قراءة في إشكالية علاقة الاشتراكيين الألمان مع موسكو

> يرى مراقبون أن مشكلة المستشار أولاف شولتس أبعد من شخصيته وتجنبه اتخاذ قرارات سريعة، وهي تتعلق بالحزب الذي ينتمي إليه، الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الديمقراطي الاشتراكي)، الذي هو نفسه يبدو ضائعاً في تحديد هويته وموقفة من الأزمة الحالية.
في مقابلة مع مجلة «دير شبيغل»، سُئل شولتس عمّا إذا كان يعتبر نفسه «مهادناً» فأجاب بـ«لا». وعندما سُئل عمّا إذا كان حزبه «مهادناً»، فردّ «الحزب الديمقراطي الاجتماعي حزب يؤمن بالسلام، لكنه لم يكن قط مهادناً... إن جزءاً من تقليد بلادنا، المعرفة المؤلمة بأن ألمانيا تسببت بالحربين العالميتين الأولى والثانية، وهذا يشكّل أساس سياسة حزبنا».
وواصل شولتس، خلال المقابلة مع «دير شبيغل»، قبل أسبوع، الدفاع عن حزبه في وجه الانتقادات التي يتعرّض لها، خصوصاً لناحية سياسته بالانفتاح على روسيا منذ عقود. وهي التي أدّت بشكل أو بآخر إلى اعتماد ألمانيا الكبير راهناً على الطاقة الروسية. ويكبّل اعتماد برلين هذا راهناً الاتحاد الأوروبي العاجز عن فرض حظر على الطاقة الروسية بسبب معارضة برلين التي تقول إنها لا تستطيع الاستغناء عن الغاز الروسي فوراً، وإنها بحاجة لسنتين تقريباً لتنويع مصادرها.
حالياً تؤمن ألمانيا 65 في المائة تقريباً من حاجتها للغاز من روسيا، وتقول إن وقف الغاز الروسي الآن سيخلق أزمة اقتصادية خانقة في البلاد، وخسارة آلاف الوظائف وإغلاق مئات المصانع.
وحقاً لعب اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي دوراً كبيراً خلال العقود الماضية في دفع ألمانيا لتصبح معتمدة على الطاقة الروسية بهذا الشكل. وكانت البداية مع المستشار السابق غيرهارد شرودر، الذي أسس في عهده مشروع خط «نورد ستريم 1» الذي يحمل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا. وبعد مغادرة شرودر السلطة عام 2005، غدا عضواً في مجلس إدارة «نورد ستريم» وشركات نفط روسية أخرى، كما كان أحد أبرز المروّجين الذين أقنعوا حكومة ميركل بمشروع «نورد ستريم 2» الذي كان سيضاعف كمية الغاز المباشر الذي يصل إلى ألمانيا. إلا أن شولتس أوقف المشروع بعد الغزو الروسي بعد سنوات من رفض ألمانيا الإصغاء لحلفائها ومضيها قدماً بالمشروع رغم العقوبات الأميركية عليه. وللعلم، ما زال شرودر عضواً في مجالس إدارة شركات روسية، رافضاً الاستقالة أو إبعاد نفسه عن بوتين. وفي الوقت ذاته، ظل عضواً في الحزب رغم الدعوات لإقالته.

«الأوستبوليتيك»
تاريخياً، تنبع هذه العلاقة التي بناها شرودر - عندما كان مستشاراً - مع بوتين وروسيا من سياسة «الانفتاح على الشرق»، أو الـ«أوستبوليتيك»، التي بدأ المستشار الاشتراكي الألماني (ألمانيا الغربية) الأسبق فيلي براندت بتطبيقها في نهاية الستينات للتقارب من الاتحاد السوفياتي آنذاك.
وواصل الاشتراكيون الألمان السير بهذه السياسة، التي تبنتها أيضاً المستشارة المحافظة السابقة أنجيلا ميركل، وأبقت على علاقات اقتصادية واسعة مع روسيا وسياسة مقربة رغم الخلافات الكبيرة مع موسكو. لكن الاشتراكيين - العائدين إلى الحكم مع شولتس - يتعرّضون اليوم لانتقادات كبيرة بسبب هذه السياسة التي يرى البعض أنها شجّعت روسيا على عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
شولتس، من جانبه، يرفض أيضاً هذه الاتهامات، وقال، في مقابلة «دير شبيغل» إن «ما يميز الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) هو سياسة الوفاق الواضحة التي اعتمدها براندت… هذه السياسة جعلت من الممكن للستار الحديدي أن ينسدل وسمحت للعديد من الدول في شرق أوروبا أن تستعيد الديمقراطية وجعلتنا كألمان قادرين على إعادة التوحد والانضمام للاتحاد الأوروبي».