيمة.


مقالات ذات صلة

آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

شمال افريقيا أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)

آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

خرج الآلاف من أهالي مدينة قابس، جنوبي تونس، الأربعاء، في مسيرة جديدة تطالب بتفكيك مجمع للصناعات الكيميائية، بسبب التلوث البيئي.

«الشرق الأوسط» (تونس)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي غزة أصبحت أنقاضاً وركاماً بسبب الحرب (أ.ب) play-circle

تلال القمامة وتسرب الصرف الصحي حلقة جديدة في سلسلة المآسي بغزة

لم تقتصر تبعات الحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة في غزة على الأنقاض في كل مكان، إذ جاءت أكوام النفايات لتشارك في مشهد الدمار برائحتها الكريهة والذباب الكثيف.

«الشرق الأوسط» (غزة)
بيئة ماشية تسير على طول منطقة تمت إزالة الغابات منها بشكل غير قانوني في محمية بالقرب من جاسي بارانا بولاية روندونيا في البرازيل 12 يوليو 2023 (أ.ب)

الإنتربول يعلن عن حملة عالمية جديدة لمكافحة الإزالة غير القانونية للغابات

أعلن الإنتربول وشركاؤه، اليوم (الأربعاء)، عن إطلاق حملة إنفاذ قانون عالمية تهدف إلى تفكيك الشبكات الإجرامية التي تقف وراء قطع الأشجار غير القانوني.

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)
يوميات الشرق الباحثون حدّدوا أكثر من 95 سلالة بكتيرية طورت مقاومة للمضادات الحيوية تعيش على أعقاب السجائر (رويترز)

دراسة: أعقاب السجائر تُغذي نمو «البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية»

حذّر علماء من أن أعقاب السجائر المُهملة قد تُسهم في ظهور مقاومة للمضادات الحيوية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)
جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)
TT

السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)
جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

حضرت السينما وصناعتها بشكل لافت في معرض جدة للكتاب، إذ لم يعد هذا الحدث مجرّد مساحة للعرض والاقتناء، بل بلغ مرحلة نضجه الثقافي، حين تحوَّل إلى منصة تلتقي فيها الحكاية الورقية بالصورة، ويمدّ فيها الأدب يده إلى مختلف مسارات الحياة، بما فيها السينما، من دون حواجز داخل أروقة معرض هذا العام.

فيلم «نورة» حاضر في معرض جدة الثقافي (الشرق الأوسط)

ولم يعد سؤال صنّاع السينما يدور حول عدد العناوين، بل حول أيّ الروايات تصلح لأن تُروى على الشاشة، وأيّ القصص تمتلك ما يكفي من العمق لتغادر الصفحة إلى الضوء. ويبدو أنّ المعرض أشبع شهية الباحثين عن الصناعة أو المتعة، من خلال ما يُعرض داخل صالاته من أفلام سعودية خالصة.

وضمن هذا السياق، شهد معرض جدة للكتاب 2025 توقيع اتفاقية بين المخرج والمنتج أسامة الخريجي، والروائي سالم الصقور، لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى عمل سينمائي، في خطوة تعكس اتساع اهتمام المنتجين والمخرجين بالاشتغال على السرد الأدبي السعودي، والبحث عن نصوص قادرة على العبور إلى لغة الصورة.

جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

وتأتي هذه الاتفاقية ضمن توجّه أوسع يشهده المعرض هذا العام، يقوم على تعزيز التكامل بين الأدب والسينما، وتقديم السرد المحلّي عبر وسائط متعدّدة، بما يواكب التحوّلات التي يشهدها المشهد الثقافي والفنّي في المملكة، ويعكس نضج العلاقة بين الكاتب وصانع الصورة، وذلك في إطار سعي هيئة الأدب والنشر والترجمة إلى دعم الأفلام السعودية بأشكال مختلفة.

ومن المُنتظر أن يخضع المشروع خلال المرحلة المقبلة لعمليات التطوير والمعالجة والكتابة السينمائية، تمهيداً للانتقال إلى مراحل الإنتاج اللاحقة.

وقال الروائي سالم الصقور لـ«الشرق الأوسط» إنّ روايته «القبيلة التي تضحك ليلاً»، الصادرة مطلع عام 2024، تُمثّل تجربته الروائية الأولى، مشيراً إلى أنّ وصولها إلى السينما جاء عبر مسار لم يكن مُخطَّطاً له مسبقاً، بل تشكَّل نتيجة تقاطع الاهتمام والقراءة الجادّة للنص.

وأوضح أنّ المخرج والمنتج أسامة الخريجي اطّلع على الرواية قبل نحو 8 أشهر، من دون معرفة شخصية سابقة بين الطرفين، وأنه تواصل معه بعد قراءة العمل، وبدأت منذ ذلك الحين سلسلة من اللقاءات والنقاشات حول إمكان تحويل الرواية إلى فيلم، انتهت بتوقيع الاتفاقية أخيراً في معرض جدة للكتاب.

ندوة حول السينما وتأثيرها (الشرق الأوسط)

وبيَّن الصقور أنّ الرواية تدور أحداثها في يوم واحد فقط، تبدأ في مستشفى، حيث ينتظر بطل العمل مولوده الأول بعد 15 عاماً من محاولات الإنجاب، ليواجه صدمة ولادة طفل يعاني مشكلات صحية حرجة تتعلَّق بعدم اكتمال نمو بعض أعضائه. وخلال 24 ساعة، يخوض الأب صراعاً إنسانياً لإنقاذ ابنه، بينما تستعيد الرواية، عبر تقنية الاسترجاع، سنوات الانتظار الطويلة وما رافقها من ضغوط اجتماعية داخل مجتمع قبلي يتدخّل في خصوصيات الأفراد وحيواتهم الشخصية.

وأشار إلى أنّ تجربته مع السينما كانت محدودة، بوصفه مشاهداً فقط، مؤكداً أنّ النقاشات مع الخريجي أسهمت في توضيح آليات التحويل السينمائي، ومنها مفهوم «التحويل الحرّ»، الذي يتيح إعادة بناء العمل بصرياً من خلال إضافة أو حذف شخصيات وأحداث، مع الحفاظ على جوهر النصّ وروحه الإنسانية.

ندوة ناقشت الموسيقى التصويرية في معرض جدة للكتاب (الشرق الأوسط)

وأضاف أنّ ما طمأنه للمُضي في هذه التجربة هو وعي المخرج بالنصّ، وقدرته على التعامل معه على مستويات متعدّدة، مشيراً إلى أنّ الفهم العميق للرواية شكَّل عنصر الثقة الأساس في تحويلها إلى عمل سينمائي. وأكّد أن الجدول الزمني للمشروع بدأ مع توقيع الاتفاق الذي ينصّ على معالجة الرواية سينمائياً، إيذاناً بدخولها حيّز التنفيذ خلال المرحلة المقبلة.

منطقة مخصَّصة للأطفال تضم أكثر من 40 فعالية متنوّعة تُعزّز حبّ القراءة (الشرق الأوسط)

ولا يزال البحث جارياً عن أعمال يمكن تحويلها إلى أفلام سينمائية، وقد يشهد المعرض في أيامه الأخيرة الإعلان عن مزيد من الاتفاقات المشابهة، لا سيما أنّ نسخته الحالية ركّزت بشكل كبير على هذا الجانب في دعم الكتّاب السعوديين؛ إذ شهد مناقشات متعدّدة حول السينما وآليات التعامل معها، من بينها ندوات ناقشت توليد الأفكار الإبداعية في السينما، ومنها فعالية «استلهام الأفكار الإبداعية في السينما»، التي نظّمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، وتحدَّث فيها الدكتور مسفر الموسى، مُتناولاً مسار الفكرة من هاجس فردي إلى مشروع سينمائي متكامل، ودور البيئة الثقافية في احتضان الاختلاف وتشجيع التفكير الخلّاق.

وأشار الموسى إلى التحوّل الذي شهدته صناعة السينما في المملكة، من الجهد الفردي إلى العمل المؤسّسي، خصوصاً بعد إنشاء هيئة الأفلام عام 2018، موضحاً أنها تستهدف إنتاج 100 فيلم سينمائي طويل بحلول عام 2030، بما يُسهم في ترسيخ حضور السينما السعودية إقليمياً وعالمياً. كما تطرَّق إلى محدودية النصوص السينمائية المُستَمدّة من المنجز الروائي المحلّي، مشيراً إلى أنّ بعض الروائيين لا يزالون مُتحفّظين إزاء تحويل أعمالهم إلى أفلام.

حظيت دور النشر المُشاركة باهتمام لافت من الزائرين (الشرق الأوسط)

وفي امتداد لهذا التداخل بين الأدب والسينما، شهد المعرض عرض الفيلم السعودي «نورة» ضمن برنامجه السينمائي، بالتعاون بين هيئة الأدب والنشر والترجمة وهيئة الأفلام. وهو يأتي بوصفه عملاً روائياً طويلاً يشتغل على الحكاية الإنسانية بهدوء وتأمّل، بعيداً عن المباشرة؛ من كتابة توفيق الزايدي وإخراجه، وبطولة يعقوب الفرحان، وماريا بحراوي، وعبد الله السدحان.

يواصل المعرض استقبال زوّاره وتقديم برامجه الثقافية والمعرفية المتنوّعة (الشرق الأوسط)

ومع هذه الاتفاقات والحضور اللافت، يخرج معرض جدة للكتاب هذا العام من إطار الحدث الثقافي التقليدي، ليُقدّم نفسه مساحة تفاعلية نضجت فيها العلاقة بين الأدب والسينما، وبين الكاتب والمتلقّي، وبدأت الأفكار المطروحة تتحوَّل إلى شراكات فعلية تؤكّد أنّ الحكاية السعودية باتت قادرة على أن تُقرأ... وتُشاهَد.


المخرج المصري أبو بكر شوقي: أبحث عن عوالم جديدة في أفلامي

المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
TT

المخرج المصري أبو بكر شوقي: أبحث عن عوالم جديدة في أفلامي

المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)
المخرج المصري أبو بكر شوقي (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

قال المخرج المصري، أبو بكر شوقي، إنه يبحث دوماً عن الأفلام التي تدخله عوالم جديدة، كما في فيلميه السابقين «يوم الدين» و«هجان»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن عالم المراسلات قد استهواه في أحدث أفلامه «القصص» الذى انطلق من قصة لقاء والديه عبر الخطابات البريدية.

وأشار شوقي إلى أنه لا يهتم بالسياسة، ولا يتخذ موقفاً من أحداثها خلال الفيلم، لكنها جاءت ضمن السياق التاريخي للفترة الزمنية التي تدور بها أحداثه، معبراً عن سعادته بعرض الفيلم بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، وبردود الفعل التي تلقاها من الجمهور.

وشارك فيلم «القصص» بمسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الخامسة، ولاقى اهتماماً لافتاً؛ حيث نفدت تذاكره مبكراً في جميع عروضه، وهو من بطولة نيللي كريم، وأمير المصري، وأحمد كمال، والممثلة النمساوية فاليري باشنر، ويشارك الفيلم في مسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان قرطاج السينمائي، يومي 18 و19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

لقطة من فيلم «القصص» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

وأبدى المخرج المصري سعادته بمشاركته بمهرجان البحر الأحمر للعام الثالث على التوالي، حسبما يقول: «في العام قبل الماضي كنت مشاركاً بالفيلم السعودي (هجان)، وفي الدورة الماضية كنت عضواً بلجنة التحكيم، وهذا العام شاركت بفيلم (القصص)، وسعدت برد فعل الجمهور، فشرف لأي مخرج أن يجد فرصة لعرض فيلمه أمام هذا الجمهور المحب للسينما بالمملكة، وشعرت من ردود الفعل أن الجمهور الذي حضر الفيلم أحبه لأنه ذكرهم بزمن مختلف».

وعن تأثره بقصة لقاء والده المصري ووالدته النمساوية يقول شوقي: «الموضوع بدأ برغبتي في كتابة قصتهما ولقائهما في أثناء فترة السبعينات، وقد انطلق من واقعة حقيقية ليصبح مزيجاً بين الواقع والخيال، فبطل الفيلم عازف بيانو وبطلته كاتبة، وهما ليستا وظيفتي أبي وأمي، لقد أضفت لهما وقائع من خيالي وأخرى حدثت بالفعل؛ لذا قمنا بتغيير عنوانه من (صيف 67) إلى (القصص) لأنه مزيج من القصص التي نِشأت عليها في طفولتي من خلال حكايات أسرتي وهم بارعون في حكي القصص، ومع تكرار الحكي تكبر القصص، ويدخل فيها الخيال بشكل أكبر».

وظهر والدا شوقي بأحد مشاهد الفيلم، ولم يلاحظهما أحد، فقد قدمهما في مشهد خاطف يقول عنه: «لقد ظهرا في مشهد صغير صُوِّر بفيينا، هو مشهد صغير وسريع، رأيته نوعاً من التحية لهما، فقد ألهماني القصة».

تبقى السياسة حاضرة في الفيلم عبر خطب الزعيم جمال عبد الناصر وهزيمة 1967، ثم فترة حكم السادات بما شهدتها من أحداث مهمة مثل نصر أكتوبر (تشرين الأول) والانفتاح الاقتصادي ومقتل الرئيس الأسبق، فهل أراد المخرج محاكمة رموز السياسة بالفيلم؟ ينفي شوقي ذلك الأمر قائلاً: «لست مهتماً بالسياسة مثلي في ذلك مثل أحد أبطال الفيلم الذي يقول (السياسة لا تخصنا)، أنا أيضاً لا أهتم بها، لكنني تناولتها ضمن السياق التاريخي للفيلم؛ إذ تُعد خلفية للقصص التي نرويها، من خلال العائلة التي تحاول التعايش مع الواقع بكل صخبه وأزماته وأفراحه وأحزانه».

المخرج أبو بكر شوقي تحدث عن فيلمه «القصص» (الشرق الأوسط)

واستعاد أبو بكر شوقي عبر فيلمه تفاصيل صغيرة لم تغب عنه رغم تنقله في إقامته بين مصر والنمسا، وقد اعتاد أن يكتب أفلامه بنفسه، ويقول عن هذه التفاصيل: «هي أشياء تربيت عليها، أتذكرها منذ طفولتي، فقد عشت معظم سنوات حياتي في مصر، وحين كبرت عشت بالنمسا بحكم أن جزءاً من عائلتي بها، وأتذكر جيداً أن جهاز التلفزيون كان مفتوحاً طوال الوقت، وأن أغنية (وطني حبيبي الوطن الأكبر) كانت تعرض به مرات عديدة على مدى 24 ساعة، لم أكن وُلدت حين ظهرت، لكنها كانت تُعرض كثيراً في سنوات طفولتي».

وشَكلت الموسيقى والأغاني عنصراً أساسياً بالفيلم لتعكس زمنه في كل مشهد، وعَد شوقي الفيلم «رسالة حب للميلودراما المصرية فترة الستينات، حيث كانت الموسيقى عالية والتمثيل كبير والتيمات مختلفة»، مؤكداً أن الأغاني التي شكلت جزءاً من حياة الناس في تلك الفترة كانت أساسية بالفيلم.

وكشف شوقي عن أنه بدأ العمل على كتابة الفيلم خلال جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت في تعطيل إنتاج الفيلم مدة طويلة، مشيراً إلى أنه كان قد بدأ الكتابة قبلها، وسعى للبحث عن تمويل للفيلمـ، ويوضح: «خلال تلك الفترة حصلنا على دعم مؤسسة البحر الأحمر، والفيلم إنتاج مشترك بين مصر والنمسا وفرنسا والسويد، وأشكر كل الجهات على مساندة الفيلم؛ لأنه فيلم كبير يتضمن شخصيات عديدة، ومقسم لخمسة فصول، وأحداثه تدور خلال فترة زمنية طويلة، لكن تصوير الفيلم استغرق 34 يوماً فقط بين مصر والنمسا».

قاد أبو بكر شوقي ممثليه من المصريين والنمساويين ببراعة، ووضعهم في أدوار مغايرة، فظهرت نيللي كريم في دور أم لثلاثة شبان، وقدم أمير المصري دوراً جديداً عبر مراحل سنية مختلفة، ويقول المخرج: «لقد كنت محظوظاً بهذا الفريق الكبير المتناغم من الممثلين وبقية فريق العمل، والفنانون النمساويون محترفون، ويتمتعون بشهرة في النمسا، وسعدت بالعمل مع أمير المصري، كما أن نيللي كريم أدت دورها ببراعة وهي ممثلة محترفة، وتعرف مدى التحدي الذي يواجهه الممثل في تقديم شخصيات متباينة».

مع كل فيلم يكتبه، يبحث شوقي عن تحدٍ جديد يطرق من خلاله أبواباً لم يألفها، مثلما يقول: «أبحث دائماً عن الدخول في عوالم جديدة، فأول أفلامي (يوم الدين) تناول مستعمرة مرضى الجذام، وكان ذلك أمراً جديداً وملهماً، وثاني أفلامي (هجان) تطرق لعالم سباق الهجن، ولم أكن أعرف عنه الكثير، وفي (القصص) استهوتني فكرة الخطابات بين المحبين التي لم يعد لها وجود، وشكل المراسلات في الستينات والسبعينات».


أشعة الليزر تعيد الحياة لعمود ماركوس أوريليوس في روما

النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)
النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)
TT

أشعة الليزر تعيد الحياة لعمود ماركوس أوريليوس في روما

النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)
النقوش البارزة التي تصور مشاهد من معركة على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)

ظل عمود ماركوس أوريليوس في وسط روما القديمة قائماً متحدياً الزمن منذ تشييده منذ 1840 عاماً، غير أن العمر الطويل كانت له آثار سلبية على العمود المصنوع من الرخام، حيث عانى من آثار التلوث والتغيرات الجوية ودخول المياه لأجزائه. لكن العمود الشهير بنقوشه الحلزونية الملتفة على كامل العمود دخل في مرحلة من الترميم الدقيق يستخدم فيها المرممون أشعة الليزر الدقيقة لتنظيفه تماماً كما يستخدم جراحو التجميل الليزر لإزالة التجاعيد.

وخلال عملية الترميم الجارية حالياً سُمح للصحافة بالتقاط تفاصيل العمل عن قرب، حيث يقوم المرممون بإزالة طبقاتٍ من الأوساخ المتراكمة على مدى عقود من الزمن عن أحد أهم معالم المدينة التاريخية.

منظر عام لموقع ترميم عمود ماركوس أوريليوس الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي في وسط روما (أ.ب)

تُركز أجهزة الليزر المحمولة أشعةً ضوئيةً متذبذبةً على الحجر، فتُزيل الحرارة الناتجة عنها رواسب التلوث السوداء لتكشف عن رخام كرارا الأبيض تحته. تقول مارتا بومغارتنر، كبيرة مهندسي المشروع لـ«رويترز»: «إنه نفس مبدأ الطبيب في إزالة الشعر أو الجلد الزائد. تُحقق تقنية الليزر نتائج ممتازة في الترميم، وقد اخترنا استخدامها على كامل الواجهة الخارجية للعمود».

نحتت هذه النقوش الحلزونية حوالي عام 180 ميلادي، وتلتف 23 مرة حول العمود، لتصل إلى ارتفاع يقارب 40 متراً (130 قدماً)، وتصور أكثر من 2000 شخصية، من بينها آلهة وجنود ووحوش. ويظهر أوريليوس نفسه في عدة مواضع، حيث تُقدم النقوش معلومات قيّمة للباحثين عن هذه الحقبة من التاريخ الروماني. وتظهر النقوش حرص الفنانين القدماء على تصوير تفاصيل الحرب المروعة. فبينما يلتف النقش البارز للأعلى، يصوّر جنوداً يسحبون نساءً مع أطفالهن من شعورهن. وتتناثر جثث الأعداء المقطوعة الرؤوس على الأرض، وتثور الخيول في لهيب المعركة، ويبدو أسرى الحرب مرعوبين وأعناقهم موثقة.

نقش بارز يُعرف باسم «معجزة المطر» على عمود ماركوس أوريليوس (أ.ب)

بدأت أعمال الترميم في مارس (آذار)، ومن المقرر أن تنتهي مطلع العام المقبل بتكلفة مليوني يورو (2.3 مليون دولار أميركي)، وهي الأموال التي جُمعت من قروض ومنح ميسرة قدمها الاتحاد الأوروبي لإيطاليا لمساعدتها على التعافي من جائحة «كوفيد - 19»، وقالت بومغارتنر: «لقد تلقينا هذا التمويل الكبير، لذا كانت فرصة لا تُفوَّت».

ونقلت «أسوشييتد برس» جانباً من عملية الترميم التي شملت لجانب استخدام أشعة الليزر النبضية القصيرة لأول مرة، استخدام فريق المرممين مواد كيميائية، وإسفنجاً، وراتنجاً لإزالة الأوساخ المتراكمة من الضباب الدخاني في العاصمة الإيطالية، وسدّ الثقوب التي خلّفها تجمد الماء في الطقس البارد وتمدده داخل النصب التذكاري. كما عانى النصب من التآكل الذي طمس بعض وجوه الشخصيات المنقوشة.

نقش بارز يصور مشهد معركة على عمود ماركوس أوريليوس الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي في وسط روما (أ.ب)

توفر السقالات المربعة العريضة المحيطة بالعمود المساحة اللازمة للمرممين للعمل براحة. إذ يمكنهم التراجع خطوةً إلى الوراء والتأمل في التماثيل التي تتزايد أحجامها تدريجياً كلما ارتفعنا على العمود، وهي تقنية تهدف إلى جعلها أكثر وضوحاً من الأرض. يقول فالنتين نيتو، أحد المرممين العاملين في المشروع: «كانت هذه طريقةً لجعل الناظر يقرأ القصة بنفسه. إنها تجذب المشاهد حقاً، فيرى المشهد تلو الآخر، بكل تفاصيله الرائعة».

أجرى البابا سيكستوس الخامس أول عملية ترميم في أواخر القرن السادس عشر، حيث استبدل تمثال أوريليوس الأصلي في الأعلى بتمثال القديس بولس، الذي لا يزال موجوداً هناك حتى اليوم. أُجريت آخر عملية تنظيف في ثمانينات القرن الماضي، لكن مع مرور الوقت وعوامل التعرية، يستمر التلف، حيث يجد المرممون مناطق بدأ الرخام فيها بالانفصال، مما يستدعي تثبيتاً سريعاً، وأضاف بومغارتنر: «نأمل ألا تحدث مفاجآت في المستقبل. سيتم الآن مراقبته باستمرار، وسنتمكن من التدخل عند الحاجة».