إفطار العيد في السعودية... بين الموروث والحداثة

من التعتيمة الحجازية إلى المرسة الجازانية

تعتيمة حجازية لإفطار العيد بطريقة عصرية (الشرق الأوسط)
تعتيمة حجازية لإفطار العيد بطريقة عصرية (الشرق الأوسط)
TT

إفطار العيد في السعودية... بين الموروث والحداثة

تعتيمة حجازية لإفطار العيد بطريقة عصرية (الشرق الأوسط)
تعتيمة حجازية لإفطار العيد بطريقة عصرية (الشرق الأوسط)

«جريش»، و«تعتيمة»، و«مرقوق»، و«مغش»، و«حنيذ»... جميعها أكلات شعبية سعودية، كانت لا تزال تزين مائدة إفطار عيد الفطر في المملكة، وتتصدر أول مظهر من مظاهر الاحتفالات العائلية في عيد الفطر المبارك.
يحرص السعوديون على المحافظة على عادات الاحتفال بعيد الفطر التقليدية المتعارف عليها منذ أجيال، ومن أبرزها «إفطار العيد» الذي يجمع العائلة على مائدته، وتتفنن الأسر في طريقة تقديم أصنافه، التي تختلف وتتنوع باختلاف المناطق في السعودية.
ومع الحفاظ على موروث الأكلات الشعبية، التي تتصدر مائدة إفطار العيد، وجدت الحداثة سبيلاً للتماشي معها، وإعادة صياغة تقديمها بشكل جمالي يحولها إلى لوحة فنية، تذكر بمقولة «العين تأكل قبل الفم»، لتؤكد أن جمال ودقة مظهر الطعام، يضاهي مذاقه.
ومع اختلاف مسميات أصناف الطعام «جريش، ومرقوق، وكبسة، وحنيذ، ودبيازة، وكليجة»، تصنف قائمة إفطار عيد الفطر في السعودية لعدة أصناف، منها «التعتيمة»، التي يشتهر بها أهل المنطقة الغربية، وتشتمل على «الدبيازة، والجبنة البيضاء، وحلاوة طحينية، والطرشي، والأشار، والأمبة (مخلل المنغا)، الشُّريك، وأنواع المربى، والزيتون»، وطبعاً الذبائح، التي تشتهر بها أغلب مناطق المملكة ومنها «الكبسة، والحنيذ، والمدفون»، بالإضافة إلى الوجبات الشعبية التي تشتهر بها مناطق جنوب المملكة.
يقول أشرف الشريف لـ«الشرق الأوسط»، إن جازان لا تزال تحافظ على عاداتها وموروثها الشعبي وأصالتها، ولا يزال لعيد الفطر مظاهره الخاصة، التي لم تندثر مع مرور الوقت، ومن أهمها الحضور البارز لكبير الحارة، الذي يفتح أبوابه في صباح أول أيام العيد، ويغلق الشارع الذي أمام منزله، ليأتي السكان من داخل الحارة وخارجها، بأكلاتهم على أنواعها ويتشارك الجميع في تذوقها.
وأضاف الشريف: «تتنوع الأكلات في جازان، ولا يزال أهالي المنطقة يحرصون على طريقة تجهيزها وتقديمها بالطريقة التقليدية، التي عُرفت بها، ومن أبرزها الخمير، والبر الأبيض، والمغش، والمرسة المقرونة في أغلب الأحيان بقطع السمك المملح، والعكيدة، والعصيدة بالسمن والعسل، واللحوح».
محمد فاضل أحد الأشخاص الذين يقدمون «التعتيمة الحجازية» بطريقة مبتكرة، ويضيف إليها «المقلقل، والمنزّلة (ايدام طحينة)، وكباب ميرو، والحلاوة اللبنية، واللدّو، والهريس»، ويعتبرها من أهم العلامات الدالة على العيد.
يقول فاضل لـ«الشرق الأوسط»: «تطورت مائدة إفطار العيد بتطور الأجيال، بدءاً من تطور المائدة، ووجود طاولة سفرة الطعام، وصولاً إلى دمج مكونات المائدة القديمة بلمسات عصرية حديثة، وأدوات فنية جمالية، كالإضاءات، والورود، والأشكال المتنوعة من الفاكهة ذات الألوان الزاهية، وعبارات التهنئة في العيد، وغيرها من الإضافات».
وعن أبرز مكونات سفرة العيد الحالية، أكد فاضل أن التعتيمة هي بلا شك أبرز المكونات، بالإضافة إلى المرتديلا، والديك الرومي، والقشطة مع العسل، وأنواع الأجبان الأوروبية، والفاكهة المجففة، مشيراً إلى ضرورة وجود الحلاوة اللبنية، واللدو، والهريس عناصر أساسية في العادات القديمة والجديدة.
وذهب الفاضل صاحب مشروع «تين»، إلى تقديم التعتيمة الحجازية، إلى أن المجتمع في جدة يهتم بفطور العيد بشكل كبير جداً، لأنه الوقت والمكان المثاليان لتجتمع كل أفراد العائلة في بيت الجد أو الجدة، ولهذا تحرص العائلة على تجهيز مائدة تليق بالضيوف، وتكون من أبرز اشتراطاتها، أن تجمع المائدة بين الماضي والحاضر، أي وجود التعتيمة إلى جانب اللمسات المعاصرة.
تقول وفاء سليمان العجلان، إن إفطار عيد الفطر في القصيم، لا يخلو من أطباق الأرز مع اللحم، فغالباً في هذا اليوم، تجتمع العائلة على إفطار يتكون من ذبائح مطبوخة بالأرز إلى جانب الجريش والقرصان، كما تتزين مائدة الإفطار بالأكلات الشعبية المشهورة في القصيم، ومنها المرقوق والمطازيز، والعصيدة، والهريس.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».