كيري يدعو الصين لحل أزمة الجُزر مع جيرانها دبلوماسيًا

بكين تقول إنها ماضية في مشاريعها في المناطق المتنازع عليها بـ«عزم قوي كالصخر»

كيري ووانغ يتحدثان خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماعهما في بكين أمس (أ.ب)
كيري ووانغ يتحدثان خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماعهما في بكين أمس (أ.ب)
TT

كيري يدعو الصين لحل أزمة الجُزر مع جيرانها دبلوماسيًا

كيري ووانغ يتحدثان خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماعهما في بكين أمس (أ.ب)
كيري ووانغ يتحدثان خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماعهما في بكين أمس (أ.ب)

برز الخلاف مجددًا بين الولايات المتحدة والصين، أمس، بشأن السيادة جزر في بحر الصين الجنوبي. فقد أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي على أحقية بلاده في استصلاح الأراضي في المنطقة، قائلا إن عزمها على حماية مصالحها «قوي كالصخرة».
وبعد جلسة خاصة مع نظيره الأميركي جون كيري، لم يظهر وانغ إشارة على التراجع، رغم حث كيري للصين على اتخاذ إجراءات لتخفيف التوتر في بحر الصين الجنوبي. وقال وانغ للصحافيين: «بالنسبة للبناء على جزر نانشا، فإنه يقع تماما في نطاق سيادة الصين»، مستخدما الاسم الصيني لجزر سبراتلي.
وأضاف: «أود التأكيد مجددا على أن عزم الصين على حماية سيادة وسلامة أراضيها قوي كالصخرة. إنه مطلب شعبي من الحكومة وحقنا المشروع».
وأدلى وانغ بهذه التصريحات في مؤتمر صحافي مشترك مع كيري الذي يقوم بزيارة تستمر يومين للصين هيمنت عليها المخاوف الأمنية العميقة إزاء طموحات الصين في بحر الصين الجنوبي.
وتطالب الصين بأحقيتها في السيادة على نحو 90 في المائة من البحر الذي يغطي مساحة 3.5 مليون كيلومتر مربع. وتطالب كل من الفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي وفيتنام بأحقيتها في السيادة على أجزاء فيه. وجهود الصين السريعة لاستصلاح الأراضي في أرخبيل سبراتلي ببحر الصين الجنوبي تزعج المطالبين بأحقيتهم في أجزاء من البحر، مثل الفلبين وفيتنام.
وعبر كيري عن قلق الولايات المتحدة إزاء وتيرة ونطاق استصلاح الأراضي الذي تقوم به بكين في المنطقة المتنازع عليها. وقال: «دعوت الصين من خلال وزير الخارجية وانغ إلى اتخاذ إجراءات تشرك الجميع في المساعدة على تخفيف التوترات وتحسين فرص التوصل إلى حل دبلوماسي».
وأضاف أنه يعتقد هو ووانغ أن المنطقة بحاجة إلى «دبلوماسية ذكية» لوضع مدونة سلوك بين رابطة دول جنوب شرقي آسيا والصين «وليس مواقع ومطارات عسكرية»، في إشارة واضحة إلى مطارات تعتقد الولايات المتحدة أن الصين تبنيها في الأراضي التي استصلحتها.
وتدرس وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إرسال سفن عسكرية وطائرات مراقبة إلى مسافة أقل من 12 ميلا بحريا (22 كيلومترا) من هذه الجزر الصغيرة الاصطناعية التي تعمد الصين إلى بنائها بشكل متسارع منذ سنة، وهي المسافة التي تعتبر ضمن المياه الإقليمية لأي جزر طبيعية. وفي حال حصلت، خطط البنتاغون لموافقة الرئيس باراك أوباما، الذي سيستقبل بعد أشهر نظيره الصيني تشي جينبينغ في زيارة دولة تشكل محورا آخر لمحادثات كيري، فإن دخول سفن تابعة للأسطول الأميركي السابع في المحيط الهادي فيما تعتبره بكين مياهها الإقليمية قد يثير أزمة خطيرة بين القوتين الاقتصاديتين الكبريين.
وجزر سبراتلي هي أرخبيل مرجاني كبير في بحر الصين الجنوبي يمتد على مساحة نحو 410 آلاف كيلومتر مربع. وتقع على ملتقى طرق بحرية استراتيجية للتجارة العالمية، كما تحتوي على احتياطات من النفط والغاز. وتحتل تايوان أكبر الجزر الطبيعية ايتو ايبا التي يبلغ طولها نحو 1.3 كلم وعرضها 366 مترا. وهي الجزيرة الوحيدة التي يوجد فيها مياه عذبة طبيعية.
ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن بناء جزر اصطناعية كما تفعل الصين لا يسمح بالمطالبة بمياه إقليمية محيطة بها، ولا بإقامة مجال جوي فوقها. ونشر البنتاغون الأسبوع الماضي صورا التقطت عبر الأقمار الاصطناعية تظهر أن بكين تعمل بشكل مكثف على ردم جروف مرجانية تحولها إلى موانئ ومنشآت أخرى، بينها مدرج هبوط يجري بناؤه حاليا وقد ارتفعت المساحة التي يمكن استخدامها خلال سنة من 200 إلى 800 هكتار.
وتهدف زيارة كيري إلى الإعداد للحوار الاستراتيجي الاقتصادي الأميركي - الصيني المقرر الشهر المقبل في واشنطن وزيارة الرئيس جينبينغ للولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول).



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».