منذ الأسابيع الأولى لوباء «كوفيد–19» في الولايات المتحدة، قامت مجموعة من باحثي جامعة «ييل» الأميركية بتتبع فيروس «كورونا» بجدية، من خلال مصدر مفيد؛ لكنه غير مثير للإعجاب، وهو مياه الصرف الصحي.
وأسفرت القياسات اليومية من منشأة معالجة مياه الصرف الصحي في نيو هافن عن سلسلة من الأفكار المهمة حول مسار الوباء. ففي إحدى الدراسات، أظهرت مجموعة من باحثي جامعة «ييل» أن «تركيز الحمض النووي الريبي لفيروس (كورونا) لكل ملليلتر من حمأة الصرف الصحي يرتفع وينخفض مع معدل الإصابة الملحوظ في بيانات الاختبار والاستشفاء».
وفي دراسة أخرى، وجدوا أن «اختبار مياه الصرف الصحي يمكن أن يوفر علامة تحذير مبكرة لتفشي المرض، قبل 3 إلى 5 أيام من بدء العلاج في المستشفى». وفي أحدث أوراقهم البحثية، المنشورة في العدد الأخير من دورية «ساينتفيك ريبورتيز»، اكتشف الباحثون سراً آخر في الحمأة؛ حيث استخدموا بيانات مياه الصرف الصحي لحساب معدل الإصابة التراكمي لـ«كوفيد-19» في نيو هافن، وتقديم صيغة تسمح للبلديات الأخرى بفعل الشيء نفسه.
وتشير نتائجهم إلى أن ما يقرب من ثلث الأشخاص في منطقة نيو هافن قد أصيبوا بحلول مايو (أيار) عام 2021، وهو اكتشاف يتوافق مع 3 تقديرات إحصائية مستقلة أخرى، ولكنه أكبر بشكل ملحوظ من رقم 12 في المائة المستمد من تعداد الحالات الرسمية.
ولتطوير تقديراتهم، احتاج الباحثون إلى مقياس واحد موثوق به فقط لعدد الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى، لمعايرة قياسات مياه الصرف الصحي لديهم، وكانوا محظوظين بحصولهم على بيانات من مراكز السيطرة على الأمراض التي أجرت اختبارات الدم للأجسام المضادة في ولاية كونيتيكت، في صيف عام 2020. وأخبر اختبار مراكز السيطرة على الأمراض الذي تم إجراؤه قبل وصول اللقاحات، الباحثين عن عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى حتى وصول اللقاحات، وبعد مطابقة هذه التقديرات مع تركيز الحمض النووي الريبي في مياه الصرف الصحي في الوقت نفسه، أمكنهم استقراء الوضع حتى مايو 2021.
ويمكن لأي مدينة، من الناحية النظرية، أن تفعل الشيء نفسه، سواء باستخدام بيانات مراكز السيطرة على الأمراض من المنطقة، أو اختبارات الأجسام المضادة من مصدر آخر.
ويقول إدوارد كابلان، من قسم الهندسة الكيميائية والبيئية بجامعة «ييل»، في تقرير نشره الموقع الرسمي للجامعة أول من أمس، إن «المبدأ هو المهم، فمع بيانات الصرف الصحي المتكررة، وتقدير دقيق واحد للعدوى في الوقت المناسب، يمكن للنهج الأساسي نفسه أن يعمل في أي مكان».
وتضيف جوردان بيكيا، الباحثة المشاركة في الدراسة، أن معرفة عدد الأشخاص الذين أصيبوا بـ«كوفيد-19» بمرور الوقت، أمر مهم لمعرفة ما يمكن أن تكون عليه مناعتنا الفعلية ضد الفيروس؛ لكن الحصول على فهم جيد لمعدل الإصابة التراكمي أثبت أنه يمثل تحدياً.
وكانت اختبارات الأجسام المضادة لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) بدءاً من عام 2020 مفيدة؛ لكنها ليست ممثلة على المستوى الوطني، وسرعان ما أصبحت قديمة.
وتعكس أعداد الحالات الرسمية المستمدة من الاختبار، التناقضات في الاختبار عبر الولايات المتحدة في وقت مبكر من الوباء، وكانت الاختبارات نادرة؛ في الآونة الأخيرة.
ويعني الاستخدام الواسع النطاق للاختبارات المنزلية أنه لا يتم الإبلاغ عن كل نتيجة إيجابية لسلطات الصحة العامة كحالة جديدة لـ«كوفيد-19»، وتعد محاولة عكس هندسة الرقم من الإشارات الأخرى، مثل الاستشفاء، أمراً معقداً بالقدر نفسه، فبعض المتغيرات وضعت عدداً أكبر من الأشخاص في المستشفى أكثر من غيرهم.
ولكن عندما تفشل الاختبارات والتدابير الأخرى، تنجح المراحيض؛ حيث يذهب الأشخاص المصابون بـ«كوفيد-19» إلى المرحاض؛ سواء خضعوا للاختبار أم لا، ما يجعل مياه الصرف الصحي أحد مصادر المعلومات القليلة المباشرة على مستوى السكان حول مدّ الجائحة وتدفقها. ويقول كابلان: «كم عدد الإصابات التي تحدث؟ هذا هو الشيء الخفي الذي تريد رؤيته، ونعتقد أن إشارة الصرف الصحي تعطينا أفضل رؤية لذلك».
وفي نيو هافن، يشير معدل الإصابة المستمد من مياه الصرف الصحي إلى «وجود كثير من المناعة» الناتجة عن الإصابة، كما تقول بيكيا. وتضيف: «لسنا جميعاً مُلقحين بالقدر الذي ينبغي أن نكون عليه، ولم نحصل على جرعات معززة كما ينبغي، ولكن هناك كثيراً من الأشخاص المصابين».
وسارع كابلان وبيكا إلى الإشارة إلى أن مراقبة مياه الصرف الصحي -على الرغم من مزاياها- ليست بديلاً عن الاختبار. وأكدا أنها توفر تكملة قوية واقتصادية لبرنامج اختبار «كوفيد-19» التقليدي، بالإضافة إلى احتساب معدلات الإصابة التراكمية. وتتيح بيانات المياه العادمة للمسؤولين اكتشاف الفاشيات الناشئة. واستشهدا بمثال نورويتش بولاية كونيتيكت التي استخدمت بيانات مياه الصرف لتحديد مجموعة من الحالات، والتدخل قبل انتشارها أكثر.
مياه الصرف الصحي تكشف عدد المصابين بـ«كوفيد ـ 19»
مياه الصرف الصحي تكشف عدد المصابين بـ«كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة