شهادات منشقين عن الجماعة المتطرفة (2 - 4): {داعش} دفع بمقاتليه لاحتلال البوكمال ثم تراجع وأوهمهم ببيعة النصرة لـ«الخليفة»

تخبط فتاوى التنظيم المتطرف في شؤون الحرب والأسرى والغنائم فتح باب الخلافات والهزائم

TT

شهادات منشقين عن الجماعة المتطرفة (2 - 4): {داعش} دفع بمقاتليه لاحتلال البوكمال ثم تراجع وأوهمهم ببيعة النصرة لـ«الخليفة»

يواصل خمسة من المنشقين عن «داعش» من جنسيات سورية وليبية وتونسية، الإدلاء بشهاداتهم عن الأسباب والتفاصيل التي أدت إلى تخليهم عن القتال مع التنظيم المتطرف. واصطدم هؤلاء الشبان ومن كان معهم من مجموعات، بتوجهات وفتاوى دولة «الخلافة» المزعومة، بعد أشهر من التحاقهم بالقتال في سوريا والعراق، إلى أن قرّروا في نهاية المطاف، التوقف عن العمليات العسكرية والهروب بعد أن أصبحوا، هم أنفسهم، عرضة للقتل على يد التنظيم.
فرَّ «أبو هريرة» إلى بلدته في شمال ليبيا، قبل أن يواصل الهروب، بعد أن أهدر التنظيم المتطرف دمه، خصوصًا أن «داعش» له وجود في مدن مثل درنة وسرت وصبراتة في ليبيا. كما فرَّ «أبو شعيب» تاركًا بلدته، دير الزور، إلى تركيا. ويعيش هناك متخفيًا. بينما يفيد الوسطاء الذين قاموا بتأمين الردود التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، أن التونسيين الثلاثة يعيشون في بلداتهم الأصلية في جنوب البلاد.
وفي هذه الحلقة يتذكر «أبو شعيب» ما وقع من أحداث مرعبة في تلك الليلة حين جاء مع «أبو هريرة» و«الإخوة التونسيين» وعدد من زملائهم المقاتلين، لكي ينظر تركي البنعلي، رئيس جهاز الحسبة في «داعش»، في الخلافات التي تتزايد بشأن سرعة تغيير التنظيم لمواقفه بينما الحرب تجري على الأرض.
الوقوف أمام المنظر الشرعي «تركي البنعلي» يُعد من المسائل الخطرة، فهو، وفقًا لأحد التونسيين الثلاثة، صموت وهدوء لكنه لا يتسامح في القضايا التي تمس أوامر «البغدادي» حتى من قبل أن يتولى رئاسة جهاز الحسبة.. «البنعلي» خطيب مفوَّه أيضًا، فقد سبق له، منذ عام 2005 ولعدة سنوات، التنقل بين كثير من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها تونس وليبيا، لتلقي الدروس على يد دعاة متطرفين أو إعطاء دروس للشبان الذين تعم بلادهم فوضى «الربيع العربي».
كان «البنعلي»، قبل ظهور الخلافة المزعومة، من المتعاطفين مع تنظيم القاعدة. ويقول التونسي إنه غيَّر موقفه إلى العداء ضد القاعدة، لمصلحة «داعش»، ثم بدأ يطلب منا مهادنة القاعدة والمنتمين إليها. وبعدها، عرفنا أن هناك تواصلًا وصداقة ومعاملات طيبة لنفس الجهات التي كان قبل يوم أو اثنين يطلب منا مقاتلتها لأنها إما كافرة أو مرتدة أو أنصار للطواغيت.
يقول «أبو شعيب»: في هذه الأمسية قلنا لا بد أن نعرف ما يجري بالضبط من «البنعلي» وليحدث ما يحدث.. رغم أننا نعلم أنه لم يسبق لهذا الرجل أن تحمل الجدل والمناقشة. كانت له شهرة وصيت في «داعش»، بسبب تعصبه في موالاته لـ«البغدادي» ونشاطه في ضم شبان عرب وأجانب للقتال في صفوف التنظيم، واقتران اسمه بمفاوضات إطلاق سراح عامل الإغاثة الأميركي، بيتر كاسيغ، الذي جرى ذبحه فيما بعد.
ويضيف أحد التونسيين المنشقين أن المشكلة في الأساس داخل التنظيم قد ترجع أسبابها إلى أكثر من سنة مضت، حين أعلن الظواهري الفصل بين «العراق والشام» بحيث تكون العراق تحت ولاية «البغدادي» باسم «دولة العراق الإسلامية» والشام (سوريا) تحت ولاية جبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني. هنا انحاز «البنعلي»، قبل حتى أن يصل إلى سوريا ومن ثم العراق، إلى موقف «البغدادي» الرافض لهذا الفصل متمسكًا باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
«أبو هريرة» يوضح أنه، حين كان يقف مع مجموعته والمتخاصمين معها في قضية تنظيم القاعدة، بين يدي «البنعلي»، تذكَّر أن موقفه، في الحقيقة، أفضل من موقف هذا الشاب البحريني المجرد من جنسية بلاده، لأنه؛ أي «أبو هريرة»، دخل جبهة الحرب قبل أن يعرفها «البنعلي»، وخاض معارك وتعرض لخطر القتل أكثر من مرة قرب الرِّقة وفي دير الزور والبوكمال والموصل.
«أبو هريرة» الذي انقطع عن دراسة الطب في بلاده، رغم أنه كان على وشك التخرج، نشأ في مدينة بنغازي، والده يحمل رتبة رائد سابق في الجيش الليبي. وبعد سقوط نظام معمر القذافي، التحق بتنظيم أنصار الشريعة في المدينة التي أصبحت معقلاً للمتطرفين. سافر من هناك، مع مجموعة من الشبان الليبيين، إلى تونس. وعقب تلقيه دروسًا دينية وتدريبات جديدة على القنص، جرى ترتيب سفره، مع التونسيين الثلاثة، إلى سوريا عبر تركيا.
مرَّ شريط الرحلة من «بنغازي» حتى «الرِّقة» في ذهن «أبو هريرة» وهو يستعد للمواجهة مع «البنعلي». ويبدو أن هذا الشاب الليبي لم يشأ أن يضع نفسه كرأس حربة في المناقشة، فقدم أحد زملائه من طلاب العلم الذين معه، ويطلق عليه «شيخنا» على أساس أنه مختص بهذا الفرع من الجدل. ويبدو أن «أبو شعيب» فهم الأمر.
يقول «أبو شعيب»: «كنت أرى غضبًا وشرًا مستطيرًا في عيني البنعلي.. كان يمد يده ويشدّ العمامة البيضاء التي يغطي بها رأسه، وكأنه يريد أن يبعد الضوء عن تعبيرات وجهه الغاضبة حتى لا نراها.. كنت أريد أن أفرَّ من أمامه، لكن هذه كانت مهمة مستحيلة في تلك اللحظة؛ ليل وطرق الهروب ملغمة بالأعداء. ثم كيف أتخلى عن أميري وإخوتي الذين يشاطرونني الرأي نفسه».
وعمّا جرى بعد ذلك، يوضح «أبو هريرة» قائلاً: «في البداية؛ أي حين دخلنا عليه.. سلّمنا، وقدّمنا طالب العلم الذي كان معنا لمناقشته. وبعد قليل كان الحديث يجري ونحن نراقب.. قام شيخنا (لم يذكر اسمه) بالتأصيل الفقهي الذي يقول إنه لا عذر بالجهل في الشرك الأكبر وفي أمور التوحيد مطلقًا، وأن العاذر كافر من دون بيِّنة، وأن هذا ما وجدنا عليه التنظيم حين التحقنا به، وأنه لا توجد أسباب لتغيير الموقف، وإلا أصبح التنظيم مثله مثل التنظيمات الأخرى، وبالتالي لا يحق له أن يحتكر تفسير الإسلام حسب الظروف. هنا اعترض البنعلي، واختلف معنا في الأصل، فقال: نحن لا نعذِّر بالجهل في الشرك الأكبر، ولكننا لا نكفر العاذر بالجهل».
استمر الحوار على هذه الشاكلة. يضيف «أبو هريرة»: «كان شيخنا ولله الحمد، وهو يرد على البنعلي، متمكنًا ملمًا بالأدلة، فكان البنعلي يصمت قليلاً ثم يقول: ما رأيكم بأحمد بن حنبل؟ هو لم يكفر المأمون. قلنا: وما أدراك؟ فأحمد بن حنبل قال إن من قال بخلق القرآن كافر، ومن لم يكفره كافر. ثم صار البنعلي يسأل من جديد: ما رأيكم بابن عربي وبالذي لا يكفره؟.«
يقول «أبو شعيب» إن عددًا من مساعدي «البنعلي» انبروا في استعادة وقائع تاريخية بعضها يعود لعام 218 للهجرة عن الخلافات التي نشبت وقتذاك بين الخليفة المأمون وابن حنبل بشأن القول بخلق القرآن واعتراض ابن حنبل على هذا. كما تطرقت المناقشات إلى موقف الشيخ الأندلسي، محيي الدين بن عربي، ذي التوجهات الصوفية، إلى مسألة التكفير، قبل وفاته في دمشق سنة 638 للهجرة. ويقول إنه لاحظ وجود خلط، من جانب جماعة البنعلي، بين ابن عربي هذا، وأبو بكر بن العربي، الذي له كتابات قديمة عن العاذر بالجهل، والمتوفي سنة 543 للهجرة في المغرب.
ويضيف أنه حين أراد أن يعترض على هذا الاسترسال في وقائع قديمة بطريقة فيها خلط ولبس وأخطاء، أشار له عدد من مساعدي «البنعلي» بالتزام الصمت حتى ينتهي من حديثه الذي تطرق فيه أيضًا لشيوخ آخرين من بينهم فخر الدين الرازي، المشهور بالرد على أفكار المعتزلة، والمتوفي في أفغانستان عام 606 للهجرة.
مثل هذا التخبط وما لدى أتباع «البنعلي» وغيرهم من خلفيات ضبابية عن فتاوى فقهاء التراث والخلط بين أقوال الشيوخ القدامى وتضارب التعليمات في شؤون الحرب والأسرى والغنائم فتح الباب واسعًا أمام مزيد من الخلافات والهزائم. وبدا أن «أبو شعيب» امتلأ بالغضب والغيظ من تشعب الأسانيد التاريخية بهذه الطريقة وعدم وضوح الرؤية تجاه الواقع القتالي المتأزم على الأرض، أو وجود تحديد دقيق للخصوم والأصدقاء بشكل يجعل المحاربين يعرفون أين يوجهوا مواسير البنادق. يقول إنه نظر إلى وجوه مجموعته ووجد أنهم هم أيضا مستاءون من سير المناقشات مع «البنعلي» ومساعديه.
هنا رد «أبو شعيب» بنفاذ صبر وبطريقة كانت تحمل كثيرًا من المعاني، موضحًا: «قلنا له نحن لا نعرف من هو ابن عربي، أو ابن العربي، ولا نعرف من هو الرازي». وبدأ فصل جديد من العلاقة بين مقاتلي التنظيم.
من جانبه، يقول «أبو هريرة»: المهم استمر حوارنا مع البنعلي لفترة ساعتين ونصف الساعة.. طبعًا كنا نسجل الحوار.. المهم، شيخنا قمع البنعلي ودحض حججه، وأسكت لسانه، فخرج مُكَبًا على وجهه.. وقلنا إن هذا مؤشر خطر جديد على حياتنا.. المهم، ورغم ما حدث خلال الجدل، إلا أنه، بعد هذا النقاش، رجع بعض الأشخاص عن تكفير العاذر، ربما خوفًا من انتقام التنظيم منهم. ففي ذلك الوقت كان كثير من الإخوة من المقاتلين يعانون الأمرَّين في سجون «داعش» بسبب خلافات من هذا النوع، مثل قتل الشيعة حتى لو لم يحملوا السلاح ضد الخلافة.
في اليوم الثاني - يواصل «أبو هريرة» - أتانا أبو بكر القحطاني (قيادي آخر في داعش) وناقشنا أيضا.. و«أيضا خرج دونما نتيجة، لكنه قبل خروجه قال لنا كلامًا متناقضًا: كل من أراد تكفير الظواهري والعاذر فليس مشكلة، ومن لم يكفر العاذر والظواهري ليس مشكلة أيضًا، ولا تلزموا بعضكم بأقوالكم، فإن المسألة يسع فيها الخلاف»، لكن القحطاني، بعد قليل عاد وتحدث مجددًا بطريقة فيها تهديد لنا، وكان أكثر حدة من السابق. وقال: «أي أحد يكفر الظواهري ويكفر العاذر بالجهل فسوف يسجن ويعاقب بأشد العقوبات».
يبدو أن «القحطاني» يحظى بمكانة رفيعة داخل القيادة العليا للتنظيم (وغير معروف ما إذا كان ما زال في «داعش» أم تركها، أو إن كان على قيد الحياة). لكن كان معلومًا، وهو يرد على «أبو هريرة» ومجموعته، أنه ذو سياسة مرنة إلى حد ما في حل المشكلات التي تعترض عناصر التنظيم، على عكس «البنعلي» الصارم.
بيد أنَّ «أبو شعيب» يزيد موضحًا أن اختتام القحطاني بتهديد المخالفين بالسجن، والمعاقبة بأشد العقوبات، ترك المناقشات بشأن الموقف من الظواهري وغيرها من قضايا، معلقة دون حل.. «كنا نريد أن نعرف ماذا يجري.. ما سبب صدور رسالة من الخليفة عن عدم تكفير القاعدة. لماذا الخوف من المناظرات.. لم نتلقَ إجابة. فقط كان التشديد على ضرورة السمع والطاعة للخليفة وما يصدر عنه».
في الأيام التالية، بدا أن المجموعات القتالية التي كانت تعود من المواجهات في ريف دمشق وفي حلب، إلى مقر التنظيم في مدينة الرِّقة، تنحاز في شكوكها إلى وجهة نظر المقاتلين والفقهاء الصغار مثل «أبو هريرة» و«أبو شعيب». كما كان جواسيس «البنعلي» و«القحطاني» يقدمون معلومات مقلقة عن تراجع ثقة كثير من المحاربين في «الخليفة».
ربما لهذا السبب جرت محاولة لتعزيز الموقف بإرسال أحد المقربين من مقاتلي «داعش» على الجبهة السورية، وكان يحمل مرتبة «والي دمشق» في ذلك الوقت، ويقول «أبو هريرة» إن اسم هذا الوالي «أبو اليمان الأردني».
ويضيف أنه مع الشعور بتزعزع الثقة في ولائنا، أرسل التنظيم، الوالي الذي كان علينا.. والي دمشق، «أبو اليمان».. و«أيضا تكلم بنفس الكلام، وهدَّدنا بأنه سيسجننا. ثم بعدها تم تفريقنا لأماكن مختلفة، وبشكل متعمد، وكأنه كانت هناك محاولة من قادة التنظيم لتخفيف حدة الانتقادات والمجادلات والتركيز على الاستمرار في القتال. المهم.. بعضٌ منا جرى إعادته إلى جبهة حلب، وبعض منا جرى إرساله إلى المرابطة في الصحراء على الحدود بين العراق وسوريا».
ويتابع قائلاً: أما الشيخ الذي كان معنا، الذي كنا قد قدمناه للرد على البنعلي، والقحطاني، فقد أبقوه وحيدًا في مدينة الرِّقة في مبنى السفارة (لم يفصح عن اسم هذه السفارة).. المهم، فيما بعد، انتقلنا، وذهبنا للعراق، فرأينا في العراق جنود الدولة (داعش) العراقيين، ولا أحد منهم ملمًا بمبادئ الشرع، ولا بموضوع الكفر بالطاغوت.. لا يعرفون سوى أن الرافضة (المقصود الشيعة) مرتدون.
وعن انطباعه حين وصل للقتال مع جنود «داعش» في العراق، يوضح «أبو هريرة»: «سبحان الله.. عندما سألناهم ألم تدخلوا في دورات للدروس الشرعية، قالوا لنا: لا.. إنما تأتي الدولة وتفتح (أي تحتل) منطقة من المناطق، وتفتح المجال للانتساب.. ومباشرة تحصل البيعة. حينئذ يعطونك سلاحًا لتقاتل وتجاهد، دون أي تعليم عن الدين أو أي شيء».
المهم، كما يضيف «أبو هريرة»: «جلسنا هنا وسط جنود الدولة (داعش).. كانوا كلهم شبانًا وصبية عراقيين. حاولنا أن نعلِّمهم قدر استطاعتنا، لكن الوقت لم يسعفنا.. بعدها، ورغم احتجاجنا على تضارب مواقف التنظيم، أخبرنا القادة أنه جرى عقد هدنة مع جبهة النصرة في منطقة البوكمال (مدينة سوريا على الحدود مع العراق) وأن الجبهة بايعت، وأن علينا - وكان من تبقى معي من مجموعتي يتكون من 18 مقاتلاً من ليبيا وسوريا وتونس والشيشان - أن نذهب إلى هناك لنر الوضع ونراقبه، وإذا وقع قتال مع الجيش الحر (التابع للمعارضة السورية) نقاتل».
كان الزمن قد مضى وسط عدم يقين من جانب «أبو هريرة» و«أبو شعيب» عن مستقبل العمل في صفوف «داعش» بينما لا توجد خطوط ثابتة لعمل التنظيم، سواء بشأن القاعدة أو الشيعة في العراق وسوريا، أو بخصوص التعامل مع الجيش السوري الحر والعشائر؛ نقاتلهم أم لا؟ وكيف؟ وما هي الحدود الفاصلة بين مقاتلتهم أو التعاون معهم. كانت التعليمات متضاربة.. فقد جرى قتل قيادات وعناصر محسوبة على هذه الفرق، ثم جاءت تعليمات جديدة فجأة بالتوقف عن مهاجمة هؤلاء أو أولئك، دون أي سبب. إذن هذا ليس تطبيقًا للشريعة، كما يزعم قادتنا، ولكنها سياسة.. وهذا أمر يقوم به الجميع في كل مكان، فلماذا إذن القتل والزعم بأننا نريد تطبيق شرع الله.
يقول «أبو هريرة»: حين طلبوا مني أخذ المجموعة والتوجه إلى مدينة «البوكمال»، للتعاون مع جبهة النصرة التي كنا نكفرها قبل أيام، قلت إنهم يضعونني ومجموعتي أمام الأمر الواقع. أيام الصيف طويلة والحر شديد والغبار يغطي مركباتنا ويسد أنوفنا. كانت أصداء أحاديث أمراء المناطق تصلنا ونحن متوجهون إلى تلك المدينة.. أحاديث تدور عن أن جبهة النصرة بايعت «دولة الخلافة» و«الخليفة البغدادي». قلت في نفسي إن هذا تحول مهم يعزز من مكانة دولتنا ويعد بمثابة انتصار لنا، بعد الاقتتال الذي كان بيننا في الأسابيع والشهور الماضية.
بعد ساعات، استقبل مندوب مما كان يعرف بـ«ولاية حمص» التابعة لـ«داعش» المقاتلين الـ18 المقبلين من العراق، ومن بينهم «أبو هريرة»، قرب الحدود، وقدم لهم ما يفيد بمبايعة جبهة النصر للتنظيم، وقال لهم إنهم في أمان، وأن «البوكمال» أصبحت مدينة تابعة لهم، بعد أن قدم قيادي في «النصرة» يدعى «أبو يوسف» البيعة لقيادي من «داعش» كان قد سبقهم إلى هنا، يدعى «أبو عمر الشيشاني».
يقول «أبو هريرة»: «على كل حال ذهبنا وجلسنا مع جنود جبهة النصرة، خائفين منهم، فقد كنا، كما قلت، 18 مقاتلاً فقط، بينما كان جنود النصرة نحو 150، هذا بالإضافة إلى أن جنود الجيش الحر كانوا قريبين من موقعنا. المهم كنا خائفين منهم خوفًا شديدًا. إذا كانت خدعة وإذا كانوا يفكرون في الانتقام منا، فسنهزم وننتهي.. نخشى نهارًا وليلاً من أن يهجموا علينا.. كنا ننام وأحزمتنا معنا. بعد يومين اجتمعنا مع جنود الجبهة وسألناهم: هل قامت الدولة (داعش) باستتابتكم؟ فقالوا لنا: لا.. لم تستتب أي منا. ولماذا نقدم الاستتابة للدولة؟».
كانت هذه الواقعة بمثابة صدمة جديدة يتعرض لها «أبو هريرة» ومجموعته، وطارت أخبارها إلى «أبو شعيب» الذي كان يرابط مع مجموعته في معسكر بالصحراء جنوب دير الزور.
هذا يعني أن مندوب «داعش» الذي استقبل مجموعة «أبو هريرة» على الحدود كان يكذب بخصوص الاستتابة، والبيانات التي صدرت عن التنظيم وجرى تعميمها على أمراء المناطق، وبالتالي على الجنود، بشأن مبايعة «النصرة»، لا تعكس ما يجري على الواقع. كان «أبو هريرة» يعتقد، مثل مجموعته، في كفر جبهة النصرة، وأن مبايعة الجبهة لـ«داعش» لا بد أن تقترن باستتابة جنودها.
ماذا فعل وكيف رد على جنود «النصرة»؟ يقول: «أجبناهم.. قلنا لهم إنكم كفار، وعليكم أن تتبرأوا من كفركم. فقالوا لنا: نحن بايعنا الدولة (داعش) فقط لحقن الدماء. صرنا نسألهم عن أمور دينهم فوجدناهم غير ملمين بالشرع مثل الصبية العراقيين. شعرنا بالخوف الشديد، وطلبنا مددًا من إخوتنا في الجبهات المجاورة لكي يأتوا بأسلحتهم ويبقوا معنا في البوكمال، حتى لا تغدر بنا جبهة النصرة التي كنا نشعر أن لها تواصلاً مع قادة من الجيش الحر. حين سألت أحد زعماء (النصرة) عن هذا الأمر قال لي إن الجيش الحر إخواننا، ولا نريد أن نقتتل».
ومع ذلك، كما يقول «أبو هريرة»، كان قائد «داعش» في شمال سوريا في ذلك الوقت، وهو «أبو عمر الشيشاني»، يشعر بما أصبحت عليه المجموعة من قلق بسبب قلة عددها بعد وصولها إلى البوكمال، فأمر بالاستجابة إلى طلبها ودفع بمقاتلين لتعزيزها.. «حتى زاد عددنا وأصبحنا 70 مقاتلاً».
ويوضح أحد التونسيين الثلاثة ممن كان مع مجموعة «أبو هريرة» أن الشيشاني، واسمه الحقيقي «ترخان بيترشفيلي»، كان يتفهم المشكلات التي نتعرض لها وقصة الخلافات الفقهية عن التعامل مع جبهة النصرة والعشائر والأسرى والغنائم، ولقاءاتنا مع «البنعلي» و«القحطاني»، إلا أنه، في المرة التي زارنا فيها على جبهة البوكمال، لم يشأ أن يفتح المجال للحديث حول هذه الأمور، خاصة في قضية عدم استتابة من يعلنون البيعة. دعانا فقط إلى الاطمئنان هنا، وأننا لن نتعرض لأذى لا من جبهة النصرة ولا من الجيش الحر، ومضى.
«الشيشاني» خلال تلك الزيارة، كان قد أعطى «الجيش الحر» مهلة يومين لكي يبايع «داعش»، وهو أمر لم يحدث أبدًا بطبيعة الحال. يقول «أبو هريرة»: المهم.. كانت الدولة في هذه المنطقة تحت قيادة الشيشاني، قد أعطت الجيش الحر مهلة يومين ليبايع.. لكنه لم يلتزم، ثم عاد وطلب مهلة أخرى، بينما كان يصله الدعم من جهات مختلفة.. ثم إن الدولة (داعش في شمال سوريا)، في حينها، أعطت الجيش الحر مهلة ثالثة.
ويتابع، وهو يشرح ما حدث بشكل مفاجئ. يقول: «استيقظنا.. ووجدنا الجيش الحر قد حاصرنا بنحو 1500 مقاتل من مناطق شعيطات والبوكمال، بينما نحن عندها كنا، كما قلت لك، 70 مقاتلاً فقط».
ويضيف: طلبنا دعمًا من جبهة النصرة التي بايعتنا قبل أيام، حيث كان عددهم، كما ذكرت، 150 مقاتلاً. لكن قادة «النصرة» قالوا لنا: نحن لن نقاتل معكم ولن نقاتل مع الجيش الحر، لأننا نريد حقن الدماء.. واستمرت المعركة ثلاثة أيام، لتبدأ بعدها فصول جديدة من الخلافات مع قادة التنظيم.



الحرب تغيّب إحياء السودانيين ذكرى فض الاعتصام

قائد الجيش السوداني الفريق البرهان (أ.ب)
قائد الجيش السوداني الفريق البرهان (أ.ب)
TT

الحرب تغيّب إحياء السودانيين ذكرى فض الاعتصام

قائد الجيش السوداني الفريق البرهان (أ.ب)
قائد الجيش السوداني الفريق البرهان (أ.ب)

غيّبت الحرب الدائرة في السودان الاحتفاء بالذكرى الرابعة لفض الاعتصام الشهير أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني، في الثالث من يونيو (حزيران) 2019، التي راح ضحيتها المئات من القتلى وآلاف المصابين والمفقودين. وفي ذلك العام كان طرفا القتال الحالي (الجيش وقوات الدعم السريع)، قد انحازا إلى مطالب الشارع الذي خرج بالملايين للإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، الذي حكم البلاد بالتحالف مع «الإسلاميين» 30 عاماً.

ودرجت القوى السياسية والشبابية سنوياً على الخروج بالآلاف في شوارع العاصمة (الخرطوم)، والولايات الأخرى لإحياء ذكرى فض الاعتصام والجرائم التي ارتُكبت في حق الشباب المعتصمين الذين خرجوا يطالبون بالحكم المدني وعودة العسكريين للثكنات. وعلى الرغم من مرور 4 أعوام على قضية فض الاعتصام التي هزت الشارع السوداني والرأي العام العالمي، لم يقدّم أي من مرتكبيها للمحاسبة القانونية.

لجنة التحقيق

وكان رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، كوّن لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في جريمة فض الاعتصام، برئاسة القانوني الشهير، نبيل أديب، مُنحت صلاحيات واسعة بإجراء تحقيقات مع كل المسؤولين إبان وقوع الحادثة، واستنطاق الشهود وجمع الأدلة. واستمعت اللجنة إلى شهادة أكثر من 3 آلاف، من بينهم كبار القادة «العسكريين» في الجيش، وقوات «الدعم السريع»؛ لتحديد المسؤولين عن فض الاعتصام بالتحريض، أو المشاركة، أو الاتفاق الجنائي، أو ارتكاب أي انتهاكات أخرى، وحصر الضحايا من الشهداء والمصابين والجرحى والمفقودين.

وقطع استيلاء الجيش على السلطة المدنية عبر انقلاب عسكري في 25 من أكتوبر(تشرين الأول) 2021 بعد أن أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية، التي تأسست وفقاً لوثيقة دستورية بين المدنيين والعسكريين، صدور التقرير النهائي للجنة التحقيق الخاصة بأحداث القيادة.

عناصر من الجيش السوداني في أحد أحياء العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

الإقرار بالفض

وكان عضو المجلس العسكري (المنحل)، الفريق شمس الدين كباشي، قد أقرّ بأن قادة الهيئات والأجهزة العسكرية في الجيش وقوات «الدعم السريع» اجتمعوا وقرروا فض الاعتصام وفقاً للإجراءات القانونية والأمنية المعروفة، وذهب القادة العسكريون ووضعوا الخطة ونفذوها.

لكن عضو المجلس المركزي لتحالف «الحرية والتغيير» المعارض لحكم العسكر، أحمد خليل، قال إن جريمة فض الاعتصام يتحمل مسؤوليتها المجلس العسكري الحاكم آنذاك، «قادة الجيش الحاليون»، مضيفاً: «لن تسقط تلك الجريمة وغيرها من الانتهاكات الفظيعة التي تعرّض لها السودانيون خلال الحرب الجارية حالياً، بالتقادم».

وأشار خليل إلى أن موقف «الحرية التغيير» كان واضحاً بضرورة إكمال التحقيق في الأحداث التي شهدتها القيادة العامة قبل 4 سنوات، «وتقديم كل مرتكبيها إلى المحاكم العادلة لصيانة حق الضحايا الذين سقطوا جراء جريمة لا تزال عالقة في ذاكرة الشعب السوداني، ولن تنمحي إلا بتحقيق العدالة الكاملة».

ملامح متشابهة

بدوره، قال الناشط الحقوقي فيصل الباقر: «ستظل جريمة فض الاعتصام وصمة عار في جبين الجنرالات المتحاربين الآن، ومعهم مَن يسمونهم (الطرف الثالث)، وهم يواصلون الهمجية ذاتها في حربهم الكارثية». وأضاف أن ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان في الحرب الحالية، يحمل ملامح واضحة لتورط الأطراف نفسها في جريمة فض الاعتصام، قائلاً: «نشهد هذه الأيام انتهاكات شبيهة بما حدث في جريمة فض الاعتصام، بل أفظع، وجميعها ترتقى لأن تكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولن تمر دون مساءلة مهما طال الزمن أو قصر».

وقال الباقر إن ذاكرة الشعب السوداني ستظل متقدة لتحقيق العدالة ولو بعد حين، مضيفاً أن المطلوب الآن وقف الحرب، والضغط على الطرفين؛ لأن استمرارها يمثل أكبر انتهاك لحقوق الإنسان. ودعا الناشطين في الحركة الحقوقية للتمسك بملف المحاسبة في هذه الجرائم الخطيرة كلها، ومواصلة الإمساك بشعارات الثورة في العدالة وقضايا المساءلة والمحاسبة؛ لأنها جرائم لا تسقط بالتقادم.

لا يزال دخان المعارك يتصاعد في سماء العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

استخدام الرصاص الحي

وأحدثت واقعة فض الاعتصام قطيعة بين الشارع السوداني والقادة العسكريين في البلاد، إذ جرت مهاجمة المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش بوسط العاصمة (الخرطوم)، دون أي تحرك من الجيش لمنع وقوع الجريمة. وفي 3 يونيو 2019، هاجمت قوات كبيرة بأزياء نظامية على متن مئات السيارات، ساحة الاعتصام في محيط القيادة العامة للجيش بالخرطوم، واستخدمت القوات الرصاص الحي والهراوات لتفريق المعتصمين.

وتطالب أسر الشهداء بالقصاص، ورفع الحصانة عن المشتبه بهم، وحماية الشهود، والتعجيل بتقديم الجناة لمحاكمات عاجلة.

وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية العالمية اتهمت صراحة أجهزة الأمن السودانية بارتكاب مجزرة فض الاعتصام ضد المتظاهرين في الخرطوم.


واشنطن تؤكد دعمها استئناف التحوّل الديمقراطي في السودان

تصاعد الدخان جراء النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تؤكد دعمها استئناف التحوّل الديمقراطي في السودان

تصاعد الدخان جراء النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)

أعلنت السفارة الأميركية في السودان أنها ستواصل دعم مطلب الشعب السوداني بوجود حكومة مدنية واستئناف التحوّل الديمقراطي، مضيفة أن الاقتتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» يهدد بنشوب صراع طويل الأمد ومعاناة واسعة النطاق. وشددت السفارة في بيان على أن استمرار الصراع يعرقل إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من المدنيين، ويدمر البنية التحتية. وقالت السفارة أيضاً: «سنواصل تحميل الأطراف المتحاربة في السودان المسؤولية عن العنف وتجاهل إرادة الشعب السوداني».

اشتباكات عنيفة

وفي غضون ذلك، اندلعت اشتباكات عنيفة يوم السبت في العاصمة الخرطوم، في الذكرى الرابعة لفض اعتصام القيادة العامة، وهو اليوم الثاني على التوالي بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعه الطرفان المتحاربان في مدينة جدة الأسبوع الماضي، بوساطة سعودية أميركية، وذلك وسط تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي في البلاد. وتجددت الاشتباكات في منطقة أم درمان القديمة وجنوب الخرطوم، حيث شهدت انفجارات عنيفة، واستخداماً للأسلحة الثقيلة، وتبادلاً كثيفاً لإطلاق النار بين الطرفين. كما شملت منطقة الاشتباك مجموعة من المواقع الاستراتيجية بما فيها الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون الرسمي، إلى جانب مباني رئاسة شرطة محافظة الخرطوم، وهي منطقة متاخمة لعدد من المستشفيات والأحياء الحيوية المكتظة بالسكان.

دبابة للجيش السوداني في إحدى نقاط التفتيش بالخرطوم (أ.ف.ب)

الأسبوع الثامن للنزاع

وأظهر القصف الجوي والمدفعي للخرطوم غياب أي أفق للتهدئة في نزاع دخل أسبوعه الثامن، ويواصل حصد الضحايا الذين أعلن «الهلال الأحمر» السوداني دفن 180 مجهولي الهوية منهم. وأفاد سكان في الخرطوم بتسجيل قصف بالطيران الحربي العائد للجيش على مناطق في جنوب الخرطوم، ردّت عليه نيران المضادات الأرضية من مناطق تسيطر عليها قوات «الدعم السريع». كما أفاد شهود بسماع أصوات «قصف مدفعي» في ضاحية أم درمان بشمال الخرطوم صباح السبت، وسقوط قذائف في حي الصحافة بجنوب العاصمة، ما أدى إلى حدوث «إصابات بين المدنيين». يأتي ذلك غداة تسجيل قصف في شمال الخرطوم وجنوبها واشتباكات في شرقها. كما سجّلت اشتباكات حول مدينة كتم بولاية شمال دارفور الواقعة شمال الفاشر عاصمة الولاية، وفق شهود. وزادت حدة المعارك في اليومين الماضيين بعدما لاقت هدنة مؤقتة أبرمت بوساطة سعودية - أميركية بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، مصير سابقاتها بانهيارها بشكل كامل.

مجلس الأمن

من جانبه، جدد مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة المهمة السياسية للأمم المتحدة ستة أشهر، بعدما اتهم قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان المبعوث الأممي للسودان، فولكر بيرتس، بالإسهام في تأجيج النزاع. وفي قرار مقتضب، وافق مجلس الأمن بالإجماع على تمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، المعروفة باسم «يونيتامس»، حتى الثالث من ديسمبر (كانون الأول) 2023. ويعكس اقتصار تمديد التفويض على هذه المدة القصيرة مدى دقة الأوضاع في البلاد. وكان البرهان قد اتّهم الأسبوع الماضي بيرتس بتأجيج النزاع الدموي الدائر بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو. ووجّه البرهان رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش طالبه فيها بـ«ترشيح بديل» لبيرتس، متهماً الأخير بارتكاب «تزوير وتضليل» في أثناء قيادته عملية سياسية تحولت حرباً مدمرة.

وفي ختام اجتماع مغلق عقده مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء، أكد غوتيريش «ثقته التامة» في مبعوثه بيرتس، قائلاً: «يتعين على مجلس الأمن أن يقرر ما إذا كان يؤيد استمرار المهمة فترة إضافية، أو ما إذا كان الوقت قد حان لإنهائها». كذلك، أعرب عدد من أعضاء المجلس الآخرين عن دعمهم المبعوث الأممي. وقال نائب السفير البريطاني جيمس كاريوكي إن الأشهر الستة المقبلة ستتيح لمجلس الأمن الوقت اللازم «لتقييم تأثيرات... قدرة (يونيتامس) على ممارسة تفويضاتها الحيوية».

فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى السودان (رويترز)

تقارير كل ثلاثة أشهر

ومن جهته، أبدى نائب السفير الأميركي روبرت وود «أسفه لأن هذا المجلس عجز عن التوصل إلى إجماع على تفويض محدّث». وأمل أن يوافق المجلس في الأشهر المقبلة على قرار «يمكّن البعثة من تقديم دعم أفضل لإنهاء النزاع وحماية حقوق الإنسان ووصول المساعدة الإنسانية بلا عوائق». ويدعو القرار، الذي جرى تبنيه مساء الجمعة، الأمين العام إلى مواصلة تقديم تقارير بشأن المهمة في السودان كل ثلاثة أشهر. ويتوقع أن يصدر التقرير المقبل في 30 أغسطس (آب).

وبيرتس الذي كان موجوداً في نيويورك عندما اتهمه البرهان بتأجيج النزاع، يتوقع أن يعود «إلى المنطقة» في الأيام المقبلة، وهو سيزور أديس أبابا للقاء مسؤولين في الاتحاد الأفريقي، وفق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق. وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) أنشئت في يونيو (حزيران) 2020 لدعم العملية الديمقراطية الانتقالية بعد نحو عام على إطاحة الرئيس السابق عمر البشير، وكان يجري تجديد تفويضها سنوياً لمدة عام.

الهجمات على المدنيين

ودعا مجلس الأمن الدولي أيضاً طرفي الصراع في السودان إلى وقف الأعمال القتالية، وذلك في ظل استمرار المعارك في العاصمة الخرطوم بعد انهيار محادثات استهدفت الحفاظ على وقف إطلاق النار، وتخفيف أزمة إنسانية. وجاء في بيان صحافي وافق عليه المجلس المكون من 15 عضواً في نيويورك، أن المجلس يعبر عن «القلق البالغ» إزاء الاشتباكات، وأدان جميع الهجمات على المدنيين وموظفي الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية. وذكر البيان أن المجلس «شدد على ضرورة قيام الجانبين بوقف الأعمال القتالية على الفور، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ووضع ترتيب دائم لوقف إطلاق النار، واستئناف العملية نحو التوصل إلى تسوية سياسية دائمة وشاملة وديمقراطية في السودان».


محامون: 80 % من معتقلي السجون الحوثية خارج القانون

منظومة الحوثي فرضت سيطرة كاملة على القضاة (إعلام حوثي) 
منظومة الحوثي فرضت سيطرة كاملة على القضاة (إعلام حوثي) 
TT

محامون: 80 % من معتقلي السجون الحوثية خارج القانون

منظومة الحوثي فرضت سيطرة كاملة على القضاة (إعلام حوثي) 
منظومة الحوثي فرضت سيطرة كاملة على القضاة (إعلام حوثي) 

قدّر محامون يمنيون نسبة المحتجزين لدى الحوثيين خارج إطار القانون بـ80 في المائة من المساجين بمختلف مناطق سيطرة الميليشيات.

الاتهامات للجماعة الانقلابية، جاءت في وقت يواصل فيه محمد علي الحوثي (ابن عم زعيم الجماعة) السيطرة على السلطة القضائية وإدارتها في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشياته.

ووفق المحامين الذين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم خشية البطش بهم، فإن التقديرات لديهم تفيد بأن نحو 80 في المائة من السجناء لا يوجد بحق أي منهم أمر باستمرار حبسه إلى ما لا نهاية، وأن كل سجين منهم لم يصدر بحقه قرار من النيابة أو من المحكمة بتمديد فترة حبسه.

وأضافوا أن كثيراً من السجناء لديهم أوامر خطية من النيابة بالإفراج، إما لانتهاء فترة حبسهم احتياطياً، أو لانتهاء فترة العقوبة المحكوم بها عليهم، لكن مسؤولي السجون لا يفرجون عنهم.

عَقد من السجن

ذكر المحامون أن المستثمر رفيق الشرعبي أمضى حتى الآن 10 أعوام خلف القضبان دون قرار باستمرار حبسه منذ بداية نظر المحكمة في قضيته مع آخر ينازعه في ملكية المشروع الاستثماري، وأن القضاة يتهربون من مسؤولية حبسه خارج القانون.

وأوضح المحامون أن مشكلة هذا العدد الكبير من السجناء سببه إصدار أعضاء النيابة العامة والقضاة في تلك المناطق أوامر بسجن الأشخاص عند بداية التحقيق، ومن ثم يتركونهم دون قرار، سواء بالإفراج عنهم أو باستمرار حبسهم، حيث يصبح خروجهم مرهوناً بقدرتهم ونفوذهم على إنهاء تلك المظلومية بأنفسهم.

من جهته، أعلن المستثمر الشرعبي، في بلاغ وزّع على وسائل الإعلام، إضرابه عن الطعام حتى تحقيق مطالبه بالعدالة وفقاً للقانون والدستور، واتهم النيابة والمحكمة بالعاصمة صنعاء بمصادرة تلك الحقوق.

منظومة الحوثي فرضت سيطرة كاملة على القضاة (إعلام حوثي)

وأكد أنه أسس المستشفى الاستشاري اليمني في عام 2009، وظل تحت التأسيس حتى الافتتاح في 2011، وأن شخصاً آخر قام بتزوير اتفاق شراكة بمساعدة أحد القضاة، وفي عام 2014 تم إيداعه السجن بناء على تلك الوثائق المزورة، في حين رفضت المحكمة الفصل في دعوى التزوير التي أقامها على غريمه، مشيراً إلى أنه لا يزال في السجن حتى اليوم، بحسب ما جاء في البلاغ.

وشكا الرجل من مصادرة كل ممتلكاته، وقال إنه لم يجد وسيلة للفت أنظار الرأي العام إلى معاناته سوى الإضراب عن الطعام، مطالباً بفتح باب المرافعة والفصل بالطلبات، وتعيين محاسب قانوني، والفصل بدعوى التزوير الفرعية، وكذلك السماح بتقديم ما بقي لديه من وثائق، والسماح له بتصوير محاضر الجلسات، مطالباً بمحاكمة علنية، ومراجعة الإجراءات كلها.

إخفاء محامٍ وأسرته

في سياق الانتهاكات الحوثية، ذكرت مصادر قضائية أن رئيس محكمة تخضع لسلطة الميليشيات أقدم على اعتقال المحامي عارف القدسي، وأخفى بعد ذلك أسرته، وأمر بمصادرة منزله على أثر خلاف نشب بين المحامي وقاضٍ آخر يعمل لدى المحكمة التي يرأسها، في حين أن النزاع بين المحامي والقاضي لا يزال منظوراً أمام المحكمة العليا.

وأوضح مقربون من القدسي أن أسرته تعرضت أيضاً للإخفاء منذ نهاية الأسبوع الماضي، إثر مداهمة المنزل الواقع في الحي الغربي من صنعاء من قبل قوات أمنية بموجب أمر من رئيس المحكمة.

وقال أقارب المحامي إنهم لم يتمكنوا من معرفة مكان إخفاء الأسرة، مؤكدين أن الشرطة الخاضعة للحوثيين رفضت تحرير بلاغ بالواقعة بسبب مطالبتها بحضور أحد الأقارب من الدرجة الأولى، وأشاروا إلى أن منزل المحامي تعرّض للنهب، كما تم العبث بمحتوياته.

تلفيق التهم

كان محامٍ آخر وزّع شكوى امرأة من منطقة مران في محافظة صعدة مع أولادها، تناشد فيها عبد الملك الحوثي زعيم الميليشيات الإفراج عن زوجها الموضوع في السجن منذ 3 سنوات، الذي تمت محاكمته بتهم مفبركة دبرها جهازا الأمن والمخابرات.

وأكد المحامي أن رئيس المحكمة المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة منع أي محامٍ من الدفاع عنه، وبحسب ما يقوله المحامي وأسرة الرجل فإنه تعرض للتعذيب والتنكيل، في حين أنه يعول أسرة مكونة من زوجة و11 ولداً.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية المتحكم بالقضاء (تويتر)

ويسيطر القيادي محمد الحوثي على جهاز القضاء في مناطق سيطرة الميليشيات بعد أن استحدث لنفسه ما سمّاها «المنظومة العدلية»، التي لا يوجد لها سند في القانون أو الدستور، ومن خلالها قام بإزاحة المئات من محرري العقود القانونية، وفرض مراقبة ميدانية على القضاة، ومحاسبة العاملين في المحاكم.


1800 قتيل منذ اندلاع النزاع في السودان

تصاعد الدخان جراء النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

1800 قتيل منذ اندلاع النزاع في السودان

تصاعد الدخان جراء النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء النزاع في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)

قال الهلال الأحمر السوداني إن القتال المستمر في السودان في الخرطوم ودارفور أرغم المتطوعين على دفن 180 قتيلا انتُشلت جثثهم من مناطق القتال، من دون التعرف على هوياتهم.

وقال الهلال الأحمر في بيان إنه منذ اندلاع القتال في 15 أبريل (نيسان)، دفن متطوعون 102 جثة مجهولة الهوية في مقبرة الشقيلاب بالعاصمة و78 جثة أخرى في مقابر بدارفور.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، أن أكثر من 1800 شخص قُتلوا منذ اندلاع القتال.
وقال مسعفون ووكالات إغاثة مراراً وتكراراً إن عدد القتلى الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير، لوجود جثث في مناطق لا يمكن الوصول إليها.

وقتل المئات من المدنيين وأضرمت النيران في القرى والأسواق ونُهبت منشآت الإغاثة، ما دفع عشرات الآلاف إلى البحث عن ملاذ في تشاد المجاورة.

تعهد كل من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه الذي يخوض الحرب ضده، محمد حمدان دقلو، مراراً بحماية المدنيين وتأمين الممرات الإنسانية.

وقال الهلال الأحمر الذي يتلقى الدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن متطوعيه وجدوا صعوبة في التنقل في الشوارع لانتشال الجثث «بسبب القيود الأمنية».

في محادثات وقف إطلاق النار في السعودية الشهر الماضي، اتفق الطرفان المتحاربان على تمكين الجهات الفاعلة الإغاثية، مثل الهلال الأحمر السوداني و/أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من «جمع الموتى وتسجيلهم ودفنهم بالتنسيق مع السلطات المختصة». ولكن بفعل الانتهاكات المتكررة من كلا الجانبين، انهارت اتفاقية الهدنة.

وقطعت المياه عن أحياء بأكملها في العاصمة، ولا تتوفر الكهرباء سوى لبضع ساعات في الأسبوع، فيما توقفت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال عن تقديم خدماتها.

والوضع مروع بشكل خاص في إقليم غرب دارفور الذي يقطنه حوالي ربع سكان السودان ولم يتعافَ من حرب مدمرة استمرت عقدين وخلفت مئات الآلاف من القتلى وأكثر من مليوني نازح.


اليمن يطلب الضغط على الحوثيين لرفع القيود عن وصول السلع

 مئات الشاحنات يحتجزها الانقلابيون الحوثيون في بلدة الراهدة على الطريق بين صنعاء وعدن (تويتر)
 مئات الشاحنات يحتجزها الانقلابيون الحوثيون في بلدة الراهدة على الطريق بين صنعاء وعدن (تويتر)
TT

اليمن يطلب الضغط على الحوثيين لرفع القيود عن وصول السلع

 مئات الشاحنات يحتجزها الانقلابيون الحوثيون في بلدة الراهدة على الطريق بين صنعاء وعدن (تويتر)
 مئات الشاحنات يحتجزها الانقلابيون الحوثيون في بلدة الراهدة على الطريق بين صنعاء وعدن (تويتر)

طالب اليمن المجتمع الدولي بإلزام الانقلابيين الحوثيين برفع القيود التي فرضوها على وصول السلع الأساسية بين المحافظات المحررة وتلك الواقعة تحت سيطرتهم، وذلك بعد احتجازهم شاحنات نقل البضائع في بلدة الراهدة.

الدعوات اليمنية جاءت على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، الذي طالب الأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأميركي إلى ممارسة ضغوط حقيقية على الانقلابيين الحوثيين لرفع كافة القيود على تدفق السلع وحركة البضائع بين المحافظات، وإدانة هذه الممارسات التي تنذر بتداعيات اقتصادية كارثية على القطاع الخاص، وتفاقم المعاناة الإنسانية في البلاد.

وذكر الإرياني أن الانقلابيين الحوثيين يحتجزون مئات الشاحنات القادمة من ميناء عدن محملة بالدقيق، في منفذ الراهدة، ومنعوها من العبور إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم، في محاولة لحصر الاستيراد عبر ميناء الحديدة، مما تسبب بخسائر فادحة للتجار، وارتفاع أسعار هذه السلعة الأساسية في الأسواق المحلية في مناطق سيطرتهم.

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني (سبأ)

واتهم الوزير اليمني الانقلابيين الحوثيين بالسعي إلى تحقيق مكاسب مادية من خلال هذه الإجراءات، وفرض مزيد من القيود على التجار، واحتكار استيراد السلع الأساسية عبر شركات استيراد وتجار تابعين لها، والاستمرار في سياسة التجويع والإفقار التي تنتهجها بحق المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتأكيد مسؤوليتها عن تردي الأوضاع الإنسانية.

الجباية كترغيب وترهيب

تفيد مصادر تجارية في العاصمة صنعاء أن الميليشيات الحوثية تسعى إلى إجبار مجموعة شركات هائل سعيد التجارية، وهي أكبر مجموعة تجارية يمنية؛ على إيقاف عمليات طحن الحبوب في المحافظات المحررة، وتحويل عمليات الطحن إلى مطاحن في مدينة الحديدة تحت سيطرة الميليشيات.

وطبقاً للمصادر، التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»؛ فإن الميليشيات حددت أسعار الدقيق عبر مكاتب القطاع التجاري، الذي تسيطر عليه، وأبلغت بها الشركات التجارية، وعلى رأسها مجموعة هائل سعيد، غير أن هذه الشركات ردت بأن ما تطلبه الميليشيات مجحف ويتسبب لها بخسائر كبيرة، خصوصاً مع تكلفة النقل عبر البحر إلى ميناء الحديدة، وأن الأسعار المحددة ستعود عليها بالخسائر.

إلا أن الميليشيات أصرت على موقفها، وضاعفت من الجبايات التي تفرضها على الشركات التجارية التي تنقل بضائعها من ميناء عدن براً، ووعدت الشركات والتجار الذين يستوردون عبر ميناء الحديدة بتخفيض الجبايات المفروضة عليهم.

وتواصل ميليشيات الحوثي منذ أسبوعين احتجاز أكثر من 300 من شاحنات القمح القادمة من ميناء العاصمة المؤقتة في بلدة الراهدة (224 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، حيث استحدثت منفذاً جمركياً غير قانوني للحصول على جبايات من التجار والشركات على البضائع والسلع التي تعبر البلدة قادمة من المناطق والمحافظات المحررة.

ويقول سائقو الشاحنات إن الميليشيات الحوثية ترفض الإفصاح لهم عن سبب احتجازهم ومنعهم من العبور سوى بالإعلان أن هذه أوامر وإجراءات من وزارة التجارة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها، وأن عناصر الميليشيات في المنفذ الجمركي المستحدث تزعم لهم أن التجار أصحاب البضائع يعلمون ما هي الإجراءات التي يفترض أن يتبعونها لإيصال بضائعهم.

يقضي سائقو الشاحنات أوقاتاً صعبة في ظروف جوية سيئة أمام نقاط التفتيش الحوثية (فيسبوك)

وأبدى سائقو الشاحنات قلقهم من تلف القمح والدقيق بسبب ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار الغزيرة التي تشهدها البلاد منذ أسابيع، مستغربين من هذه الإجراءات التي تأتي برغم دفع وتسديد كامل الرسوم التي فرضتها الميليشيات بحكم الأمر الواقع.

وحذر السائقون من أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى نقص المعروض من الدقيق والقمح في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات وبالتالي ارتفاع أسعاره، نظراً لاحتجاز هذه الكميات الكبيرة في منفذ الراهدة، واحتمالية تعرضها للتلف وارتفاع أجور نقلها بسبب زيادة المصاريف الشخصية للسائقين مع مكوثهم في المنفذ لوقت طويل.

الهيمنة على الاقتصاد

ولقيت هذه الإجراءات استنكاراً محلياً، بما في ذلك في أوساط الميليشيات الحوثية نفسها، مفصحة عن الخلافات التي تتصاعد بين أجنحة الميليشيات وقادتها وتسابقهم على النفوذ.

وانتقد عضو ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى للميليشيات، سلطان السامعي، قرار احتجاز شاحنات الدقيق في منفذ الراهدة، متسائلاً عن الإصرار على ذلك والسعي لممارسة التجويع الشعب، واصفاً القرار بـ«حكم قراقوش»، في تعبير عن مفاقمة الميليشيات لتعسفاتها.

وأشار السامعي إلى أن الميليشيات تهدف إلى إلزام التجار بنقل الدقيق من عدن عبر البحر وإدخاله من ميناء الحديدة، وجاءت ردود فعل مؤيدة لموقفه، خصوصاً من الشخصيات الاجتماعية والسياسية المؤيدة للميليشيات من محافظة تعز، التي عبرت عن غضبها من التعسفات التي تتعرض لها مجموعة شركات هائل سعيد التجارية، التي قالت إن دوافعها مناطقية.

وتأتي هذه الممارسات الحوثية ضد شاحنات القمح والمواد الأساسية ضمن موجة استهداف القطاع التجاري الخاص، والتضييق على الشركات والتجار وكبريات المجموعات التجارية.

واتخذت الميليشيات الحوثية إجراءات انقلابية ضد الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، من خلال اقتحام مقر الاتحاد وتعيين تابعين لها بدلاً عن قيادته في إجراءات قالت الحكومة اليمنية إنها تؤكد مضي الميليشيات في مخططها لتدمير القطاع الخاص والقضاء على البيوت التجارية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لصالح شركات ومستثمرين موالين لها.

وطبقاً لتصريحات وزير الإعلام الإرياني؛ فإن الميليشيات الحوثية تهدف إلى السيطرة الكلية على القطاع التجاري، والتحكم بالاقتصاد الوطني دون أي اكتراث بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة، والإمعان في إجراءاتها التعسفية تجاه القطاع الخاص والشركات التجارية دون مسوغ قانوني أو أحكام قضائية.

وأهاب الإرياني وفقاً لـ«سبأ» بالمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص عدم الوقوف موقف المتفرج إزاء ما وصفها بالحرب المفتوحة التي دشنتها ميليشيات الحوثي على البيوت التجارية ورؤوس الأموال التي صمدت واستمرت في نشاطها التجاري رغم الظروف الصعبة، واتخاذ خطوات عملية لوقف التدمير الممنهج الذي تمارسه بحق القطاع الخاص، مما يهدد بانهيار الأوضاع الاقتصادية ويفاقم المعاناة الإنسانية.

يواصل الانقلابيون الحوثيون ابتزاز التجار والشركات بمبرر مخالفة القائمة السعرية (إعلام حوثي)

وجاءت الإجراءات الانقلابية الحوثية على اتحاد الغرف التجارية والصناعية اليمنية عقب بيان صادر عن الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية حول إجراءات الميليشيات ضد القطاع الخاص وإغلاق شركات ومنشآت تجارية في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات وتحذيره من وقوع كارثة اقتصادية وتوقف استيراد البضائع والإضرار بمخزون السلع والمواد الأساسية، ونزوح وهجرة رأس المال الوطني بحثاً عن أمان تجاري واقتصادي.

حقائق

300 شاحنة قمح

كانت في طريقها من عدن إلى صنعاء واحتجزها الحوثيون منذ أسبوعين

وفي حين تزعم الميليشيات الحوثية أنها ومن خلال تلك الإجراءات، تسعى لمنع التلاعب بأسعار المواد الأساسية، أكد اتحاد الغرف التجارية والصناعية أن القطاع الخاص يعمل على مراجعة أسعاره صعوداً وهبوطاً وفقاً لمتغيرات الأسعار العالمية، ومسبباتها مثل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وتترافق هذه الإجراءات الحوثية مع تحذيرات دولية من حدوث المزيد من التدهور للاقتصاد المحلي، مما يهدد بزيادة المعاناة الإنسانية وانعدام الأمن الغذائي، وزيادة معدلات الفقر، خصوصاً وأن البلاد تعتمد على الاستيراد في تلبية حاجاتها الغذائية.

وسبق للميليشيات الحوثية احتجاز عشرات الشاحنات المحملة بالبضائع والسلع الأساسية في منفذيها الجمركيين غير القانونيين في منطقتي الراهدة التابعة لمحافظة تعز، وعفر في محافظة البيضاء، أواخر مارس (آذار) الماضي، بعد أن اتخذت قراراً بمنع القطاع الخاص من إدخال البضائع والسلع إلى مناطق سيطرتها إلا عبر ميناء الحديدة، الذي تسيطر عليه.


رئيسة وزراء إيطاليا إلى تونس لبحث أزمة الهجرة

رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني (إ.ب.أ)
رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني (إ.ب.أ)
TT

رئيسة وزراء إيطاليا إلى تونس لبحث أزمة الهجرة

رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني (إ.ب.أ)
رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني (إ.ب.أ)

تنتظر الأوساط السياسية في تونس ما ستتمخض عنه الزيارة الرسمية التي ستقوم بها جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، الأسبوع المقبل إلى تونس، تلبية لدعوة من الرئيس التونسي. ومن المرجح أن تخصص لحسم عدد من الملفات الشائكة والمؤجلة بين الطرفين، وعلى رأسها أزمة الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من شواطئ تونس في اتجاه السواحل الإيطالية، والتي تسببت في مقتل عشرات التونسيين، ودفعت أسرهم للاحتجاج ضد السلطات لمعرفة مصيرهم، وكذا كيفية تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتخفيف الأعباء على الموازنة التونسية، والحد من هجرة الفئات الشبابية.

جانب من احتجاجات سابقة نظمتها أسر ضحايا قوارب الموت بتونس (أ.ف.ب)

وأجرى الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس (الجمعة)، مكالمة هاتفية مع رئيسة الوزراء الإيطالية، تطرقت وفق بلاغ الرئاسة التونسية إلى «العلاقات المتميزة بين تونس وإيطاليا»، وكذا العلاقات الاستراتيجية بين تونس والاتحاد الأوروبي.

ومن المنتظر أن تتناول هذه الزيارة -حسب مراقبين- المبادرة التي سبق أن تقدّم بها الرئيس سعيد لعقد مؤتمر رفيع المستوى بين كل الدول المعنية بأزمة الهجرة، وهي: دول المغرب العربي، ودول الساحل والصحراء، ودول شمال البحر الأبيض المتوسّط، لمعالجة أسباب الهجرة غير الشرعية، ووضع حد للأوضاع غير الإنسانية التي تتمخض عنها.

وكان نبيل عمار، وزير الشؤون الخارجية التونسي، قد أثنى في كلمة ألقاها في حفل أقيم بمناسبة عيد الجمهورية الإيطالية على «تفهم إيطاليا الصحيح لأهمية وضرورة دعم مسار التصحيح السياسي، والانتعاش الاقتصادي الجاري في تونس، باعتباره أمراً مهماً للغاية بالنسبة لتونس ولعلاقاتها معها». كما توجه بالشكر لإيطاليا على كل الجهود التي بذلتها لشرح وجهة النظر التونسية للبلدان الشريكة والصديقة، واصفاً الموقف الإيطالي بـ«الذكي والبناء»، والنابع من «رؤية استشرافية طويلة المدى تستوجب المواصلة في هذا النهج»، وهو موقف يعكس الدفاع القوي من قبل الجانب الإيطالي عن ضرورة تمويل صندوق النقد الدولي للاقتصاد التونسي حتى يتفادى الانهيار.

وكانت ميلوني قد دعت صندوق النقد الدولي خلال قمة الدول السبع بهيروشيما (اليابان) نهاية مايو (أيار) الماضي إلى تبني نهج عملي لصرف تمويل لتونس دون شروط مسبقة.

وفي السياق ذاته، استقبل الرئيس التونسي بقصر قرطاج، أمس (الجمعة)، وزير الشؤون الخارجية التونسي، لبحث مختلف الاجتماعات التي عقدها بمناسبة زيارته إلى العاصمة الفرنسية باريس. وخلال اللقاء جدد سعيد تمسّك تونس بسيادتها وثوابت سياستها الخارجية، ومن أهمّها رفضها التدخل في شؤونها الداخلية، قائلاً: «مثلما نرفض أن نتدخل في شؤون غيرنا، نرفض أن يتدخل أحد في شؤوننا؛ لأن شأننا نابع من إرادة شعبنا»، مضيفاً أن تونس «قادرة على أن تعطي دروساً لا أن تتلقى دروساً من أي جهة كانت»، على حد تعبيره.


زلزال بقوة 5.9 يضرب خليج عدن

خريطة نشرتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركي لعدة هزات أرضية ضربت خليج عدن اليوم
خريطة نشرتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركي لعدة هزات أرضية ضربت خليج عدن اليوم
TT

زلزال بقوة 5.9 يضرب خليج عدن

خريطة نشرتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركي لعدة هزات أرضية ضربت خليج عدن اليوم
خريطة نشرتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركي لعدة هزات أرضية ضربت خليج عدن اليوم

أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية اليوم السبت وقوع زلزال بقوة 5.9 في خليج عدن.

وقال المركز إن مركز الزلزال كان على عمق 10 كيلومترات.


بعد انهيار الهدنة... احتدام القتال وقصف مدفعي في الخرطوم

دخان يتصاعد بعد غارة جوية شمال الخرطوم في 1 مايو الماضي (رويترز)
دخان يتصاعد بعد غارة جوية شمال الخرطوم في 1 مايو الماضي (رويترز)
TT

بعد انهيار الهدنة... احتدام القتال وقصف مدفعي في الخرطوم

دخان يتصاعد بعد غارة جوية شمال الخرطوم في 1 مايو الماضي (رويترز)
دخان يتصاعد بعد غارة جوية شمال الخرطوم في 1 مايو الماضي (رويترز)

عادت أصوات القصف المدفعي، والقصف الجوي، تدوي في سماء الخرطوم، الجمعة، مع احتدام القتال في أعقاب انهيار الهدنة بين قوات «الدعم السريع» والجيش السوداني الذي استقدم تعزيزات إلى العاصمة، غداة فرض واشنطن عقوبات على طرفي النزاع.

وأكد شهود سماع «أصوات قصف مدفعي في محيط مبنى الإذاعة والتلفزيون» في ضاحية أم درمان، كما شهدت منطقة اللاماب غرب الخرطوم معارك عنيفة بين الطرفين المتحاربين، استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، في حين تشهد العاصمة بمدنها الثلاث ومناطق أخرى في السودان معارك عنيفة منذ 15 أبريل (نيسان) بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي».

وأودت المعارك بأكثر من 1800 شخص، في حين أفادت الأمم المتحدة بأن أكثر من 1.2 مليون شخص نزحوا داخلياً، ولجأ أكثر من نصف مليون شخص إلى الخارج. وتوصل الجانبان إلى أكثر من اتفاق تهدئة كان آخرها خلال محادثات في مدينة جدة بوساطة سعودية - أميركية، لكنها سرعان ما كانت تنهار في كل مرة، وتتجدد الاشتباكات، خصوصاً في الخرطوم وإقليم دارفور بغرب البلاد.

جنود من الجيش السوداني في أحد أحياء العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

تعزيزات الجيش

وفي ما يبدو تمهيداً لتصعيد إضافي محتمل في أعمال العنف، أعلن الجيش، الجمعة، استقدام تعزيزات للمشاركة «في عمليات منطقة الخرطوم المركزية». ويشير مراقبون، إلى أن الجيش يعتزم «شن هجوم واسع قريباً (ضد قوات الدعم السريع)، ولهذا انسحب» من المفاوضات في جدة.

وأعلن الجيش، الأربعاء، تعليق مشاركته في المحادثات المستمرة منذ أسابيع، متهماً قوات «الدعم» بعدم الإيفاء بالتزاماتها باحترام الهدنة والانسحاب من المستشفيات ومنازل السكان.

وحضّ الجيش، الجمعة، الجانبين السعودي والأميركي على مواصلة جهودهما في إقناع الطرف الآخر بتنفيذ شروط الهدنة ووقف إطلاق النار. وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، في بيان على حسابه بموقع «فيسبوك» للتواصل: «أكدت القوات المسلحة مراراً أن قبولها للدخول في مباحثات جدة كان بهدف بحث سبل تيسير النواحي الإنسانية لتخفيف معاناة مواطنينا جراء العمليات الجارية، وفي سبيل التوصل إلى ترتيبات عسكرية واضحة تنهي التمرد وتعيد بلادنا إلى مسار التحول الديمقراطي. وافقنا كذلك على أكثر من هدنة ومقترحات بوقف إطلاق النار على الرغم من عدم التزام المتمردين بمتطلباته».

وأشار البيان إلى «استمرار الطرف الآخر في ارتكاب خروق متكررة لوقف إطلاق النار، بجانب عدم تنفيذهم لأي من النقاط التي تم التوقيع عليها في (اتفاق جدة)، وأهمها الخروج من الأحياء السكنية والكف عن استخدام مواطنينا كدروع بشرية، وإخلاء المستشفيات والمؤسسات العامة ومرافق الخدمات ومراكز الشرطة، وفتح الطرق، مما دفعنا إلى اتخاذ القرار بتعليق التفاوض».

وقال إن وفد التفاوض بقي بجدة، «على أمل أن تتخذ الوساطة منهجاً عادلاً وأكثر فاعلية يضمن الالتزام بما تم الاتفاق عليه».

وتابع البيان: «قدم وفدنا يوم أمس (الخميس) مقترحاً، بمصفوفة تم التشاور غير الرسمي حولها مع الوسطاء، لتنفيذ الاتفاق بشكل يؤسس لاستمرار التفاوض، إلا أن الوساطة فاجأتنا ببيان تعليقها للمحادثات دون الرد على مقترحاتنا التي تجاهلتها تماماً ولم تشر إليها في بيانها، وهذا لن يساعد على التوصل لحلول عادلة تلبي رغبات شعبنا في الأمن والسلام». واختتم البيان بالقول: «ما زال يحدونا الأمل في رفع المعاناة عن شعبنا، ونحث الوساطة على مواصلة جهودها في إقناع الطرف الآخر بتنفيذ مطلوبات الهدنة ووقف إطلاق النار المؤقت، بما يمكّن من العودة مجدداً لمسار التفاوض، كما نجدد شكرنا للوساطة على مبادرتها لحل الأزمة».

حركة التسوق في إحدى أسواق جنوب الخرطوم خلال فترة هدوء نسبي الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

مكاسب قبل التفاوض

وبعدما حمّلت طرفي النزاع مسؤولية انهيار الهدنة والمباحثات في جدّة، أعلنت واشنطن، الخميس، فرض عقوبات على شركات، وقيود على تأشيرات الدخول لمسؤولين على ارتباط بطرفي النزاع. وتستهدف العقوبات الاقتصادية العديد من الشركات في قطاعات الصناعة والدفاع والتسلح، بينها شركة «سودان ماستر تكنولوجي» التي تدعم الجيش.

وبالنسبة إلى قوات «الدعم»، فرضت واشنطن عقوبات على شركة «الجنيد للمناجم» التي تدير مناجم ذهب عدة في إقليم دارفور وتوفّر تمويلاً للقوات. ويشكك محللون في جدوى العقوبات الأميركية على الطرفين اللذين يمسكان بمفاصل التحايل عليها، كما جرى في ظل العقوبات الدولية خلال حقبة الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم البلاد لثلاثة عقود قبل أن يطيح به انقلاب عسكري في عام 2019.

وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان، الخميس، إن «حمام الدم» في الخرطوم ودارفور «مروّع». وأشار إلى أن خرق الهدنة الأخيرة «زاد من مخاوفنا من نزاع طويل الأمد ومعاناة كبيرة للشعب السوداني».

ومنذ بدء أعمال العنف، لم يحقق أي من الجانبين تقدماً ميدانياً ملموساً على حساب الآخر، أو خرقاً في موازين القوى. ويرى محللون أن الجيش يرغب في تحقيق «بعض المكاسب العسكرية قبل الالتزام بأي محادثات مستقبلية بهدف تحسين موقعه» على طاولة المفاوضات. وبُعيد إعلانه تعليق مشاركته في محادثات جدة، قصف الجيش بالمدفعية الثقيلة، الأربعاء، مواقع لقوات «الدعم السريع» في جنوب الخرطوم. وطال القصف سوقاً شعبية، ما أدى إلى مقتل 17 شخصاً من المدنيين.

سودانيون هربوا من العنف في دارفور إلى تشاد يوم 14 مايو الماضي (رويترز)

استهداف هاربين

هدفت محادثات جدة إلى توفير ممرات آمنة تتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال وإيصال مساعدات إنسانية. وفرّ مئات الآلاف من السودان إلى دول الجوار، ومنها تشاد الحدودية مع إقليم دارفور. ونقلت منظمة «أطباء بلا حدود»، الجمعة، عن لاجئين إلى تشاد قولهم إن «مسلحين كانوا يطلقون النار على الأشخاص الساعين للفرار... وإن قرى تعرضت للنهب، وجرحى توفوا جراء إصاباتهم».

وحذّر منسق الطوارئ في المنظمة كريستوف غارنييه من أن بدء موسم الأمطار يهدد بمصاعب إضافية. وقال: «مع بداية موسم الأمطار، ستزيد سوءاً ظروف الحياة غير المستقرة أساساً في المخيمات العشوائية، وسيعقّد فيضان الأنهر إمكان التحرك والتموين».

ومن المقرر أن يبحث مجلس الأمن الدولي، الجمعة، في مصير بعثة الأمم المتحدة إلى السودان التي تنتهي مهمتها السبت. وشدد المدير القُطري للمجلس النرويجي للاجئين ويليام كارتر، على الحاجة إلى «قيادة إقليمية وقارية لحلّ» الأزمة. وأشار إلى أن الإمارات العربية المتحدة التي تتولى حالياً الرئاسة الدورية للمجلس، إضافة إلى الدول الأفريقية الأعضاء (الغابون وغانا وموزمبيق)، «تتمتع بقدرة تأثير استثنائية بشأن التوجه الذي سيسلكه المجلس في هذا الشأن».

وكان البرهان طلب من الأمين العام للأمم المتحدة استبدال فولكر بيرتس، رئيس البعثة التي غادر غالبية أفرادها البلاد بُعيد اندلاع النزاع. وتواجه أعمال الإغاثة مصاعب جمّة، منها غياب الممرات الآمنة، وعرقلة الجمارك للمساعدات التي تصل جوّاً، وعدم منح العاملين الأجانب تأشيرات دخول لتعويض نقص المحليين الذين اضطروا للنزوح أو الاحتماء في منازلهم. كما تستمر أعمال النهب والسرقة، خصوصاً لمقار ومخازن المنظمات الأممية.

وأدانت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، الخميس، «أعمال نهب أصول وأغذية برنامج الأغذية العالمي التي تجري الآن في الأبيض (شمال كردفان)»، مضيفة عبر «تويتر»: «تعرضت مستودعاتنا للهجوم، والغذاء الذي يكفي 4.4 مليون شخص معرض للخطر». وبحسب الأمم المتحدة، بات السودان الذي كان من أكثر دول العالم معاناة حتى قبل النزاع، أمام وضع «كارثي»، في ظل خروج ثلاثة أرباع المستشفيات عن الخدمة، في حين يحتاج 25 مليون نسمة (أكثر من نصف السكان) إلى مساعدات إنسانية. وأكدت المنظمة الدولية أنها لم تحصل إلا على 13 في المائة من مبلغ 2.6 مليار دولار تحتاجه.


مجزرة «سوق ستة» تحصد عشرات الضحايا... وأحزان في «مايو»

آثار الرصاص في أحد المباني بـ«سوق ستة» بعد قصف مدفعي وجوي أدى إلى مقتل 17 مدنياً الخميس (أ.ف.ب)
آثار الرصاص في أحد المباني بـ«سوق ستة» بعد قصف مدفعي وجوي أدى إلى مقتل 17 مدنياً الخميس (أ.ف.ب)
TT

مجزرة «سوق ستة» تحصد عشرات الضحايا... وأحزان في «مايو»

آثار الرصاص في أحد المباني بـ«سوق ستة» بعد قصف مدفعي وجوي أدى إلى مقتل 17 مدنياً الخميس (أ.ف.ب)
آثار الرصاص في أحد المباني بـ«سوق ستة» بعد قصف مدفعي وجوي أدى إلى مقتل 17 مدنياً الخميس (أ.ف.ب)

بينما تراكمت جثث ضحايا القصف في مستشفى «بشائر» بمنطقة «مايو»، جنوب الخرطوم، كان محمد آدم، البالغ من العمر 44 عاماً، يعمل كعادته في «سوق ستة» الشهير، ليحصل على بضعة جنيهات يشتري بها حاجات أسرته اليومية من خبز وسكر وخضار، لكن محمد، وإن لم يفقد حياته في القصف، فإنه لم يخرج سليماً؛ فقد أغمي عليه بعد إصابة بقذيفة، نتيجة للاشتباكات العنيفة بين الجيش و«الدعم السريع». وقال جاره في الحي أحمد سليمان لـ«الشرق الأوسط»، إن آدم أُجريت له عملية جراحية لبتر يده اليمني. وأضاف أنه حزن كثيراً عندما علم بالأمر، ودعا الله أن تتوقف الحرب التي وصفها باللعينة.

* عشرات الضحايا وضغوط على المستشفيات

مركز طبي أصيب بالقذائف في «سوق ستة» بمنطقة مايو الخميس (أ.ف.ب)

يقول سليمان: «حالة محمد ليست الوحيدة في المنطقة؛ فقد أصيب عدد كبير من الذين كانوا في السوق، وآخرون بعيدون عنها»، وهذا ما أكده الناطق باسم وزارة الصحة في ولاية الخرطوم، محمد إبراهيم، لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أن الاشتباكات بين الجيش و«الدعم السريع» يوم الخميس أدت إلى وفاة 17 مواطناً، بينهم قتيل في مشرحة المستشفى لم يتم التعرف عليه، مشيراً إلى أن المستشفى استقبل 106 جرحى، وتم إجراء 30 عملية جراحية مستعجلة، إضافة إلى 40 حالة استدعت تدخلاً جراحياً متوسطاً.

وحول قدرة المستشفى على استيعاب عدد كبير من المصابين، قال إبراهيم إن المستشفى فيها كادر صحي متميز، استطاع علاج الجرحى، ويوجد مخزون من الأدوية الحكومية وأدوية المنظمات تم توزيعها خلال الأيام الماضية لعدد من المستشفيات لسد حاجتها لشهر ونصف.

وقال أطباء لـ«الشرق الأوسط»، إن دخول هذا العدد الكبير من الجرحى إلى المستشفى شكل ضغطاً كبيراً عليه، ولا تزال هناك مشكلة في الإمداد الدوائي، وإن المنظمات لا يمكن أن تتحرك في مناطق الاشتباكات وتفتح مخازنها لتوفير الأدوية، وتوقع أن تشهد مناطق أخرى اشتباكات عنيفة بعد تعليق المحادثات بين الطرفين المتقاتلين في جدة.

* مستشفى «بشائر»

وكان مستشفى «بشائر» يقدم الخدمة للمرضى في جنوب الخرطوم، وتوقف عن العمل في الأيام الأولى للحرب، لكن تم إعادته للخدمة في الأسبوع الثاني للأعمال العدائية، إلى جانب مستشفيي «الشعب» و«جبرة». وعملت وزارة الصحة على تقديم مزيد من الخدمات لمستشفى «بشائر» لاستيعاب المرضى من مناطق أخرى. ويعمل في المستشفى أطباء من منظمة «أطباء بلا حدود»، إلى جانب الكادر الصحي للمستشفى.

وقال الناطق باسم وزارة الصحة في الخرطوم، إن العمل ما زال جارياً عبر غرفة إدارة الأزمة، وإن الوزارة تقدم الخدمات للمرضى رغم الظروف الأمنية المعقدة، مشيراً إلى أن قوات «الدعم السريع» لم تلتزم بالخروج من المستشفيات. وقال: «قبل الهدنة، كان عدد المستشفيات التي تستغلها تلك القوات 26 مستشفى، وبعد الهدنة ارتفع العدد إلى 29 مستشفى، بالإضافة إلى احتلال معمل (إستاك) والإمدادات الطبية وغيرها من المرافق الصحية».

* حزن في منطقة مايو

ويخيم الحزن على سكان منطقة «مايو»؛ فمجالسهم يسيطر عليها ما حدث أمس بين القوات المتحاربة، ويتساءلون عن سبب تحميل الأبرياء نتائج الحرب. ولا تزال بيوت العزاء تفتح أبوابها، ويبكي أهل القتلى بحرقة على فلذات أكبادهم، كما استمرت بعض المحال التجارية بالإقفال، وخف الإقبال على المحال التي لا تزال تعمل.

وبينما يقول مواطنون في المنطقة إن القصف الذي حدث الخميس في «مايو» جاء بهدف إخلاء المنطقة من قوات «الدعم السريع»، رفض آخرون استخدام «السلاح المميت» تجاه المواطنين من أي طرف ولأي سبب كان.


حملات يمنية لإغلاق مراكز الاتجار بالمهاجرين الأفارقة

جانب من موقع لتجميع المهاجرين والمتاجرة بهم (الإعلام العسكري اليمني) 
جانب من موقع لتجميع المهاجرين والمتاجرة بهم (الإعلام العسكري اليمني) 
TT

حملات يمنية لإغلاق مراكز الاتجار بالمهاجرين الأفارقة

جانب من موقع لتجميع المهاجرين والمتاجرة بهم (الإعلام العسكري اليمني) 
جانب من موقع لتجميع المهاجرين والمتاجرة بهم (الإعلام العسكري اليمني) 

في حين عاد 800 مهاجر إثيوبي طوعاً إلى بلادهم، ضمن برنامج يموِّله «مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية»، بدأت السلطات اليمنية في المناطق المحرَّرة تنفيذ حملات لإغلاق مراكز الاحتجاز والاتجار بالمهاجرين، وتحريرهم من قبضة المهرِّبين.

مصادر حكومية وسكان في محافظة لحج، شمال عدن، ذكروا، لـ«الشرق الأوسط»، أن وحدات عسكرية من اللواء الثاني عمالقة، بقيادة العميد حمدي شكري، نفَّذت حملة عسكرية واسعة استهدفت مواقع في مديرية طور الباحة، يستخدمها المهرِّبون للمتاجرة بالمهاجرين الأفارقة، الواصلين إلى سواحل المحافظة.

وقالت المصادر إن الحملة استندت إلى معلومات جرى جمعها من سكان ومنظمات حقوقية، بيَّنت أن المهرِّبين استحدثوا، خلال الفترة الماضية، مواقع لاحتجاز المهاجرين الأفارقة، الذين عادةً ما يصلون إلى سواحل المحافظة المُطلة على البحر الأحمر في مواجهة سواحل جيبوتي.

عودة العصابات

وفق هذه المصادر، فإن حملات ملاحقة عصابات الاتجار بالبشر توقفت منذ انقلاب ميليشيات الحوثي على الشرعية، وتفجيرها الحرب، حيث عاد المهرِّبون وأنشأوا، خلال الفترة الماضية، مواقع لتجميع المهاجرين الأفارقة في منطقة الدميسي بمديرية طور الباحة.

ويقوم المهرِّبون - وفقاً للمصادر - باعتراض المهاجرين عند وصولهم الساحل، ثم يقتادونهم إلى معسكرات الاحتجاز، حيث يجري ابتزازهم مالياً، وبيعهم لعصابات تتولى تهريبهم داخل الأراضي اليمنية إلى المناطق الحدودية مع دول الخليج.

ومع تأكيد منظمات حقوقية محلية وأمنية أن كثيراً من المهاجرين يتعرضون لانتهاكات جسيمة، من بينها الاغتصاب، ذكرت المصادر أن وحدات من اللواء الثاني «عمالقة» اشتبكت مع المهرِّبين، الذين يتمركزون في تلك المواقع التي يطلَق عليها «الأحواش»، والتي جرى تشييدها لغرض احتجاز المهاجرين والمتاجرة بهم، كما أن تلك الأحواش كانت مخصَّصة لتجميع بضائع متنوعة، بينها ممنوعات يجري تهريبها من القرن الأفريقي، عبر الشريط الساحلي لمحافظة لحج.

الجرافات تدمر مراكز الاحتجاز (الإعلام العسكري اليمني)

الحملة العسكرية، التي رافقتها جرافات، تولّت هدم أسوار تلك المواقع وغُرف الاحتجاز التي أنشئت داخلها، وتمكنت، وفق تأكيد المصادر الحكومية وسكان، من تحرير مجموعة كبيرة من المهاجرين أغلبهم من حَمَلة الجنسية الإثيوبية، ومن بينهم نساء وأطفال كانوا محتجَزين داخل أحد تلك المعسكرات. وقالت إن أحد المهاجرين قُتل أثناء المواجهات، عندما استخدم المهرِّبون المحتجَزين دروعاً بشرية.

مباغتة المهربين

توضيحاً لهذه الخطوات الأمنية، ذكر المركز الإعلامي للواء الثاني «عمالقة» أن الحملة باغت المهرِّبين والمطلوبين أمنياً، ودكّت معاقلهم، حيث جرى إلقاء القبض على بعض من المهرِّبين، في حين تمكَّن البعض الآخر من الفرار، وأكد أن الحملة لا تزال تُلاحق الفارِّين حتى يجري القبض عليهم.

وأظهرت لقطات مصوَّرة وزَّعها المركز، الآليات وهي تقوم بهدم تلك المنشآت، والأسوار التي أقامها المهرِّبون، في حين ينتشر أفراد الحملة العسكرية في تلك المواقع.

حملة مداهمة مراكز احتجاز المهاجرين الأفارقة أتت، بعد أيام من إطلاق اللواء الثاني «عمالقة» حملة عسكرية واسعة لتثبيت الأمن والاستقرار، وإنهاء ظاهرة الانفلات الأمني في مديرية طور الباحة.

مراكز لاحتجاز المهاجرين الأفارقة بعد مداهمته (الإعلام العسكري اليمني)

وحققت الحملة، وفق السكان في المديرية، نجاحات كبيرة، حيث منعت حمل السلاح، والتجول به في الأسواق، وصادرت كَميات كبيرة من البنادق الآلية، كما تولّت هذه القوات تأمين الطريق الرئيسية التي تربط محافظة لحج بمحافظة تعز، والتي شهدت حوادث اعتراض للمسافرين ونهب ما بحوزتهم من أموال أو مجوهرات.

طريق الخطر

كانت «الأمم المتحدة» قد وصفت طريق الهجرة من القرن الأفريقي إلى اليمن بأنه الأكثر ازدحاماً وخطراً، وتحدثت عن عصابات لتهريب البشر تعمل على ضفتي البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تُوهم المهاجرين بأنها ستقوم بنقلهم إلى دول الخليج، وعند وصولهم إلى سواحل اليمن يبلّغونهم بأنهم وصلوا، لكن عصابات أخرى تقوم باستقبال وتجميع هؤلاء المهاجرين، وتبلِّغهم أولاً بأنها ستتولى نقلهم إلى تلك البلدان، ثم بعد ذلك تبدأ ابتزازهم واستغلالهم، وفق ما أكده، لـ«الشرق الأوسط»، اثنان من الباحثين الميدانيين الذين يعملون في مجال مراقبة الهجرة ورصد الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون.

ومنذ أيام، أعلنت «المنظمة الدولية للهجرة» عودة أكثر من 800 مهاجر إثيوبي طواعية وبأمان من اليمن إلى بلادهم، على متن رحلات جوية، بدعم من «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، حيث يمثل هذا البرنامج شريان حياة للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في مختلف أنحاء البلاد.